الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتعبير عن الكرامة الإنسانية، والمفهوم الثاني: ضيق إلى درجة أن بعضهم وصفه بأنّه ثقافة الثقافة، ولذا فقد طالبت اللجنة بأن يتجه الجهد إلى البحوث، وتعميق المفاهيم حتى يمكن التأمل في مفهوم الثقافة (1).
وعدم وضوح التعريف يجعل الباحثين والكتاب في الثقافة غير محددي الاتجاه، وغير واضحي المباحث والأفكار، ولذلك يجدر بنا أن نقف مع تعريف الثقافة وقفة تحدد التعريف وتبين مفهومه.
والذي يظهر لي أن هناك فرقًا بين اللفظ المفرد: (ثقافة)، واللفظ المركب:(ثقافة الأمة).
المبحث الأول
تعريف الثقافة عند إطلاقها
فالثقافة كلفظ مفرد يراد بها في الاستعمال الأخذ من كل علم بطرف، ولا يراد بها التعمق في دراسة علم من العلوم، ولذلك يقولون:"تعلم شيئًا عن شيء لتكون مثقفًا، وتعلم كل شيء عن شيء لتكون عالمًا"(2).
وإذا رجعت إلى معاجم اللغة العربية، فإنك تجد بين معنى الثقافة هذا والمعنى اللغوي صلة ونسبًا، فالإنسان لا يكون واسع الاطلاع، ملمًا بمختلف العلوم إلا إذا كان حاذقا جيد الفهم، والحذق وجودة الفهم هما المحور الذي تدور عليه مادة:"ثقف" في لغة العرب، فهم يقولون: "ثقف الشيء ثقفًا: حذقه، ورجل ثقف - وثَقْفٌ: حاذق فَهِم، ويقولون: رجل ثقف لقف، إذا كان
(1) انظر حديث الأستاذ عبد العزيز حسين وزير الدولة الكويتي، ورئيس وفد الكويت إلى المؤتمر لجريدة العاصمة الكويتية بتاريخ 25/ 9 / 1982.
(2)
نحو فلسفة عربية، للدكتور عبد الغني النوري ورفيقه ص 54.
ضابطا لما يحويه، قائمًا به، ويقولون:
هو غلام ثقف: أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، وجاء في حديث أم حكيم بنت عبد المطلب:"إنّي حصان فما أكلم، وثقاف فما أعلم"(1).
وتقول العرب: ثقفه أدركه ببصره، لحذق في النظر، ثم أطلق على مجرد الإدراك، وتحصيل الشخص للعلوم المختلفة - يدخل في هذا الباب، لأنّه إدراك لتلك العلوم.
وقد أدرك العلماء المسلمون أهمية وضع علم يعطى قارئه اطلاعًا جيدًا في العلوم المختلفة، والعلم الذي وضعوه لهذا الغرض هو "علم الأدب"، وإذا أنت رجعت إلى كتاب من كتب الأدب كصبح الأعشى للقلقشندي، ونهاية الأرب للنويري، وتصفحت الموضوعات التي تناولتها هذه الكتب - فإنك تجدها تطلع قارئها على جملة جيدة في كل علم من العلوم التي لا بدَّ منها لمن نعده - اليوم - شخصًا مثقفًا.
وهذه الكتب وضعت في الأصل لتثقيف الذين يقومون على ديوان الإنشاء، وهو الجهاز الذي يخاطب الحاكم من خلاله الشعب والولاة وحكام الدول الأخرى، وما لم يكن موظفو هذا الديوان ملمين بالعلوم التي توسع آفاقهم، وتقوم ألسنتهم، وتزيد معارفهم، وتكشف لهم عن طبائع الذين يخاطبونهم، فإنهم لن يستطعوا القيام بالمهمة المناطة بهم.
يقول القلقشندي في صبح الأعشى: "اعلم أن كاتب الإنشاء، وإن كان يحتاج
(1) لسان العرب، مادة ثقف: 1/ 364 وراجع محيط المحيط للبستاني 1/ 191 ، والفائق في غريب الحديث للزمخشري 1/ 479، طبعة البابي الحلبي - مصر، الأول: 1366 = 1947.
إلى التعلق بجميع العلوم، والخوض في سائر الفنون، فليس احتياجه إلى ذلك على حدّ سواء" (1).
وهو هنا يقرر أمرين:
الأول: أن كاتب الإنشاء ينبغي أن يكون آخذًا من كل علم بطرف.
الثاني: أن حاجته إلى هذه العلوم متفاوتة، وأهم هذة العلوم لكاتب الإنشاء علم اللغة.
وقد أصبحت كنب الأدب - في تلك العصور - محل عناية الفئة المثقفة من أبناء المسلمين خاصة أولئك الذين يطمعون في الوصول إلى ديوان الإنشاء، ولا يستننى عنه طالب علم يبغي تهذيب نفسه وتقويمها، وتوسيع آفاق فكره، يقول ابن قتيبة في مقدمة كتابه:"عيون الأخبار": "جمعت لك منها (أي الأخبار) ما جمعت في هذا الكتاب، لتأخذ تفسك بأحسنها، وتقومها بثقافها، وتخلصها من مساوئ الأخلاق، كما تخلص الفضة البيضاء من خبثها، وتروضها على الأخذ بما فيها من سنّة حسنة، وسيرة قويمة، وأدب كريم، وخلق عظيم، وتصل بها كلامك إذا حاورت، وبلاغتك إذا كتبت"(2).
وقد شبه الكتاب في فنون الأدب كتبهم التي صنفوها في هذا العلم بالمائدة التي حفلت بكل ما لذَّ وطاب: "وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين"(3).
وفي لسان العرب: "الأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس، سمي أدبًا، لأنه يؤدي بالناس إلى المحامد، وينهاهم عن القبائح"(4).
(1) صبح الأعشى: 1/ 146، طبع وزارة الثقافة، القاهرة.
(2)
عيون الأخبار لابن قتيبة، الجزء الأول، المقدمة: ط، طبعة وزارة الثقافة - مصر.
(3)
المصدر السابق: ى.
(4)
لسان العرب: مادة (أدب) 1/ 33.