الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كاملاً، والله يريد لحكمة يراها أن يدع هذا الأمر شهراً كاملاً، لا يبين فيه بياناً، فأي صبر فوق صبر رسولنا صلى الله عليه وسلم؟!!
وعندما تصل الآلام ذروتها يتعطف عليه ربه، فيتنزل القرآن ببراءة عائشة الصديقة الطاهرة، وبراءة بيت النبوة الطيب الرفيع" (1) . وكان هذا في رمضان.
9 هـ قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم
- في رمضان:
لما رآهم المغيرة بن شعبة -وكان يرعى- ذهب يشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه أبو بكر الصديق فأخبره عن ركب ثقيف فقال أبو بكر للمغيرة: أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل المغيرة فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربت عليهم قبه في المسجد ليكون أرق. قال ابن إسحاق: فلما أسلموا وكتب لهم أمر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان أحدثهم سناً لأن الصديق -رضى الله عنه- قال: يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن.
وذكر موسى بن عقبه أن وفدهم كانوا إذا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلّفوا عثمان ابن أبي العاص في رحالهم فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن العلم فاستقرأه القرآن فإن وجده نائماً ذهب إلى أبي بكر الصديق، فلم يزل دأبه حتى فقه في الإسلام وأحبه رسول الله في حباً شديداً. وصام وفد ثقيف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من شهر رمضان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم كل ليلة بعد العشاء يحدثهم قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام فأكثر ما يحدثهم ما لقي من قومه من قريش.
وفي قدومهم هذا "وكانوا بضعة عشر رجلاً" لما سألوه عن الربة "اللات" ما هو صانع بها؟ قال: اهدموها "قالوا: هيهات لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها قتلت أهلها"، فقال عمر بن الخطاب: ويحك يا ابن عبد يا ليل ما أجهلك، إنما الربة حجر.
فقالوا: إنا لم نأتك يا ابن الخطاب، ثم قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تول أنت هدمها أما نحن فإنا لن نهدمها أبداً، فقال:"سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها" فكاتبوه على ذلك. فكان
(1)"البداية والنهاية"(3/91-92) .
كتاب هدم اللات في رمضان فاعظم به من نصر، فبعث رسول الله إليهم أبو سفيان بن حرب والمغيرة وخالد بن الوليد، فهدمها المغيرة بن شعبة ونساء ثقيف خسراً يبكين عليها ويقلن: لنبكين دِفاع، اسلمها الرضاع (1) لم يحسنوا المصَاع (2) .
والمغيرة يقول إنما هي لكاع حجارة ومدر. وأبو سفيان يقول: -والمغيرة يضربها بالفأس- "وآهاً لك وآهاً لك"(3) .
وقرّت عين الرسول -صلوات الله عليه- بإسلام "ثقيف" بعد إباء عنيد ونفور جامح دام عشرين عاما:
"وتاريخ الدعوة الإسلامية، يروي لثقيف وإسلامها قصة قاتمة البداية؛ مشرقة النهاية"(4) .
سنة 9 هـ من رمضان "قدوم رسول ملك حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم": قال ابنُ كثير: "قال الواقدي: وكان ذلك في رمضان سنة تسع. قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير ورسلهم بإسلامهم مقدمه من تبوك وهم الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، وبعث إليه زرعة ذو يزن ملك بن مرة الرهاوي بإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله".
سنة 11 هـ ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان وفاة أم أبيها فاطمة بنت محمد عليها السلام:
ثبت في الصحيح عن عائشة أن فاطمة عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر -رضى الله عنها-.
قال ابن كثير: "يقال أنها لم تضحك في مدة بقائها بعده عليه السلام، وأنها كانت تذوب من حزنها عليه، وشوقها إليه".
(1) أي اللئام.
(2)
المصاع: الضرب.
(3)
"البداية والنهاية"(5/26-30) .
(4)
"حدث في رمضان"(ص 69) .
رضى الله عنها -، وتكنى أم أبيها، وقد كان صلوات الله وسلامه عليه عهد إليها أنها أول أهله لحوقاً به، وقال لها مع ذلك: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟
وكانت أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم على المشهور ولم يبق بعده سواها، فلهذا عظم أجرها لأنها أصيبت به عليه السلام. وليس له عليه السلام نسل إلا من جهتها.
سنة 40 هـ يوم الجمعة سحر السبع عشرة خلت من رمضان "استشهاد علي ابن أبي طالب":
في مثل يوم بدر 17 من رمضان منّ الله باستشهاد عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله عز وجل وقاتله أشقى الآخرين كما صح عن سيد المرسلين.
سنة 58 هـ ليلة الثلاثاء السابع عشر من رمضان وفاة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها أم عبد الله زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أزواجه إليه، المبرأة من فوق سبع سماوات -رضى الله عنها- وعن أبيها، لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، ولم ينزل عليه الوحي في لحاف امرأة غيرها، ولم يكن في أزواجه أحب إليه منها، وقد أتاه الملك بها في المنام في سرقة من حرير مرتين أو ثلاثا فيقول: هذه زوجتك.
ولما تكلم فيها أهل الإفك بالزور والبهتان، غار الله لها فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تُتلى على تعاقب الأيام. وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها.
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها وفي بيتها وبين سحرها ونحرها، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا، وأول ساعة في الآخرة، ودفن في بيتها.
قال صلى الله عليه وسلم: "إنه ليهون عليّ أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة".
تفرد به أحمد (1) . وهذا في غاية ما يكون من المحبة العظيمة أنه يرتاح لأنه رأى بياض كفها أمامه في الجنة "فرضي الله عنها"(2) .
(1) قال الساعاتي: إسناده لا بأس به.
(2)
"البداية والنهاية"(8/95) .
سنة 95 هـ ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان موت الحجاج بن يوسف الثقفي: في أرجى الليالي لليلة القدر منّ الله على الأمة وأراحها من الغشوم الظلوم الحجاج بن يوسف الثقفي مبير هذه الأمة كما ثبت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما قالت له أسماء.
قال عنه عمر بن عبد العزيز: لو تخابثت الأم فجاءت كل أمة بخبيثها، وجئنا بالحجاج لغلبناهم.
قال ابن كثير: الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل.
لما بشر الحسن البصري بموت الحجاج سجد شكراً لله تعالى.
وأخبر طاووس بموت الحجاج مراراً فلما تحقق وفاته قال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)[الأنعام: 45](1) .
وهذه منة من الله تعالى عظيمة حدثت في ليلة عظيمة من شهر عظيم.
استشهاد عبد الرحمن الغافقي في رمضان سنة 114 هـ:
استشهد هذا البطل في معركة "بلاط الشهداء" أو "تور بواتيه"، "يمكننا القول: إن عبد الرحمن هو أقدر قائد عسكري عرفته الأندلس في عصر الولاة، ومع قلة الأخبار التي وصلت إلينا عنه إلا أننا نستشف منها عظيم تقدير المؤرخين له وثناءهم عليه" (2) .
هو القائد المسلم الذي تتحدث المصادر النصرانية عن شجاعته النادرة وبقدرته الحربية العظيمة.. هو القائد الذي يقول "إن السماوات والأرض لو كانتا رتقا لجعل الله للمتقين منها مخرجا..".
هو القائد الذي زحف بسبعين إلى مائة ألف مقاتل عبر جبال البرانس إلى وسط أوروبا، فاستولى على مدينة آرل، ودوقية أقطانية، وهزم الدوق هزيمة قاسية، واستولى على مدينة تور، وفي تور بواتيه يلقى ربه شهيدا بعد أن كانت الغلبة له في بداية الأمر.
(1)"البداية والنهاية"(9/143-146) .
(2)
"معارك المسلمين في رمضان"(ص 54، 55) .
موت الإمام المحدث محمد بن شهاب الزهري أول من دوّن الحديث النبوي:
"قال ابن سعد وخليفة والزبير: مات لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربع وعشرين ومائة"(1) .
قيام الدولة العباسية سنة 132 هـ:
بعد دخول أبي العباس عبد الله أول الخلفاء العباسيين دمشق.
موت شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك
وموت إمام الشافعية الإمام المزني كان في رمضان (2) .
221 هـ نصر أهل السنة في محنة خلق القرآن:
وفيها نصر الله أهل السنة في محنة خلق القرآن بثبات إمامهم أحمد بن حنبل في العشر الأخير من رمضان رغم حبسه الطويل والضرب الشديد والتهديد بالقتل بسوء العذاب وأليم العقاب، وقلة مبالاة أحمد بذلك وصبره وتمسكه بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم، فهيأه الله بما آتاه لبلوغ أعلى منازل أهل البلاء في الله من أوليائه.
تخلعت يداه وجيء بالضرابين ومعهم السياط فجعل أحدهم يضربه سوطين، ويقول المعتصم: شد قطع الله يديك، ويجيء الآخر فيضربه سوطين، ثم الآخر كذلك، فضربوه أسواطاً فأُغمى عليه وذهب عقله مراراً فأطلقوه في يوم الخامس والعشرين من رمضان سنة 221 فلم يشعر إلا وهو في حجرة من بيت، وقد أطلقت الأقياد من رجله. وأتوه رحمه الله بسويق ليفطر فامتنع من ذلك وأتم صومه.
يرحم الله بن حنبل وما أجمل ما قاله البخاري: "لما ضرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان أحدوثة".
(1)"سير أعلام النبلاء"(5/350) .
(2)
انظر "سير أعلام النبلاء" ترجمة ابن المبارك والإمام المزني.
وقال المزني: أحمد بن حنبل يوم المحنة، وأبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعليّ يوم الجمل وصفين".
إن ابن حنبل إن سألت إمامنا
…
وإن الأئمة في الأنام تمسكوا
خلف النبي محمد بعد الألى
…
خلفوا الخلائف بعده واستهلكوا
حذو الشراك على الشراك وإنما
…
يحذو المثال مثالهُ المستمسك (1)
***
(1)"البداية والنهاية"(9/143-146) .