الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن المبارك: من ختم نهاره بذكر كتب نهاره كله ذكراً يشير إلى أن الأعمال
بالخواتم، فإذا كان البداءة والختام ذكراً فهو أولى أن يكون حكم الذكر شاملاً للجميع.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، ولما كان هذا الشهر مختصاً بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافاً إلى الله تعالى، فإن له من بين الأعمال ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام.
شهر الحرام مبارك ميمون
…
والصوم فيه مضاعف مسنون
وثواب صائمه لوجه إلهه
…
في الخلد عند مليكه مخزون (1)
"قال الزمخشري: خصه من بين الأشهر الحرم لمكان عاشوراء، فأفضل الأشهر لصوم التطوع المحرم.
وتفضيل صوم داود باعتبار الطريقة، وهذا باعتبار الزمن، فطريقة داود في المحرم أفضل من طريقته في غيره" (2) .
صوم شعبان
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
"كان أحب الشهور إليه أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان"(3) .
* وعن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال:"ذاك شهر يغفل الناس عنه بين وجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن ورفع عملي وأنا صائم"(4) .
(1)"لطائف المعارف"(29-32) .
(2)
"فيض القدير"(1/41) .
(3)
صحيح: رواه أبو داود عن عائشة، ورواه النسائي وابن خزيمة والحاكم في "المستدرك" وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (4628) .
(4)
حسن: أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3711) .
وعند البيهقي في "الشعب":
"شعبان بين رجب وشهر رمضان تغفل الناس عنه، ترفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم".
* وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل، لا والله ما يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم" رواه البخاري.
* وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان" رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.
* وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله" وزاد مسلم "كان يصوم شعبان إلا قليلاً".
قال ابن حجر (4/252) :
"وهذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره "أنه كان لا يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان" أي كان يصوم معظمه، ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليلته أجمع ولعلّه قد تعشى واشتغل ببعض أمره، قال الترمذي. كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال.
واستبعده الطيبي قال: لأن الكل تأكيد لإرادة الشمول ودفع التجوز، فتفسيره بالبعض مناف له، قال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه تارة أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان.
والأول هو الصواب ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم، وسعد ابن هشام، عنها عند النسائي ولفظه "ولا صام شهراً كاملاً قط منذ قدم المدينة غير رمضان" وهو مثل حديث ابن عباس المذكور".
قال السندي قوله: "وهو شهر ترفع فيه الأعمال
…
" قيل: وما معنى هذا مع أنه ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل؟ قلت: يحتمل أمران:
أحدهما: أن أعمال العباد يعرض على الله تعالى كل يوم ثم تعرض عليه أعمال الجمعة كل اثنين وخميس ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان فتعرض عرضاً بعد عرض ولكل عرض حكمة يطلع عليها من شاء من خلقه أو يستأثر بها عنده مع الله تعالى لا يخفى عليه من أعمالهم خافية.
ثانيهما: أن المراد أنها تُعرض في اليوم تفصيلاً ثم في الجمعة جملة أو بالعكس (1) باب: "الصوم من آخر الشهر" يعني شعبان.
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لآخر: "أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين"(2) .
وفي رواية عند مسلم "فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه".
قال ابن حجر: "السرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها جمع سرة ويقال أيضاً سرار بفتح أوله وكسره، ورجّح الغراء الفتح، وهو من الاستسرار، قال أبو عبيد والجمهور: المراد بالسرر هنا آخر الشهر، سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين. ونقل داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله، ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور".
قال النووي في "شرح مسلم"(3/228-229) :
"قال البيهقي في "السنن الكبير" بعد أن روى الروايتين عن الأوزاعي: الصحيح آخره، ولم يعرف الأزهري أن سرره أوله، قال الهروي: والذي يعرفه الناس أن سرره آخره".
قال القاضي. الأشهر أن المراد بآخر الشهر كما قاله أبو عبيد والأكثرون، وعلى هذا يقال: هذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة في النهي عن تقديم رمضان بصوم يوم
(1)"حاشية السندي على سنن النسائي"(ج 4/202) .
(2)
رواه مسلم واللفظ له والبخاري وعند البخاري "أما صمت سَرَر هذا الشهر".
ويومين، ويجاب عنه بما أجاب المازري وغيره، وهو أن هذا الرجل كان معتاد الصيام آخر الشهر أو نذره فتركه بخوفه من الدخول في النهي عن تقدم رمضان، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي وإنما ينتهي عن غير المعتاد والله أعلم.
وقال ابن حجر في "الفتح"(4/271) :
"يؤخذ من الحديث: الندب إلى صيام أواخر كل شهر ليكون عادة للمكلف فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين لقوله فيه (إلا رجلاً كان يصوم يوماً فليصمه) ".
قال ابن حجر (4/271) :
"أشار القرطبي إلى أن الحامل لمن حمل سرر الشهر على غير ظاهره وهو آخر الشهر الفرار من المعارضة لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تقدم رمضان بيوم أو يومين وقال: الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك، وحمل الأمر على من له عادة حملاً للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا يقطع".
صوم يوم من شعبان يعدل صوم يومين من غيره:
قال ابن حجر "قال -أي القرطبي- وفيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان وأن صوم يوم يعدل صوم يومين في غيره أخذاً من قوله في الحديث (فصم يومين مكانه) يعني مكان اليوم الذي فوّته من صيام شعبان. قلت: وهذا لا يتم إلا إنْ كانت عادة الخاطب بذلك أن يصوم من شعبان يوماً واحداً، وإلا فقوله (هل صمت من سرر هذا الشهر شيئاً) أعم من أن يكون عادته صيام يوم منه، أو أكثر، نعم وقع في سنن أبي مسلم الكجي (فصم مكان ذلك اليوم يومين) ".
لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم" رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين، إلا أن يوافق ذلك عموماً كان يصومه