الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رمضان شهر فتح أبواب الجنان
* عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء رمضان، فُتحتْ أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار وصُفدت الشياطين"(1) .
وفي رواية لمسلم: "فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".
* وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفّدت (2) الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ويناد مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة"(3) .
وفي رواية ابن خزيمة: الشياطين مردة الجن أي بغير واو.
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم"(4) .
اعلم يا أخي أن فتح أبواب الجنة في رمضان حقيقة لا تحتاج إلى تأويل وهذه نعمة عظيمة ومنة كريمة من الله يتفضل بها على عباده في هذا الشهر فأبواب الجنان مغلقة لا تفتح إلا في تمام النعمة.
يقول ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) الآية [الزمر: 73] .
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2)
صفدت: بضم الصاد وتشديد الفاء أي شدت بالأغلال.
(3)
صحيح: رواه الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي عن أبي هريرة.
(4)
حسن: رواه النسائي والبيهقي عن أبي هريرة، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (989 ج4181) .
"أما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه، فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه فيدعه ما شاء أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأل حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها تعظيماً لخطرها وإظهاراً لمنزلة رسوله صلى الله عليه وسلم وكرامته عليه" وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك رب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها، وما ركبه من الأطباق طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم، وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله عالية غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به فما لمن اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فليعد عنها إلى ما هو أولى به وقد خلق له وهيئ له.
وهنا يدرك الإنسان قيمة فتح أبواب الجنة في رمضان.
عجباً لمن يعلم أن الجنة فوقه موجودة تزخرف وتفتح أبوابها في رمضان ثم لا يشتاق إليها ويسعى لها على الأجفان.
قال صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة".
فاحذر أن تقدم على جنة عرضها السماوات والأرض وليس لك فيها موضع قدم.
إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام، والوحوش والأنعام، فأما الجنة فهي الحياة اللائقة بذلك الإنسان الكريم على الله وأودع روحه الإيمان الذي ينزع به إلى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه.
إن مستوى النعيم في هذه الدنيا معروف، ومستوى النعيم هناك يليق بالخلود، فأين غاية من غاية؟!.
إنها الجنة التي غرس غراسها الرحمن بيده.... إنها الجنة الجزاء الرفيع الخالص الفريد، الجزاء الذي يتجلى فيه ظلال الرعاية الخاصة، والإعزاز الذاتي، والإكرام الإلهي والحفاوة الربانية بهذه النفوس (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون) [السجدة: 17] .
حفاوة من الله سبحانه وتوليه بذاته العلية إعداد المذخور لهم عنده من الحفاوة والكرامة هذا المذخور لا يطلع عليه أحد سواه، والذي يظل عنده خاصة مستوراً حتى يكشف لأصحابه عند لقياه.
يا الله! كم ذا يفيض الله على عباده من كرمه (1) .
إنها الجنة التي لا يسأل بوجه الله العظيم غيرها لكرامتها على الله.
إنها الجنة التي اشتاق إليها الصالحون من هذه الأمة فسلوا عنها جعفر الطيار وعمير بن الحمام وحرام بن ملحان وأنس بن النضر وعامر بن أبي فهيرة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن رواحة.
إنها الجنة دار كرامة الرحمن فهل من مشمر لها.... إنها الجنة فاعمل لها بقدر مقامك فيها.... إنها الجنة فاعمل لها بقدر شوقك إليها.
فواعجبا لها كيف نام طالبها، وكم لم يسمح بمهرها في رمضان خاطبها، كيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها، وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها.
إنها الجنة دار الموقنين بوعد الله المتهجدين في ليل رمضان، الصائمين نهاره، المطعمين عباد الله وهذا من موجبات الجنة.
(1) قول لابن السماك.
قال صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها قالوا لمن هي يا رسول الله. قال: لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام"
تسعى بهم أعمالهم سوقا إلى
…
الجنات سوق الخيل بالركبان
صبروا قليلا فاستراحوا دائما
…
يا عزة التوفيق للإنسان
حمدوا التقى عند الممات كذا السرى
…
عند الصباح فحبذا الحمدان
وحدت بهم عزماتهم نحو العلى
…
وسروا فما نزلوا إلى نعمان
باعوا الذي يفنى من الخزف الخسيس
…
بدائم من خالص العقيان
رفعت لهم في السير أعلام السعا
…
دة والهدى يا ذلة الحيران
فتسابق الأقوام وابتدروا لها
…
كتسابق الفرسان يوم رهان
إنها الجنة
…
"ما حليت لأمة من الأم مثلما حُلِّيتْ لأمتنا هذه ومع هذا لا نرى لها عاشقا".
وأخو البصيرة حاضر متيقظ
…
متفرد عن زمرة العميان
يسمو إلى ذاك الرفيق الأرفع
…
الأعلى وخلّى اللعب للصبيان
إنها الجنة
…
لو كنت تعلم من خطبت
…
ومن طلبت جعلت السعي منك لها على الأجفان
حور تزف إلى ضرير مقعد
…
يا محنة الحسناء بالعميان (1)
إنها الجنة
…
وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده، وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص.
فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها
(1) انظر جمعي "شذا الريحان ذكر جنة الرحمن".
فهو عرش الرحمن، وإن سألت عن ملاطها فهو المسك الأذفر، وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، لا من الحطب والخشب، وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها، وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها.
* وإن سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار، وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب، وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين، وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين، وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين.
وإن سألت عن أزواجهم فهن الخيرات الحسان اللاتي كالياقوت والمرجان.
فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها أفما تعدُّ مهرها من الآن.. وهو طول التهجد بالقرآن في ليل رمضان، وخلوف الفم بالنهار من آثار الصيام.
عجبا لك إن نبي الله موسى خدم العبد الصالح عشر سنوات مهرا لزواجه من ابنته، فكم تخدم مولاك لأجل بنات الجنان الحور الحسان، فوالله ما انتقلن من الجنة ولا أكلن منها ولا خلقن إلا فيها من ترك دفء الفوالق في ليل رمضان كان جزاؤه من جنس عمله وزوّج من الحور الحسان، أما علمت يا أخي أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل هم خزانها وحراسها، وإن سألت عن يوم المزيد وزيارة العزيز الحميد فذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير وصهيب وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد.
فيا لذة الأسماع بأطيب محاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم
في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الآخرة (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة * ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة) [القيامة: 22-25] .
فحي على جنات عدن فإنها
…
منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى
…
نعود إلى أوطاننا ونسلم
فلله أبصار ترى الله جهرة
…
فلا الحزن يغشاها ولا هي تسأم
فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة
…
أمن بعدها يسلو المحب المتيم
أحبتنا عطفا علينا فإننا
…
بنا ظمأ والمورد العذب أنتم
***