الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ارسال الوليد بن عتبة إلى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير، وما كان بينهم فى أمر البيعة وخروجهما إلى مكة رضى الله عنهما
قال [1] وأرسل الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو غلام حدث، إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما، فوجدهما فى المسجد، فأتاهما فى ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس، فقال: أجيبا الأمير فقالا: انصرف الآن نأتيه.
فقال ابن الزبير للحسين: ما تراه بعث إلينا فى هذه الساعة التى لم يكن يجلس فيها؟ فقال الحسين رضى الله عنه: أظن طاغيتهم هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو فى الناس الخبر. فقال: وأنا ما أظن غيره، فما تريد أن نصنع؟ قال الحسين:
أجمع فتيانى الساعة ثم أمشى إليه وأجلسهم على الباب وأدخل عليه. قال:
فإنى أخاف عليك إذا دخلت. قال: لا آتيه إلا وأنا قادر على الامتناع.
فقام الحسين رضى الله عنه فجمع إليه أصحابه وأهل بيته، ثم أقبل إلى باب الوليد، وقال لأصحابه:«إنى داخل، فإذا دعوتكم أو سمعتم صوتى قد علا فادخلوا علىّ بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم» .
ثم دخل فسلّم ومروان عنده، فقال الحسين:«الصّلة خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا، أصلح الله ذات بينكما» وجلس، فأقرأه الوليد الكتاب،
[1] ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 264، وأصله فى تاريخ الطبرى ج 4 ص 251.
ونعى إليه معاوية، ودعاه إلى البيعة، فاسترجع الحسين وترحّم على معاوية، وقال:«أما البيعة فإن مثلى لا يبايع سرا، ولا تجتزى بها منى سرا، فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم إلى البيعة دعوتنا معهم فكان الأمر واحد» فقال له الوليد- وكان يحب العافية- انصرف.
فقال له مروان: «لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينه، احبسه، فإن بايع وإلّا ضربت عتقه» . فوثب الحسين عند ذلك وقال: «يا ابن الزرقاء أنت، تقتلنى [1] أو هو؟ كذبت والله ولؤمت [2] ! ثم خرج حتّى أتى منزله.
فقال مروان للوليد: عصيتنى! لا والله لا يملك من نفسه يمثلها أبدا، فقال الوليد:«ويح [3] غيرك يا مروان!، والله ما أحب أن لى ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأنى قتلت حسينا إن قال لا أبايع! والله إنى لأظن أمرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة!» قال مروان: قد أصبت بقولك هذا [يقول][4] وهو غير حامد له على رأيه.
وأمّا ابن الزّبير فإنه أتى داره وجمع أصحابه واحترز، فألّح الوليد فى طلبه وهو يقول «أمهلونى» . فبعث الوليد إليه مواليه فشتموه، وقالوا له: يا ابن الكاهلية لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك
[1] فى تاريخ الطبرى: «أم» .
[2]
كذا جاء هنا مثل الكامل، والطبرى «وأثمت» .
[3]
كذا فى الأصل، وفى تاريخ الطبرى «وبخ غيرك» .
[4]
الزيادة من الكامل وتاريخ الطبرى.
فقال لهم: والله لقد استربت لكثرة الإرسال، فلا تعجلونى حتّى أبعث إلى الأمير من يأتينى برأيه. فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير فقال له:«رحمك الله، كفّ عن عبد الله فإنك قد أفزعته وذعرته [1] ، وهو يأتيك غدا إن شاء الله تعالى، فمر رسلك فلينصرفوا عنا» فبعث إليهم، فانصرفوا وخرج ابن الزبير من ليلته هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث فسارا نحو مكة [2] فسرح الوليد الرجال فى طلبه فلم يدركوه، فرجعوا، وتشاغلوا به عن الحسين يومهم.
ثم أرسل الوليد الرجال إلى الحسين [3] فقال لهم: أصبحوا ثم ترون ونرى. فكفّوا عنه، فسار من ليلته [4] نحو مكة، وأخذ معه بنيه وإخوته وبنى أخيه وجلّ أهل بيته إلّا محمد بن الحنفية فإنه قال للحسين رضى الله عنهما: «يا أخى أنت أحب الناس إلىّ وأعزّهم علىّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك، تنح ببيعتك [5] عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت، وابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فإن بايعوك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك، إنى أخاف أن تأتى مصر وجماعة من الناس فيختلفون عليك، فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك، فيقتتلون، فتكون لأول الأسنّة، فإذا
[1] زاد الطبرى فى روايته: «بكثرة رسلك» .
[2]
وتجنيا الطريق الأعظم مخافة الطلب.
[3]
عند المساء.
[4]
قال الطبرى: «وهى ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة 60، وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة، خرج ليلة السبت» .
[5]
كذا جاء فى الأصل مثل الكامل، وجاء فى تاريخ الطبرى:«بتبعتك» .
خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما، أضيعها دما وأذلّها أهلا!» قال الحسين: فأين أذهب يا أخى؟ قال: «انزل مكة، فإن اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال [1] وخرجت من بلد إلى أخرى، حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس، ويفرق لك الرأى، فإنك أصوب ما تكون رأيا وأخرمه عملا حين تستقبل الأمور استقبالا، ولا تكون الأمور أبدا أشكل منها حين تستدبرها!» قال: قد نصحت وأشفقت وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا إن شاء الله.
ثم دخل المسجد وهو يتمثل بقول يزيد بن مفرّغ:
لا ذعرت السّوام فى شفق [2] الصّبح
…
مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطى من المهابة [3] ضيما
…
والمنايا يرصدننى أن أحيدا
ثم خرج نحو مكة وهو يتلو فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
[4]
، ولما دخل مكة قرأ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ
[5]
[1] شعف الجبال: رءوسها.
[2]
كذا جاء «شفق» فى الأصل مثل الكامل لابن الأثير ج 3 ص 265 والمعروف فيه «فلق» كما جاء فى تاريخ الطبرى ج 4 ص 253 ومروج الذهب المسعودى ج 2 ص 86 والخصائص لابن جنى ج 3 ص 273 وشرح ابن أبى الحديد لنهج البلاغة ج 1 ص 302 وجاء فى ترجمة يزيد بن مفرغ من وفيات الأعيان ج 3 ص 315 «غلس» .
[3]
كذا جاء فى الأصل وتاريخ الطبرى، وجاء فى الكامل «من المهانة» وفى شرح ابن أبى الحديد «من المخافة» ، وفى وفيات الأعيان «على المخافة» ، وفى مروج الذهب (مخافة الموت» .
[4]
الآية 21 من سورة القصص.
[5]
الآية 22 من سورة القصص.