المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رمضان شهر الجود والإحسان - نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان - جـ ١

[سيد حسين العفاني]

فهرس الكتاب

- ‌بقلم فضيلة الشيخ أبو بكر جابر الجزائري

- ‌بقلم فضيلة الشيخ: محمد صفوت نور الدين

- ‌بقلم فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد بن عبد المقصود العفيفي

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولمن معاني الصوم

- ‌أ- الإخلاص عنوان الصوم

- ‌(ب) التقوى حكمة الصوم العليا

- ‌(جـ) ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون

- ‌(د) الصوم وإعداد الأمة

- ‌(هـ) الصوم رياضة للنفس على ترك الشهوات

- ‌(و) الصوم والمراقبة

- ‌الباب الثانيفضائل الصوم

- ‌الفضيلة الأولى: الصائمون هم السائحون

- ‌الفضيلة الثانية: الصوم لا مثل له

- ‌الفضيلة الثالثةإضافته لله تعالى تشريفاً لقدره وتعريفاً بعظيم فخره

- ‌الفضيلة الرابعة: رفعة الدرجات

- ‌الفضيلة الخامسة: الصيام مناسب لصفة من صفات الحق

- ‌الفضيلة السادسةجميع العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصيام

- ‌الفضيلة السابعةالصوم كفارة للخطيئات

- ‌الفضيلة الثامنةتشريف الله والملائكة له بالصلاة عليه

- ‌الفضيلة التاسعةالصيام جنة من النار

- ‌الفضيلة العاشرةالصوم في الصيف يورث السقيا يوم العطش

- ‌الفضيلة الحادية عشرالصوم في الشتاء الغنيمة الباردة

- ‌الفضيلة الثانية عشرنداء الريان لعاشر الصوام

- ‌الفضيلة الثالثة عشرالصوم سبيل إلى الجنات

- ‌الفضيلة الرابعة عشرشفاعة الصيام يوم القيامة لصاحبه

- ‌الفضيلة الخامسة عشردعوة الصائم لا ترد

- ‌الفضيلة السادسة عشرالصيام شعار الأبرار

- ‌الفضيلة السابعة عشرللصائم فرحتان

- ‌الفضيلة الثامنة عشرخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

- ‌الفضيلة التاسعة عشرالصوم جُنَّة

- ‌الفضيلة العشرونقطع أسباب التعبد لغير الله

- ‌الفضيلة الواحد والعشرونالصوم شكر للمنعم عالم الخفيات

- ‌الفضيلة الثانية والعشرونتوفير الطاعات وتحريض على المثوبات

- ‌الفضيلة الثالثة والعشرونتكثير الصدقات، والإحسان إلى ذوي الحاجات

- ‌الفضيلة الرابعة والعشرونرقة القلب وصيانة الجوارح

- ‌الفضيلة الخامسة والعشرونالصيام فدية لبعض الأعمال

- ‌ثمرات الصيام

- ‌الباب الثالثصوم الجاهليةموضوع تحت قدمي

- ‌إياكم وبنيات الطريق

- ‌1- الجناحية من الرافضة وصومها:

- ‌2- الخطابية:

- ‌3- الكيسانية:

- ‌4- العجلية:

- ‌5- الحزمية:

- ‌6- الإسماعيلية (الباطنية) :

- ‌7- صوم القرامطة:

- ‌8- الصليحيون "الإسماعيلية الطيبية باليمن

- ‌9- صوم البهرة:

- ‌10- الإسماعيلية النزارية:

- ‌أ- الحشاشون:

- ‌11- صوم الإسماعيلية الأغاخانية:

- ‌12- النصيريون وصومهم:

- ‌13- صوم الدروز:

- ‌فلاسفة الصومية وغلاتها:

- ‌14- صوم ابن عربي:

- ‌15- صوم الحلاج:

- ‌16- صوم ابن الفارض: وسَنن النصارى:

- ‌17- صوم الرفاعية:

- ‌19- أبو العلاء المعري والصوم عن الحيوان "زهاد المبتدعة

- ‌صوم المارقين المرتدين:- البهائية -القاديانية

- ‌20- صوم البهائية:

- ‌21- صوم القاديانية:

- ‌22، 23- صوم النصارى واليهود:

- ‌الباب الرابعفصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب

- ‌الباب الخامسسادات الصائمين

- ‌(1) صوم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌(2) صوم ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌(3) صوم أبي طلحة الأنصاري

- ‌(4) صوم عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) صوم أم المؤمنين حفصة بنت عمر

- ‌(6) صوم أبي الدرداء حكيم الأمة وسيد القراء

- ‌(7) صوم عبد الله بن عمرو بن العاص

- ‌(8) صوم عبد الله بن عمر

- ‌(9) صوم أبي أمامة الباهلي

- ‌(10) صوم عبد الله بن الزبير

- ‌(11) صوم عبد الله بن رواحة

- ‌(12) صوم الصحابي الجليل حمزة بن عمرو الأسلمي

- ‌(13) صوم أبي مسلم الخولاني

- ‌(14) صوم عامر بن عبد قيس

- ‌(15) صوم الأسود بن يزيد النخعي

- ‌(16) صوم مسروق بن عبد الرحمن

- ‌(17) صوم العلاء بن زياد

- ‌(18) صوم سعيد بن المسيب سيد التابعين

- ‌(19) صوم أبي بكر بن عبد الرحمن راهب قريش

- ‌(20) صوم عروة بن الزبير

- ‌(21) صوم سليمان بن يسار

- ‌(22) صوم عطاء بن يسار

- ‌(23) صوم إبراهيم النخعي

- ‌(24) صوم الحسن البصري

- ‌(25) صوم ابن سيرين

- ‌(26) صوم عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي

- ‌(27) صوم عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكومي

- ‌(28) صوم عراك بن مالك الغفاري

- ‌(29) صوم منصور بن المعتمر

- ‌(30) صيام سليمان بن طرخان

- ‌(31) صوم الزهري

- ‌(32) صوم ابن جريج

- ‌(33) صوم عبد الله بن عون

- ‌(34) صوم داود بن أبي هند

- ‌(35) صوم ابن أبي ذئب

- ‌(36) صوم شعبة الخير أبي بسطام

- ‌(37) صوم غندر

- ‌(38) صوم معروف الكرخي

- ‌(39) صوم أحمد بن حرب

- ‌(40) صوم أحمد بن حنبل إمام أهل السنة

- ‌(41) صوم إبراهيم بن هانئ النيسابوري

- ‌(42) صوم أحمد بن سليمان أبو بكر النجاد

- ‌(43) صوم بقي بن مخلد

- ‌(44) صوم المنبجي

- ‌(45) صوم ابن زياد النيسابوري

- ‌(46) صوم القطان

- ‌(47) صوم ابن بطة

- ‌(48) صوم ابن جميع

- ‌(49) صوم السكن ابن جميع

- ‌(50) صوم الصوري

- ‌(51) صوم الدوني

- ‌(52) صوم العماد المقدسي

- ‌(53) صوم ثابت البناني

- ‌(55) صوم وكيع بن الجراح

- ‌(56) صوم أبي بكر بن عيّاش

- ‌(57) صوم جعفر بن الحسن الدرزيجاني

- ‌(58) صوم رحلة العابدة

- ‌(59) صوم ميمونة بنت الأقرع

- ‌(60) صوم أبي حنيفة

- ‌(61) صوم محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة

- ‌(62) صوم الملك العادل نور الدين محمود زنكي

- ‌(63) صوم الشيخ الورع علي العياش:

- ‌(64) صوم السيدة المكرمة الصالحة نفيسة ابنة الحسن بن زيد

- ‌الباب السادسبين يدي رمضان

- ‌إذا العشرون من شعبان ولت

- ‌التهنئة بقدوم رمضان

- ‌الباب السابعفضائل رمضان

- ‌رمضان شهر نزول القرآنوالكتب السماوية

- ‌سجع

- ‌رمضان شهر التراويح والتهجد

- ‌رمضان شهر تكفير الذنوب

- ‌التائبون العابدون "سجع

- ‌رمضان شهر الجود والإحسان

- ‌رمضان شهر فتح أبواب الجنان

- ‌رمضان شهر غلق أبواب النيران

- ‌رمضان شهر الصبر والتربية

- ‌رمضان شهر الشكر

- ‌رمضان شهر الدعاء المستجاب

- ‌رمضان شهر مضاعفة الأجر

- ‌رمضان شهر تصفيد الشياطين

- ‌رمضان غنم للمؤمن ونقمة للفاجر

- ‌رمضان شهر تربية المجتمع

- ‌رمضان شهر ليلة القدر

- ‌الباب الثامنرمضان شهر الجهاد والفتوحات

- ‌ السنة الثالثة من الهجرة:

- ‌ هدم الأصنام:

- ‌فتح النوبة ومعاهدة القبط

- ‌سنة 67 هـ زالت دولة المختار الثقفي:

- ‌وقفة على أبواب مدريد

- ‌فتوح المسلمين في فرنسا

- ‌سنة 222 هـ فتح البذ مدينة "بابك الخرمي

- ‌سنة 223 هـ فتح عمورية على يد المعتصم:

- ‌سنة 559 هـ وقعة حارم:

- ‌فتح أنطاكية

- ‌فتح أرمينيا الصغرى

- ‌فتح جزيرة قبرص

- ‌فتح البوسنة والهرسك

- ‌جهاد المسلمين في الحبشة

- ‌الباب التاسعحدث في رمضان

- ‌5 هـ حديث الإفك:

- ‌9 هـ قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب العاشرأسرار الصوم وشروطه الباطنة

- ‌الباب الحادي عشرالموضوع والضعيف في الصوم

- ‌الباب الثاني عشرالصوم على أربعين وجهًا

- ‌الباب الثالث عشرالصوم المندوب والمنهي عنه

- ‌ الصوم المندوب

- ‌صيام شهر الله المحرم

- ‌صوم شعبان

- ‌حكم التطوع بالصيام بعد انتصاف شعبان:

- ‌ليلة النصف من شعبان:

- ‌صيام ستة أيام من شوال

- ‌صوم الأشهر الحرم

- ‌صوم رجب

- ‌النوع الثانى: صوم الأيام

- ‌1- صوم عشر ذي الحجة

- ‌2- صوم يوم عرفة

- ‌3- صوم يوم عاشوراء

- ‌4- صوم أيام البيض

- ‌5- صيام الاثنين والخميس

- ‌7- صيام يوم السبت والأحد مخالفة للمشركين

- ‌الصوم المبهم المقيد بزمن

- ‌(1) صوم يوم وإفطار يوم

- ‌(2) صوم يوم وإفطار يومين

- ‌(3) صوم عشرة أيام من الشهر

- ‌(4-7) صوم إحدى عشرة أو تسعا أو سبعا أو خمسة أيام من الشهر

- ‌(8) صيام أربعة أيام من الشهر

- ‌(9) صوم ثلاثة أيام من الشهر كيفية ذلك

- ‌(10) صوم يومين من الشهر

- ‌(11) صوم يوم من الشهر

- ‌الأيام المنهي عن صيامها

- ‌(1 و2) يوم الفطر، والأضحى

- ‌(ب) الأيام المنهي عن صيامها والمختلف فيها

- ‌1- أيام التشريق

- ‌سرّ حسن:

- ‌2- صوم يوم الجمعة

- ‌3- بعد النصف من شعبان

- ‌4- صوم السبت

- ‌5- يوم الشك

- ‌النهي عن صوم المرأة تطوعاً إلا بإذن زوجها وهو حاضر:

- ‌إفراد يوم النيروز بصوم

- ‌صيام الدهر

- ‌الوصال في الصوم

- ‌هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع

الفصل: ‌رمضان شهر الجود والإحسان

‌رمضان شهر الجود والإحسان

يا إخوتاه: هذا شهر الجود والمواسات، والجود من معالي الأخلاق.

قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجودة، يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها"(1) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها"(2) .

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها" (3) .

وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه قال: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر"

والله سبحانه وتعالى أجود الأجودين، وجُوده يتضاعف في أوقات خاصة: كشهر رمضان، وفيه أنزل:(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) الآية.

رمضان شهر العتق من النيران:

ومن سابغ جود الله وعظيم كرمه تفضله في هذا الشهر بعتق عباده من النيران.

(1) صحيح: رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم في "الحلية"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن سهل بن سعد، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (1800) .

(2)

صحيح: رواه البيهقي في "شعب الإيمان" عن طلحة بن عبيد الله، وأبو نعيم في "الحلية" عن ابن عباس، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1744) .

(3)

صحيح: رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم والحاكم، والبيهقى في "الشعب" عن سهل بن سعد وصححه الألباني في "صحيح الجامع"(1801) .

ص: 221

وفي حديث أبي هريرة: "

وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة".

وعن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لله عند كل فطر عتقاء"(1) .

رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس:

وقد جبل الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أكمل الأخلاق وأشرفها، وكان صلى الله عليه وسلم فيّ أجود بني آدم.

في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وزاد أحمد في آخره "لا يسأل عن شيء إلى أعطاه".

قال ابن حجر في "الفتح"(4/139) : "قال الزين بن المنير: وجه التشبيه بين أجوديته صلى الله عليه وسلم بالخير وبين أجودية الريح المرسلة أن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميتة وغير الميتة، أيْ فيعم خيره وبره مَنْ هو بصفة الفقر والحاجة، ومَنْ هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعمّ الغيث الناشئة عن الريح المرسلة".

* وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، وأجود الناس.

"وكان جوده بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه، وهداية عباده، وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام

(1) صحيح: قال المنذري: رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني والبيهقي، وقال: هذا حديث غريب من رواية الأكابر عن الأصاغر، وهو رواية الأعمش عن الحسين بن واقد وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (991) .

ص: 222

جائعهم، ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولم يزل صلى الله عليه وسلم على هذه الخصال الحميدة منذ نشأ، ولهذا قالت له خديجة في أول مبعثه: والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، ثم تزايدت هذه الخصال فيه بعد البعثة وتضاعفت أضعافاً كثيرة.

* وفي "صحيح مسلم" عن أنس قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، فجاء رجل فأعطاه، فجاء رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة".

وفي رواية: "يعطي عطاء ما يخاف الفقر".

قال أنس: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يمسي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.

وفيه أيضاً عن صفوان بن أمية قال: "لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لمن أبغض الناس إليّ فما برح يعطني حتى إنه لأحب الناس إليّ".

قال ابن شهاب أعطاه يوم حنين مائة من الغنم ثم مائة ثم مائة.

* وفي مغازي الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان يومئذ وادياً مملوءً إبلاً ونعماً فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي.

* وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم أن الأعراب علقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من

حنين يسألونه أن يقسم بينهم فقال: "لو كان لي عدد هذه العضاه نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً".

وفيهما عن جابر قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال لا، وأنه قال لجابر:"لو جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا وقال بيديه جميعاً".

* وخرج البخاري من حديث سهل بن سعد أن شملة أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم فلبسها وهو يحتاج إليها فسأله إياها رجل فأعطاه فلامه الناس وقالوا كان محتاجاً

ص: 223

إليها وقد علمت أنه لا يرد سائلاً فقال: إنما سألتها لتكون كفني فكانت كفنه (1) .

* وعن ابن مسعود قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صُبرة من تمر فقال: "ما هذا يا بلال؟ " قال: أعد ذلك لأضيافك، قال:"أما تخشى أن يكون لك دخان في نار جهنم؟! أنفق بلال! ولا تخشى من ذي العرش إقالاً"(2) .

وعند الطبراني قال: "أما تخشى أن يفور له بخار في نار جهنم؟! ".

وعن أنس أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئاً لغد (3) .

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"إني لألج هذه الغرفة ما ألجها إلا خشية أن يكون فيها مال فأتوفى ولم أنفقه"(4) .

قال ابن رجب:

"كان جوده صلى الله عليه وسلم كله لله وفي ابتغاء مرضاته فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج أو ينفقه في سبيل الله أو يتألف به على الإسلام من يقوي الإسلام بإسلامه، وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده فيعطي عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقدْ في بيته نار وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع، وكان قد أتاه سبي فشكت إليه فاطمة ما تلقى من خدمة البيت وطلبت منه خادماً يكفيها مؤنة بيتها فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها وقال: لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع"(5) .

(1)"الطائف المعارف"(ص 173-174) .

(2)

صحيح: رواه البزار بإسناد حسن والطبراني في "الكبير"، قاله المنذري وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (912) .

(3)

صحيح: قال المنذري: رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (930) .

(4)

حسن: رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسنه المنذري والألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (921) .

(5)

"لطائف المعارف"(175) .

ص: 224

وقال أيضاً: "كان صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة جوده في رمضان أضعاف ما كان قبل ذلك، فإنه كان يلتقي هو وجبريل عليه السلام وهو أفضل الملائكة وأكرمهم ويدارسه الكتاب الذي جاء به وهو أشرف الكتب وأفضلها وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب له خلقاً بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه ويسارع إلى ما حث عليه، ويمتنع مما زجر عنه فلهذا كان يتضاعف جوده وأفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل عليه السلام وكرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم الذي يحث على المكارم والجود، ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقاً من المخالطة.

كان بعض الشعراء قد امتدح ملكاً جواداً فأعطاه جائزة سنية فخرج بها من عنده وفرّقها كلها على الناس وأنشد:

لمستُ بكفي كفه أبتغي الغنا

ولم أدر أن الجود من كفه يعدي

فبلعْ ذلك الملك فأضعف له الجائزة.

وقد قال بعض الشعراء يمتدح بعض الأجواد ولا يصلح أن يكون ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

تعوّد بسط الكف حتى لو أنه

ثناها لقبض لم تجبه أنامله

تراه إذا ما جئته متهللاً

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

هو البحر من أي النواحي أتيته

فلجته المعروف والجود ساحله

ولو لم يكن في كفه غير روحه

لجاد بها فليتق الله سائله

سمع الشبلي قائلاً يقول: يا الله

يا جواد، فتأوه وصاح وقال: "كيف يمكنني أن أصف الحق بالجود ومخلوق يقول في شكله فذكر هذه الأبيات ثم بكى، وقال: بلى يا جواد فإنك أوجدت تلك الجوارح وبسطت تلك الهمم فأنت الجواد كل الجود. فإنهم يعطون عن محدود وعطاؤك لا حد له ولا صفة، فيا جوادا يعلوا

ص: 225

كل جواد وبه جاد كل من جاد" (1) .

* وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:

* منها شرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه.

* ومنها إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعاتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم.

وفي حديث زيد بن خالد رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً"(2) .

وفي حديث آخر: عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من فطر صائماً، أو جهز غازياً، فله مثل أجره"(3) .

* ومنها أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر.

والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل.

* ومنها أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما جاء في حديث علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن في الجنة غرفاً يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها قالوا: لمن هي يا رسول الله قال: لمن طيّب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام"، وهذه الخصال كلها كون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام.

(1)"لطائف المعارف"(ص 175-176) .

(2)

رواه أحمد في "مسنده"، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (6415) .

(3)

رواه البيهقي في "سننه" وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (6414) .

ص: 226

قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق والصيام يوصله إلى باب الملك والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك.

وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أصبح منكم اليوم صائماً" قال أبو بكر: أنا، قال:"من تبع منكم اليوم جنازة" قال أبو بكر: أنا، قال:"من تصدق بصدقة"، قال أبو بكر: أنا، قال:"فمن عاد منكم مريضاً" قال أبو بكر: أنا، قال:"ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة".

* ومنها أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم: والمباعدة عنها وخصوصاً إذا ضم إلى ذلك قيام الليل.

فالصيام جنة، وفي حديث معاذ:"الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وقيام الرجل من جوف الليل" يعني أن يطفئ الخطيئة أيضاً وقد صرّح بذلك في رواية الإمام أحمد.

وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة".

* ومنها: الصدقة تجبر ما في الصوم من خلل: إن الصيام لابد أن يقع فيه خلل أو نقص، وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه.

وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي ولهذا نهى أن يقول الرجل: صمت رمضان كله أو قمته كله.

فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل، ولهذا وجب فى آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.

والصيام والصدقة لهما مدخر في كفارات الإيمان ومحظورات الإحرام وكفارة الوطء في رمضان ولهذا كان الله تعالى قد خيّر المسلمين في ابتداء الأمر بين الصيام وإطعام المسكين ثم نسخ ذلك وبقي الإطعام لمن يعجز عن الصيام لكبره.

ومن أخّر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فإنه يقضيه ويضم إليه إطعام مسكين لكل يوم تقوية له عند أكثر العلماء، كما أفتى به الصحابة.

ص: 227

وكذلك من أفطر لأجل غيره كالحامل والمرضع على قول طائفة من العلماء.

* ومنها "أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله، فإذا أعان الصائمين على التقوِّي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله وآثر بها أو واسى منها ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر لأن الطعام يكون محبوباً له حينئذ فيواسي منه حتى يكون ممن أطعم الطعام على حبه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له ورده عليه بعد منعه إياه فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها"(1) .

مواساة السلف:

كان كثير من السلف يواسون من إفطارهم أو يؤثرون به ويطوون:

* كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه للسائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً، وكان يتصدق بالسكر ويقول:"سمعت الله يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) والله يعلم أني أحب السكر".

واشتهى بعض الصالحين من السلف طعاماً وكان صائماً فوضع بين يديه عند فطوره فسمع سائلاً يقول: من يقوض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات. فقام وأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاوياً.

* وجاء سائل إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره ثم طوى وأصبح صائماً.

* وكان الحسن يُطعم إخوانه وهو صائم تطوعاً ويجلس يروّحهم وهم يأكلون.

* وكان ابن المبارك يطعم إخوانه في السفر الألوان من الحلواء وغيرها وهو صائم.

(1)"لطائف المعارف"(ص 177-178) .

ص: 228

سلام الله على تلك الأرواح، رحمة الله على تلك الأشباح، لم يبق منهم إلا أخبار وآثار، كم بينْ من يمنع الحق الواجب عليه وبين أهل الإيثار.

لا تقعدن لذكرنا في ذكرهم

ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد

* وله فوائد أخر:

قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم وكذا قال القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابنا أيضاً" (1) .

يا إخوتاه:

قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن السرور، أو تقضي عنه ديناً أو تطعمه خبزا"(2) .

* وقال صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهراً.... الحديث"(3) .

* وقال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس"(4) .

* وقال صلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار"(5) .

(1)"لطائف المعارف"(ص 178-179) .

(2)

حسن: رواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة، وابن عدي عن ابن عمر، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع"(رقم 1096) .

(3)

حسن: رواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" والطبراني في "الكبير" عن ابن عمر، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (176) .

(4)

حسن: رواه الطبراني في "الكبير"، والدارقطني، والبيهقى في "شعب الإيمان" وابن عسكر والقضاعي عن جابر، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3289) .

(5)

رواه أحمد، والبخاري ومسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.

ص: 229

* وقال صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفياً تطفيء غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة"(1) .

أخي: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف"(2) .

* وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام"(3) .

* وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس صدقة أعظم أجراً من ماء"(4) .

يا هذا اسمع إلى حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه الحر، فوجد بئرا، فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث؛ يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر، فملأ منه، ثم أمسكه بفيه حتى رَقِيَ، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له" قالوا: يا رسول الله! إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: "في كل كبد رطبة أجر"(5) .

أو هذا الحديث.. قال صلى الله عليه وسلم: "بينما كلب يطيف (6) بركيه (7) ، كاد يقتله العطش، إذا رأته بغيّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقها (8) فاستقت له، فغفر لها".

(1) صحيح: رواه الطبراني في "الأوسط" عن أم سلمة، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3796) .

(2)

رواه البخاري، ومسلم، والنسائي.

(3)

حسن: رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (937) .

(4)

رواه البيهقي وحسنه الألباني من حديث أبي هريرة في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (949) .

(5)

رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم، والنسائي.

(6)

يدور.

(7)

ببئر.

(8)

خفها الذي تلبسه في قدمها.

ص: 230

أو "غُفر لامرأة مومسة، مرت بكلب على رأس ركي يلهث، كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، وأوثقته بخمارها، فنزعت (1) له من الماء، فغفر لها بذلك".

هذا في كلب، فما ظنك الصائم الطائع لربه، وما ظنك بعظيم المغفرة حتى المومسة.

يا أخي

قال صلى الله عليه وسلم: "إن لله تعالى أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها، نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم"(2) .

* يا أخي: الصدقة والإطعام باب لرفعة الدرجات.

قال صلى الله عليه وسلم: "وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام" وكلها في رمضان.

* أختي الصائمة: تصدقي بطعام بيتك ولا تجاوزي المعتاد إن كان ذلك يغضب زوجك.

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً"(3) .

* أخي:

قال صلى الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقة"(4) .

عن عليّ بن الحسين بن شقيق قال: سمعت ابن المبارك وسأله رجل: يا أبا عبد الرحمن! قرحة خرجت من ركبتي منذ سبع سنين، وقد عالجت بأنواع العلاج، وسألت الأطباء، فلم أنتفع به؟ قال: اذهب فانظر موضعا يحتاج الناس للماء فاحفر هناك بئراً فإنني أرجو أن ينبع هناك عين، ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرئ" (5) .

(1) أخرجت.

(2)

حسن: رواه ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" والطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم في "الحلية" عن ابن عمر، ورواه تمام، والخطيب وابن عساكر، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (2164) .

(3)

رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له، وأبو داود، وابن ماجة، والترمذي، والنسائي، وابن حبان.

(4)

حسن: رواه أبو الشيخ في "الثواب" عن أبي أمامة، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3358) .

(5)

رواه البيهقي وذكره الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/401) .

ص: 231

* أخي: في صومك تذكر قول عبيد بن عمير: "يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، وأعرى ما كانوا قط، فمن أطعم لله عز وجل أشبعه الله، ومن سقى لله عز وجل سقاه الله، ومن كسا لله عز وجل كساه الله".

* وقال الشعبي: "من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه".

أخي: ما قدر كسرة تعطيها، أو ما سمعت أن الرب يربيها؟ فيراها صاحبها كجبل أحد، أفيرغب عن مثل هذا أحد؟!.

ما قدر لقمة لا ييالي بها أحد حتى يصير كجبل أُحد؟!

واعجباً للقمة كانت قليلة فكثرت، وفانية فبقيت.

إن اللقمة إذا أُكلت صارت أذى وقبائح في الحش، وإذا تصدق بها صارت إذاً مدائح عند العرش.

* إن تطوعات البدن لا تتعدى المتطوع، وإن نفع الصدقة متعدد متنوع.

من فطر صائما قد صبر من عشائه إلى فجره فله مثل أجره.

* أما تعلم أن الصدقة تزيد في العمر، ثم إنها والله سريعة الخلف، وحافظة بعد الموت للخلف، واعلم أن إنفاق كل حبة يثمر لك الوفاق والمحبة.

"في كل سنبلة مائة حبة..".

وفي شهر الجود والمواساة نهدي هذه القصيدة لمن أداموا الشبع والجشاء:

الجوع

الجوع!!

يموتُ المسلمون ولا نُبَالي

ونهرِفُ (1) بالمكارم والخصالِ

ونحيَا العُمرَ أوتارا وقَصفا

ونحيا العمرَ في قِيل وقالِ

(1) نهرف: نهذي (من الهذيان) يقال: يهرف بما لا يعرف [المعجم الوجيز] مادة هرف.

ص: 232

وننسى إخوةً في الله ذَرَّتْ

بهم كف الزمان على الرمالِ

تُمَزقُهم نُيُوبُ الجوعِ حتى

يكاد الشيخُ يَعْثُرُ بِالعِيالِ

يَشُدون البُطونَ عَلَى خَوَاء

وَيقْتَسِمُون أرْغِفَةَ الخيالِ

وتَضْرِبهم ريَاحُ الموتِ هُوجا

وفي أحْداقِهم نَزْفُ الليالي

ونَاموا في العراءِ بِلا غِطاء

وساروا في العراءِ بِلا نِعَالَ

كأن البيدَ تَلفِظُهُم فَتَجْري

بهم بيد إلى بيد خَوَالِ

يَسيلُ لُعَابُهم لَهَفا وتَذوِي

عيونُهُم على جَمر السؤالِ

وَلَيتَ جراحَهم في الجسم لكِنْ

جراحُ النفس أقَتلُ للرجالِ

يَمُدون الحبالَ وَليستَ شِعري

انَقْطعُ أمْ سَنُمْسِك بالحبال؟

وقبل الجوع تَنْهَشُهم كِلاب

من الإفرِنْج داميَةُ النِّصَالِ

يَؤَدونَ الضريبة كل يوْم

بِمَا مَلَكُوا ودينُ الله غال

صِلابٌ إنما الأَيامُ رُقْط

(وَيَثْنِي الجوعُ أعْناقَ الرجالِ)

أتَوْا للشَرق عَل الشرق دَرء

إذا بالشرق يَنفُر كالثَّعَالي

لماذا كل طائِفَة أغاثَت

بَنيهَا غَيرُكم أهْلَ الهِلال!؟

تَرَى الصُّلْبان قد نَفَرَتْ وهَبتْ

يهودٌ بالدواءِ وبالغِلالِ

هَبُوهُم بعضَ سَائمةِ البَرَارِي

هَبُوهُم بعضَ سابِلةِ النمالِ

نَسيتُم "واتقوا يوماً ثقيلاً"

به النيرانُ تَقْذِف كالجبالِ؟!

تَفُورُ وتَزْفَرُ الأحشاءُ زَفْراً

كأن شرارَها حُمرُ الجمالِ

ونحن المسلمينَ ننامُ حتى

يَضِيقَ الدهرُ بالنوْمِ الخَبالِ

ص: 233

جَلَستُم والآرائك فَاخِرات

وأوْجفْتُم (1) على الفُرُش الغَولي

وَرَصعْتُم قُصُورَكُم مَرايَا

لِتنْطِقَ بِالْبَهَاءِ وبالجمَالِ

ومَاجَ العطرُ وائتلقت جِنانُ

كأن العُمْرَ ليس إلى زَوالِ!!

نَنَامُ على "الرِّيالِ" وإن صَحَوْنا

فإن الفجرَ فاتحةُ الرِّيَال (2)

***

(1) أوجَفَ: أسرع في السير، استوجفه: ذهب به، يقال: استَوجَفَ الحُب فُوَاده.

(2)

الريال نوع من المسكوكات الفضية، من ديوان "إنها الصحوة إنها الصحوة" لمحمود مفلح دار الوفاء.

ص: 234