الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسه لله في يوم حار كان حقّا على الله أن يُرويه يوم القيامة".
قال: فكان أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حرّاً فيصومه (1) .
صيام نهار الصيف من خصال الإيمان لطول نهار الصيف وشدة حره.
قال ابن رجب: "عن بعض السلف قال: بلغنا أنه يوضع للصوّام مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب فيقولون: يا رب نحن نحاسب وهم يأكلون، فيقال: إنهم طالما صاموا وأفطرتم وقاموا ونمتم".
وما بكى العباد على شيء عند موتهم إلا على ما يفوتهم من ظمأ الهواجر.
قال معاذ بن جبل عند موته: "مرحباً بالموت، زائر مغب، حبيب جاء على فاقة، اللَّهم كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك، اللَّهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لطول البقاء فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر"(2) .
الفضيلة الحادية عشر
الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة"(3) .
يا أخي: قال عمر بن الخطاب: "الشتاء غنيمة العابدين"(4) .
(1) حسن: حسّنه الألباني في "صحيح الترغيب"(1/412) .
(2)
"الثبات عند الممات" لابن الجوزي (ص 119) ، "الزهد" للإمام أحمد (ص 180) ، "حلية الأولياء"(1/239) .
(3)
حسن: رواه أحمد في مسنده، وأبو يعلى في مسنده، والبيهقي في "السنن الكبرى" عن عامر بن مسعود، ورواه الطبراني في الأوسط، وابن عدي في "الكامل"، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أنس، وابن عدي والبيهقي فى "شعب الإيمان" عن جابر، ورواه ابن أبي شيبة، والضياء عن عامر، وأشار السيوطي إلى حسنه، وحسّنه الألباني في "صحيح الجامع رقم (3868) .
وصح وقفه على أبي هريرة كما في "زوائد الزهد" لعبد الله بن أحمد وعنه أبو نعيم وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال البيهقي: هذا موقوف، وقال السخاوي:"وهو أصح".
(4)
موقوف على عمر بن الخطاب وهو صحيح: رواه أحمد في "الزهد"، وابن أبي شيبة، وأبو نعيم في "الحلية" عن أبي عثمان النهدي، عن عمر: وإسناده صحيح على شرطهما.
قال الحسن: نعم زمان المؤمن الشتاء: ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه.
وقال قتادة: إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن يقصر النهار فيصومه ويطول الليل فيقومه.
وكان عبيد بن عمير الليثي إذا جاء الشتاء يقول: "يا أهل القرآن، قد طال الليل لصلاتكم، وقصر النهار لصومكم".
يا أخي: الشتاء ربيع المؤمن.
قال ابن رجب: "لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها، فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسّر الله فيه من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام"(1) .
قال المناوي: "الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة" أي الغنيمة التي تحصل بغير مشقة والعرب تستعمل البارد في شيء ذي راحة، والبرد ضد الحرارة لأن الحرارة غالبة في بلادهم فإذا وجدوا برداً عدّوه راحة، وقيل الباردة: الثابتة من برد لي على فلان كذا أي ثبت، أو الطيبة من برد الهواء إذا طاب، والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب وأيضاً فإن الهواء والماء لما كان طيبها ببردهما سيما في بلاد تهامة والحجاز قيل هواء بارد وماء بارد على سبيل الاستطابة ثم كثر حتى قيل: عيش بارد وغنيمة باردة ذكره الزمخشري.
قال الطيبي: والتركيب من قلب التشبيه لأن الأصل الصوم في الشتاء كالغنيمة الباردة وفيه من المبالغة أن الأصل في التشبيه أن يلحق الناقص بالكامل كما يقال زيد كالأسد فإذا عكس وقيل الأسد يجعل الأصل كالفرع والفرع كالأصل يبلغ التشبيه إلى الدرجة القصوى في المبالغة ومعناه الصائم في الشتاء يحوز الأجر من غير أن تمسه مشقة الجوع" (2) .
فبادر أخي إلى صيام الشتاء تحصّل الغنائم وتكن من السعداء.
(1)"لطائف المعارف"(ص 341) .
(2)
"فيض القدير"(4/243) .