الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع عناوين الدين الإسلامي ومراتبه
أولًا: عناوين الدين: الإسلام، الإيمان، الملة، الشريعة:
الدين الإسلامي هو ذلك المنهج الذي أنزله الله إلى عباده عبر رسله وأنبيائه - مشتملًا على العقائد والمعارف والتعاليم والأخلاق والأوامر والنواهي، ومهمته إصلاح الفرد وسياسة المجتمع وفق نمط معين حدد هذا الدين مساره، وأصل الدين الخضوع والذلة، سمي بذلك لأن صاحبه يدين لله تبارك وتعالى بالامتثال لشرعه.
وقد أطلق القرآن على هذا الدين عدة عناوين، فقد سماه إسلامًا، وإيمانًا، وملة، وشريعة، فكل واحد من هذه الأسماء عَلَمُ على الدين كله، ولكن باعتبارات مختلفة:
فالدين باعتبار وجوب الاستسلام لتعاليمه والانقياد لها إسلام، ومن حيث التصديق بالله وما جاء من عند الله إيمان، وباعتبار أنه يملى ويكتب هو ملة، وباعتبار أن الله سنه وابتداه هو شريعة، فالإسلام والإيمان عنوانان للدين كله، وكل منهما شامل للاعتقاد والقول والعمل والأخلاق.
وهذا هو المشهور عند علماء السلف، وأهل الحديث في معنى الإيمان، وقد حكى الشافعي رحمه الله تعالى إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم على ذلك، وأنكر السلف عل من أخرج الأعمال من مسمى الإيمان إنكارًا شديدًا، وممن أنكر ذلك على قائله وجعله قولًا محدثا سعيد بن جبير، وميمون بن
مهران وقتادة، وأيوب السختياني، والنخعي، والزهري وغرهم، وقال الثوري هو رأي محدث أدركنا الناس على غيره، وقال الأوزاعي: وكان من مضى من السلف لا يفرقون بين العمل والإيمان، وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الأمصار: أما بعد: فإن الإيمان فرائض وشرائع، فمن استكملها فقد استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، ذكره البخاري في صحيحه. (1)
وقد دل على دخول الأقوال والأفعال في مسمى الإيمان نصوص كثيرة، كقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} [الأنفال: 2 - 3].
وفي تحويل القبلة قال الحق: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143].
أي صلاتكم، وفي حديث ابن عباس في الصحيحين قال الرسول صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس:"آمركم بالايمان بأربع: الإيمان بالله وحده، وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس"، (2) وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" ولفظه لمسلم (3).
وقد ألف الحافظ البيهقي المتوفى سنة 458 هـ سفرًا عظيمًا سماه "شعب
(1) راجع في هذا: جامع العلوم والحكم، لابن رجب: ص 25.
(2)
رواه مسلم.
(3)
متفق عليه.
الإيمان"، ثم جاء الإمام أبو جعفر عمر القزويني المتوفى سنة 699 هـ فاختصره في مجلد لطيف.
وإذا أنت تتبعت هذه الشدب وجدتها تتناول الإيمان بالله عز وجل وبالرسل والملائكة والقرآن والقدر واليوم الآخر والبعث والحشر والجنة والنار، كما تتناول أعمال القلوب من محبة الله وخوفه ورجائه والتوكل عليه، ومحبة الرسول وتعظيمه، كما تتناول طلب العلم ونشره، وتتناول أيضًا الأعمال الظاهرة من الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وبر الوالدين وأداء الخمس والعتق والكفارات، كما تتناول الأخلاق من الوفاء بالعهد، وشكر ندم الله، وحفظ اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة والفحش، كما تتناول ترك المحرمات من قتل النفوس وإيذائها وعدم قربان الزنا والخمر،
…
وبالجملة فإن الإيمان شامل للدين كله.
أما إطلاق الإسلام على الدين كله فيدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19].
والإسلام دين الرسل جميعا وإن كنا نخصه بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه الصورة الأخيرة المنزلة من عند الله.
ومدار مادة (ش ر ع) في لغة العرب على الظهور والبيان والوضوح، والشريعة مأخوذة - (1) كما يقول اللغوي الأزهري - من قولهم شرع الإرهاب إذا شقَّ، ولم يزقق، أي يجعل زقا، ولم يرجل، وهذه ضروب من السلخ معروفة أوسعها وأبينها الشرع (2).
(1) راجع في هذا المبحث كتابنا خصائص الشريعة الإسلامية ص 11.
(2)
لسان العرب: 2/ 299.