الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع
فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب
قد تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ونساء التشبه بالكفار سواءً في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاص بهم، قال تعالى:(ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون)[الجاثية: 18] .
وقال تعالى: (وكذلك أنزلناه حكماً عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق)[الرعد: 37]
وقال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[الحديد: 16] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولا يكونوا] نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضاً في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي.
* وقال ابن كثير عن تفسير هذه الآية (4/311) :
"ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية".
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم) .
قال قتادة: كانت اليهود تقوله استهزاءً، فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم، وقال أيضاً: كانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا سمعك يستهزءون بذلك، وكانت في اليهود قبيحة، فهذا يبين أن هذه الكلمة نهي المسلمون عن قولها، لأن اليهود كانوا يقولونها وإن كانت من اليهود قبيحة، ومن المسلمين لم تكن قبيحة، لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم.
عن أنس بن مالك: "إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:
(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اصنعوا كل شيء إلا النكاح".. فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه
…
" (1) الحديث.
قال ابن تيمية في "الاقتضاء":
"فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود بل على أنه خالفهم في عامة أمورهم حتى قالوا:
ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.
قال الألباني ناقلاً لكلام ابن تيمية:
"ثم إن المخالفة تارة تكون في أصل الحكم، وتارة في وضعه، وقد ذكرنا حديث ليلى امرأة بشير بن الخصاصية".
وعن ابن عباس قال:
"حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع"، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذا يوم عاشوراء يوم فاضل يكفر سنة ماضية، صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه، ورغب فيه، ثم لماّ قيل له (قبيل وفاته) : إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، أمر بمخالفتهم، بضم يوم آخر إليه، وعزم على ذلك، ولهذا استحب العلماء أن يصوم تاسوعاء وعاشوراء وبذلك علّلت الصحابة رضي الله عنهم"(3) .
(1) رواه مسلم، وأبو عوانة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2)
رواه مسلم والبيهقي وغيرهما.
(3)
"اقتضاء الصراط المستقيم"(ص 41) .
قال سعيد بن منصور حدثنا
…
عن ابن عباس: "صوموا التاسع والعاشر خالفوا اليهود"(1) .
* وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر مما يصوم من الأيام، ويقول:"إنهما يوماً عيد المشركين فأنا أحب أن أخالفهم"(2) .
قال الحافظ في "الفتح"(10/375) :
"وأشار بقوله (يوماً عيد) إلى أن يوم السبت عيد عند اليهود، والأحد عيد عند النصارى، وأيام العيد لا تصام فخالفهم بصيامها، ويستفاد من هذا أن الذي قاله بعض الشافعية من كراهة إفراد السبت وكذا الأحد ليس جيداً، بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة كما ورد الحديث الصحيح فيه، وأما السبت والأحد فالأولى أن يصاما معاً وفرادى امتثالاً لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب، ثم قال: وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت على الثلاثين حكماً وقد أودعتها كتابي الذي أسمتيه "القول الثبت في صيام يوم السبت" ا. هـ.
لا نسب لهذه الأمة إلا المحمدية ليست بإمعة:
غريبة تبتغي الفرقان رائدة
…
بدرية جلّ في أعماقها النسب
* عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر"(3) .
قال المناوي "قال النووي: المشهور وضبط الجمهور أنه بفتح الهمزة مصدر للمرة من الأكل، وضبطه المغاربة بالضم، وقال عياض: روي بالفتح والضم
(1) قال الألباني: إسناده صحيح على شرطهما.
(2)
رواه أحمد والحاكم، والبيهقي، والنسائي في "السنن الكبرى"، والطبراني في "الكبير" وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وقال الألباني: إسناده حسن، وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
(3)
مسلم، وأصحاب السنن، وأحمد.
فبالضم معنى اللقمة، وبالفتح الأكل مرة واحدة، قال: وهو الأشبه لأن الثواب في الفعل لا في الطعام.
قال الحافظ العراقي: ولو قيل: الأشبه هنا الضم لم يبعد لأن الفضل يحصل بلقمة ولا يتوقف على زيادة. انتهى، والقصد بهذا الحديث الحث على السحور والإعلام بأن هذا من الدين، وذلك لأن الله أباح لنا إلى الفجر ما حرّم عليهم من نحو أكل وجِماع بعد النوم، فمخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة التي خصصنا بها.
قال ابن تيمية: "وفيه دليل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع.
قال مالك: ولذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون ترك العمل يوم الجمعة لئلا يصنعوا فيه كما فعل اليهود والنصارى في يوم السبت والأحد" (1) .
* وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون"(2) .
قال شيخ الإسلام:
"وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى، وإذا كانت مخالفتهم سبباً لظهور الدين، فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله، فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة".
* وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار"(3) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"(4) خ، م، ت.
(1)"فيض القدير"(4/430) .
(2)
رواه الترمذي وأحمد بإسناد حسن قاله الألباني وقال: قد خرجناه في "التعليقات الجياد على زاد المعاد".
(3)
رواه أحمد عن إلى ذر وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (7284) .
(4)
رواه البخاري ومسلم.
* وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، فإن اليهود يؤخرون"(1) .
* قال المناوي (6/395) : "امتثالاً للسنة ومخالفة لأهل الكتاب حيث يؤخرون الفطر إلى ظهور النجوم، وفيه إيماء إلى أن فساد الأمور تتعلق بتغير هذه السنة، وأن تأخير الفطر علم على فساد الأمور".
قال القسطلاني: "وأمَّا ما يفعله الفلكيون من التمكين بعد الغروب بدرجة فمخالف للسنة فلذا قلّ الخير".
وقال أيضاً: "تعجيل الفطر وتأخير السحور من خصائص هذه الأمة".
قال ابن عبد البر: "أخبار تعجيل الفطر وتأخير السحور متواترة".
وقال أيضاً (6/450) :
"تعجيله بعد تيقن الغروب من سنن المرسلين، فمن حافظ عليه تخلّق بأخلاقهم، ولأن فيه مخالفة أهل الكتاب في تأخيرهم إلى اشتباك النجوم، وفي ملتنا شعار أهل البدع، فمن خالفهم واتبع السنة لم يزل بخير، فإن أخّر غير معتقد وجوب التأخير ولا ندبه فلا خير فيه كما قال الطيبي: أن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الطريق المستقيم، ومَنْ تعوّج عنها فقد ارتكب المعوّج من الضلال ولو في العبادة".
* وعن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي على سنتي، ما لم تنتظر بفطرها النجوم"(2) .
وهذه الخيرية تصيب الأمة بأسرها لبركة اتباع السنة، وينال محي هذه السنة مخالفة لأهل الكتاب من هذه الخيرية النصيب الوافر.
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين"(3) .
(1) حسن رواه ابن ماجة عن أبي هريرة، وابن خزيمة، وابن حبان، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (695) .
(2)
صحيح: رواه ابن حبان في "صحيحه"، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/449) .
(3)
حسن: رواه ابن حبان والطبراني في "الأوسط" وأبو نعيم في "الحلية" عن ابن عمر وحسنه الألباني في "صحيح
الجامع" رقم (1844) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بهذا السحور فإنه هو الغداء المبارك"(1) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "هلم إلى الغداء المبارك -يعني السحور-"(2) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "تسحروا ولو بجرعة ماء"(3) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة (4) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "إنا معشر الأنبياء أُمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا، ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة"(5) .
* وقال صلى الله عليه وسلم: "بكروا بالإفطار وأخروا السحور"(6) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "السحور أكلة بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين"(7) .
وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمون السحور الفلاح.
"وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر خشيهّ أن يفوتنا الفلاح -السحور- الغداء المبارك، وصلاة الله، ومن أخلاق النبوة لأنه فيه مخالفة لأهل الكتاب فكيف لا تكون فيه الخيرية وظهور هذا الدين".
قلّب فؤادك في محاسن شرعنا
…
تلقى جميع الحسن فيه مصورا
(1) رواه أحمد، والنسائي، عن المقدام وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4081) .
(2)
صحيح: رواه أحمد وأبو داود، والنسائي، وابن حبان عن العرباض وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (7043) .
(3)
صحيح: رواه أبو يعلى عن أنس، ورواه الضياء في "المختارة"، وأحمد عن أبي سعيد ورواه ابن حبان عن ابن عمرو وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (2945) .
(4)
رواه الطبراني في "الكبير" عن أبي الدرداء وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3038) .
(5)
صحيح: رواه الطيالسي، والطبراني في "الكبير" عن ابن عباس، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (2286) .
(6)
رواة ابن عدي عن أنس وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (2835) .
(7)
حسن: رواه أحمد عن أبي سعيد وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3683) .
كم من معاني في صيام نبينا
…
نفح أرق من النسيم إذا سرى
وانظر لفرق صيامهم وصيامنا
…
نهراً تفجر أحمديا كوثرا
فدهشت بين جماله وجلاله
…
وغدا لسان الحال عني مخبرا
لو أن كل الحسن أكمل صورة
…
ورآه كان مهللاً ومكبرا
***