الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولاية عبد الله بن الحارث البصرة
قال: ولما اتفق قيس والنّعمان، ورضى قيس بمن يؤمّره النعمان، أشهد عليه النعمان بذلك، وأخذ على قيس وعلى الناس العهود بالرضا.
ثم أتى عبد الله بن الأسود، وأخذ بيده واشترط عليه، حتّى ظنّ الناس أنه يبايعه، ثم تركه.
وأخذ بيد عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهو الملقب، «ببّه» [1] واشترط عليه مثل ذلك، ثم حمد الله وذكر النبىّ صلى الله عليه وسلم وحقّ أهل بيته وقرابته، ثم قال:
«أيها الناس، ما تنقمون من رجل من بنى عم نبيكم وأمّه هند بنت أبى سفيان، فإن كان الأمر فيهم فهو ابن أختهم» ، ثم أخذ بيده وقال، قد رضيت لكم هذا. فنادوا: قد رضينا، وبايعوه، وأقبلوا به إلى دار الإمارة حتّى نزلها. وذلك أول جمادى الآخرة سنة أربع وستين.
ذكر مقتل مسعود بن عمرو الأزدى وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام
قال: ثم إن الأزد وربيعة جددوا الحلف الذى كان بينهم، وأنفق ابن زياد ما لا كثيرا فيهم حتّى تمّ الحلف، وكنبوا بينهم بذلك كتابين، فلمّا تحالفوا اتفقوا على أن يردّوا ابن زياد إلى دار الإمارة، فساروا ورئيسهم مسعود بن عمرو، فقال لابن زياد: سر معنا، فلم
[1] انظر تاريخ الطبرى ج 4 ص 398 والكامل لابن الأثير ح 3 ص 322 وشرح ابن يعيش للمفصل ح 1 ص 32 وشواهد العينى ح 1 ص 403 ومادتى (ببب) و (جذب) فى لسان العرب وثاج العروس، و «يبه» فى الأصل: حكاية صوت صبى.
يفعل، وأرسل معه مواليه على الخيل، وقال لهم لا يحدثنّ خير ولا شر إلا أنبأتمونى به.
فجعل مسعود لا يأتى سكة ولا يتجاوز قبيلة إلّا أتى بعض أولئك الموالى إلى ابن زياد بالخبر، وسارت ربيعة وعليهم مالك بن مسمع فأخذوا سكة المربد، وجاء مسعود فدخل المسجد وصعد المنبر، وعبد الله ابن الحارث فى دار الإمارة، فقيل له، إن مسعود وأهل اليمن وربيعة قد ساروا وسيهيج بين الناس شر، فلو أصلحت بينهم وركبت فى بنى تميم، فقال: أبعدهم الله، والله لا أفسدت نفسى فى صلاحهم، وسار مالك بن مسمع نحو دور بنى تميم حتى دخل سكة بنى العدويّة، فحرق دورهم لما فى نفسه منهم.
وجاء بنو تميم إلى الأحنف بن قيس فقالوا: يا أبا بحر، إن ربيعة والأزد قد تحالفوا وقد ساروا إلى الرحبة فدخلوها، فقال، لستم بأحقّ بالمسجد منهم، فقالوا: قد دخلوا الدار، فقال: لستم بأحقّ بالدار منهم؛ فأتته امرأة بمجمر وقالت له: مالك وللرياسة؟! إنما أنت امرأة تتجمر.
ثم أتوه فقالوا: إن امرأة منا قد نزعت خلا خيلها، وقد قتلوا الصباغ الذى على طريقك، وقتلوا المقعد الذى كان على باب المسجد.
وقد دخل مالك بن مسمع سكّة بنى العدويّة فحرق، فقال الأحنف:
أقيموا البينة على هذا، ففى بعض هذا ما يحل به قتالهم! فشهدوا عنده على ذلك؛ فقال الأحنف: أجاء عبّاد بن حصين؟ قالوا لا: ثم قال:
أجاء عبّاد؟ قالوا لا. قال: أهاهنا عبس بن طلق قالوا: نعم؛ [فدعاه][1]
[1] ثبتت الزيادة فى النسخة (ن) ، ولم تثبت فى النسخة (ك) .
فانتزع معجرا [1] من رأسه فعقده فى رمح ثم دفعه إليه، فقال:
سر، فسار وصاح الناس:«هاجت زبراء» (وزيراء أمة للأحنف كنوا بها عنه)[2] .
فسار عبس إلى المسجد، فقاتل الأزد على أبوابه، ومسعود يخطب على [المنبر][3] ، ثم أتوه فاستنزلوه وقتلوه، وذلك أول شوال سنة أربع وستين، وانهزم أصحابه.
وكان ابن زياد قد تهيأ لما صعد مسعود المنبر ليجىء دار الإمارة، فقيل له إن مسعود قد قتل، فركب ولحق بالشام.
وأما مالك بن مسمع فأتاه ناس من مصر فحصروه فى داره وحرقوه.
ولما هرب ابن زياد تبعوه فأعجزهم، فنهبوا ما وجدوا له؛ ففى ذلك يقول واقد بن خليفة التميمىّ.
يا رب جبّار شديد كلبه
…
قد صار فينا تاجه وسلبه
منهم عبيد الله حين تسلبه
…
جياده وبزه وننهبه
يوم التقى مقنبنا [4] ومقنبه
…
لو لم ينجّ ابن زياد هربه
وقد قيل فى قتل مسعود ومسير ابن زياد غير ما قدمناه. وهو أنه لمّا استجار ابن زياد بمسعود بن عمرو وأجاره، ثم سار ابن زياد إلى
[1] المعجر هنا: العمامة.
[2]
«زبراء» جارية سليطة كانت للأحنف، وكانت إذا غضبت قال الأحنف «هاجت زبراء» . ثم صارت مثلا لكل من هاج غضبه.
[3]
الزيادة من ابن الأثير والطبرى.
[4]
المقنب جماعة الخيل والفرسان.
الشام وأرسل معه مسعود مائة من الأزد حتّى قدموا به إلى الشام، ولما سار من البصرة استخلف مسعودا عليها، فقال بنو تميم وقيس:
لا نرضى إلّا رجلا ترضاه جماعتنا، فقال مسعود: قد استخلفنى ولا أدع ذلك أبدا، وخرج حتّى انتهى إلى القصر فدخله، واجتمعت نميم إلى الأحنف، فقالوا له: إن الأزد قد دخلوا المسجد قال: إنّما هو لهم ولكم، قالوا: قد دخلوا القصر وصعد مسعود المنبر.
وكانت خوارج قد خرجوا فنزلوا بنهر الأساورة حين خرج عبيد الله إلى الشام، فزعم الناس أن الأحنف بعث إليهم: إن هذا الرجل الذى قد دخل القصر هو لنا ولكم عدوّ، فما يمنعكم منه؟! فجاءت عصابة منهم حتّى دخلوا المسجد ومسعود على المنبر يبايع من أتاه، فرماه علج يقال له مسلم من أهل فارس، كان قد دخل البصرة وأسلم ثم صار من الخوارج، فأصاب قلبه فقتله؛ فقال الناس: قتله الخوارج. فخرج الأزد إلى تلك الخوارج، فقتلوا منهم وجرحوا، وطردوهم عن البصرة، ثم قيل للأزد: إن تميما قتلوا مسعودا، فأرسلوا يسألون، فإذا ناس من تميم تقوله، فاجتمعت الأزد عند ذلك، فرأسوا عليهم زياد بن عمرو أخا مسعود، ومعهم مالك بن مسمع فى ربيعة، وجاءت تميم إلى الأحنف يقولون: قد خرج القوم؛ وهو لا يتحرك، فأتته امرأة بمجمر فقالت: اجلس على هذا، (أى إنما أنت امرأة) ، فخرج الأحنف فى بنى تميم ومعهم من بالبصرة من قيس، فالتقوا، فقتل منهم قتلى كثيرة، فقال لهم بنو تميم:
«يا معشر الأزد، الله الله فى دمائنا ودمائكم، بيننا وبينكم القرآن، ومن شئتم من أهل الإسلام، فإن كانت لكم علينا بيّنة فاختاروا
أفضل رجل فينا فاقتلوه، وإن لم تكن لكم بيّنة فإنا نحلف بالله ما قتلنا ولا أمرنا ولا نعلم له قاتل، وإن لم تريدوا ذلك فنحن ندى صاحبكم بمائة ألف درهم» . وسفر بينهم عبيد الله بن معمر وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام، فطلبوا عشر ديات، فأجابهم الأحنف إلى ذلك، واصطلحوا عليه.
قال: وأما عبد الله بن الحارث «ببّه» فإنه أقام يصلى بالناس حتّى قدم عليهم عمر بن عبيد الله أميرا من قبل ابن الزّبير.
وقيل: كتب ابن الزبير إلى عمر بعهده على البصرة، فأتاه الكتاب وهو متوجه إلى العمرة، فكتب عمر إلى أخيه عبيد الله يأمره أن يصلّى بالناس، فصلى بهم حتّى قدم عمر، فبقى عمر أميرا شهرا، ثم قدم الحارث بن عبيد الله بن أبى ربيعة المخزومى فعزله ووليها الحارث.
وقيل: بل اعتزل عبد الله بن الحارث «ببّه» أهل البصرة بعد قتل مسعود، فكتب أهل البصرة بعد قتل مسعود إلى ابن الزّبير، وكتب ابن الزّبير إلى أنس بن مالك يأمره أن يصلى بالناس، فصلى بهم أربعين يوما.
هذا ما كان من أمر البصرة، فلنذكر خبر أهل الكوفة.