المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

زوجها صحّ باتفاق أصحابنا، وإن كان الصوم حراماً لأن تحريمه - نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان - جـ ١

[سيد حسين العفاني]

فهرس الكتاب

- ‌بقلم فضيلة الشيخ أبو بكر جابر الجزائري

- ‌بقلم فضيلة الشيخ: محمد صفوت نور الدين

- ‌بقلم فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد بن عبد المقصود العفيفي

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولمن معاني الصوم

- ‌أ- الإخلاص عنوان الصوم

- ‌(ب) التقوى حكمة الصوم العليا

- ‌(جـ) ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون

- ‌(د) الصوم وإعداد الأمة

- ‌(هـ) الصوم رياضة للنفس على ترك الشهوات

- ‌(و) الصوم والمراقبة

- ‌الباب الثانيفضائل الصوم

- ‌الفضيلة الأولى: الصائمون هم السائحون

- ‌الفضيلة الثانية: الصوم لا مثل له

- ‌الفضيلة الثالثةإضافته لله تعالى تشريفاً لقدره وتعريفاً بعظيم فخره

- ‌الفضيلة الرابعة: رفعة الدرجات

- ‌الفضيلة الخامسة: الصيام مناسب لصفة من صفات الحق

- ‌الفضيلة السادسةجميع العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصيام

- ‌الفضيلة السابعةالصوم كفارة للخطيئات

- ‌الفضيلة الثامنةتشريف الله والملائكة له بالصلاة عليه

- ‌الفضيلة التاسعةالصيام جنة من النار

- ‌الفضيلة العاشرةالصوم في الصيف يورث السقيا يوم العطش

- ‌الفضيلة الحادية عشرالصوم في الشتاء الغنيمة الباردة

- ‌الفضيلة الثانية عشرنداء الريان لعاشر الصوام

- ‌الفضيلة الثالثة عشرالصوم سبيل إلى الجنات

- ‌الفضيلة الرابعة عشرشفاعة الصيام يوم القيامة لصاحبه

- ‌الفضيلة الخامسة عشردعوة الصائم لا ترد

- ‌الفضيلة السادسة عشرالصيام شعار الأبرار

- ‌الفضيلة السابعة عشرللصائم فرحتان

- ‌الفضيلة الثامنة عشرخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

- ‌الفضيلة التاسعة عشرالصوم جُنَّة

- ‌الفضيلة العشرونقطع أسباب التعبد لغير الله

- ‌الفضيلة الواحد والعشرونالصوم شكر للمنعم عالم الخفيات

- ‌الفضيلة الثانية والعشرونتوفير الطاعات وتحريض على المثوبات

- ‌الفضيلة الثالثة والعشرونتكثير الصدقات، والإحسان إلى ذوي الحاجات

- ‌الفضيلة الرابعة والعشرونرقة القلب وصيانة الجوارح

- ‌الفضيلة الخامسة والعشرونالصيام فدية لبعض الأعمال

- ‌ثمرات الصيام

- ‌الباب الثالثصوم الجاهليةموضوع تحت قدمي

- ‌إياكم وبنيات الطريق

- ‌1- الجناحية من الرافضة وصومها:

- ‌2- الخطابية:

- ‌3- الكيسانية:

- ‌4- العجلية:

- ‌5- الحزمية:

- ‌6- الإسماعيلية (الباطنية) :

- ‌7- صوم القرامطة:

- ‌8- الصليحيون "الإسماعيلية الطيبية باليمن

- ‌9- صوم البهرة:

- ‌10- الإسماعيلية النزارية:

- ‌أ- الحشاشون:

- ‌11- صوم الإسماعيلية الأغاخانية:

- ‌12- النصيريون وصومهم:

- ‌13- صوم الدروز:

- ‌فلاسفة الصومية وغلاتها:

- ‌14- صوم ابن عربي:

- ‌15- صوم الحلاج:

- ‌16- صوم ابن الفارض: وسَنن النصارى:

- ‌17- صوم الرفاعية:

- ‌19- أبو العلاء المعري والصوم عن الحيوان "زهاد المبتدعة

- ‌صوم المارقين المرتدين:- البهائية -القاديانية

- ‌20- صوم البهائية:

- ‌21- صوم القاديانية:

- ‌22، 23- صوم النصارى واليهود:

- ‌الباب الرابعفصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب

- ‌الباب الخامسسادات الصائمين

- ‌(1) صوم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌(2) صوم ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌(3) صوم أبي طلحة الأنصاري

- ‌(4) صوم عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) صوم أم المؤمنين حفصة بنت عمر

- ‌(6) صوم أبي الدرداء حكيم الأمة وسيد القراء

- ‌(7) صوم عبد الله بن عمرو بن العاص

- ‌(8) صوم عبد الله بن عمر

- ‌(9) صوم أبي أمامة الباهلي

- ‌(10) صوم عبد الله بن الزبير

- ‌(11) صوم عبد الله بن رواحة

- ‌(12) صوم الصحابي الجليل حمزة بن عمرو الأسلمي

- ‌(13) صوم أبي مسلم الخولاني

- ‌(14) صوم عامر بن عبد قيس

- ‌(15) صوم الأسود بن يزيد النخعي

- ‌(16) صوم مسروق بن عبد الرحمن

- ‌(17) صوم العلاء بن زياد

- ‌(18) صوم سعيد بن المسيب سيد التابعين

- ‌(19) صوم أبي بكر بن عبد الرحمن راهب قريش

- ‌(20) صوم عروة بن الزبير

- ‌(21) صوم سليمان بن يسار

- ‌(22) صوم عطاء بن يسار

- ‌(23) صوم إبراهيم النخعي

- ‌(24) صوم الحسن البصري

- ‌(25) صوم ابن سيرين

- ‌(26) صوم عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي

- ‌(27) صوم عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكومي

- ‌(28) صوم عراك بن مالك الغفاري

- ‌(29) صوم منصور بن المعتمر

- ‌(30) صيام سليمان بن طرخان

- ‌(31) صوم الزهري

- ‌(32) صوم ابن جريج

- ‌(33) صوم عبد الله بن عون

- ‌(34) صوم داود بن أبي هند

- ‌(35) صوم ابن أبي ذئب

- ‌(36) صوم شعبة الخير أبي بسطام

- ‌(37) صوم غندر

- ‌(38) صوم معروف الكرخي

- ‌(39) صوم أحمد بن حرب

- ‌(40) صوم أحمد بن حنبل إمام أهل السنة

- ‌(41) صوم إبراهيم بن هانئ النيسابوري

- ‌(42) صوم أحمد بن سليمان أبو بكر النجاد

- ‌(43) صوم بقي بن مخلد

- ‌(44) صوم المنبجي

- ‌(45) صوم ابن زياد النيسابوري

- ‌(46) صوم القطان

- ‌(47) صوم ابن بطة

- ‌(48) صوم ابن جميع

- ‌(49) صوم السكن ابن جميع

- ‌(50) صوم الصوري

- ‌(51) صوم الدوني

- ‌(52) صوم العماد المقدسي

- ‌(53) صوم ثابت البناني

- ‌(55) صوم وكيع بن الجراح

- ‌(56) صوم أبي بكر بن عيّاش

- ‌(57) صوم جعفر بن الحسن الدرزيجاني

- ‌(58) صوم رحلة العابدة

- ‌(59) صوم ميمونة بنت الأقرع

- ‌(60) صوم أبي حنيفة

- ‌(61) صوم محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة

- ‌(62) صوم الملك العادل نور الدين محمود زنكي

- ‌(63) صوم الشيخ الورع علي العياش:

- ‌(64) صوم السيدة المكرمة الصالحة نفيسة ابنة الحسن بن زيد

- ‌الباب السادسبين يدي رمضان

- ‌إذا العشرون من شعبان ولت

- ‌التهنئة بقدوم رمضان

- ‌الباب السابعفضائل رمضان

- ‌رمضان شهر نزول القرآنوالكتب السماوية

- ‌سجع

- ‌رمضان شهر التراويح والتهجد

- ‌رمضان شهر تكفير الذنوب

- ‌التائبون العابدون "سجع

- ‌رمضان شهر الجود والإحسان

- ‌رمضان شهر فتح أبواب الجنان

- ‌رمضان شهر غلق أبواب النيران

- ‌رمضان شهر الصبر والتربية

- ‌رمضان شهر الشكر

- ‌رمضان شهر الدعاء المستجاب

- ‌رمضان شهر مضاعفة الأجر

- ‌رمضان شهر تصفيد الشياطين

- ‌رمضان غنم للمؤمن ونقمة للفاجر

- ‌رمضان شهر تربية المجتمع

- ‌رمضان شهر ليلة القدر

- ‌الباب الثامنرمضان شهر الجهاد والفتوحات

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة:

- ‌ هدم الأصنام:

- ‌فتح النوبة ومعاهدة القبط

- ‌سنة 67 هـ زالت دولة المختار الثقفي:

- ‌وقفة على أبواب مدريد

- ‌فتوح المسلمين في فرنسا

- ‌سنة 222 هـ فتح البذ مدينة "بابك الخرمي

- ‌سنة 223 هـ فتح عمورية على يد المعتصم:

- ‌سنة 559 هـ وقعة حارم:

- ‌فتح أنطاكية

- ‌فتح أرمينيا الصغرى

- ‌فتح جزيرة قبرص

- ‌فتح البوسنة والهرسك

- ‌جهاد المسلمين في الحبشة

- ‌الباب التاسعحدث في رمضان

- ‌5 هـ حديث الإفك:

- ‌9 هـ قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب العاشرأسرار الصوم وشروطه الباطنة

- ‌الباب الحادي عشرالموضوع والضعيف في الصوم

- ‌الباب الثاني عشرالصوم على أربعين وجهًا

- ‌الباب الثالث عشرالصوم المندوب والمنهي عنه

- ‌ الصوم المندوب

- ‌صيام شهر الله المحرم

- ‌صوم شعبان

- ‌حكم التطوع بالصيام بعد انتصاف شعبان:

- ‌ليلة النصف من شعبان:

- ‌صيام ستة أيام من شوال

- ‌صوم الأشهر الحرم

- ‌صوم رجب

- ‌النوع الثانى: صوم الأيام

- ‌1- صوم عشر ذي الحجة

- ‌2- صوم يوم عرفة

- ‌3- صوم يوم عاشوراء

- ‌4- صوم أيام البيض

- ‌5- صيام الاثنين والخميس

- ‌7- صيام يوم السبت والأحد مخالفة للمشركين

- ‌الصوم المبهم المقيد بزمن

- ‌(1) صوم يوم وإفطار يوم

- ‌(2) صوم يوم وإفطار يومين

- ‌(3) صوم عشرة أيام من الشهر

- ‌(4-7) صوم إحدى عشرة أو تسعا أو سبعا أو خمسة أيام من الشهر

- ‌(8) صيام أربعة أيام من الشهر

- ‌(9) صوم ثلاثة أيام من الشهر كيفية ذلك

- ‌(10) صوم يومين من الشهر

- ‌(11) صوم يوم من الشهر

- ‌الأيام المنهي عن صيامها

- ‌(1 و2) يوم الفطر، والأضحى

- ‌(ب) الأيام المنهي عن صيامها والمختلف فيها

- ‌1- أيام التشريق

- ‌سرّ حسن:

- ‌2- صوم يوم الجمعة

- ‌3- بعد النصف من شعبان

- ‌4- صوم السبت

- ‌5- يوم الشك

- ‌النهي عن صوم المرأة تطوعاً إلا بإذن زوجها وهو حاضر:

- ‌إفراد يوم النيروز بصوم

- ‌صيام الدهر

- ‌الوصال في الصوم

- ‌هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع

الفصل: زوجها صحّ باتفاق أصحابنا، وإن كان الصوم حراماً لأن تحريمه

زوجها صحّ باتفاق أصحابنا، وإن كان الصوم حراماً لأن تحريمه لمعنى آخر لا لمعنى يعود إلى نفس الصوم، فهو كالصلاة في دار مغصوبة.

وأما صومها التطوّع في غيبة الزوج عن بلدها فجائز بلا خلاف لمفهوم الحديث ولزوال معنى النهي.

* والأمَةُ المستباحة لسيدها في صوم التطوع كالزوجة، وأما الأمة التي لا تحل لسيدها بأن كانت محرماً له كأخته أو كانت مجوسية أو غيرهما والعبد، فإن تضررا بصوم التطوع بضعف أو غيره أو نقصاً، لم يجز بغير إذن السيد بلا خلاف، وإن لم يتضررا ولم ينقصا جاز والله أعلم.

قال المناوي (6/407) : "فلو نكحها صائمة فلا حق له في تفطيرها كما جزم به المروزي من عظماء الشافعية وأعظم بها فائدة قلّ من تعرض لها أما وهو غائب عن البلد فلا يكره بل يسن قال أبو زرعة: وفي معنى غيبته كونه لا يمكن التمتع بها لنحو المرض".

‌إفراد يوم النيروز بصوم

قال ابنُ قدامة في "المغني"(4/428-429) : "يكره إفراد يوم النيروز ويوم المهرجان (1) بالصوم لأنهما يومان يعظمها الكفار فكره كيوم السبت، وعلى قياس هذا، كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم".

‌صيام الدهر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام الأبد، فلا صام ولا أفطر"(2) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد"(3) .

(1) عيد تقيمه الفرس احتفالاً بالاعتدال الخريفي.

(2)

صحيح: رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم عن عبد الله بن الشخير، وابن حبان والنسائي والطبراني في "الكبير" عن ابن عمر، والنسائي وابن حبان عن عمران، والنسائي عن أبي قتادة وصححه الألباني في صحيح "الجامع" رقم (6323) .

(3)

رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن ابن عمرو.

ص: 543

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله"(1) .

* قال ابن حجر (4/261-263) : "المعنى أنه لم يحصل أجر الصوم لمخالفته، ولم يفطر لأنه أمسك".

* وإلى كراهة صوم الدهر مطلقاً ذهب إسحاق وأهل الظاهر، وهي رواية عن أحمد. وشذّ ابن حزم فقال: يحرم.

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي عمرو الشيباني قال: "بلغ عمر أن رجلاً يصوم الدهر، فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول: كل يا دهري".

* وإلى الكراهة مطلقاً ذهب ابنُ العربي من المالكية فقال: قوله: "لا صام من صام الأبد" إن كان معناه الدعاء فيا ويح من أصابه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم، وإذا لم يصم شرعاً لم يكتب له الثواب لوجوب صدق قوله صلى الله عليه وسلم لأنه نفى عنه الصوم، وقد نفى عنه الفضل كما تقدم، فكيف يطلب الفضل فيما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم".

* وذهب آخرون إلى جواز صيام الدهر وحملوا أخبار النهي على من صامه حقيقة فإنه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين وهذا اختيار ابن المنذر وطائفة، ورُوي عن عائشة نحوه.

* وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن قوي عليه ولم يفوت فيه حقًّا، وإلى ذلك ذهب الجمهور.

قال السبكي: أطلق أصحابنا كراهة صوم الدهر لمن فوّت حقَّا، ولم يوضحوا هل المراد الحق الواجب أو المندوب، ويتجه أن يقال: إن علم أنه يفوت حقا واجباً حرم، وإن علم أنه يفوت حقًّا مندوباً أولى من الصيام كره، وإن كان يقوم مقامه فلا.

ومن حجتهم حديث حمزة بن عمرو فإن في بعض طرقه عند مسلم أنه قال: "يا رسول الله إني أسرد الصوم" فحملوا قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: "لا أفضل من ذلك" أي في حقك فيلتحق به من في معناه ممن يدخل فيه على نفسه مشقة أو يفوت حقا، ولذلك

(1) رواه البخاري عن ابن عمرو.

ص: 544

لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد فلو كان السرد ممتنعاً لبينه له لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز قاله النووي.

* واختلف المجيزون لصوم الدهر بالشرط المتقدم هل هو أفضل أو صيام يوم وإفطار يوم أفضل؟ فصرح جماعة من العلماء بأن صوم الدهر أفضل لأنه أكثر عملاً فيكون أكثر أجراً وما كان أكثر أجراً كان أكثر ثواباً، وبذلك جزَم الغزالي أولاً وقيّده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهي عنها، وأن لا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم حجراً على نفسه، فإذا أمن من ذلك فالصوم من أفضل الأعمال، فالاستكثار منه زيادة في الفضل.

وذهب جماعة منهم المتولى من الشافعية وابنُ دقيق العيد إلى أن صيام داود أفضل.

وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، فمن يقتضي حاله الإكثار من الصوم أكثر منه، ومن يقتضي حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه، ومن يقتضي حاله المزج فعله، حتى أن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك، وإلى ذلك أشار الغزالي أخيراً والله أعلم بالصواب.

* قال ابن قدامة في "المغني"(4/430)[حنبلي] : "عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم" قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: فَسّر مسدَّد قول أبي موسى: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم" فلا يدخل، فضحك وقال: من قال هذا؟ فأين حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم كرِه ذلك، وما فيه من الأحاديث؟ "

قال أبو الخطاب: إنما يكره إذا أدخل فيه يومي العيدين وأيام التشريق، لأن أحمد قال: إذا أفطر يومي العيدين وأيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس. ورُوي نحو هذا عن مالك وهو قول الشافعي؛ لأن جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم، منهم: أبو طلحة. قيل: إنه صام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة. ويقوى عندي أن صوم الدهر مكروه، وإن لم يصم هذه الأيام، فإن صامها فقد فعل محرّماً، وإنما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة والضعف، وشبه التبتل المنهي عنه بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله ابن عمرو:"إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل؟ " فقلت: نعم، قال: "إنك إذا فعلت ذلك

ص: 545

هجمت (1) له عينك، ونفهت (2) له النفس، لا صام من صام الدهر. صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله"، قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك. قال: "فصم صوم داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى"، وفي رواية: "وهو أفضل الصيام". فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "لا أفضل من ذلك" (3) .

* قال ابنُ مفلح في "الفروع"(3/114-115) : "يكره صوم الدهر إذا أدخل فيه يومي العيدين وأيام التشريق، ذكره القاضي وأصحابه، والكراهة كراهة تحريم، ذكره صاحب "المغني" و"المحرر" وغيرهما وهو واضح. وإن أفطر أيام النهي جاز خلافاً للظاهرية ولم يكره والمراد إذا لم يترك به حقًّا ولا خاف منه ضرراً. نقل حنبل: إذا أفطر أيام النهي فليس ذلك صوم الدهر. ونقل صالح: إذا أفطرها رجوت أن لا بأس به، وهذا اختيار القاضي وأصحابه وصاحب "المحرر" والأكثر، وذكر مالك أنه سمع أهل العلم يقولونه لقول حمزة بن عمرو: "يا رسول الله، إني أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ " قال:"إن شئت فصُم" متفق عليه، ولأن أبا طلحة وغيره من الصحابة وغيرهم فعلوه، ولأن الصوم مطلوب للشارع إلا ما استثناه.

واختار صاحب "المُغني": يُكره، وهو ظاهر رواية الأثرم.

وللحنفية قولان، وقال شيخُنا: الصواب قول من جعله تركا للأولى أو كرهه فعلى الأول صوم يوم وفطر يوم أفضل منه، خلافاً لطائفة من الفقهاء والعباد، ذكره شيخنا، وهو ظاهر حال من سرده، ومنهم أبو بكر النجاد من أصحابنا.

قال أحمد: "ويعجبني أن يفطر منه أياماً، يعني أنه أولى، للخروج من الخلاف، وجزم به جماعة، وقاله إسحاق، وليس المراد الكراهة فلا تعارض".

* قال ابن رشد في "بداية المجتهد"(2/197-198)[مالكي] : "أما صيام الدهرِ فإنه قد ثبت النهي عن ذلك، لكن مالك لم ير بذلك بأساً، وعسى رأي النهي في ذلك إنما هو من باب خوف الضعف والمرض".

(1) هجمت: غارت.

(2)

نفهت: أعيت.

(3)

رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد.

ص: 546

* قال النووي في "المجموع"(6/441-445) : "قال الشافعي والأصحاب في صوم الدهر نحو قول المصنف -أي لا يكره- والمراد بصوم الدهر سرد الصوم في جميع الأيام إلا الأيام التي لا يصح صومها، وهي العيدان وأيام التشريق، وحاصل حكمه عندنا أنه إن خاف ضرراً أوْ فوّت حقا بصيام الدهر كره له، وإن لم يخف ضرراً ولم يفوت حقا لم يكره، هذا هو الصحيح الذي نص عليه الشافعي وقطع به المصنف والجمهور، وأطلق البغوي وطائفة قليلة أن صوم الدهر مكروه، وأطلق الغزالي في "الوسيط" أنه مسنون.

وكذا قال الدارمي: من قدر على صوم الدهر من غير مشقة ففعل فهو فضل.

قال الشافعي في "البويطي": لا بأس بسرد الصوم إذا أفطر أيام النهي الخمسة.

قال صاحب "الشامل" بعد أن ذكر النص: وبهذا قال عامة العلماء.

وكذا نقله القاضي عِياضٌ وغيره عن جماهير العلماء.

وممن نقلوا عنه ذلك عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو طلحة وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. والجمهور من بعدهم.

* وقال أبو يوسف وغيره من أصحاب أبي حنيفة يكره مطلقاً.

والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه سرد الصوم لا سيما وقد عرض به في السفر.

وعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا" وعقد تسعين. رواه البيهقي هكذا مرفوعاً وموقوفاً على أبي موسى. واحتج به البيهقي على أنه لا كراهة في صوم الدهر وافتتح الباب به، فهو عنده المعتمد في المسألة، وأشار غيره إلى الاستدلال به على كراهته، والصحيح ما ذهب إليه البيهقي، ومعنى ضيقت عليه: أي عنه فلم يدخلها، أو ضيقت عليه: أي لا يكون له فيها موضع".

* قال ابن خزيمة في "صحيحه"(3/313-314) : "باب فضل صيام الدهر إذا أفطر الأيام التي زجر عن الصيام فيها:

عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا" وعقد تسعين (1) .

(1) إسناده صحيح، ورواه أيضاً البزار والطبراني في "الكبير".

ص: 547

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يصوم الدهر تضيق عليه جهنم تَضيّق هذه"(1)

وعقد تسعين.

قال أبو بكر -ابن خزيمة-: سألت المزني عن معنى هذا الحديث، فقال: يشبه أن يكون معناه أي: ضيقت عنه جهنم، فلا يدخل جهنم ولا يشبه أن يكون معناه غير هذا، لأن من ازداد لله عملاً وطاعة ازدادَ عند الله رفعة، وعليه كرامة، وإليه قربة هذا معنى جواب المزني".

قال ابن حجر (4/262) : "ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالي فقالوا: له مناسبة من جهة أن الصائم لما ضيّق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيّق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرفيها بالعبادة".

قال ابن حجر: "والأولى إجراء الحديث على ظاهره وحمله على من فوّت حقًّا واجباً بذلك فإنه يتوجه إليه بالوعيد، ولا يخالف القاعدة التي أشار إليها المزني".

* وعند ابن خزيمة: عن زرعة بن ثوب قال: سألت عبد الله بن عمر عن صيام الدهر فقال: "كنا نعد أولئك فينا من السابقين". قال: وسألته عن صيام يوم وإفطار يوم فقال: لم يدع ذلك لصائم مصاماً، وسألته عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر قال:"صام ذلك الدهر وأفطره"(2) .

* قال النووي في "المجموع"(6/443) : "عن عروة أن عائشة كانت تصوم الدهر في السفر والحضر" رواه البيهقي بإسناد صحيح.

وأجابوا عن حديث: "لا صام من صام الأبد" بأجوبة:

(أحدها) : جواب عائشة: "من أفطر يوم النحر ويوم الفطر فلم يصم الدهر" وتابعها عليه خلائق من العلماء أن المراد من صام الدهر حقيقة بأن يصوم معه العيد والتشريق وهذا منهي عنه بالإجماع.

(1) إسناده صحيح، وروي نحوه في "السنن الكبرى".

(2)

صححه ابن خزيمة، وقال الألباني: إسناد فيه ضعف. زرعة بن ثوب أورده ابن أبي حاتم (1/2/605) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً. التعليق على صحيح ابن خزيمة (3/314) .

ص: 548

(والثاني) : أنه محمول على أن معناه أنه لا يجد من مشقته ما يجد غيره لأنه يألفه ويسهل عليه فيكون خبراً لا دعاءً، ومعناه لا صام صوماً يلحقه فيه مشقة كبيرة ولا أفطر بل هو صائم له ثواب الصائمين.

(والثالث) : أنه محمول على من تضرر بصوم الدهر أو فوّت به حقًّا.

فنهى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمرو بن العاص لعلمه بأنه يضعف عن ذلك، وأقرّ حمزة بن عمرو لعلمه بقدرته على ذلك بلا ضرر".

* قال الألباني في "إرواء الغليل"(4/116) : نرى أن صوم الدهر لا يشرع، ولو لم يكن فيها أيام العيد المنهي عن صيامها لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صام ولا أفطر".

* قال ابنُ عبد البر في "الاستذكار"(10/146) : "أما صيام الدهر لمن أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها، فمباح عند أكثر العلماء، إلا أن الصيام عمل من أعمال البر، وفضله معلوم، وفي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام ذكرها على إباحة ما سواها والله أعلم".

* قال النووي في "المجموع"(6/443-444) :

"فرع: في تسمية بعض الأعلام من السلف والخلف ممن صام الدهر غير أيام النهي الخمسة - العيدين والتشريق فمنهم: عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأبو طلحة الأنصاري، وأبو أمامة وامرأته، وعائشة رضي الله عنهم.

ومنهم: سعيد بن المسيب، وأبو عمرو بن حماس -بكسر الحاء وآخره سين- وسعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف التابعي، سرده أربعين سنة، والأسود بن يزيد صاحب ابن مسعود، ومنهم البُويطي وشيخنا أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد المقدسي الفقيه الإمام الزاهد".

قال النووي في "المجموع"(6/444-445) :

"فرع: قال أصحابنا: لو نذر صوم الدهر صح نذره بلا خلاف، ولزمه الوفاء به بلا خلاف، وتكون الأعيادُ وأيام التشريق وشهر رمضان وقضاؤه مستثناة فإن فاتَه شيءٌ من صوم رمضان بعذر وزال العذر لزمه قضاء فائت رمضان لأنه آكد من النذر.

ص: 549