الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نبي إلا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحى الله إليّ، وأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" (1).
لم يشأ الحق تبارك وتعالى أن يجعل معجزة الرسالة الأخيرة حسيّة تذهل من يراها، فلو شاء لأنزل معجزة قاهرة تلوي أعناق الذين يشاهدونها، فلا يملكون معها جدالًا ولا انصرافًا عن الإيمان بها {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4].
لقد شاء الله أن تكون الرسالة رسالة مفتوحة إلى الأمم كلها، وللأجيال كلها، وليست رسالة مغلقة على أهل زمان أو أهل مكان، فناسب أن تكون معجزتها مفتوحة كذلك للبعيد والقريب، لكل أمة ولكل جيل، والخوارق القاهرة لا تلوي إلا أعناق من يشاهدونها، ثمَّ تبقى بعد ذلك قصة تروى، لا واقعًا يشاهد، ها هي معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعد أكثر من أربعة عشر قرنًا لا تزال كتابًا مفتوحًا ومنهجًا مرسومًا، يستمد منه أهل هذا الزمان ما يقوم حياتهم -لو هدوا إلى "اتخاذه إمامهم- ويلبي حاجاتهم كاملة، ويقودهم بعدها إلى عالم أفضل، وأفق أعلى، ومصير أمثل. (2)
جوانب الإعجاز القرآني:
والقرآن معجز في كل جانب من جوانبه، وفي كل ناحية من نواحيه:
1 -
فهو معجز في بنائه التعبيري، وتنسيقه الفني، باستقامته على خصائص واحدة، في مستوى واحد، لا يختلف ولا يتفاوت، ولا تتخلف خصائصة، كما هي الحال في أعمال البشر، إذ يبدو الارتفاع والانخفاض
(1) متفق عليه، انظر مشكاة المصابيح: 3/ 124.
(2)
انظر في ظلال القرآن: 19/ 2584.
القوة والضعف في عمل الفرد الواحد، المتغير الحالات، بينما تستقيم خصائص هذا القرآن التعبيرية على نسق واحد، ومستوى واحد، ثابت لا يتخلف، يدلُّ على مصدره الذي لا تختلف عليه الأحوال.
2 -
وهو معجز في بنائه، وتناسق أجزائه وتكاملها، فلا فلتة فيه ولا مصادفة، كل توجيهاته تلتقي وتتناسق وتتكامل، وتحيط بالحياة البشرية، وتستوعبها، وتلبيها وتدفعها، دون أن تتعارض جزئية واحدة من ذلك المنهج الشامل الضخم مع جزئية أخرى، ودون أن تصطدم واحدة منها بالفطرة الإنسانية، إذ تقصر عن تلبيتا
…
وكلها مشدودة إلى محور واحد، في اتساق لا يمكن أن تفطن إليه خبرة الإنسان المحدودة، ولا بدّ أن يكون هناك علم شامل غير مقيد بقيود الزمان والمكان هو الذي أحاط به هذه الإحاطة، ونظمه هذا التنظيم.
3 -
وهو معجز في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس، ولمس مفاتيحها، وفتح مغاليقها، واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها، وعلاجه لعقدها ومشكلاتها في بساطة ويسر عجيبين، وفي تربيتها وتصريفها وفق منهجه بأيسر اللمسات، دون تعقيد ولا التواء ولا مغالطة (1).
وهو معجز في إخباره عن المغيبات التي وراء عالم الشهادة كعالم الملائكة والجن واليوم الآخر، والمغيبات الماضية والآتية، وما يكشف الإنسان عنه من تاريخ الإنسان، وما تأتي به الأحداث - يصدق ما جاء به النبي الأميّ الذي لم يخط بالقلم ولم يقرأ من كتاب.
(1) المصدر السابق بشيء من التصرف.