الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث الملائكة والجن
لا يزال البشر ينظرون في هذا الكون متسائلين: هل هناك عوالم حيّة عاقلة غير عالم البشر، ومع تقدم العلم، واختراع الوسائل التي تمكن الإنسان من البحث والنظر -زادت الرغبة عند الإنسان في اكتشاف المجهول، فلم يكتف بالبحث في آفاق الأرض، بل انطلق إلى الفضاء، وحط رحاله فوق ظهر القمر، وأرسل مراكبه إلى كواكب بعيدة، يرتاد الفضاء رغبة في أن يعلم ما لم يكن يعلم.
وقد أعلمنا الله عن وجود عالمين من عوالم الغيب، وهما عالمان حيَّان عاقلان، الأول: عالم الملائكة: وقد حدثنا الله طويلًا عنهم في كتابه، حدثنا عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأصبحنا نعرف شيئًا كثيرًا عن أصلهم وقدراتهم وأعمالهم وصفاتهم، بل إننا نعرف أسماء بعضهم، ونستطيع أن نستخلص من الكتاب والسنة خلاصة وافية عنهم، فهم خلق كريم طيب، خلقهم الله لعبادته وطاعته، وهم يديمون عبادة الله، يسيحون الليل والنهار لا يفترون، ولهم قدرات هائلة في الحركة والعمل، وقد وكل الله إليهم القيام على أمر الكون، فمنهم ملائكة مختصة بالسحاب، وملائكة بالنبات، وآخرون موكلون بالإنسان، لحفظه وحفظ أعماله، ومنهم سفراء الله إلى رسله من البشر وهناك خزنة الجنة وخزنة النار وعددهم كثير لا يحصيه إلا الذي خلقهم، وهم أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع.
والإيمان بهم يقتضي الإيمان بوجودهم، والإيمان بمن أعلمنا اسمه منهم، والإيمان بما علمنا الله من صفاتهم كصفة جبريل، والإيمان بما أعلمنا الله من أعمالهم.
الثاني عالم الجن: وهم عالم مفكر حي عاقل، خلقهم الله للمهمة التي خلق الإنسان من أجلها، وهي عبادة الله وحده {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وقد جاءَتهم الرسل، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن: 14].
خلقهم الله من نار {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 27].
وإبليس من الجن {إلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].
وقد كان في أول أمره صالحا يعبد الله مع ملائكة السماء، ثم أمره الله كما أمر الملائكة بالسجود لآدم حين نفخ فيه الروح، فأبى، فطرده الله من رحمته وجنته، وغضب عليه ولعنه، فحقد على آدم وذريته، وأخذ على نفسه العهد أن يضل بني آدم، وقد زين لآدم وزوجه الأكل من الشجرة التي حرم الله عليه أن يأكل منها في الجنة، فأهبطه الله إلى الأرض، ولا تزال المعركة قائمة بيننا وبين الشيطان، وكل الفساد الذي وقع في الأرض من الشيطان، وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتاب آمرا بطاعته، واتباع شرعه، ومحذرًا من إتباع الشيطان {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ} [النور: 21].
{إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6].
وقد فصل لنا القرآن الحديث عنه، وبين أهدافه ووسائله، كما بين لنا طريق الخلاص منه. (1)
والجن لهم قدرات في الحركة والعمل حدثنا القرآن بشيء ما، ولكنهم في الوقت نفسه ضعفاء {إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
وليس لهم سلطان على عباد الله المخلصين، {إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ إلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوينَ} [الحجر: 42].
ولا تزال الشياطين تضل الناس بطرق مختلفة، وهناك أحداث ووقائع لا يمكن أن تُفَسَّر ما لم يصدق المرء بوجود الجن والشياطين، والمكذبون بوجودهم يحتارون في تعليل تلك الأحداث.
والجن كالملائكة يروننا من حيث لا نراهم، وهم يسكنون معنا في عالمنا الأرض، ولكننا لم نعط القدرة على رؤيتهم على الرغم من تقدمنا اليوم في فن الاتصال السلكي واللاسلكي.
وكثير من البشر ضلوا في شأن الملائكة والجن، فمنهم من أنكر وجودهم، ومنهم من اعتقد فيهم عقائد فاسدة، فقد زعم الكفرة المشركون أن الملائكة إناث، وقالوا هم بنات الله، تعالى الله عما يقولون {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19].
{أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 151 - 153].
(1) ارجع في هذا الموضوع إلى كتابنا: عالم الجن والشياطين.
وقال الكفار إن الله تزوج من الجن، تعالى الله عن مقالتهم {وَجَعَلُوا بَينَهُ وَبَينَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158].
وضلال البشر في هذا كثير، والحمد لله على هداية الإسلام.