الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدكم، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فعدوا ثلاثين، ثم أفطروا" (1) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا شهر رمضان بصوم قبله بيوم ولا بيومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً فليصمه"(2) .
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين، إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم، لا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن حال دونه غمام، فأتموا العدة ثلاثين، ثم أفطروا، والشهر تسع وعشرون"(3) .
قال ابن حجر (4/152، 153) :
"أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكليف".
قال العلماء: معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان.
قال الترمذي لما أخرجه: العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان ا. هـ.
ومقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام أو أربعة جاز ويجوز لمن له عادة.
ومعنى الاستثناء: "أن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده والله وترك المألوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء، ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما".
حكم التطوع بالصيام بعد انتصاف شعبان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان"(4) .
(1) صحيح: رواه الترمذي وأحمد والدارقطني عن أبي هريرة وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (7393) .
(2)
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة.
(3)
صحيح: رواه أحمد والنسائي والترمذي والدارمي والحاكم وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (7392) .
(4)
صحيح: رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي عن أبي هريرة، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (397) .
وفي رواية الترمذي: "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا".
اختلف العلماء في صحة هذا الحديث منهم من صححه ومنهم من ضعفه.
أما الذين صححوه فقد أوّلوه ففسروه تفسيراً لا يتعارض مع ما تقدم من الأدلة على كثرة الصيام في شعبان:
* فقد قال الترمذي عقب روايته: "حديث حسن صحيح لا نعرفه إلّا من هذا الوجه على هذا اللفظ"، ثم قال: ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطراً فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان ا. هـ.
وقال ابن خزيمة في "صحيحه"(3/282) :
"باب إباحة وصل صوم شعبان بصوم رمضان"، والدليل على أن معنى خبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان" أي لا تواصلوا شعبان برمضان فتصوموا جميع شعبان لا أنه نهي عن الصوم إذا انتصف شعبان نهياً مطلقاً.
هذا كلام من صحح الحديث وخلاصته أن النهي محمول على اختصاص النصف الأخير بالصيام أو على عدم وصل شعبان برمضان.
* أما الذين ضعفوه:
فقد قال ابن حجر (4/153-154) :
"قال جمهور العلماء. يجوز الصوم تطوعاً بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه. وقال أحمد وابن معين إنه منكر وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه فقال: الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعاً "أفضل الصيام بعد رمضان شعبان" لكن إسناده ضعيف، واستظهر أيضاً بحديث عمران بن حصين، ثم جمع بين الحديثين بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم، وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان، وهو جمع حسن والله أعلم".
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في "لطائف المعارف"(ص 142) :
"اختلف العلماء في صحة هذا الحديث ثم في العمل به".
فأما تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر.
وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم وقالوا: هو حديث منكر، منهم عبد الرحمن ابن مهدي، والإمام أحمد، وأبو زرعة الرازي، والأثرم.
وقال الإمام أحمد: لم يرو العلاء حديثاً أنكر منه وردّه بحديث "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين "فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من يومين.
وقال الأثرم: الأحاديث كلها تخالفه. يشير إلى أحاديث صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان ووصله برمضان ونهيه عن التقدم على رمضان بيومين، فصار الحديث حينئذ شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة.
وقال الطحاوي: "هو منسوخ وحكى الإجماع على ترك العمل به، وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به".
قال ابن عبد البر في "التمهيد"(2/40) :
"اختلف العلماء في صوم آخر يوم من شعبان تطوعاً، فأجازه مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وأبو حنيفة وأصحابه، وأكثر الفقهاء إذا كان تطوعا ولم يكن خوفاً ولا احتياطاً أن يكون من رمضان. ولا يجوز عندهم صومه على الشك.
وقال مالك: إن تيقن أنه من شعبان جاز صومه تطوعاً، وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يصام يوم الشك إلا تطوعاً، وقال الثوري: لا يتلوم يوم الشك ولا يصوم أحد يوم الشك.
قال ابن رجب في "اللطائف"(ص 149) :
"قالت طائفة: حديث عمران يدل على أنه يجوز صيام يوم الشك وآخر شعبان مطلقاً سواءً وافق عادة أو لم يوافق وإنما نهي عنه إذا صامه بنية الرمضانية احتياطا وهذا مذهب مالك، وذكر أنه القول الذي أدرك عليه أهل العلم حتى قال محمد ابن مسلمة من
أصحابه يكره الأمر بفطره لئلا يعتقد وجوب الفطر قبل الشهر كما وجب بعده، وحكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار".
وقال أيضاً (ص 151) : "صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصومه بنية الرمضانية احتياطاً لرمضان فهذا منهي عنه وقد فعله بعض الصحابة وكأنهم لم يبلغهم النهي عنه.
والثاني: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوّزه الجمهور ونهى عنه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بفطر مطلقاً.
والثالث: أن يصام بنية التطوع المطلق فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر منهم الحسن وإن وافق صوماً كان يصومه ورخّص فيه مالك ومن وافقه.
وفرق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أولا، وكذلك يفرق بين من تقدم صيامه بأكثر من يومين ووصله برمضان فلا يكره أيضاً إلا عند من كره الابتداء بالتطوع بالصيام بعد نصف شعبان".
* قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(10/328) : "استحب ابن عباس وجماعة من السلف رحمهم الله أن يفصلوا بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو أيام، كما كانوا يستحبون أن يفصلوا بين صلاة الفريضة بكلام أو قيام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان.
وفي "مصنف عبد الرزاق"(4/158) : عن عطاء قال: كنت عند ابن عباس قبل رمضان بيوم أو يومين فقرب غداؤه فقال: "أفطروا أيها الصيام: لا تواصلوا رمضان شيئاً، وافصلوا".
* قال ابن رجب: "قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.