الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القيس، حيت قال الرسول صلى الله عليه وسلم له:"إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة"(1)، وقد يطلق العلماء الخلق ويريدون به التمسك بأحكام العشر.
والأخلاق الكريمة تدعو إليها الفطر السليمة، فالبشر كانوا ولا يزالون يعدون الصدق والوفاء بالعهد والجود والشجاعة والصبر أخلاقًا فاضلة يستحق صاحبها الثناء والتكريم، ولا يزالون يعدون الكذب والغدر والجبن أخلاقًا سيئة ترفضها العقول السليمة، وتذم صاحبها، والشريعة جاءَت داعية إلى المعروف من الأخلاق، وتنهى عن المنكر منها.
المبحث الأول دعوة الشريعة الإسلامية إلى مكارم الأخلاق
الأخلاق قسمان: أخلاق كريمة، وأخلاق ذميمة، وقد جاءت الشريعة الإسلامية تدعو إلى تزكية النفوس وتطهيرها حتى تكون كريمة الأخلاق، نبيلة السجايا، مسلم تدع خلقًا كريمًا إلا رغبت فيه، ولا خلقًا ذميمًا إلا حذرت منه، بل إن جميع الأحكام الشرعية تدور مع الأخلاق حيث دارت، فلا ترى حكمًا شرعيًّا يعارض الأخلاق ويصادمها، وحسبك أن الله أثنى على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
ودعا الحق عباده إلى المبادرة إلى رحمته وجنته التي أعدها للمتقين من عباده، وأول صفاتهم تحليهم بالأخلاق الفاضلة الكريمة، من الإنفاق في حال اليسر والعسر وكظم الغيظ والعفو عن الناس {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
(1) رواه أحمد والنسائي والبخاري في الأدب المفرد، وصححه ابن حبان: فتح الباري: 10/ 459.
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133 - 134].
وعدّ في آية أخرى الأعمال التي تعتبر بحق أعمالًا صالحة في ميزان الخير فعدَّ الأخلاق الفاضلة من الوفاء بالعهد، والصبر في البأساء والضراء وحين البأس أحد أركانها {لَيسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَال عَلَى حُبِّهِ ذَوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
وقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع الأخلاق الحميدة، وحذر من كل خلق ذميم، فالخير الحقيقي في ميزان الرسول صلى الله عليه وسلم الخلق الحسن، ففي الحديث:"البر حسن الخلق"(1) والخلق سبيل الإرتقاء إلى مدارج الكمال، وفي الحديث:"إن من خيركم أحسنكم خلقا"(2) وفي حديث أبي هريرة: "إن من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقا"(3).
وحسن الخلق أثقل شيء في الميزان، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الحديث:"ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق"(4)، وصاحب الخلق الطيب، يدرك
(1) حديث صحيح، رواه مسلم وغيره عن النواس بن سمعان، انظر مسلم بشرح النووي: 15/ 48.
(2)
رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو، انظر فتح الباري: 10/ 452.
(3)
رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، انظر فتح الباري: 10/ 458.
(4)
أخرجه البخاري في (الأدب المفرد)، وأبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان: فتح الباري: 10/ 458.
بحسن خلقه منازل العاملين المجدين، ففي الحديث:"وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ درجة صاحب الصوم والصلاة"(1) ، وأكثر ما يدخل الناس الجنة الخلق الحسن، ففي الحديث:"سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق"(2).
وأحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقربهم منه مجلسًا في يوم القيامة أحسن المؤمنين خلقا، ففي الحديث:"إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون"(3).
وبحسن الخلق يسع المرء الناس، فمال المرء لا يسع الناس جميعًا، وفي الحديث:"إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"(4).
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، فهو الأسوة والقدوة صلوات الله وسلامه عليه، وقد بلغ بأخلاقه الكريمة منازل عالية، وحسبك شهادة ربه له {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
(1) الترمذي، والبزار، وأبو داود وابن حبان والحاكم، فتح الباري: 10/ 458.
(2)
أخرجه الترمذي وابن حبان وصححاه، وهو عند البخاري في الأدب المفرد، من حديث أبي هريرة، فتح الباري: 10/ 459.
(3)
رواه الترمذي وحسنه، انظر جامع الأصول: 4/ 6، والثرثارون الذين يكثرون الكلام تكلفًا، وخروجا عن حدّ الواجب، والمتفيهقون: الذين يتوسعون في الكلام، ويفتحون به أفواههم، مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء، والمتشدقون: الذين يتكلمون بملء أفواههم تفاصحًا، وتحظيمًا لنطقهم، انظر جامع الأصول: 4/ 7.
(4)
رواه البزار بسند حسن عن أبي هريرة، انظر فتح الباري: 10/ 459.