الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس فيها" (1) .
قال ابن رجب: "أما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر"(2) فمن صامها من جملة أيام البيض فقد وافق السنة.
فصم يومها لله وأحسن رجاءه
…
لتظفر عند الكرب منه بلطفه
أخي: أشرف هذا الشهر ليلة نصفه فأين أنت من شعبان وأيامه وليلة نصفه.
ليالي شعبان وليلة نصفه
…
بأيه حال قد تنزل لي صكي
وحق لعمري أن أديم تضرعي
…
لعل إله الخلق يسمح بالفك
صيام ستة أيام من شوال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، وأتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر"(3) .
وروى مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر".
قال المناوي: "خص شوال لأنه زمن يستدعي الرغبة فيه إلى الطعام لوقوعه عقب الصوم، فالصوم حينئذ أشق، فثوابه أكثر".
وقال صلى الله عليه وسلم: "من صام ستة أيام بعد الفطر، كان تمام السنة (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) "(4) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعده بشهرين، فذلك صيام السنة"(5) .
(1)"تحقيق الألباني في كتاب إصلاح المساجد للقاسمي"(ص 99) .
(2)
"لطائف المعارف"(ص 143) .
(3)
رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي أيوب.
(4)
صحيح: رواه ابن ماجه عن ثوبان، والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (6328) .
(5)
صحيح: رواه الدارمي وابن ماجه وابن خزيمة والطحاوي وابن عساكر وأحمد والنسائي وابن حبان عن ثوبان وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3851) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "جعل الله الحسنة بعشر أمثالها، الشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة"(1) .
قال ابن رجب في "لطائف المعارف"(ص 232-238) بعد إيراده الحديث أبي أيوب:
"اختلف في هذا الحديث وفي العمل به فمنهم من صححه، ومنهم من قال هو موقوف، قاله ابن عيينة وغيره وإليه يميل الإمام أحمد، ومنهم من تكلم في إسناده".
وأما العمل به فاستحب صيام ستة من شوال أكثر العلماء، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وطاوس والشعبي وميمون بن مهران، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
* وأنكر ذلك آخرون.
وروي عن الحسن أنه كان إذا ذكر عنده صيام هذه الستة قال: لقد رضي الله بهذا الشهر للسنة كلها، ولعله إنما أنكر على من اعتقد وجوب صيامها وأنه لا يكتفى بصيام رمضان عنها في الوجوب وظاهر كلامه يدل على هذا.
* وكرهها الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف، وعلل أصحابهما ذلك مشابهة أهل الكتاب يعنون في الزيادة في صيامهم المفروض عليهم ما ليست منه. وأكثر المتأخرين من مشايخهم قالوا لا بأس به وعللوا أن الفطر قد حصل بفطر يوم العيد حكى ذلك صاحب الكافي منهم.
* وكان مهدي يكرهها ولا ينهي عنها.
وكرهها أيضاً مالك وذكر في "الموطأ" أنه لم ير أحداً من أهل العلم يفعل ذلك، وقد قيل أنه كان يصومها في نفسه، وإنما كرهها على وجه يخشى منه أن يعتقد فريضتها لئلا يزاد في رمضان ما ليس منه.
* وأما الذين استحبوا صيامها فاختلفوا في صيامها على ثلاثة أقوال:
(1) صحيح: ذكره أبو الشيخ في "الثواب" عن ثوبان، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (3094) .
أحدها: أنه يستحب صيامها من أول الشهر متتابعة، وهو قول الشافعي وابن المبارك.
والثاني. أنه لا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر كله وهما سواء، وهو قول وكيع وأحمد.
والثالث: أنها لا تصام عقب الفطر فإنها أيام أكل وشرب. ولكن يصام ثلاثة قبل أيام البيض وأيام البيض أو بعدها. وهذا قول معمر وعبد الرزاق.
وروي عن عطاء. حتى روي عنه أنه كره لمن عليه صيام من قضاء رمضان أن يصومه ثم يصله بصيام تطوع وأمر بالفطر بينهما وهو قول شاذ.
* وأكثر العلماء على أنه يكره صيام ثاني يوم الفطر وقد دلّ عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: إذا أفطرت فصم، وقد سرد طائفة من الصحابة والتابعين الصوم إلا يوم الفطر والأضحى.
وعن الشعبي قال: "لأن أصوم يوماً بعد رمضان أحبّ إليّ من أن أصوم الدهر كله".
وخرج أبو يعلى الموصلي بإسناد متصل عن أسامة قال: كنت أصوم شهراً من السنة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أنت من شوال فكان أسامة إذا أفطر أصبح الغد صائماً من شوّال حتى يأتي على آخره (1) .
* وصيام شوال كصيام شعبان لأن كلا الشهرين حريم لشهر رمضان وهما يليانه، وقد ذكرنا في فضل صيام شعبان أن الأظهر أن صيامهما أفضل من صيام الأشهر الحرم، والاختلاف في ذلك، وإنما كان صيام رمضان واتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها.
* وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:
* منها أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
* ومنها أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل
(1) قال ابن مفلح في "الفروع"(3/120) : "روى سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي أن أسامة بن زيد كان يصوم شهر المحرم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام شوال فما زال أسامة يصومه حتى لقي الله" إسناد جيد.
بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل صمت رمضان كله أو قمته كله قال الصحابي فلا أدري أكره التزكية أم قال لابد من رقدة أو غفلة.
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: "من لم يجد ما يتصدق به فليصم" يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر، فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الأيمان وغيرها من الكفارات في مثل كفارات القتل والوطء في رمضان والظهار.
* ومنها أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبّل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم:"ثواب الحسنة الحسنة بعدها"، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
* ومنها أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب.
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورّم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً) ".
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره وغير ذلك من أنواع شكره فقال: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) .
فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقب ذلك.
كان بعض السلف إذا وُفِّق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائماً، ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام.
وكان وهيب بن الورد يُسئل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه فيقول لا تسألوا عن ثوابه ولكن اسألوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر للتوفيق والإعانة عليه.
إذا أنت لم تزد على كل نعمة
…
لموليكها شكراً فلست بشاكر
قال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر من رمضان لم يعص الله دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب، ومن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر عصى ربه فصيامه عليه مردود.
* ومنها أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حياً، وذلك أن كثيراً من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان لاستثقال الصيام وملله وطوله عليه ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصيام سريعاً، فالعائد إلى الصيام بعد فطره يوم الفطر يدل عوده على رغبته في الصيام وأنه لم يمله ولم يستثقله ولا تكره به.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال. فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ثم قضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه.
فمنْ كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع لبراعة ذمته وهو أولى من التطوع بصيام ستة من شوال، فإن العلماء اختلفوا فيمن عليه صيام مفروض هل يجوز أن يتطوع قبله أوْ لا؟ وعلى قول من جوّز التطوع قبل القضاء فلا يحصل مقصود صيام ستة أيام من شوال إلا لمن أكمل صيام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، فمن كان عليه قضاء من رمضان ثم بدأ بصيام ست من شوال، حيث لم يكمل عدة رمضان لم يحصل له ثواب.
من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، كما لا يحصل لمن أفطر رمضان لعذر بصيام ستة من شوال آخر صيام السنة بغير إشكال.
ومن بدأ بالقضاء في شوال ثم أراد أن يتبع ذلك بصيام ستة من شوال بعد تكميله قضاء رمضان كان حسناً لأنه يصير حينئذ قد صام رمضان وأتبعه بست من شوال، ولا
يحصل له فضل صيام ست من شوال بصوم قضاء رمضان لأن صيام الست من شوال إنما تكون بعد إكمال عدة رمضان.
عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله، قال الحسن: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت ثم قرأ (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) .
هذه الشهور والأعوام، والليالي والأيام، مقادير الآجال، ومواقيت الأعمال، ثم تنقصي سريعا، وتمضي جميعا والذي أوجدها وابتدعها، وخصّها بالفضائل وأودعها باق لا يزول، ودائم لا يحول، هو في جميع الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهد، فسبحان من قلّب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم، يسبغ عليهم فيها فواضل النعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم.
فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف، المحب لا يملّ من التقرب إلى مولاه، ولا يأمل إلا قربه ورضاه.
ما للمحب سوى إرادة حبه
…
إن المحب بكل أمر يضرع
كل وقت يخليه العبد من طاعة مولاه فقد خسره، وكل ساعة يغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة ترة فوا أسفاه على زمان ضاع في غير طاعته، وواحسرتاه على قلب بات في غير خدمته.
ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها.
سلوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات، وتعوذوا به من تقلب القلوب، ومن الحور بعد الكور.
ما أوحش ذل المعصية بعد عز الطاعة.
ارحموا عزيز قوم بالمعاصي ذل، وغنى قوم بالذنوب افتقر.
ترى الحي الأولى بانوا
…
على العهد كما كانوا
إذا عز ّبغير الله يو
…
ما معشر هانوا