الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا المذهب ينسب إلى أبي الحسن الأشعري، وكان على طريقة المعتزلة، ثم انفصل عنهم، وخالفهم، وعارضهم، وعاد في آخر أمره إلى مذهب السلف وطريقة الإمام أحمد بن حنبل، وأثبت لله كل أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات ونفى عنه كل ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، ولكن كثيرًا من أتباعه بقوا على ما كان عليه أبو الحسن الأشعري من قبل، ولم يتابعوه فيما صار إليه في آخر عمره وإذا شئت أن تعرف طريقة الأشعري رحمه الله التي صار إليها في آخر عمره في الأسماء والصفات، فاقرأ كتابي الإبانة ومقالات الإسلاميين، وهما من تأليفه، وقد آن للذين يزعمون أنهم على مذهبه أن يصيروا إلى ما صار إليه.
مذهب السلف الصالح
المراد بالسلف الصالح -كما يقول ابن بدران- ما كان عليه الصحابة الكرام وأعيان التابعين، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شُهد له بالإِمامة، دون من رمي ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي، كالخوارج والروافض، والقدرية، والمرجئة، والجبرية، والجهمية، والمعتزلة، والكرامية، ونحوهم. ثم غلب هذا اللقب على الإمام أحمد وأتباعه على اعتقاده من أي مذهب كانوا، فقيل لهم في فن التوحيد: علماء السلف، هذا ما اصطلح أصحابنا (الحنابلة) والمحدثون (1)، وقال ابن حجر الفقيه في رسالته:"شن الغارة""الصدر الأول: لا يقال إلا على السلف وهم خير القرون الثلاثة، الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون، وأما من بعدهم، فلا يقال في حقهم ذلك"(2).
(1) المدخل لابن بدران: ص 212.
(2)
المدخل لابن بدران: ص 212.
ونستطيع أن نسمي من علماء السلف من بعد الصحابة المئات أمثال: الحسن البصري، والأئمة: مالك والشافعي وأحمد، وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وإسحق بن راهويه، وابن خزيمة، والليث بن سعد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود
…
وغيرهم كثير. ومذهب السلف الصالح هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو يقوم في باب أسماء الله وصفاته على ثلاثة أصول:
الأول: الإيمان بكل الأسماء والصفات التي أثبتها الله لنفسه، أو أثبتها له رسوله، ونفى كل ما نفاه الله عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا أمر بدهي، فالمسلم يعلم أن الحق ما قرره العليم الخبير، وأنه لا أحد أعلم بالله من الله {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140].
وليس بعد الله أعلم بالله من رسوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3 - 4].
وقبيح بالمرء أن يقول له الرب: لي سمع وبصر ورحمة ويد، فيقول له: ليس لك سمع، ولا بصر، ولا رحمة، ولا يد، والسلف يثبتون هذه الصفات إثباتًا من غير تحريف، ولا تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل.
الثاني: تنزيهه جل وعلا عن مشابهة صفاته بصفات خلاقه، فالله تعالى لا تشبه ذاته ذوات المخلوقين، وكذلك صفاته، كما قال تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4].
وقال: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وهذه الآية دلت على الأصل الأول والثاني فقوله: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} تدل على أن صفاته لا تشبه صفات خلقه، وقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
تدل على أن له سمعًا وبصرًا.
وينبغي أن ننبه هنا إلى أن الذين نفوا صفات الخالق أو أولوها - لم يقدروا الله حقَّ قدوه، فالله عندما يحدثنا عن صفاته يجب أن يتبادر إلى ذهن المسلم أن هذه الصفات هي فوق ما يتصور الواصفون، وأنها كمال لا يعروه نقص، أمّا هؤلاء فإنهم قالوا: المتبادر منها التشبيه، ولذلك نؤولها ونحرفها حتى ننزه الله تبارك وتعالى، ولو أنصفوا لقالوا: المتبادر منها الكمال وعدم التشبيه.
ثم هم يعتمدون في مقابل النصوص على المقاييس العقلية، فيقولون: نحن ننفي اليد والوجه، لأننا لا نعرف اليد إلا هذه الجار، ولا نعرف إلا هذه الوجوه، والله منزه عن الجارحة وما يشبه صفات الخلق، وتحكيم العقل بتصوراته الخاطئة بنصوص الشرع لا يجوز، ومقاييسهم العقلية هذه ضالة فالله منزه عن مشابهة الخلق، وصفاته كمال يخصه، ولا يجوز إجراء المقاييس العقلية على رب العزة.
الثالث: عدم التطلع إلى معرفة كيفية صفات الله، ومعرفة الكيف غيب لا يعلمه إلا الله {يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].
وبما أن الله لا يشبه أحدًا من خلقه، وصفاته لا يشبهها شيء من صفات الخلق، فلا يمكن أن تعرف كيفية ذاته، ولا يمكن أن تعرف كيفية صفاته، والذين انحرفوا في باب الصفات أصل ضلالهم أنَّهم بحثوا في الكيفية، فمرة مثلوا صفات الخالق بصفات الخلق ومرة نفوها وأولوها.
والواجب هو التفويض في كيفية الصفات، فكما أننا لا نعلم كيف ذاته كذلك صفاته تبارك وتعالى لا نعلم كيف هي، فنحن نؤمن بها وإن لم نعرف كيف هي.