الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
درهم نفقة للجند، فاقتتلوا قتالاً عظيماً، وافتتح "الأفشين""البذ" مدينة "بابك" واستباح ما فيها وذلك يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان وذلك بعد محاصرة وحروب شديدة وقتالٍ شديد وجهدٍ جهيد ثم بعد ذلك أمسكوا "ببابك" بعد فراره من دار ملكه.
وقد كان المعتصم شديد العناية بأمر هذا اللعين الذي قتل من المسلمين في مدة ظهوره وهي عشرون سنة مائتي ألف وخمسة وخمسين ألف وخمسمائة إنسان.
قاله ابن جرس وأسر خلقاً لا يحصون وكان من جملة من استنقذه "الأفشين" من أسره نحواً من سبعة آلاف وستمائة إنسان. أراح الله المسلمين من شره بعد ما افتتن به خلق كثير وجم خفير من العوام الطغام (1) .
"ولقد توج المعتصم "الأفشين" (2) وقلده وشاحين من جوهر، وأطلق له عشرين ألف درهم، وكتب له بولاية "السند" وأمر الشعراء أن يدخلوا عليه ويمدحوه على ما فعل من الخير للمسلمين وعلى تخريبه بلاد بابك التي يقال لها "البذ" وتركه إياها قيعانا خراباً، فقالوا في ذلك فأحسنوا وكان من جملتهم أبو تمام الطائي قال:
بذ الجلاد البذُ فهو دفينُ
…
ما إن بها إلا الوحوش قطين
لم يقر هذا السيف هذا الصبر
…
في هيجاء إلا عزّ هذا الدينُ
قد كان عذرة سؤددٍ فافتضها
…
بالسيف فحل المشرق الأفشين
فأعادها تعوي الثعالب وسطها
…
ولقد ترى بالأمس وهي عرينُ
هطلت عليه من جماجم أهلها
…
ديم إمارتها طلىً وشؤون
كانت من المهجات قبل مفازة
…
عسراً فأضحت وهي منه معين
سنة 223 هـ فتح عمورية على يد المعتصم:
"في هذه السنة أوقع ملك توفيل بن ميخائيل بأهل سلطته من المسلمين وما والاها ملحمة عظيمة، قتل فيها خلقا كثيراً من المسلمين، وأسر ما لا يحصون كثرة، وكان من
(1)"البداية والنهاية"(ج 10/295) .
(2)
كان مجوسياً فكتم مجوسيته أشتهر أمره وافتضح بعد ذلك.
جملة من أسر ألف امرأة من المسلمات ومثل بمن وقع في أسره من المسلمين فقطع آذانهم وأنوفهم وسمل أعينهم -قبحه الله-.
ولما بلغ ذلك المعتصم انزعج لذلك جداً وصرخ في قصره بالنفير، ثم نهض من فوره وأمر بتعبئة الجيوش واستدعى القاضي والشهود فأشهدهم أن ما يملكه من الضياع ثلثه صدقه، وثلثه لولده، وثلثه لمواليه وخرج بالجيش إعانة للمسلمين فوجدوا ملك الروم قد فعل ما فعل وشمر راجعا إلى بلاده وتفارط ولم يمكن الاستدراك فيه، فقال للأمراء أي بلاد الروم أمنع؟ فقالوا: عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام وهى عندهم أشرف من القسطنطنية" (1) فعزم على فتحها.
رب وامعتصماه انطلقت
…
ملء أفواه الصبايا اليتم
صادفت أسماعنا لكنها
…
لم تصادف نخوة المعتصم
تجهّز المعتصم جهازاً لم يجهزه أحد كان قبله من الخلفاء، وأخذ معه آلات الحرب والأحمال والجمال والقرب والدواب والنفط والخيل والبغال شيئاً لم يسمع بمثله، وسار إلى عمورية في جحافل أمثال الجبال وقدم المعتصم إليها صبيحة يوم الجمعة لستٍ خلون من رمضان فدار حولها دورة ثم نزل قريباً منها، وقد تحصّن أهلها تحصيناً شديداً وملؤا أبراجها بالرجال والسلاح، وهي مدينة عظيمة كبيرة جداً ذات سور منيع وأبراج عالية كبار كثيرة، وقسم المعتصم الأبراج بالأمراء فنزل كل أمير تجاه الموضع الذي أقطعه وعينه له، ونزل المعتصم قبالة مكان هناك قد أرشده إليه بعض من كان فيها من المسلمين، وكان قد تنصّر عندهم وتزوج منهم، فلما رأى أمير المؤمنين والمسلمين رجع إلى الإسلام وخرج إلى الخليفة فأسلم وأعلمه بمكان في السور كان قد هدمه السيل وبنى بناءً ضعيفا بلا أساس، فنصب المعتصم المجانيق حول عمورية فكان أول موضع انهدم من سورها ذلك الموضع الذي دلهم عليه ذلك الأسير فبادر أهل البلد فسدوه بالخشب الكبار المتلاصقة فألحّ عليها المنجنيق لجعلوا فوقها البرادع ليردوا حرة الحجر فلم تعْن شيئاً وانهدم السور من ذلك الجانب وتفسّخ. فكتب نائب البلد إلى ملك الروم يعلمه بذلك، وبعث ذلك مع
(1)(البداية والنهاية)(10/289-299) .
غلامين من قومهم فلما اجتازوا الجيش في طريقهما أنكر المسلمون أمرهما فسألوهما من أنتما؟ فقالا: من أصحاب فلان لأمير سموْه من أمراء المسلمين، فحملا إلى المعتصم فقررهما فإذا معهما كتاب من "مناطس" نائب عمورية إلى ملك الروم يعلمه بما حصل لهم من الحصار، وأنه عَازم على الخروج من أبواب البلد بمن معه بغتة على المسلمين ومناجزهم القتال كائناً في ذلك ما كان. فلما وقف المعتصم على ذلك أمر بالغلامين فخلع عليهما، وأن يعطى كل غلام منهما بدرة، فأسلما من فورهما، فأمر الخليفة أن يطاف بهما حول البلد وعليهما الخلع، وأن يوقفا تحت حصن "مناطس" فينثر عليهما الدراهم والخلع، ومعهما الكتاب الذي كتب به مناطس إلى ملك الروم فجعلت الروم تلعنهما وتسبهما، ثم أمر المعتصم عند ذلك بتجديد الحرس والاحتياط والاحتفاظ من خروج الروم بغتة، فضاقت الروم ذرعاً بذلك، وألحّ عليهم المسلمون في الحصار، وقد زاد المعتصم في المجانيق والدبّابات وغير ذلك من آلات الحرب، ولما رأى المعتصم عمق خندقها وارتفاع سورها، أعمل المجانيق في مقاومة السور وكان قد غنم في الطريق غنماً كثيراً جداً ففرقها في الناس وأمر أن يأكل كل رجل رأساً ويجيء بملء جلده تراباً فيطرحه في الخندق، ففعل الناس ذلك فتساوى الخندق بوجه الأرض من كثرة ما طرح فيه من الأغنام ثم أمر بالتراب فوضع فوق ذلك حتى صار طريقاً ممهداً، وأمر بالدبابات أن توضع فوقه فلم يحوج الله إلى ذلك، وبينما الناس في الجسر المردوم إذ هدم المنجنيق ذلك الموضع المعيب فلما سقط ما بين البرجين سمع الناس هدة عظيمة فظنها من لم يرها أن الروم قد خرجوا على المسلمين بغتة، فبعث المعتصم من نادى في الناس: إنما ذلك سقوط السور ففرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً لكن لم يكن ما هدم يسع الخيال والرجال إذا دخلوا، وقوىَ الحصار وقد وكلت الروم بكل برج من أبراج السور أميراً يحفظه، فضعف ذلك الأمير (1) -وندوا- الذي هدمت ناحيته من السور عن مقاومة ما يلقاه من الحصار فذهب إلى مناطس (2) فسأله نجدة فامتنع أحد من الروم أن ينجده وقالوا: لا نترك ما نحن موكلون بحفظه.
(1) اسمه عند ابن جرير في تاريخه (5/241) وتفسيره بالعربية "الثور".
(2)
عند ابن جرير اسمه "ياطس".
"قال "وندوا ": إن الحرب علىّ وعلى أصحابي، ولم يبق معي أحد إلا جرح، فصيروا أصحابكم على الثلمه يرمون قليلاً وإلا افتضحتم. وذهبت المدينة فأبوا أن يمدوه بأحد"(1) .
فلما يئسَ منهم خرج إلى المعتصم ليجتمع به (ليطلب الأمان على الذرية) فلما وصل إليه أمر المعتصم المسلمين أن يدخلوا البلد من تلك الثغرة التي قد خلت من المقاتلة، فركب المسلمون وتقدموا إلى الثملة، ولم يقدر الروم على دفع المسلمين بعد أن تكاثروا ودخلوا المدينة قهراً وتتابع المسلمون إليها يكبرون وتفرقت الروم عن أماكنها فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان حيث وجدوهم وقد حشروهم في كنيسة هائلة ففتحوها قسراً وقتلوا من فيها وأحرقوا عليهم باب الكنيسة فاحترقت فأحرقوا عن آخرهم، ولم يبق فيها موضع محصن سوى المكان الذي فيه النائب وهو مناطس في حصن منيع فركب المعتصم فرسه وجاء حتى وقف بحذاء الحصن الذي فيه "مناطس" فناداه المنادي ويحك يا مناطس! هذا أمير المؤمنين واقف تجاهك فقالوا: ليس بمناطس ها هنا مرتين، فغضب المعتصم من ذلك وولى فنادى مناطس: هذا مناطس
…
هذا مناطس، فرجع الخليفة ونصب السلالم على الحصن وطلع عليه الحسن الرومي (2) فقال له: ويحك انزل على حكم أمير المؤمنين، فتمنع ثم نزل متقلداً سيفاً فوضع السيف في عنقه ثم جِيءَ به حتى أوقف بين يدي المعتصم فضربه بالسوط على رأسه ثم أمر به أن يمشى إلى مضرب الخليفة مهاناً إلى الوطاق الذي فيه الخليفة نازل فأوثق هناك. وأخذ المسلمون من عمورية أموالاً لا تحد ولا توصف فحملوا منها ما أمكن حمله، وأمر المعتصم بإحراق ما بقى من ذلك، وبإحراق ما هنالك من المجانيق والدبابات وآلات الحرب لئلا يتقوى بهما الروم على شيء من حرب المسلمين" (3) .
سنة 264 هـ 14 رمضان سقوط سرقوسة من جزيرة صقلية:
سقطت سرقوسة في يد المسلمين في 14 رمضان سنة 264 هـ 21 مارس
(1)"تاريخ الطبري"(5/241) .
(2)
اسمه من تاريخ ابن جرير (5/241) .
(3)
"البداية والنهاية" بتصرف (10/299-301) .