الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني انحراف مسار الثقافة الإسلامية
خالط الدخن الثقافة الإسلامية في التصورات والأفكار والعقائد والأعمال وأثر في العقول، كما أثر في تكوين الفرد فانحرف بها السار، وأثر في تكوين الأمة ومسلكها، وقد أنبأنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الذي أصاب الأمة، ففي حديث حذيفة، قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله جاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: نعم، قلت: فهل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي" (1).
وهذا الدخن انحراف عن مصادر التلقي الأصيلة، وانحراف في المفهومات والتصورات نتيجة الانحراف عن تلك المصادر الأصيلة، وسنحاول أن نشير إلى أهم هذه الانحرافات:
1 -
الانحراف عن مصادر التلقي الأصيلة:
كان المسلمون يستمدون تصوراتهم ومعارفهم وأحكامهم من الكتاب والسنة، ولم يكونوا يقدمون بين يدي الله ورسوله، ولم يكن لهم خيار إذا قضى الله ورسوله أمرًا، وكان العقل تابعًا للشرع، وكانوا ينخلعون من كل الأفكار والعقائد والتصورات التي تخالف الإسلام، ولما ترجمت الفلسفات اليونانية والهندية والفارسية والصابئية عملت عملها في إفساد عقائد المسلمين، وزاحمت الكتاب والسنة في تكوين عقائد الأمّة وتصوراتها.
(1) رواه البخاري ومسلم: جامع الأصول: 10/ 45.
هذا جانب، وجانب آخر أن الفلاسفة وعلماء الكلام نصبوا العقل حاكمًا على الشرع، وردوا كثيرًا مما جاء به الشرع إلى أحكام العقل، فرفعوا العقل، عن منزلته، وأنزل الشرع عن مكانته، وخاض العقل في مجالات ما كان ينبغي له أن يخوض فيها.
2 -
الاختلاف العقائدي وفرقة الأمّة:
ونتج عن الأمور السابقة: تعدد مصدر التلقي، ومخالطة الفلسفة وعلم الكلام للعقيدة الإسلامية وتحكيم العقل في الشرع - اختلافُ الأمّة وافتراقها، فانقسمت إلى سنَّة وشيعة وخوارج ومرجئة ومعتزلة
…
وغير ذلك.
ونتج عن هذا الاختلاف عداء وبغضاء، وحروب أدت إلى سفك الدماء، واختلاف في المناهج والسبل، مما أضعف المسلمين، وجعل بأسهم بينهم.
3 -
الانحراف في المفاهيم الإسلامية:
أصاب المفاهيم الإسلامية انحرافات أدت إلى انحراف مسار الفرد والأمة، فالتوكل أصبح تواكلًا، والإيمان بالقدر أصبح عجزًا وقعودا عن العمل، والزهد أصبح خمولًا وقعودا عن الجهاد، والعبادة رهبنة وانقطاعًا عن الحياة، وذكر الله أصبح همهمات وتمايلًا ورقصا وفقدانًا للعقل في حلقات الذكر.
4 -
التعصب المذهبي والجمود الفكري:
كان الكتاب والسنة محور الدراسة والعلم، ومنطلق العمل، وقاعدة الفهم، يدلك على ذلك الأمرُ بتدبرهما وتعلمهما وتعليمهما، وكان التعصب للحق لا
لآراء الرجال، ثم تغير الحال فاقتصر الطلب على تعلم آراء الرجال، وتعصبوا لهذه الأقوال، وتلك الآراء، من غير دليل ولا برهان، وأصبحت تلك الكتب هي المحور الذي تدور حوله الدراسة.
وقد قتل هذا الإبداع في الفهم والتفكير، وأبعد المسلمين عن النبع الصافي المتدفق، وشغل طلبة العلم بحل الرموز والعبارات الجامدة، وشغلهم في بعض الأحيان بسفاسف الأمور.
5 -
فشو الجهل وقلة العلم:
قل نور العلم، وكثر الجهل في الأمة الإسلامية، وأصبحت الأمّة - التي جاءها دينها بالعلم، وجعله فريضة في بعض الأحيان، وفرض كفاية في أحيان أخرى، ومستحبًا حينا ثالثًا - تعوم في مستنقع الجهل، البلاد التي كانت تغص بالعلماء، أصبحت تسير في مشارقها ومغاربها لا ترى فيها عالمًا، والأمّة التي كانت تصارع الدول الكبرى بما تصنعه من قوة أصبحت لا تستطيع أن تصنع مسمارًا أو إبرة خياطة، وتوقف المسلمون في تنمية العلم في الوقت الذي تلقف الغرب علمنا ونماه، ثمَّ جاءنا يصفع به وجوهنا، ويدوس ظهورنا، وينتهك حرماتنا ومقدساتنا، وتلفتنا فوجدنا أننا قصرنا في حق أنفسنا.
6 -
الانحراف السياسي:
لقد جاء الإسلام ليعبِّد العباد لرب العباد، وقام الإسلام حكمًا فيهم، وألزم المسلمين باختيار حاكم يقيم فيهم كتاب الله، وكان أول من قام بالمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم اختار المسلمون أبا بكر لهذه المهمة، ثم عمر، ثم عثمان، وكان قاعدة