الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول مدخل إلى دراسة العقيدة
المبحث الأول أهمية العقيدة
لا شك أن العقيدة لها أهمية عظيمة في حياة الإنسان، بل في حياة البشرية جمعاء، ويدلنا على ذلك أمور كثيرة يمكننا أن نوجزها في النقاط التالية:
1 -
العقائد هي الركائز والأسس التي تقوم عليها المبادئ والشرائع، فالبشر أسرى المعتقدات والأفكار، فالذين يعتقدون أن الله هو ربهم ومعبودهم، وأن مصيرهم إليه، وأن الدنيا معبر وطريق - يقيمون حياتهم وفق شريعة الله، بحيث تهيمن هذه الشريعة على تصرفاتهم وأعمالهم.
والذين كفروا بالله، وقالوا بأزلية المادة، أقاموا حياتهم وفق معتقداتهم، وعملوا لهذه الحياة:{وَقَالُوا مَا هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24].
والذين ألَّهوا الأبقار فضلوها على آبائهم وأمهاتهم، وقدموا لها القرابين والنذور، وحرموا ذبحها، وأهلكوا أنفسهم في سبيل تقديسها.
وقل مثل ذلك في الذين عبدوا النيران والأشجار والأحجار والشمس والقمر.
2 -
العقائد تستولي على أنفس أصحابها، وتدفعهم لبذل أموالهم وأنفسهم في
سبيل تحقيق ما يعتقدونه، وهم راضون مطمئنون، وهذا يفسر لنا السرّ في انتصار أصحاب العقائد وعدم تنازلهم عن مبدئهم على الرغم من الآلام والمصائب التي تعترض طريقهم.
ويدلنا على صدق هذا - المعنى اللغوي للعقيدة، فعقد الحبل نقيض حله، ومادة (عقد) في اللغة مدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق، ففي القرآن:
{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيمَانَ} [المائدة: 89].
وتعقيد الإيمان إنما يكون بقصد القلب وعزمه، بخلاف لغو اليمين التي تجري على اللسان بدون قصد.
و(العقود) أوثق العهود، ومنه قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
وتقول العرب: "اعتقد الشيء: صلب واشتدَّ"(1).
والعقائد في الإسلام هي الأمور التي تصدق بها النفوس، وتطمئن إليها القلوب، وتكون يقينًا عند أصحابها، لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك، وأصول عقائد الإسلام حددها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:"الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى"(2).
3 -
ضلال الإنسان في معتقده، يجر عليه البلاء، ويضل عمله وسعيه، واعتبر في هذا بالذين قدسوا الأصنام - والفئران كيف أهانوا أنفسهم، وكيف ضيعوا أموالهم، وكيف سفكت دماؤهم عندما حاربهم المسلمون، وعندما يقدمون على
(1) لسان العرب: مادة "ع ق د".
(2)
رواه مسلم.
الله يكونون من الأخسرين، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، ويخلدون في النار.
4 -
أعظم خلاف حصل على مدار التاريخ هو الاختلاف حول قضايا الاعتقاد، ولذلك كانت أعظم مهمات الرسل تصحيح عقائد البشر الزائفة، وتصحيح تصوراتهم عن الله والكون والحياة. عبد البشر على مدار التاريخ الأصنام والأوثان والقبور، فجاءتهم رسلهم تردهم إلى الله مولاهم الحق، فنوح نهى قومه عن عبادة الأصنام والأوثان، فلم يستجيبوا {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].
وإبراهيم قال لقومه مناقشا إياهم فيما يعبدون {قَال هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)} [الشعراء: 72].
وقال القرآن للعرب منكرًا عليهم {أَفَرَأَيتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)} [النجم: 20 - 22].
ونسب الضالون إلى الله الولد، {وَقَالتِ الْيَهُودُ عُزَيرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30].
والنصارى زعموا في عيسى ما زعموه {وَقَالتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30].
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 72]
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]
والعرب زعموا أن الملائكة إناث {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19].
واختلف البشر في صفات ربهم، ونسبوا إليه القبائح، فاليهود قالوا إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، وتعب في اليوم السابع واستراح، فأكذبهم الحق في مقالتهم أنه تعب {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38].
ومن افتراءاتهم على الله قولهم {وَقَالتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة: 64].
وهذه الخلافات العقائدية تسبب اختلافًا بين الأمم، بل بين أبناء الأمة الواحدة، فيتعادون ويتباغضون، ثمَّ يتقاتلون ويتتاحرون، وما خبر الحروب الدينية التي قامت بين النصارى عنا ببعيد، وقد أهلك الحرث والنسل وصدق الله، إذ يقول:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَينَا بَينَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 14].
أمّا العقيدة الصافية المستقيمة، فإنها تجلب المودة والمحبة بين البشر {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
5 -
يقف كثير من الطواغيت وراء العقائد الفاسدة الزائفة التي تمكن لسلطانهم، وتعبد الناس لهم، أو من يحكمون الناس باسمه، وقد كان سدنة الأصنام أحرص