الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* في
السنة الثالثة من الهجرة:
وفي رمضان عبّأ الرسول صلى الله عليه وسلم جيشاً في المدينة لصد عدوان المشركين الذين كانوا يستعدون للثأر لقتلاهم في غزوة بدر.
* في السنة الخامسة من الهجرة:
استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لغزوة الخندق إذ أن هذه الغزوة كانت في سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين وكان من الاستعدادات بل أهمها ما أشار به سلمان الفارسي من حفر الخندق حول المدينة، وقد استغرق حفر الخندق كما يقول ابن القيم شهراً كاملاً وقد بلغ طول الخندق حوالي خمسة آلاف ذراع، أما عمق الخندق فلم يكن أقل من سبعة أذرع والعرض كذلك فرضى الله عن الصحابة الجيل القرآني الفريد.
* في السنة السادسة من الهجرة:
في رمضان سرية غالب بن عبد الله المؤلفة من مائة وثلاثين مسلماً لقتال بني عبد الله ابن ثعلبة وكانوا قد أعلنوا عداوتهم للمسلمين، فانتصر غالب عليهم وغنم كثيراً من الخيرات وساقها إلى المدينة.
* في السنة الثامنة من الهجرة:
في العشرين من رمضان كان الفتح الأعظم: "الذي أعز الله به نبيه ورسوله وجنده وحزبه الأمين واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء، وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجاً، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجاً"(1) ودخل فيه رسول الله مكة ومعه عشرة آلاف من كتائب الإسلام وجنود الرحمن، "وتهيأت مكة الحبيبة وكادت جبالها تزحف فرحاً لاستقبال الأمين البار الصابر المحتسب صلى الله عليه وسلم ليعيد إلى ربوعها أشعة أنوار دين إبراهيم عليه السلام وأخذ التاريخ طرسه
(1)"زاد المعاد"(2/160) .
ليسجل في زهو تلك المفارقة العجيبة الرائعة التي تتجسد فيها أعظم العظات والعبر.
إن ما شهدته مكة في صباح ذلك اليوم التاريخي الأغر من مفارقات عجيبة رائعة إنما هو إحدى ثمار الثبات على العقيدة السليمة الدافعة كل شيء يعترض سبيلها حتى ولو كان الجبال الراسيات.
أية مفارقة أروع وأعظم مما كتبه التاريخ في ذلك اليوم الأغر، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسبع سنوات فقط أهون على قومه في مكة من أي شيء لديهم.
أجمعوا على قتله وهو بين ظهرانيهم بمكة وهم يعرفون كلهم أنه أبر وأشرف وأطهر وأنبل من عرفته بطحاؤهم.
قبل سبع سنوات فقط خرجت مكة كلها تبحث عنه في مطاردة جنونية مسعورة وكل فرد يمني بقتل هذا الرجل.
واليوم تذكر مكة ولا تنسى وهي تقف اليوم يرجف كبار مجرميها تحت رحمة عشرة آلاف محارب يقودهم هذا الرجل الذي أراد أهل مكة أن يجعلوا منه طريداً لا عودة له.
تذكر مكة ولا تنسى أن هذا الرجل إياه خرج منها وحيداً خائفاً يترقب، يترصده الموت من كل مكان.
وها هو اليوم يعود إلى مكة الحبيبة مرفوع الرأس وضاح الجبين، قد أحاطه الله بالعزة والمنعة وألبسه رداء السيادة ووضع في يده مقابض كل القيادة، قد أحاط به بحر يموج بآلاف الفرسان وآلاف المشاة من جنود الله كلهم يفديه وتحوطه ملائكة السماء.
وجبريلٌ رسول الله فينا
…
وروح القدس ليس له كفاءُ
يستقبلهم اليوم أهل مكة في ذلة وانكسار وأيدي كبار مجرميها تتحسس رؤوسهم خوفاً من أن تفصلها عن كواهلهم سيوف الرجل الطريد بالأمس والفاتح العزيز المنتصر اليوم (1) .
ولا شيء عنده إلا العفو الشامل لنبي من أولي العزم صفت نفسه وطهرت. ودخل
(1)"فتح مكة" لبشاميل (171-173) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو يقرأ سورة الفتح وذقنه على راحلته متخشعاً. إن رسول الله ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى أن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل. دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلثمائة نصب جعل يطعنها بعود في يده ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)(1) .
وعند مسلم "أتى إلى صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسيتها فلما أتى على الصنم فجعل يطعن في عينه ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً".
وفي الأصنام معتبر وعلم
…
لمن يرجو الثواب أو العقابا
ويقول الشاعر:
لو قد رأيت محمداً وقبيلَهُ
…
بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بيناً
…
والشرك يغشى وجهه الإظلام
إن نصر الله يجيئ به الله في الوقت الذي يقدره، في الصورة التي يريدها، للغاية التي يرسمها، وليس لأحد من أمره شيء، وحسب الناس أن يقيمهم الله حراسا لدينه.
(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)[الإسراء: 81] .
يجييء الحق بقوته وصدقه وثباته، ويزهق الباطل ويندو فمن طبيعة الباطل أن يتوارى ويزهق.
"إن الباطل كان زهوقا"
فالباطل ينتفخ وينتفج وينفش، لأنه باطل لا يطمئن إلى حقيقة، ومن ثَمَّ يحاول أن يموه على العين، وأن يبدو للعين عظيماً كبيراً ضخماً راسخاً، ولكنه هش سريع العطب كشعلة الهشيم ترتفع في الفضاء عالياً ثم تخبوا سريعاً وتستحيل إلى رماد بينما الجمرة الذاكية تدفئُ وتنفع وتبقى، وكالزيت يطفو على الماء ولكنه يذهب جفاء ويبقى الماء.
(1) البخاري عن عبد الله بن مسعود.
إن الباطل إنما يستمد حياته الموقوتة من عوامل خارجية وإسناد غير طبيعي، فإذا تخلخلت تلك العوامل، ووهت هذه الأسانيد تهاوي وانهار فأما الحق فمن عند الله الذي جعل الحق من أسمائه يجعل له العقبى ويكفل له البقاء وإن وقفت ضده الأهواء والسلطان.
"إن الباطل كان زهوقا" ومن ورائه الشيطان، ومن ورائه السلطان، ولكن وعد الله أصدق وسلطان الله أقوى، وما من مؤمن ذاق طعم الإيمان، إلا وذاق معه حلاوة الوعد وصدق العهد، "ومن أوفى بعهده من الله؟ ومن أصدق من الله حديثاً"(1) ؟!
لما سمع حماس بن قيس الديلي برسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يصلح سلاحه، فقالت له امراته: لمن تعد هذا؟ قال لمحمد وأصحابه، فإني أرجو أن أخدمَك منهم خادماً فإنك إليه محتاجه.
قالت: ويحك لا تفعل ولا تقاتل محمداً، والله ليضلنّ هذا عنك لو رأيت محمداً وأصحابه.
قال: سترين. وبعدها بقليل أقبل حماس منهزماً حتى أتى بيته فدقه ففتحت امرأته فدخل، وقد ذهبت روحه، فقالت: أين الخادم الذي وعدتني ما زلت منتظرتك منذ اليوم، تسخر به.
قال: دعي عنك هذا أغلقي بابك فإنه من أغلق بابه فهو آمن ثم قال شعراً:
وأنت لو شهدتنا بالخندمه
…
إذ فر صفوان وفرّ وعكرمه
وأبو يزيد كالعجوز المؤتمه
…
إذ يلحقونا بالسيوف المسلمة
يقطعن كلّ ساعد وجمجمة
…
ضربا فلا يُسمع إلا غمغمه
لهم زئير خلفنا وهمهمة
…
لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة (2)
قال تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا
…
) [النصر: 1، 2] .
قال ابنُ كثير: "والمراد بالفتح هنا فتح مكة قولاً واحد فإن أحياء العرب كانت
(1)"الظلال"(4/2247- 2248) .
(2)
"فتح مكة" محمد أحمد شاميل (ص 178- 179) ، نقلاً عن سيرة ابن هشام (ج 4/50) ، و"مغازي الواقدي"(2/287) ، "البداية والنهاية"(4/297) .