المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رمضان شهر نزول القرآنوالكتب السماوية - نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان - جـ ١

[سيد حسين العفاني]

فهرس الكتاب

- ‌بقلم فضيلة الشيخ أبو بكر جابر الجزائري

- ‌بقلم فضيلة الشيخ: محمد صفوت نور الدين

- ‌بقلم فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد بن عبد المقصود العفيفي

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولمن معاني الصوم

- ‌أ- الإخلاص عنوان الصوم

- ‌(ب) التقوى حكمة الصوم العليا

- ‌(جـ) ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون

- ‌(د) الصوم وإعداد الأمة

- ‌(هـ) الصوم رياضة للنفس على ترك الشهوات

- ‌(و) الصوم والمراقبة

- ‌الباب الثانيفضائل الصوم

- ‌الفضيلة الأولى: الصائمون هم السائحون

- ‌الفضيلة الثانية: الصوم لا مثل له

- ‌الفضيلة الثالثةإضافته لله تعالى تشريفاً لقدره وتعريفاً بعظيم فخره

- ‌الفضيلة الرابعة: رفعة الدرجات

- ‌الفضيلة الخامسة: الصيام مناسب لصفة من صفات الحق

- ‌الفضيلة السادسةجميع العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصيام

- ‌الفضيلة السابعةالصوم كفارة للخطيئات

- ‌الفضيلة الثامنةتشريف الله والملائكة له بالصلاة عليه

- ‌الفضيلة التاسعةالصيام جنة من النار

- ‌الفضيلة العاشرةالصوم في الصيف يورث السقيا يوم العطش

- ‌الفضيلة الحادية عشرالصوم في الشتاء الغنيمة الباردة

- ‌الفضيلة الثانية عشرنداء الريان لعاشر الصوام

- ‌الفضيلة الثالثة عشرالصوم سبيل إلى الجنات

- ‌الفضيلة الرابعة عشرشفاعة الصيام يوم القيامة لصاحبه

- ‌الفضيلة الخامسة عشردعوة الصائم لا ترد

- ‌الفضيلة السادسة عشرالصيام شعار الأبرار

- ‌الفضيلة السابعة عشرللصائم فرحتان

- ‌الفضيلة الثامنة عشرخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

- ‌الفضيلة التاسعة عشرالصوم جُنَّة

- ‌الفضيلة العشرونقطع أسباب التعبد لغير الله

- ‌الفضيلة الواحد والعشرونالصوم شكر للمنعم عالم الخفيات

- ‌الفضيلة الثانية والعشرونتوفير الطاعات وتحريض على المثوبات

- ‌الفضيلة الثالثة والعشرونتكثير الصدقات، والإحسان إلى ذوي الحاجات

- ‌الفضيلة الرابعة والعشرونرقة القلب وصيانة الجوارح

- ‌الفضيلة الخامسة والعشرونالصيام فدية لبعض الأعمال

- ‌ثمرات الصيام

- ‌الباب الثالثصوم الجاهليةموضوع تحت قدمي

- ‌إياكم وبنيات الطريق

- ‌1- الجناحية من الرافضة وصومها:

- ‌2- الخطابية:

- ‌3- الكيسانية:

- ‌4- العجلية:

- ‌5- الحزمية:

- ‌6- الإسماعيلية (الباطنية) :

- ‌7- صوم القرامطة:

- ‌8- الصليحيون "الإسماعيلية الطيبية باليمن

- ‌9- صوم البهرة:

- ‌10- الإسماعيلية النزارية:

- ‌أ- الحشاشون:

- ‌11- صوم الإسماعيلية الأغاخانية:

- ‌12- النصيريون وصومهم:

- ‌13- صوم الدروز:

- ‌فلاسفة الصومية وغلاتها:

- ‌14- صوم ابن عربي:

- ‌15- صوم الحلاج:

- ‌16- صوم ابن الفارض: وسَنن النصارى:

- ‌17- صوم الرفاعية:

- ‌19- أبو العلاء المعري والصوم عن الحيوان "زهاد المبتدعة

- ‌صوم المارقين المرتدين:- البهائية -القاديانية

- ‌20- صوم البهائية:

- ‌21- صوم القاديانية:

- ‌22، 23- صوم النصارى واليهود:

- ‌الباب الرابعفصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب

- ‌الباب الخامسسادات الصائمين

- ‌(1) صوم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌(2) صوم ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌(3) صوم أبي طلحة الأنصاري

- ‌(4) صوم عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) صوم أم المؤمنين حفصة بنت عمر

- ‌(6) صوم أبي الدرداء حكيم الأمة وسيد القراء

- ‌(7) صوم عبد الله بن عمرو بن العاص

- ‌(8) صوم عبد الله بن عمر

- ‌(9) صوم أبي أمامة الباهلي

- ‌(10) صوم عبد الله بن الزبير

- ‌(11) صوم عبد الله بن رواحة

- ‌(12) صوم الصحابي الجليل حمزة بن عمرو الأسلمي

- ‌(13) صوم أبي مسلم الخولاني

- ‌(14) صوم عامر بن عبد قيس

- ‌(15) صوم الأسود بن يزيد النخعي

- ‌(16) صوم مسروق بن عبد الرحمن

- ‌(17) صوم العلاء بن زياد

- ‌(18) صوم سعيد بن المسيب سيد التابعين

- ‌(19) صوم أبي بكر بن عبد الرحمن راهب قريش

- ‌(20) صوم عروة بن الزبير

- ‌(21) صوم سليمان بن يسار

- ‌(22) صوم عطاء بن يسار

- ‌(23) صوم إبراهيم النخعي

- ‌(24) صوم الحسن البصري

- ‌(25) صوم ابن سيرين

- ‌(26) صوم عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي

- ‌(27) صوم عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكومي

- ‌(28) صوم عراك بن مالك الغفاري

- ‌(29) صوم منصور بن المعتمر

- ‌(30) صيام سليمان بن طرخان

- ‌(31) صوم الزهري

- ‌(32) صوم ابن جريج

- ‌(33) صوم عبد الله بن عون

- ‌(34) صوم داود بن أبي هند

- ‌(35) صوم ابن أبي ذئب

- ‌(36) صوم شعبة الخير أبي بسطام

- ‌(37) صوم غندر

- ‌(38) صوم معروف الكرخي

- ‌(39) صوم أحمد بن حرب

- ‌(40) صوم أحمد بن حنبل إمام أهل السنة

- ‌(41) صوم إبراهيم بن هانئ النيسابوري

- ‌(42) صوم أحمد بن سليمان أبو بكر النجاد

- ‌(43) صوم بقي بن مخلد

- ‌(44) صوم المنبجي

- ‌(45) صوم ابن زياد النيسابوري

- ‌(46) صوم القطان

- ‌(47) صوم ابن بطة

- ‌(48) صوم ابن جميع

- ‌(49) صوم السكن ابن جميع

- ‌(50) صوم الصوري

- ‌(51) صوم الدوني

- ‌(52) صوم العماد المقدسي

- ‌(53) صوم ثابت البناني

- ‌(55) صوم وكيع بن الجراح

- ‌(56) صوم أبي بكر بن عيّاش

- ‌(57) صوم جعفر بن الحسن الدرزيجاني

- ‌(58) صوم رحلة العابدة

- ‌(59) صوم ميمونة بنت الأقرع

- ‌(60) صوم أبي حنيفة

- ‌(61) صوم محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة

- ‌(62) صوم الملك العادل نور الدين محمود زنكي

- ‌(63) صوم الشيخ الورع علي العياش:

- ‌(64) صوم السيدة المكرمة الصالحة نفيسة ابنة الحسن بن زيد

- ‌الباب السادسبين يدي رمضان

- ‌إذا العشرون من شعبان ولت

- ‌التهنئة بقدوم رمضان

- ‌الباب السابعفضائل رمضان

- ‌رمضان شهر نزول القرآنوالكتب السماوية

- ‌سجع

- ‌رمضان شهر التراويح والتهجد

- ‌رمضان شهر تكفير الذنوب

- ‌التائبون العابدون "سجع

- ‌رمضان شهر الجود والإحسان

- ‌رمضان شهر فتح أبواب الجنان

- ‌رمضان شهر غلق أبواب النيران

- ‌رمضان شهر الصبر والتربية

- ‌رمضان شهر الشكر

- ‌رمضان شهر الدعاء المستجاب

- ‌رمضان شهر مضاعفة الأجر

- ‌رمضان شهر تصفيد الشياطين

- ‌رمضان غنم للمؤمن ونقمة للفاجر

- ‌رمضان شهر تربية المجتمع

- ‌رمضان شهر ليلة القدر

- ‌الباب الثامنرمضان شهر الجهاد والفتوحات

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة:

- ‌ هدم الأصنام:

- ‌فتح النوبة ومعاهدة القبط

- ‌سنة 67 هـ زالت دولة المختار الثقفي:

- ‌وقفة على أبواب مدريد

- ‌فتوح المسلمين في فرنسا

- ‌سنة 222 هـ فتح البذ مدينة "بابك الخرمي

- ‌سنة 223 هـ فتح عمورية على يد المعتصم:

- ‌سنة 559 هـ وقعة حارم:

- ‌فتح أنطاكية

- ‌فتح أرمينيا الصغرى

- ‌فتح جزيرة قبرص

- ‌فتح البوسنة والهرسك

- ‌جهاد المسلمين في الحبشة

- ‌الباب التاسعحدث في رمضان

- ‌5 هـ حديث الإفك:

- ‌9 هـ قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب العاشرأسرار الصوم وشروطه الباطنة

- ‌الباب الحادي عشرالموضوع والضعيف في الصوم

- ‌الباب الثاني عشرالصوم على أربعين وجهًا

- ‌الباب الثالث عشرالصوم المندوب والمنهي عنه

- ‌ الصوم المندوب

- ‌صيام شهر الله المحرم

- ‌صوم شعبان

- ‌حكم التطوع بالصيام بعد انتصاف شعبان:

- ‌ليلة النصف من شعبان:

- ‌صيام ستة أيام من شوال

- ‌صوم الأشهر الحرم

- ‌صوم رجب

- ‌النوع الثانى: صوم الأيام

- ‌1- صوم عشر ذي الحجة

- ‌2- صوم يوم عرفة

- ‌3- صوم يوم عاشوراء

- ‌4- صوم أيام البيض

- ‌5- صيام الاثنين والخميس

- ‌7- صيام يوم السبت والأحد مخالفة للمشركين

- ‌الصوم المبهم المقيد بزمن

- ‌(1) صوم يوم وإفطار يوم

- ‌(2) صوم يوم وإفطار يومين

- ‌(3) صوم عشرة أيام من الشهر

- ‌(4-7) صوم إحدى عشرة أو تسعا أو سبعا أو خمسة أيام من الشهر

- ‌(8) صيام أربعة أيام من الشهر

- ‌(9) صوم ثلاثة أيام من الشهر كيفية ذلك

- ‌(10) صوم يومين من الشهر

- ‌(11) صوم يوم من الشهر

- ‌الأيام المنهي عن صيامها

- ‌(1 و2) يوم الفطر، والأضحى

- ‌(ب) الأيام المنهي عن صيامها والمختلف فيها

- ‌1- أيام التشريق

- ‌سرّ حسن:

- ‌2- صوم يوم الجمعة

- ‌3- بعد النصف من شعبان

- ‌4- صوم السبت

- ‌5- يوم الشك

- ‌النهي عن صوم المرأة تطوعاً إلا بإذن زوجها وهو حاضر:

- ‌إفراد يوم النيروز بصوم

- ‌صيام الدهر

- ‌الوصال في الصوم

- ‌هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع

الفصل: ‌رمضان شهر نزول القرآنوالكتب السماوية

‌رمضان شهر نزول القرآن

والكتب السماوية

يا له من شهر طيب اختاره الله لنزول الكتب السماوية فيه.

عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان"(1) .

قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)[البقرة: 185]، وقال تعالى:(إنا أنزلناه في ليلة القدر)[القدر:1] .

وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة)[الدخان: 3] .

قال ابن جرير الطبري: "نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه".

عن ابن عباس قال: "أنزل القرآن جملة من الذكر (2) ، في ليلة أربع وعشرين من رمضان (3) فجعل في بيت العزة.

وعن سعيد بن جبير: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهر رمضان فجعل في سماء الدنيا.

وعن ابن عباس: أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا، جملة واحدة، ثم فرّق في السنين بعدُ. قال: وتلا ابن عباس هذه الآية. (فلا أقسم بمواقع النجوم)[الواقعة: 75] قال: نزل مفرقاً (4) .

(1) حسن: رواه الطبراني في "الكبير" عن واثلة، وأحمد في "مسنده"، وابن عساكر، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (1509) .

(2)

أي اللوح المحفوظ.

(3)

وهي عند ابن عباس ليلة القدر والوتر من العشر الأواخر كما يقول ابن تيمية قد يكون باعتبار ما مضى من الشهر أو باعتبار ما بقي.

(4)

"تفسير الطبري"(2/114-115) طبعة مصطفى الحلبي.

ص: 183

أنزل القرآن بفرض صيامه قاله مجاهد والضحاك.

أنزل في فضله القرآن: قاله سفيان بن عيينة (1) .

والقرآن: "كتاب هذه الأمة الخالد، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور فأنشأها النشأة وبدَّلها من خوفها أمناً، ومكَّن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي بها صارت أمة، ولم تكن من قبل شيئاً، وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض، ولا ذكر في السماء، فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل في القرآن"(2) .

القرآن كتاب هذه الأمة، هو روحها وباعثها، وقوامها وكيانها، وهو حارسها وراعيها، هو بيانها وترجمانها، هو دستورها ومنهجها، وهو زاد الطريق.

ولكن ستظل هناك فجوة عميقة بيننا وبين القرآن ما لم نتمثل في حسنا، ونستحضر في تصورنا أن هذا القرآن خوطبت به أمة حية ذات وجود حقيقي، ووجهت به أحداث واقعية في حياة هذه الأمة، وأديرت به معركة ضخمة في داخل النفس البشرية وفي رقعة من الأرض كذلك.

سيظل هناك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القرآن طالما نحن نتلوه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة، لا علاقة لها بواقع الحياة البشرية، بينما هذه الآيات نزلت لتواجه نفوساً ووقائع وأحداثاً حية، لقد خاض بهذه الأمة معركة كبرى حولت تاريخها وتاريخ البشرية كلها معها، ولكنه مع هذا يعايش ويواجه ويملك أن يوجه الحياة الحاضرة، وكأنما هو يتنزل اللحظة الأخيرة لمواجهة الجماعة المسلمة في شئونها الجارية وفي صراعها الراهن، وفي معركتها كذلك في داخل النفس وفي عالم الضمير" (3) .

"آيات منزلة من حول العرش، فالأرض بها سماء هي منها كواكب، بل الجند

(1)"التبصرة" لابن الجوزي (2/73) .

(2)

) "الظلال"(1/171-172) .

(3)

من وحي القلم.

ص: 184

الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها، وامتنعت عليه أعراف الضمائر فابتز أنفالها" (1) .

كم صدوا عن سبيله صدّاً، ومن ذا يدافع السيل إذا أهدر؟ واعترضوه بالألسنة ردّاً، ولعمري من يرد على الله القدر؟

ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا لانت فأنفاس الحياة الآخرة متى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيوب، وإن أوعدت بعذاب الله جعلت الألسن ترعد من حمى القلوب.

معانٍ هي عذوبة ترويك من ماء البيان، ورقة تستروح منها نسيم الجنان، ونور تبصر به في مرآة الإيمان وجه الأمان، ترف بندى الحياة على زهرة الضمير، وتخلق في أرواجها من معاني العبرة معنى العبير.

يجري في الخواطر كما تصعد في الشجر قطرات الماء، ويتصل بالروح فإنما يمد لها بسبب إلى السماء.

ألفاظ لم تعهد كلم أحداقها، وثمرات لم تنبت في قلم أوراقها، ونور عليه رونق الماء فكأنما اشتعلت به الغيوم، وماء يتلألأ من النور فكأنما عصر من النجوم.

وهل رأوا إلا كلاماً تضيء ألفاظه كالمصابيح، فعصفوا عليه بأفواههم كما تعصف الريح، يريدون أن يطفئوا نور الله وأين سراج النجم من نفخة ترتفع إليه كأنما تذهب تطفيه، ونور القمر من كف يحسب صاحبها أنها في حجمه فيرفعها كأنما يخفيه! وهيهات هيهات دون ذلك درج الشمس وهي أم الحياة في كفن وإنزالها بالأيدى وهي روح النار في قبر من كهوف الزمن.

لا جرم أن القرآن سر السماء، فهو نور الله في أفق الدنيا حتى تزول، ومعنى الخلود في دولة الأرض إلى أن تدول، وكذلك تمادى العرب في طغيانهم يعمهون، وظلت

(1) المراد: "أن ضمائر العرب امتنعت عن القرآن بما أستوعر فيها من العادات والأخلاق فنفذ إليها وابتزها وغلبها على أمرها".

ص: 185

آياته تلقف ما يأفكون، (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) (1) [الأعراف: 118] .

نزول القرآن على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم النعم

قال تعالى: (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) الآية [العنكبوت:51] .

أولم يكفهم أن يعيشوا مع السماء بهذا القرآن، يشعرهم أن عين الله عليهم، وأنه معني بهم يتنزل عليهم، يحدثهم بما في نفوسهم، وهم هذا الخلق الصغير الضئيل التائه في ملكوت الله الكبير.

والله بعد ذلك يكرمهم حتى لينزل عليهم كلماته تتلى عليهم ثم هم لا يكتفون إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون.

الذين يؤمنون هم الذين يجدون مس هذه الرحمة في نفوسهم، وهم الذين يتذكرون فضل الله وعظيم منته على البشرية بهذا التنزيل، ويستشعرون كرمه وهو يدعوهم إلى حضرته وإلى مائدته وهو العلي الكبير.

وهم الذين ينفعهم هذا القرآن، لأنه يحيا في قلوبهم، ويفتح لهم عن كنوزه، ويمنحهم ذخائره ويشرق في أرواحهم بالمعرفة والنور.

الإيمان بكلام الله والعيش معه طمأنينة في القلب واستقامة على الطريق، وثبات على الدرب، وثقة بالسند، واطمئنان للحمى، ويقين بالعاقبة.

قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)[يونس: 58] .

وقال تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد)[الزمر: 23] .

(1)"إعجاز القرآن" للرافعي من (29-31) .

ص: 186

الحياة في ظلال القرآن نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتذكيه.

أي تكريم للإنسان يفوق هذا التكريم العلوي الجليل.

(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا)[الكهف:1] . أي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن.. نعمة لا يسعها حمد البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة.

أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل، أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان القليل الصغير خالقه الكريم.

قال تعالى: (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) الآية [النساء: 113] .

هي منة الله على الإنسان في هذه الأرض.. المنة التي ولد الإنسان معها ميلاداً جديداً، ونشأ بها الإنسان نشأة جديدة.

المنة التي التقطت البشرية من سفح الجاهلية لترقى بها في الطريق الصاعد إلى القمة السامقة على طريق المنهج الرباني الفريد العجيب.

المنة التي لا يعرف قدرها إلا الذي عرف الإسلام والجاهلية جاهلية الماضي والحاضر.

وإذا كانت منة يذكر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فلأنه أول من عرفها، وذاقها وأكبر من عرفها وذاقها، وأعرف من عرفها وذاقها، قال تعالى:(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) الهدى حقيقته، والهدى طبيعته، والهدى كيانه، والهدى ماهيته، القلب المؤمن يدرك قيمة الاهتداء بعد الضلال قيمة الرؤية الواضحة بعد الغبش قيمة الاستقامة على الدرب بعد الحيرة، قيمة الطمأنينة للحق بعد الأرجحة، قيمة التحرر من العبودية للعبيد بالعبودية لله وحده، قيمة الدرب المستقيم بدلاً من التخبط في المنعرجات المظلمة، كما يشفق من ذاق نداوة الظلال أن يعود إلى الهجير القائظ والشواظ.

ص: 187

وفي بشاشة الإيمان حلاوة لا يدركها إلا من ذاق جفاف الإلحاد وشقاوته المريرة، وفي طمأنينة الإيمان حلاوة لا يدركها إلا من ذاق شقوة الشرود والضلال" (1) .

لقد سمى الله كتابه روحاً لتوقف الحياة الحقيقية عليه "واعجبا للناس يبكون على من مات جسده ولا يبكون على من مات قلبه وهو أشد وموت القلوب بالبعد عن علام الغيوب".

وسماه نوراً لأن القلوب لا تضيء ولا تشرق إلا بالقرآن.

قال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)[الشورى: 52] .

وقال تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)[المائدة: 15، 16] .

ليس أدق ولا أصدق ولا أدل على القرآن من أنه نور، نور تشرق به كينونته فتشف وتخف وترف.. ويشرق به كل شيء أمام ثقلة الطين في كيانه، وظلمة التراب، وكثافة اللحم والدم، وعرامة الشهوة والنزوة، كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى، تخف الثقلة، وتشرق الظلمة، وترق الكثافة، وترف العرامة.

واللبس والغبش في الرؤية، والتأرجح والتردد في الخطوة، والحيرة والشرود في الاتجاه والطريق البهيم الذي لا معالم فيه.. كل أولئك يشرق ويضيء ويتجلى.. يتضح الهدف ويستقيم الطريق إليه وتستقيم النفس على الطريق (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) [المائدة: 16] .

هو ما يسكبه (القرآن) والدين في الحياة كلها.. سلام الفرد، وسلام الجماعة، وسلام العالم.. سلام الضمير

وسلام العقل، وسلام الجوارح.. سلام

(1)"الظلال"(2/756) .

ص: 188

البيت والأسرة، وسلام المجتمع والأمة، وسلام البشر والإنسانية.. السلام مع الحياة، والسلام مع الكون، والسلام مع الله رب الكون والحياة.. السلام الذي لا تجده البشرية.. -ولم تجده يوماً- إلا في هذا الدين؛ وإلا في منهجه ونظامه وشريعته، (سبل السلام) سبل السلام كلها في هذه الجوانب جميعها.. ولا يدرك عمق هذه الحقيقة كما يدركها من ذاق حرب القلق الناشيء من عقائد الجاهلية في أعماق الضمير.. وحرب القلق الناشيء من شرائع الجاهلية وتخبطها في أعماق الحياة.

ما أحوجنا نحن الذين عشنا في هذا السلام فترة من تاريخنا، ثم خرجنا من السلام إلى الحرب التي تحطم أرواحنا وقلوبنا، وتحطم أخلاقنا وسلوكنا، وتحطم مجتمعنا وشعوبنا.. بينما نملك الدخول في السلم الذي منحه الله لنا؛ حين نتبع رضوانه؛ ونرضى لأنفسنا ما رضيه الله لنا! إننا نعاني من ويلات الجاهلية، والقرآن منا قريب.. نعاني من حرب الجاهلية وسلام القرآن في متناول أيدينا لو نشاء.. فأية صفقة خاسرة هذه التي نستبدل فيها الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ونشتري فيها الضلالة بالهدى؟

(ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه)[المائدة: 16] .

والجاهلية كلها ظلمات، ظلمة الشبهات والخرافات والأساطير والتصورات، وظلمة الشهوات والنزعات والاندفاعات في التيه، وظلمة الحيرة والقلق والانقطاع عن الهدى والوحشة من الجناب الآمن المأنوس. وظلمة اضطراب القيم وتخلخل الأحكام والقيم والموازين (ويهديهم إلى صراط مستقيم) [المائدة: 16] .

مستقيم مع فطرة النفس ونواميسها.. مستقيم مع فطرة الكون ونواميسه، مستقيم إلى الله لا يلتوي ولا تلتبس فيه الحقائق والاتجاهات والغايات (1) .

(ألا بذكر الله تطمئن القلوب)[الرعد: 28] .

"ذلك الاطمئنان بذكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة يعرفها الذين

(1)"في ظلال القرآن"(2/862، 863) .

ص: 189

خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم.. يعرفونها ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين الذين لم يعرفوها، لأنها لا تنقل بالكلمات، إنما تسري في القلب فيستروحها ويهش لها ويندى بها ويستريح إليها ويستشعر الطمأنينة والسلام.

وليس أشقى على وجه الأرض ممن يحرمون طمأنينة الأنس إلى الله، ليس أشقى ممن ينطلق في هذه الأرض مبتور الصلة بما حوله في الكون، لأنه انفصم من العروة التي تربطه بالله، ليس أشقى في الحياة ممن يشق طريقه وحيداً شارداً في فلاة، عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين.

(ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً)[الرعد: 31] .

هذا القرآن العجيب، الذي لو كان من شأن قرآن أن تسير به الجبال أو تقطع به الأرض أو يكلم به الموتى، لكان في هذا القرآن من الخصائص والمؤثرات ما تتم معه هذه الخوارق والمعجزات، ولكنه جاء لخطاب المكلفين الأحياء.

ولقد صنع هذا القرآن في النفوس التي تلقته وتكيفت به أكثر من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وإحياء الموتى، لقد صنع في هذه النفوس وبهذه النفوس خوارق أضخم وأبعد آثاراً في أقدار الحياة، بل أبعد أثراً في شكل الأرض ذاته، فكم غير الإسلام والمسلمون من وجه الأرض، إلى جانب ما غيروا من وجه التاريخ.

الذين تلقوه وتكيفوا به سيروا ما هو أضخم من الجبال وهو تاريخ الأمم والأجيال وقطعوا ما هو أصلب من الأرض، وهو جمود الأفكار وجمود التقاليد، وأحيوا ما هو أخمد من الموتى، وهو الشعوب التي قتل روحها الطغيان والأوهام (1) .

(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)[الإسراء: 9] .

يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور، بين ظاهر الإنسان وباطنه، في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، في علاقات الناس بعضهم ببعض.

(1)"الظلال"(2060-2061) .

ص: 190

(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا)[الإسراء: 82] .

في القرآن شفاء، وفي القرآن رحمة، لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان فأشرقت، وتفتحت لتلقي ما في القرآن من روح وطمأنينة وأمان.

في القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة، فهو يصل القلب بالله، فيرضى ويستروح الرضا من الله والرضى عن الحياة، والقلق مرض، والحيرة نصب، والوسوسة داء، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين.

وفي القرآن شفاء من الهوى والدنس والطمع والحسد ونزغات الشيطان.

وفي القرآن شفاء من الاتجاهات المختلة في الشعور والتفكير فهو يعصم العقل من الشطط.

وفي القرآن شفاء من العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء المجتمعات (1) .

(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)[الزخرف: 36] .

"وأسوأ ما يصنعه قرين بقرين أن يصده عن السبيل الواحدة القاصدة ثم لا يدعه يفيق، أو يتبين الضلال فيتوب؛ إنما يوهمه أنه سائر في الطريق القاصد القويم، حتى تفاجئهم النهاية وهم سادرون، هنا يفيقون كما يفيق المخمور، ويفتحون أعينهم بعد العشى والكلال.

والعذاب كامل لا تخففهُ الشركة، ولا يتقاسمه الشركاء فيهون" (2) .

(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى)[طه: 124] .

الحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة؛ ضنك مهما يكن فيها من سعة ومتاع.

(1)"الظلال"(4/2248) .

(2)

"الظلال"(3189-3190) .

ص: 191

إنه ضنك الانقطاع عن الاتصال بالله والاطمئنان إلى حماه.... ضنك الحيرة والقلق والشك.... ضنك الحرص والحذر: الحرص على ما في اليد والحذر من الفوت.... ضنك الجري وراء بارق المطالع والحسرة على كل ما يفوت.

لقد أسرف من أعرض عن ذكر ربه فألقى بالهدى من بين يديه، وهو أنفس ثراء وذخر (1) .

قال تعالى: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)[المائدة: 44] .

إنه ليس أشنع من خيانة المستأمن؛ وليس أبشع من تفريط المستحفظ؛ وليس أخس من تدليس المستشهد.. يخونون ويفرطون ويدلسون، فيسكتون على العمل لتحكيم ما أنزل الله ويحرفون الكلم عن مواضعه، لموافاة أهواء ذوي السلطان على حساب كتاب الله.

(فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق)[المائدة: 48] .

(أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)[المائدة: 5] .

أجل؛ فمن أحسن من الله حكماً؟!!.

"من ذا الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس ويحكم فيهم، خيراً مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم، وأي حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟!

أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟! أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟! أيستطيع أن يقول: إن الله سبحانه - وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير، ويجعل رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين،

(1)"الظلال"(2355) .

ص: 192

ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد كان -سبحانه وحاشاه- يجهل أن أحوالاً ستطرأ، وأن حاجات ستستجد، وأن ملابسات ستقع، فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟!

ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها شريعة الجاهلية، وحكم الجاهلية، ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من أجيال البشر، فوق حكم الله، وفوق شريعة الله؟!

ما الذي يستطع أن يقوله.. وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين؟! الظروف؟! الملابسات؟! عدم رغبة الناس؟! الخوف من الأعداء؟! ألم يكن كل هذا في علم الله، قصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة؛ والأوضاع المتجددة، والأحوال المتغلبة؟ ألم يكن ذلك في علم الله.

يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء.. ولكن المسلم.. أو من يدعون الإسلام.. ما الذي يقولون عن هذا كله؛ ثم يبقون على شيء من الإسلام؟ أو يبقى لهم شيء من الإسلام؟ إنه مفرق الطريق الذي لا معدى عنده من الاختيار، ولا فائدة في المماحكة عنده ولا الجدال إما إسلام وإما جاهلية إما حكم الله وإما حكم الجاهلية (1) .

(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)[الحديد: 16] .

لا يأس من قلب خمد وجمد وقسا وتبلد، فإنه يمكن أن تدب فيه الحياة، وأن يشرق فيه النور وأن يخشع لذكر الله، فالله يحيي الأرض بعد موتها، فتنبض بالحياة، وتزخر بالنبت والزهر، وتمنح الأكل والثمار، وكذلك القلوب حين يشاء الله.

وفي هذا القرآن ما يُحيي القلوب كما تحيا الأرض وما يمدها بالغذاء والري والدفء" (2) .

(1)"الظلال"(2/905) .

(2)

"الظلال"(3489) .

ص: 193

يا أصحاب السورة ويا أصحاب السورتين ماذا غرس القرآن في قلوبكم إن القرآن ربيع قلب المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض، إن الغيث قد ينزل على الحبة في الحش، ما يمنعه نتن موضعها من أن تزهر وتثمر وتربو فماذا غرس القرآن في قلوبكم؟!

قال تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله)(1) الآية [الحشر: 21] .

إن لهذا القرآن لثقلاً وسلطاناً وأثراً مزلزلاً لا يثبت له شيء يتلقاه بحقيقته، والذين أحسّوا شيئاً من مس القرآن في كيانهم يتذوقون هذه الحقيقة تذوقاً لا يعبر عنه إلا هذا النص القرآني المشع الموحي".

(وبالحق أنزلناه وبالحق نزل)[الإسراء: 105] .

لقد أنزل الله هذا القرآن قائماً على الحق منزل ليقر الحق في الأرض ويثبته.. (وبالحق نزل) فالحق مادته والحق غايته، ومن الحق قوامه، وبالحق اهتمامه.. الحق الأصيل الثابت في ناموس الوجود (2) .

(قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً)[الإسراء: 107، 108] .

"هم لا يسجدون ولكن (يخرون للأذقان سجداً) لا تكفي الألفاظ في تصوير ما يجيش في صدورهم منه، فإذا الدموع تنطلق معبرة عن ذلك التأثر الغامر الذي لا تصوره الألفاظ.

"هذا أثر القرآن في القلوب المتفتحة لاستقبال فيضه، العارفة بطبيعته وقيمته".

"إني لأعجب لقرّاء القرآن كيف يهنيهم النوم ومعهم القرآن، أما والله لو علموا ما حملوا لطار عنهم النوم فرحاً بما رُزقوا".

(1)"الظلال"(3532) .

(2)

"الظلال"(2253) .

ص: 194

في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".

قال ابن رجب: "دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان".

وفى حديث فاطمةَ عليها السلام عن أبيها صلى الله عليه وسلم: أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين.

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً فإن الليل تنقطع فيه الشواغل ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى:(إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً)[المزمل: 6] . (1) فكتاب الله أفضل مؤانس وسميرك إذا احلولكت ظلمة الحنادس.

نعم السمير كتاب الله إن له

حلاوة هي أحلى من جني الضرب

به فنون المعاني قد جمعن فما

تفتّر من عجب إلَّا إلى عجب

أمر ونهي وأمثال وموعظة

وحكمة أودعت في أفصح الكتب

لطائف يجتليها كل ذي بصر

وروضة يجتنيها كل ذي أدب

قال تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور)[فاطر: 29-30] .

قال صلى الله عليه وسلم: "أوصيك بتقوى الله تعالى؛ فإنه رأس كل شيء وعليك بالجهاد فإنه

(1)"لطائف"(189) .

ص: 195

رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض" (1) .

قال صلى الله عليه وسلم: "خياركم من تعلم القرآن وعلمه"(2) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "من سرَّه أن يحب الله ورسوله فلينظر في المصحف"(3) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"(4)

وقال صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرؤه ويتعتع فيه وهو عليك شاق له أجران"(5) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة، اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد لكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه"(6) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حَله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيُلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقول: اقرأ وارق، ويزاد بكل آية حسنة"(7) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة"(8) .

(1) حسن: رواه أحمد عن أبي سعيد وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (2543) .

(2)

صحيح: رواه الدارمي عن سعد، وأحمد وابن أبي شيبة عن علي، وابن أبي شيبة عن عثمان وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3268) .

(3)

حسن: رواه أبو نعيم في "الحلية" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن مسعود وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (6289) .

(4)

رواه البخاري في "التاريخ"، والترمذي، والحاكم عن ابن مسعود وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (6469) .

(5)

رواه البخاري ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة عن عائشة.

(6)

رواه أحمد والنسائي، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، عن ابن عمرو وصححه الألباني رقم (8122) في "صحيح الجامع".

(7)

حسن: رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (8030) .

(8)

رواه أحمد ومسلم، والترمذي عن أبي هريرة.

ص: 196

وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كانت سورة واحدة لكفت الناس"(1) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض"(2) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يرفع بهذا الكلام أقواماً ويضع به آخرين"(3) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن لله تعالى أهلين من الناس: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته"(4) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله"(5) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله"(6) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم"(7) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة"(8) .

قال ابن رجب: "كان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها".

"كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان يختم في غير رمضان في كل ست ليال"(9) .

(1) صحيح: رواه أحمد، وأبو داود عن أبي سعيد، والطحاوي، وابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (5293) .

(2)

صحيح: رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وابن جرير عن أبي سعيد وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4473) .

(3)

رواه مسلم، وابن ماجة عن عمر.

(4)

رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم عن أنس وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (2165) .

(5)

صحيح: رواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة والبيهقي في "شعب الإيمان" والخطيب عن ابن عباس، والسجزي في "الإنابة"، والخطيب عن ابن عمر، والديلمي في "مسند الفردوس" عن عائشة وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (194) .

(6)

صحيح: رواه ابن ماجة عن جابر وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (2202) .

(7)

رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم عن البراء، والطبراني عن ابن عباس، وأبو نعيم عن عائشة وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3580) .

(8)

رواه أحمد والنسائي، عن تميم وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (6465) .

(9)

"الحلية"(2/163) .

ص: 197

"كان قتادة يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة"(1) .

"وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث"(2) .

والشافعي قال عنه ربيع بن سليمان: "كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة، ما منها شيء إلا في صلاة".

وقال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: كنت أختم القرآن في رمضان ستين مرة.

وقال الحميدي: كان الشافعي يختم القرآن كل يوم ختمة، وعن أبي حنيفة نحوه" (3) .

"وكان سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الرجوي يختم كل يوم".

وأبو العباس بن عطاء: قال عنه أبو الحسين محمد بن علي صاحب الجنيد: "صحبت أبا العباس بن عطاء عدة سنين متأدباً بآدابه، وكان له في كل يوم ختمة، وفي كل شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات".

قال النووي: "روى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أن مجاهداً رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء" وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل" (4) .

وعن منصور: "كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء في كل ليلة من رمضان"(5) .

(1)"الحلية"(2/338) ، "لطائف"(191) .

(2)

"لطائف"(191) .

(3)

"لطائف المعارف"(191) .

(4)

"التبيان"(11، 12) ، و"الأذكار"(95، 96) .

(5)

"التبيان"(11، 12) ، و"الأذكار"(95، 96) .

ص: 198

قال ابن رجب: وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان.

وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام.

قال ابن الحكم. كان مالك إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم.

قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.

وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت.

وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه.

"وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، خصوصاً في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد، وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره"(1) .

قال ابن مسعود: ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون.

قال محمد بن كعب: كنا نعرف قارئ القرآن بصفرة لونه يشير إلى سهره وطول تهجده.

قال وهيب بن الورد: قيل لرجل ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي.

قال أحمد بن الحواري: إني لأقرأ القرآن وانظر في آية فيحير عقلي بها،

(1)"لطائف"(191، 192) .

ص: 199

وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحاً بما رزقوا.

وأنشد ذو النون المصريّ:

منع القرآن بوعده ووعيده

مقل العيون بليلها لا تهجع

فهموا عن الملك الكريم كلامه

فهماً تذل له الرقاب وتخضع (1)

رمضان والشفاعة:

لأنه شهر الصيام والقرآن وهما يشفعان للعبد يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم. "القرآن شافع مشفع، ماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار"(2) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"(3) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، يقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان"(4) .

عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب فيقول: أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك"(5) .

(1)"لطائف المعارف"(193) .

(2)

رواه ابن حبان، وابن ماجة عن جابر، والطبراني في "الكبير" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن مسعود وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4443) .

(3)

رواه أحمد، ومسلم عن أبي أمامة.

(4)

صحيح: رواه أحمد والطبراني في "الكبير" عن ابن عمرو، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3882) .

(5)

قال الألباني في "صحيح ابن ماجة"(2/314) : ضعيف يحتمل التحسين. قال ابن كثير: هذا إسناد حسن

على شرط مسلم فإن بشيراً هذا خرج له مسلم ووثقه ابن معين وقال النسائي ما به بأس انظر "الفتح الرباني"(18/72) .

ص: 200

قال ابن رجب (1) : "فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أولا يختص كشهوة فضول الكلام المحرمة، والنظر المحرم والسماع المحرم، والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته، فأما من ضيّع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني.

قال بعض السلف: إذا احتضر المؤمن يقال للملك: شم رأسه قال: أجد في رأسه القرآن، فيقال: شم قلبه، فيقول: أجد في قلبه الصيام، فيقال: شم قدميه، فيقول: أجد في قدميه القيام، فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عز وجل.

وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له، أما من كان معه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار، فإنه ينتصب القرآن خصماً له يطالبه بحقوقه التي ضيعها كما جاء في حديث سمرة ابن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وقالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا ورجع إليه حتى يصحّ رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى"

الحديث وفيه: "أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ بالقرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة"(2) .

يا من ضيّع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة (3) .

(1)"اللطائف"(192) .

(2)

رواه البخاري تاماً في كتاب التعبير باب تعبير الرؤيا، ومسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي.

(3)

"اللطائف"(194) .

ص: 201

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

يا إخوتاه:

"هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويُسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع، وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أفمالنا فيهم أسوة؟ ما بيننا وبين حال الصفا أبعد مما بين الصفا والمروة، كلما حسنت منا الأقوال ساءت الأعمال.

يا نفس فاز الصالحون بالتقى

وأبصروا الحق وقلبي قد عمي

يا حسنهم والليل قد جنهم

ونورهم يفوق نورالأنجم

ترنموا بالذكر في ليلهم

فعيشهم قد طاب بالترنم

قلوبهم للذكر قد تفرغت

دموعهم كلؤلؤ منتظم

أسحارهم بهم لهم قد أشرقت

وخلع الغفران خير القسم

ويحك يا نفس ألا تيقظ

ينفع قبل أن تزل قدمي

مضى الزمان في ثوان وهوى

فاستدركي ما قد بقى واغتنمي (1)

(1)"لطائف المعارف"(194، 195) .

ص: 202