الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصل الثاني تعَدّد الزّوجَات
شرع الإسلام للرجل أن يتزوج أكثر من زوجة، ولم يجز له أن يتجاوز الأربع، قال تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].
وقد كان الرجال منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم في المجتمع الإسلامي يتزوجون بأكثر من واحدة من غير نكير.
وجاءنا اليوم دعاة الغرب الذين آمنوا بفكره يزعمون أن التعدد جريمة ترتكب في حق المرأة، قالوا: في التعدد احتقار للمرأة، وبسط لنفوذ الرجل عليها، وطريق إلى البطالة وكثرة العاطلين، وسبب لتفكك الأسرة، وبذر الشقاق بين الناس، وفي الرد عليهم نقول:
أولًا: التعدد أمر شرعه الله في كتابه وفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأجمعت عليه الأمّة، ونحن واثقون بأن شرع ربنا هو الشرع الصالح الذي لا شرع غيره، بل إن غيره ضلال وباطل.
ثانيا: التعدد ضرورة اجتماعية، فالإحصاءات العالمية تقول إن عدد النساء أكثر من عدد الرجال، وهذا يعود إلى المخاطر التي يتوجب على الرجال خوضها
كالحروب التي تحصد الألوف وعشرات الألوف من الرجال، وكذلك الأعمال الشاقة التي يمارسها الرجال من دون النساء، وقد برزت هذه المشكلة بشكل واضح بعد الحرب العالمية الثانية خاصة في ألمانيا، حيث كانت نسبة الرجال أقل بكثير من نسبة النساء.
لو كان عدد النساء دائما بمقدار عدد الرجال، أو كان عددهن أقل من عدد الرجال فإن منع التعدد يكون مطلوبًا أما وأن العكس هو الصحيح فما الحلّ؟ هل الحل أن يتزوج كل رجل امرأة واحدة، ثمَّ يبقى العدد الزائد من النساء بغير زواج، ثمَّ ما الذي يحدث لهذا العدد الزائد؟ إن الدافع الفطري الذي لا يقاوم يدفع المرأة إلى الزنا المحرم، فتكون المرأة في هذه الحال سقط متاع تتداولها الأيدي، أو تكون خليلة ليس لها حقوق الزوجة، ثمَّ كيف يكون حال الثمرة الحرام: الأولاد الذين يثمرهم الاتصال المحرم؟ لا يعترف بهم آباؤهم، أو لا يعرف لهم آباء، ويكونون كلًّا على أمهاتهم، وقد تتخلص المرأة من جنينها بالإجهاض، وقد تلده ثم تفتك به، أو تلقيه على قارعة الطريق، وقد تقذف به في الملاجئ، حيث يعيش عيشة الحيوان، يحرم من حنان الأمومة، ورعاية الأب، ولا يعرف الاستقرار النفسي، ثم يكون هؤلاء مادة الإجرام، يخرجون حاقدين على مجتمعاتهم، فيعيثون في الأرض فسادًا.
إن الإحصائيات التي تنشر في البلاد التي تمنع التعدد مذهلة، في عام 1901 عقد مؤتمر للبحث في أسباب ارتفاع نسبة اللقطاء والموؤودين في فرنسا، وجاء في تقرير المؤتمر أن عدد اللقطاء في مقاطعة واحدة في فرنسا هي مقاطعة السين الذين يربون على نفقة الدولة بلغ خمسين ألف لقيط (1).
وفي عام 1959 صدر عن هيئة الأمم المتحدة نشرة أثبتت بالأرقام
(1) الإسلام عقيدة وشريعة لشلتوت: ص 191.
والإحصائيات أن العالم يواجه الآن مشكلة "الحرام أكثر من الحلال في شأن المواليد"، وجاء في الإحصائية أن نسبة الأطفال غير الشرعيين قد ارتفعت إلى ستين في المائة، وجاوزت في بعض البلاد الخمسة والسبعين في المائة، كدولة (بنما)(1).
هذه هي آثار منع التعدد، ألم يكن أكرم للمرأة أن تكون زوجة ثانية، أو ثالثة لها مكانتها، وبيتها، وينسب أولادها إلى أبيهم بلا تفرقة بينهم وبين إخوانهم، إن التعدد فيه مصلحة للنساء، وتحريمه فيه إضرار بهن.
لقد عقدت عدة مؤتمرات في ألمانيا بعد الحرب العالمية، ونادى المؤتمرون يوجوب إباحة التعدد لمواجهة المشكلة الناتجة عن نقص الرجال، ونادى كثير من المفكرين الغربيين بوجوب إباحة التعدد (2)، ولكن العالم الغربي أصم أذنيه، واختار أن يسير في طريق الرذيلة.
ثالثا: تحريم التعدد ظلم للأمة وظلم للرجال: إذا نظرنا في طبيعة كل من الرجل والمرأة وجدنا أن فاعلية الرجل الجنسية أقوى وأدوم من فاعلية المرأة في هذا الجانب.
والمرأة تتوقف عن الإنجاب في سن الخمسين أو قبل ذلك، والرجل تستمر قدرته على الإنجاب حتى لو عاش مائة عام، والمرأة تحيض في كل شهر أيامًا قد تصل إلى أسبوع، وتحمل مدة تسعة أشهر فتقل رغبتها في المعاشرة الجنسية، وتلد وتصبح نفساء مدة قد تزيد على الشهر، ومعاشرة الحائض والنفساء حرام، فالحيض
(1) الإسلام يتحدى: ص 149.
(2)
راجع: تعدد الزوجات لعبد الله علوان.
والنفاس أذى، يؤذي الرجل والمرأة.
فإذا حسبت الزمن الذي تكون المرأة غير مهيأة للمعاشرة الجنسية تجده طويلًا، قد يصل إلى ثلث عمرها، بينما الرجل لا تأتيه هذه العوارض التي تصاحب المرأة.
إن منع الرجل من الزوجة الثانية ظلم للرجل لأن طبيعته الجنسية لا يعرض لها ما يعرض لطبيعة المرأة، وظلم له من ناحية ثانية، لأنه قادر على الإنجاب في الحال التي لا يمكن المرأة أن تنجب فيها، وظلم للأمَّة التي تُحرْم من الاكثار من النسل بسبب منع التعدد مع كون أحد الطرفين صالحا للإنجاب وإمداد الأمّة بمزيد من الذرية.
رابعًا: التعدد لمعالجة مشكلات طارئة: قد تمرض المرأة، وقد تكون عاقرًا، وقد يصيبها البرود الجنسي
…
، ومع ذلك كله فقد يرغب الزوجان في استمرار العلاقة الزوجية، والحفاظ على الود القديم، أمّا في ظل منع التعدد- فإن الرجل يجد نفسه ملزمًا بتطليق زوجته حتى يتمكن من التزوج بأخرى.
خامسا: التعدد نظام عالمي:
كان التعدد نظامًا أخذت به البشرية على مدار التاريخ، التوراة تنص صراحة على إباحة التعدد، وإبراهيم أبو الأنبياء تزوج من سارة وهاجر، ويعقوب وسليمان وداود تزوجوا بأكثر من زوجة، ولا يوجد فِي الإنجيل نص يمنع التعدد، بل إن التعدد كان في كثير من الشرائع غير مقيد بقيود ولا محدود