الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عائشة، وعندها الحولاء بنت تويت، وكانت تذكر من عبادتها، وأنها لا تنام الليل، فردها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المنهج الوسط قائلا:"مه، عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وكان أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه"، رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ والنسائي (1).
إن التشديد على النفوس بالعبادة والطاعة نهج أخذ به المتعبدون أنفسهم في الأمم الخالية، ولم يكن منهجا موفقا، ولذلك حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من سلوكه، ففي سنن أبي داود:"لا تشددوا على أنفسكم، فيشدد عليكم، فإن قوما شَدَّدوا على أنفسهم، فشُدِّد عليهم، كتلك بقاياهم في الصوامع والديار، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم (2) ".
ثانيا: العدل
تتطلع الشعوب دائمًا إلى إيجاد قوانين تتصف بالعدل وتنفي الظلم والجور، وكم يكون مصاب البشر أليمًا عندما يجدون القوانين التي يرجونها لإقرار العدل والإنصاف تقنن الظلم بحيث يكون هو النظام الذي يحكم في رقاب العباد. إننا لا نريد بالعدل هنا تطبيق القاعدة القانونية، فجور القاضي وظلم الحاكم في الحكم بخلاف القانون ليس هو المراد هنا، بل المراد هو اتصاف القانون بالعدل.
إنَّ الذين يضعون القوانين البشرية لا يمكنهم أن ينسلخوا من طبائعهم البشرية، ولذلك نراهم يميلون بالقوانين تجاه الفئة الحاكمة، فتعطيها من المصالح والمنافع ما لا تعطي غيرها، وهي في هذه الحالة تقرر الظلم وهي تعلم بذلك، وفي بعض
(1) جامع الأصول: 1/ 312.
(2)
جامع الأصول: 1/ 310.
الأحيان تضع القوانين الظالمة بسبب جهلها بالحكم العادل الذي يجب أن تقننه، وقد حدثنا الله عن طبيعة الإنسان فقال:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
فواضعو القوانين البشرية بشر فيهم ظلم وجهالة، وبسبب ذلك يقررون كثيرًا من القواعد القانونية التي تتصف بالظلم.
القوانين الوضعية اليوم تقرّ الربا، وتبيح الزنا واللواط، وتجيز شرب الخمر، وتمنع من قتل القاتل واقتصاص الإنسان ممن اعتدى عليه، ولا تزال هذه القوانين تخص بعض فئات المجتمع بحقوق دون بقية أفراد المجتمع.
وفي كثير من الأحيان يغفو واضع القانون في تقرير العقوبة، فيقرر العقوبة العظيمة للذنب الحقير، وقد يحكم بالعقوبة على غير من ارتكب الجرم، والشريعة الإسلامية ليست من وضع البشر، بل من عند خالق البشر، الذي يتصف بالعدل التام، يقول تبارك وتعالى {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].
ويقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ} [النساء: 40].
ويقول: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].
ويقول: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115].
قال: قتادة: "صدقا فيما قال: وعدلا فيما حكم (1) "وقال ابن كثير (2): "كل ما أخبر الله به فحق لا مرية فيه، ولا شك، وكل ما أمر به فهو العَدل الذي لا عدل سواه، وكل ما نهى عنه فباطل، فإنه لا ينهي إلا عن مفسدة، كما
(1) تفسير ابن كثير: 3/ 86.
(2)
المصدر السابق.