الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصل الأول منهج الإسلام في تكوين الأسرَة
1 -
الاختيار:
يحث الإسلام كلًّا من الرجل والمرأة على إحسان اختيار الطرف الآخر عند إرادة الزواج، والاختيار عند البشر له مقاييس مختلفة، فمنهم من يرى مقياس الصلاح هو الغني، وآخرون يرونه الحسب، وفريق يراه الجمال، وفريق يراه القدرة على العمل الشاق المضني.
والإسلام لا يمانع في أن يشترط الزوج في زوجه واحدًا من هذه الشروط أو أكثر، ولكنه يأمر بأن يكون ذلك كله محكومًا بالصلاح الديني، فإذا كان الزوج المنتظر ملتزمًا بأحكام الشرع، تقيًّا ورعًا صاحب خلق، فلا بأس أن نشترط بالإضافة إلى ذلك الجمال أو الحسب أو الغنى، ولكن إذا فقد الصلاح الديني، فإن صاحبة الدين الأقل جمالًا أو غنىً أو حسبا أفضل في ميزان الإسلام وأحرى بالتوجه إلى الزواج منها، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه (1).
إن المال قد يذهب، والجمال قد يذوي، والحسب قد يجلب الغرور، والدين يزين بالتقوى، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ويحفظ الحقوق، ويأمر بالعدل
(1) مشكاة المصابيح: 2/ 158.
والرحمة، ويمنع من الانحراف والزيغ والطغيان والتبذير، والإسلام يأمر المرأة الصالحة بأن تكون مثال الزوجة الخيرة، فدينها يأمرها بأن تكون كذلك "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله" رواه ابن ماجة (1).
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تزويج الرجل المرضى في دينه وأمانته، وهدد الذين يزوجون على غير ذلك بالبلاء العظيم، ففي الحديث:"إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي (2).
وإذا لم يراع هذا المقياس قامت البيوت على دخن، فالزوج الضال يفتن زوجته، ولا يرعى حقوقها، والمرأة التي لا تراعي حق الله لا ترعى حق الزوج، وهنا يحدث الخلاف والشقاق والفتن.
2 -
الخطبة
إذا رام الرجل أن يتزوج امرأة معينة- فإن الإسلام يرشده إلى النظر إليها، ليعرف إذا كانت نفسه تميل إليها أم لا، ففي الحديث "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" رواه أبو داود (3) وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم رجلًا من أصحابه خطب امرأة أن ينظر إليها، وعلل ذلك بقوله، "فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" رواه أحمد والترمذي والنسائي (4) والأمر
(1) مشكاة المصابيح: 2/ 161.
(2)
مشكاة المصابيح: 2/ 160 وإسناده حسن.
(3)
مشكاة المصابيح: 1/ 163، وإسناده حسن.
(4)
مشكاة المصابيح: 1/ 164، وإسناده صحيح، ومعنى يؤدم أي يؤلف ويصلح.
يتوقف على مجرد النظر الذي يستطيع المرء أن يحكم بعده إذا ما كان يرغب في الزواج منها أم لا، وهذا يكفي فيه النظر إلى ما يظهر غالبًا كالوجه والكفين، وكذلك الطول والحجم، أمّا النظر إلى الشعر والصدر ونحو ذلك فهذا مما نهى الشارع عن كشفه، ولم يرد من النصوص ما يبيح للمرأة كشفه للخاطب.
ولم يبح الإسلام للخاطب، والمرأة المخطوبة أن يخلوا ببعضهما، كما يفعل الذين يزعمون الحضارة والرقي من مقلدي الغرب، حيث يخلو الخاطب بالمخطوبة، وقد يسافر بها، وعقد الزواج لم يتم بعد، وينشأ من هذا مفاسد كثيرة، فالمرأة في حال الخطبة أجنبية، والخلوة بالأجنبية حرام، وقد يقع المحذور حال الخلوة، وفي بعض الأحيان يفسخ الرجل الخطبة فتخسر المرأة كثيرًا، خاصة في المجتمعات الإسلامية التي لا يزال أهلها يقيمون للعفاف والشرف وزنًا كبيرًا بعكس المجتمعات الغربية.
وما يزعمه دعاة الاختلاط أن فترة الخطبة سبيل لتحقيق التعارف الذي يقيم الحياة الزوجية على أسس قويمة ليس بصواب، لأن كل واحد من الخاطبين إذا كان يرغب في الآخر يتكلف غير طباعه، فلا يتمكن الآخر من معرفته على حقيقته، وإنما تعرف الأخلاق من خلال من عَرَفَ الشخصَ في عمله أو بمجاورته، أو نحو ذلك.
3 -
الرضا:
وهذا المبدأ شرط من شروط عقد الزواج، لا يتم الزواج إلا به، ويتحقق هذا الشرط بالصيغة التي تدل عليه، فيقول ولي الأمر مثلًا: زوجتك ابنتي فلانة، فيقول الخاطب: قبلت، وهذا يسمى الإيجاب والقبول، ولا يشترط في تحقق
القبول في الزوج رضا شخص آخر.
أما في المرأة فإن الزواج لا يتمُّ إلا إذا وافقت على الزوج، فإذا رفضته- فإن من حق القاضي أن يوقف هذا الزواج ويفسخه إذا رفع الأمر إليه، ولكن يكفي سكوت المرأة البكر إذا استؤذنت، ولم تتكلم، فحياؤها قد يمنعها من الموافقة في كثير من الأحيان، أمّا الثيب فلا بدَّ من أن توافق نطقا، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تنكح الأيم (1) حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال:"صمتها" متفق عليه، وفي صحيح مسلم "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وأذنها سكوتها"(2).
وروى البخاري عن خنساء بنت خذام: "أن أباها زوجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ نكاحها"(3).
وروى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن صمتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها"(4).
4، 5 - الولي والشهود
روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارمي بإسناد صحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي"(5)، وفي رواية عن الإمام أحمد:"لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"(6).
(1) الأيم: الثيب.
(2)
مشكاة المصابيح: 2/ 168.
(3)
مشكاة المصابيح: 2/ 168.
(4)
أي لا تعدى عليها.
(5)
مشكاة المصابيح: 2/ 169.
(6)
مشكاة المصابيح: 2/ 169.
وروى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارمي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحلَّ من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له"(1) وعن ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البغايا اللاتي ينكحن أنفسهنَّ بغير بينة"(2) رواه الترمذي.
وهذه الأحاديث تدل على وجوب موافقة ولي أمر المرأة على الزواج، وأن الزواج الذي يتم من غير رضا الولي باطل، كما يدل وجوب الإشهاد، وأقل ذلك شاهدان عدلان.
6 -
المهر والصداق:
أمرت الشريعة الأزواج بمنح الزوجات مبلغًا من المال عطية {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وهذا العطاء إنما هو ترضية للمرأة، وإكرام لها، وليس ثمنًا لها. وينبغي عدم المغالاة في المهور:"إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة" رواه أحمد (3)، وقد كان من أسباب عزوف الشباب عن الزواج: المغالاة في المهور، وارتفاع تكاليف الزواج، مع فتح باب الحرام، وسهولة الدخول إليه.
وليس هناك حدّ أدنى للمهر، فقد تزوجت امرأة وكان مهرها نعلين، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم:"أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم، فأجازه (4) " رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه (5).
(1) المنتقى للمجد ابن تيمية: ص 543.
(2)
مشكاة المصابيح: 2/ 169.
(3)
المنتقى: ص 542.
(4)
منتقى الأخبار: 556.
(5)
منتقى الأخبار: 556.