المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الحروب التى كانت بصفين بعد الأيام الستة فى يومى الأربعاء والخميس وليلة الهرير ويوم الجمعة إلى أن رفعت المصاحف وتقرر أمر الحكمين - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العشرون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني من القسم الخامس في أخبار الخلفاء الراشدين]

- ‌ذكر خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر صفته رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر نبذة من فضائله رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر بيعة على رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر تفريق على عماله وخلاف معاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر ابتداء وقعة الجمل

- ‌ذكر مسير على الى البصرة وما اتّفق له فى مسيره ومن انضمّ إليه ومراسلته أهل الكوفة

- ‌ذكر ارسال على الى أهل الكوفة

- ‌ذكر مراسلة على طلحة والزبير وأهل البصرة فى الصلح وإجابتهم إليه وانتظام الصلح وكيف أفسده قتلة عثمان

- ‌ذكر اجتماع قتلة عثمان بذى قار وتشاورهم وما اتفقوا عليه من المكيدة التى اقتضت نقض الصلح ووقوع الحرب

- ‌ذكر مسير على رضى الله عنه ومن معه من ذى قار إلى البصرة ووقعه الجمل

- ‌ذكر مقتل طلحة رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر مقتل الزبير بن العوام رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر وقعة صفين وابتداء أمرها

- ‌ذكر ارسال على الى معاوية وجوابه [1]

- ‌ذكر الموادعة بين على ومعاوية فى شهر المحرم وما كان بينهما من المراسلة والأجوبة فى الشهر

- ‌ذكر الحروب التى كانت بصفين بعد الأيام الستة فى يومى الأربعاء والخميس وليلة الهرير ويوم الجمعة إلى أن رفعت المصاحف وتقرّر أمر الحكمين

- ‌ذكر رفع أهل الشام المصاحف وما تقرر من أمر التحكيم وكتاب القضية

- ‌ذكر اجتماع الحكمين

- ‌ذكر أخبار الخوارج الذين خرجوا على عهد علىّ وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبرهم [3] بعد صفين

- ‌ذكر خبرهم عند توجيه الحكمين

- ‌ذكر اجتماع الخوارج بعد الحكمين

- ‌ذكر قتال الخوارج

- ‌ذكر أخبار من خرج بعد أصحاب النّهروان

- ‌ذكر خلاف الخريت بن راشد التميمى وبنى ناجية على علىّ رضى الله عنه وما كان من أمرهم

- ‌ذكر ما اتفق فى مدة خلافته رضى الله عنه

- ‌سنة ست وثلاثين ذكر ولاية قيس بن سعد مصر

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌ذكر خبر عبد الله بن الحضرمى حين بعثه معاوية إلى البصرة وما كان من أمره إلى أن قتل

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة اربعين

- ‌ذكر مقتل على بن أبى طالب رضى الله عنه وشىء من سيرته

- ‌ ذكر أزواج على رضى الله عنه وأولاده وكاتبه وقاضيه وحاجبه

- ‌ذكر خلافة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما

- ‌ذكر تسليم الحسن بن على الخلافة إلى معاوية بن أبى سفيان

- ‌ذكر أخبار سعد بن أبى وقاص ووفاته رضى الله عنه

- ‌ذكر أخبار سعيد بن زيد رضى الله عنه ووفاته

- ‌الباب الثالث من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار الدولة الأموية

- ‌ذكر قدوم عمرو بن العاص على معاوية وصلحه معه

- ‌ذكر مقتل محمد بن أبى حذيفة وشىء من أخباره

- ‌ذكر ملك عمرو بن العاص مصر ومقتل محمد بن أبى بكر ووفاة الأشتر وما يتصل بذلك

- ‌ذكر سرايا معاوية الى بلاد على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر مسير بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن وما فعله

- ‌ذكر الغزوات والفتوحات فى أيام معاوية بعد أن استقل بالأمر

- ‌ذكر غزو السند

- ‌ذكر غزوة القسطنطينية

- ‌ذكر فتح جزيرة أرواد

- ‌ذكر أخبار الخوارج فى أيام معاوية وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبر المستورد الخارجى

- ‌ذكر عروة بن أدية وأخيه مرداس بن أدية وغيرهما من الخوارج

- ‌ذكر الحوادث فى أيام معاوية بن أبى سفيان غير ما تقدم، على حكم السنين منذ خلص له الأمر إلى أن توفى إلى رحمة الله

- ‌سنة احدى وأربعين

- ‌ذكر صلح معاوية وقيس بن سعد بن عبادة

- ‌ذكر استعمال معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة

- ‌ذكر استعمال بسر بن أرطاة

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌ذكر قدوم زياد بن أبيه على معاوية بن أبى سفيان

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌ذكر وفاة عمرو بن العاص وشىء من أخباره واستعمال عبد الله ابن عمرو على مصر

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌ذكر عزل عبد الله بن عامر عن البصرة واستعمال الحارث بن عبد الله

- ‌ذكر استلحاق معاوية بن أبى سفيان زياد بن أبيه وهو ابن سميّة

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌ذكر عمال زياد بن أبيه

- ‌سنة ست وأربعين ذكر وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌سنة خمسين

- ‌ذكر وفاة المغيرة بن شعبة

- ‌ذكر ولاية زياد الكوفة

- ‌ذكر ما قصده معاوية من نقل المنبر من المدينة إلى الشام ومن قصد ذلك بعده من الأمراء

- ‌ذكر وفاة الحكم بن عمرو الغفارى

- ‌سنة احدى وخمسين

- ‌ذكر مقتل حجر بن عدى وعمرو بن الحمق وأصحابهما

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌ذكر وفاة زياد بن أبيه

- ‌سنة اربع وخمسين ذكر عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على خراسان ومسيره إلى جبال بخارى

- ‌سنة خمس وخمسين ذكر ولاية عبيد الله بن زياد على البصرة

- ‌سنة ست وخمسين ذكر البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد

- ‌ذكر مراسلة معاوية زيادا فى شأن البيعة

- ‌ذكر ارسال معاوية الى مروان بن الحكم

- ‌ذكر من وفد الى معاوية من أهل الأمصار فى شأن البيعة. وما تكلم به بعضهم وبيعة أهل العراق والشام ليزيد

- ‌ذكر مسير معاوية الى الحجاز وكيف أخذ البيعة ليزيد على أهل الحجاز

- ‌ذكر استعمال سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان وغزوه

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌ذكر عزل الضحاك عن الكوفة واستعمال عبد الرحمن بن أم الحكم وطرده عنها واستعماله على مصر وطرده عنها أيضا

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌ذكر عزل عبيد الله بن زياد عن البصرة وعوده إليها

- ‌سنة ستين ذكر وفاة معاوية بن أبى سفيان وما أوصى به عند وفاته

- ‌ذكر شىء من سيرته وأخباره

- ‌ذكر صفة معاوية وأولاده وأزواجه وكتّابه وقضاته وحجّابه وشرطه وعمّاله

- ‌ذكر بيعة يزيد بن معاوية

- ‌ذكر ارسال الوليد بن عتبة إلى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير، وما كان بينهم فى أمر البيعة وخروجهما إلى مكة رضى الله عنهما

- ‌ذكر استعمال عمرو بن سعيد على المدينة

- ‌ذكر مقدم الحسين إلى مكة

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على الكوفة وقدومه إليها وخبره مع هانى بن عروة

- ‌ذكر ظهور مسلم بن عقيل

- ‌سنة أحدى وستين ذكر مسير [1] الحسين بن على رضى الله عنهما وخبر من نهاه عن المسير

- ‌ذكر ما تكلم به الحسين رضى الله عنه قبل إنشاب الحرب وما وعظ به الناس وما أجابوه وما تكلم به أصحابه وما أجيبوا به وخبر مقتله

- ‌ذكر تسمية من قتل مع الحسين بن على رضى الله عنهما ومن سلم ممن شهد القتال

- ‌ذكر ما كان بعد مقتل الحسين مما هو متعلق بهذه الحادثة

- ‌ذكر ورود الخبر بمقتل الحسين رضى الله عنه إلى المدينة وعود أهله إليها

- ‌ذكر ما ورد من الاختلاف فى مقر رأس الحسين وأين دفن

- ‌ذكر مقتل أبى بلال مرداس بن حدير الحنظلى [1] الخارجى

- ‌سنة اثنين وستين ذكر وفد أهل المدينة إلى يزيد بن معاوية وخلعهم له عند عودهم

- ‌سنة ثلاث وستين ذكر وقعة الحرّة

- ‌سنة اربع وستين ذكر مسير مسلم بن عقبة إلى مكة لحصار عبد الله بن الزبير، ووفاة مسلم والحصار الأول وإحراق الكعبة

- ‌ذكر وفاة يزيد بن معاوية وشىء من أخباره

- ‌ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية

- ‌ذكر أخبار من بويع بالعراق أو لم يتم أمره إلى أن بويع

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن الحارث البصرة

- ‌ذكر مقتل مسعود بن عمرو الأزدى وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام

- ‌ذكر خبر أهل الكوفة وما كان من أمرهم [بعد ابن زياد] [1] إلى أن بويع ابن الزبير

- ‌ذكر خبر خراسان وما كان من أمر سلم بن زياد وبيعته وخبر عبد الله بن خازم

- ‌ذكر بيعة عبد الله بن الزبير وما حدثت فى أيامه من الوقائع والحوادث المتعلقة به والكائن [1] فى أعمال ولايته

- ‌ذكر فراق الخوارج عبد الله وما كان من أمرهم

- ‌ذكر مقتل نافع بن الأزرق أمير الخوارج وغيره منهم

- ‌ذكر محاربة المهلب الخوارج وقتل أميرهم عبيد الله بن الماحوز

- ‌ذكر خبر التوابين وما كان من أمرهم وأخبارها إلى أن قتلوا

- ‌فهرس الجزء العشرين

الفصل: ‌ذكر الحروب التى كانت بصفين بعد الأيام الستة فى يومى الأربعاء والخميس وليلة الهرير ويوم الجمعة إلى أن رفعت المصاحف وتقرر أمر الحكمين

فأطيلوا الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، واسألوا الله النصر والصبر، والقوهم بالجدّ والحزم، وكونوا صادقين.

فقام القوم يصلحون سلاحهم، فمر بهم كعب بن جعيل [1] فقال:

أصبحت الأمّة فى أمر عجب

والملك مجموع غدا لمن غلب

فقلت قولا صادقا غير كذب:

إنّ غدا تهلك أعلام العرب!

‌ذكر الحروب التى كانت بصفين بعد الأيام الستة فى يومى الأربعاء والخميس وليلة الهرير ويوم الجمعة إلى أن رفعت المصاحف وتقرّر أمر الحكمين

.

قال [2] : وعبّأ علىّ رضى الله عنه الناس ليلته حتّى الصباح، وزحف بالناس، وخرج إليه معاوية فى أهل الشام، فسأل علىّ عن القبائل من أهل الشام، فعرف مواقفهم، فقال للأزرد: اكفونا الأزد، وقال لخثعم: اكفونا خثعم، وأمر كلّ قبيلة أن تكفيه أختها من الشام، إلّا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى ليس بالعراق منهم أحد، مثل بجيلة، لم يكن بالشام منها أحد إلّا القليل، فصرفهم إلى لخم.

فتناهض الناس يوم الأربعاء [3] ، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انصرفوا عند المساء وكلّ غير غالب.

[1] قال ابن أبى الحديد: وبات كعب بن جعيل التغلبى شاعر أهل الشام تلك الليلة يرتجز وينشد

الخ، والرجز هناك أكثر مما هنا. انظر وقعة صفين ص 253.

[2]

ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 151.

[3]

قال ابن أبى الحديد ج 1 ص 483: «يوم الأربعاء سادس صفر» .

ص: 121

فلمّا كان يوم الخميس صلّى علىّ بغلس، وخرج بالناس إلى أهل الشام، وجعل علىّ رضى الله عنه على ميمنته عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعىّ (وله صحبة [1] ، وكان ممّن أسلم يوم الفتح، وقيل:

قبله) ، وجعل على ميسرته عبد الله بن عبّاس، والقرّاء مع ثلاثة نفر: عمّار بن ياسر وقيس بن سعد وعبد الله بن بديل، والناس على راياتهم ومراكزهم، وعلىّ رضى الله عنه فى القلب فى أهل المدينة بين أهل الكوفة والبصرة، وأكثر من معه من أهل المدينة الأنصار، ومعه عدد من خزاعة وكنانة وغيرهم من أهل المدينة.

وزحف علىّ رضى الله عنه بهم إلى أهل الشام، ورفع معاوية قبّة عظيمة، وألقى عليها الثياب، وبايعه أكثر أهل الشام على الموت، وأحاط بقبّته خيل دمشق، وزحف عبد الله بن بديل فى الميمنة نحو حبيب بن مسلمة وهو فى الميسرة، فلم يزل يحوزهم [2] ويكشف خيلهم حتّى اضطرّهم إلى قبّة معاوية عند الظّهر.

وحرّض عبد الله بن بديل أصحابه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبىّ عليه الصلاة والسلام: ألا إنّ معاوية ادّعى ما ليس له، ونازع الحقّ أهله، وعاند من ليس مثله، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ، وصال عليكم، بالأعراب والأحزاب الذين زيّن لهم الضّلالة، وزرع فى قلوبهم حبّ الفتنة، ولبّس عليهم الأمر، وزادهم رجسا إلى رجسهم، وأنتم والله على الحق، على نور من ربكم وبرهان مبين،

[1] انظر الاستيعاب ج 2 ص 268 والإصابة ج 2 ص 280. وجمهرة أنساب العرب ص 227.

[2]

يحوزهم: يجمعهم ويسوقهم.

ص: 122

فقاتلوا الطّغاة الجفاة قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ

[1]

، قاتلوا الفئة الباغية الّذين نازعوا الأمر أهله، وقد قاتلتموهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فو الله ما هم فى هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبرّ، قوموا إلى عدو الله وعدوّكم رحمكم الله [2] .

وقال الشّعبى [3] : كان عبد الله بن بديل رحمه الله فى صفّين عليه درعان وسيفان، وكان يضرب أهل الشام ويقول:

لم يبق إلا الصبر والتوكل

مع التمشى فى الرعيل الأول

مشى الجمال فى حياض المنهل

والله يقضى ما يشاء ويفعل [4]

ولم يزل يضرب بسيفه حتّى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه وأزال أصحابه الذين كانوا معه. (وسنذكر خبر مقتله فى هذا اليوم فى موضعه إن شاء الله تعالى) .

قال: وحرّض علىّ رضى الله عنه أصحابه، فقال رضى الله عنه فى كلام له: فسوّوا [5] صفوفكم كالبنيان المرصوص، وقدّموا

[1] الآية 14 من سورة التوبة.

[2]

اعتمد المؤلف فى نقل هذه الخطبة على كتاب الاستيعاب ج 2 ص 270.

[3]

انظر الاستيعاب والإصابة ج 2 ص 281.

[4]

روى ابن أبى الحديد ج 1 ص 486 هذا الرجز هكذا:

لم يبق غير الصبر والتوكل

والترس والرمح وسيف مصقل

ثم التمشى فى الرعيل الأول

مشى الجمال فى حياض المنهل

فتجىء القافية مكسورة اللام. وما هنا مثل (وقعة صفين) ص 276.

[5]

ذكر على قيل ذلك قول الله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ

الآية 4 من سورة الصف، انظر ابن أبى الحديد ج 1 ص 3704.

ص: 123

الدّارع [1] ، وأخروا الحاسر [2] ، وعضّوا على الأضراس [3] ، فإنّه أنبى [4] للسّيوف عن الهام، والتووا فى أطراف الرّماح، فإنّه أمور [5] للأسنّة [6] ، وغضّوا الأبصار، فإنه أربط للجأش، وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات، فإنّه أطرد للفشل، وأولى بالوقار، راياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلّا بأيدى شجعانكم واستعينوا بالصدق والصبر، فإن [7] بعد الصبر ينزل النصر.

قال: وقام يزيد بن قيس الأرحبىّ يحرّض الناس، فقال: إنّ المسلم من سلم فى دينه ورأيه، وإن هؤلاء القوم والله ما يقاتلوننا إلا على هذه الدنيا ليكونو جبّارين فيها ملوكا، فلو ظهروا عليكم- لا أراهم الله ظهورا ولا سرورا- لرموكم بمثل سعيد والوليد وابن عامر السّفيه الضّالّ، يجيز أحدهم بمثل ديته ودية أبيه وجده فى مجلسه، ثم يقول:«هذا لى ولا إثم علىّ» ، كأنما أعطى تراثه عن أبيه وأمّه، وإنما هو مال الله أفاءه [8] الله علينا بأرماحنا وسيوفنا، فقاتلوا

[1] الدارع: لابس الدرع.

[2]

الحاسر: الذى لا درع عليه ولا مغفر.

[3]

قال ابن أبى الحديد: يجوز أن يريد أمرهم بالحنق والجد، ويجوز أن يريد أن العض على الأضراس يشد شئون الدماغ ورباطاته.

[4]

نبا السيف عن الرأس: كل ولم يحك فيه.

[5]

كذا ورد منصوصا عليه فى نهج البلاغة وشرحه لابن أبى الحديد ج 2 ص 267 ووقع فى المخطوطة وغيرها (أصون) .

[6]

قال ابن أبى الحديد: أمرهم بأن يلتووا إذا طعنوا، لأنهم إذا فعلوا ذلك فبالحرى أن يمور السنان، أى يتحرك عن موضع الطعنة فيخرج زالقا، وإذا لم يلتووا لم يمر السنان ولم يتحرك عن موضعه فيخرق وينفذ فيقتل.

[7]

كذا جاء فى المخطوطة، ولعله «فإنه» .

[8]

أفاءه الله علينا: رده علينا وجعله لنا من أموال من خالف دينه.

ص: 124

عباد الله القوم الظالمين، فإنّهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم، وهم من قد عرفتم وخبرتم، والله ما ازدادوا إلى يومهم إلّا شرّا [1] .

قال: ولما انتهى عبد الله بن بديل بمن معه إلى قبّة معاوية؛ أقبل الذين تبايعوا على الموت إلى معاوية، فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل فى الميمنة، وبعث الى حبيب بن مسلمة فحمل بالميسرة على ميمنة علىّ فهزمهم، وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتّى لم يبق إلّا ابن بديل فى مائتين أو ثلاثمائة من القرّاء، قد استند بعضهم إلى بعض، وانجفل [2] الناس.

وأمر علىّ سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من اهل المدينة، فاستقبلتهم جموع عظيمة لأهل الشام فاحتملتهم حتّى أوقفتهم فى الميمنة، وكان أهل اليمن فيما بين الميمنة إلى موقف علىّ فى القلب، فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علىّ رضى الله عنه، فانصرف يمشى نحو الميسرة، فانكشفت عنه مضر من الميسرة، وثبتت ربيعة، ودنا أهل الشام منه فما زاده قربهم إلا إسراعا وكان الحسن والحسين ومحمد بنو علىّ رضى الله عنه معه، والنّبل يمرّ بين عاتقه ومنكبه [3] ، وما من بنيه أحد إلّا يقيه بنفسه، فبصر به أحمر مولى أبى سفيان أو عثمان، فأقبل نحوه، فخرج إليه كيسان مولى علىّ فاختلفا ضربتين، فقتله أحمر، فأخذ علىّ

[1] عند ابن أبى الحديد ج 2 ص 485: «والله ما أرادوا باجتماعهم عليكم إلا شرا» .

[2]

انجفل الناس: انقلعوا وأسرعوا فى الهزيمة.

[3]

عند ابن أبى الحديد ج 1 ص 486: «بين عاتقيه ومنكبيه» .

ص: 125

بجنب [1] درع أحمر فجذبه وحمله على عاتقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبيه وعضديه.

قال: ولما دنا منه أهل الشام قال له الحسن رضى الله عنه: ما ضرّك لو سعيت حتّى تنتهى إلى هؤلاء القوم من أصحابك؟ فقال: يا بنىّ إنّ لأبيك يوما لا يعدوه ولا يبطىء به عنه السّعى، ولا يعجّل به إليه المشى، إنّ أباك والله لا يبالى أوقع على الموت أم وقع الموت عليه! قال: ولما وصل إلى ربيعة نادى بصوت عال كغير المكترث لما فيه الناس: لمن هذه الرايات؟ قالوا: رايات ربيعة. قال: بل رايات عصم الله أهلها، فصبّرهم وثبّت أقدامهم

وقال لحضين [2] بن المنذر: يا فتى ألا تدنى رايتك هذه ذراعا؟ قال؛ والله عشرة أذرع. فأدناها حتّى قال علىّ رضى الله عنه: حسبك مكانك.

قال ولمّا انتهى علىّ إلى ربيعة تنادوا بينهم: إن أصيب فيكم أمير المؤمنين وفيكم رجل حىّ افتضحتم فى العرب! فقاتلوا قتالا شديدا ما قاتلوا مثله، فلذلك قال على رضى الله عنه [3] :

لمن راية سوداء [4] يخفق ظلّها

إذا قيل «قدّمها حضين» تقدّما

[1] كذا جاء فى المخطوطة، وجاء فى الكامل ج 3 ص 152:«بجيب» ، وعند ابن أبى الحديد ج 1 ص 487:«فى جيب» .

[2]

كذا جاء (حضين) بالنون عند الطبرى وابن الأثير وابن أبى الحديد وغيرهم، وجاء فى المخطوطة:«حضير» .

[3]

قال ابن أبى الحديد: «أقبل الحضين بن المنذر يومئذ وهو غلام يزحف برأيه ربيعة- وكانت حمراء- فأعجب عليا عليه السلام زحفه وثباته فقال:

»

[4]

كذا جاء فى المخطوطة مثل تاريخى الطبرى وابن الأثير والكامل للمبرد ومروج الذهب وجمهرة أنساب العرب ولسان العرب (ح ض ن) . وجاء فى شرح ابن أبى الحديد: «حمراء» .

ص: 126

ويقدمها فى الموت حتّى يزيرها

حياض المنايا تقطر الموت والدّما

أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا

بأسيافنا حتّى تولّى وأحجما [1]

جز الله قوما صابروا فى لقائهم

لدى الموت قوما [2] ما أعفّ وأكرما!

وأطيب أخبارا وأكرم شيمة [3]

إذا كان أصوات الرّجال تغمغما [4]

ربيعة أعنى أهل بأس ونجدة

إذا ماهمو لاقوا خميسا عرمرما [5]

قال: ومرّ الأشتر بعلىّ وهو يقصد الميسرة، والأشتر يركض نحو الفزع [6] قبل الميمنة، فقال له علىّ: إيت هؤلاء القوم فقل لهم «أين فراركم من الموت الذى لن تعجزوه إلى الحياة التى لا تبقى لكم؟» .

فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين، فقال لهم ما قال علىّ، ثم قال:«أيّها الناس أنا الأشتر، إلىّ أنا الأشتر» ، فأقبل

[1] قيل: إن هذا البيت من أبيات لحضين بن المنذر نفسه صاحب الراية.

[2]

كذا جاء فى المخطوطة مثل تاريخى الطبرى وابن الأثير. وجاء فى شرح ابن أبى الحديد وكتب النحو- باب التعجب- وشواهده: «خيرا» ، وهناك تغير آخر فى البيت.

[3]

كذا جاء فى المخطوطة مثل تاريخى الطبرى وابن الأثير. وجاء عند ابن أبى الحديد:

«وأحزم صبرا يوم يدعى إلى الوغى» .

[4]

الغمغم: ما يحدث من الأصوات عند القتال.

[5]

خميسا عرمرما: جيشا كثيرا، وسمى الجيش بالخميس لأنهم كانوا يقسمونه بخمسة أقسام: المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب.

[6]

الفزع يأتى فى العربية بمعنى الخوف والاستناثة والإغاثة.

ص: 127

إليه بعضم وذهب البعض، فنادى:«أيّها الناس، ما أقبح ما قاتلتم منذ اليوم! أخلصوا إلىّ مذحجا [1] » فأقبلت مذحج إليه، فقال لهم:«ما أرضيتم ربّكم، ولا نصحتم له فى عدوّكم، وكيف ذلك وأنتم أبناء الحرب [2] ، وأصحاب الغارات، وفتيان الصياح، وفرسان الطّراد، وحتوف الأقران، ومذحج الطّعان الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم، ولا تطلّ دماوهم، وما تفعلون [3] هذا اليوم فإنه مأثور عنكم بعده، فانصحوا واصدقوا عدوّكم اللقاء، فإن الله مع الصادقين، والذى نفسى بيده ما من هؤلاء- وأشار إلى أهل الشام- رجلّ على مثل جناح بعوضة من محمد [4] ، اجلوا سواد وجهى يرجع فيه دمه، عليكم بهذا السواد الأعظم، فإن الله لو قد فضّه تبعه من بجانبيه!» . قالوا: تجدنا [5] حيث أحببت. فقصد نحو عظمهم ممّا يلى الميمنة يزحف إليهم ويردّهم.

واستقبله شباب من همدان، وكانوا ثمانمائة مقاتل يومئذ، وكانوا صبروا فى الميمنة حتّى أصبب منهم ثمانون ومائة رجل، وقتل منهم أحد عشر رئيسا: كان أوّلهم ذؤيب بن [6] شريح، ثم

[1] كان الأشتر ينتسب إلى مذحج، ويقول فى رجزه فى حرب صفين:

إنى أنا الأشتر معروف الشتر

إنى أنا الأفعى العرافى الذكر

لست ربيعيا ولست من مضر

لكننى من مذحج الشم الترر

[2]

جاء فى رواية ابن جرير: «الحروب» .

[3]

جاء فى رواية ابن جرير «تفعلوا» فتكون (ما) قبلها شرطية جازمة.

[4]

هكذا جاء فى المخطوطة كما فى تاريخ ابن جرير. وجاء فى الكامل لابن الأثير «من دين» وعند ابن أبى الحديد ج 1 ص 487: «من دين الله» .

[5]

عند ابن أبى الحديد: «خذبنا» .

[6]

كذا جاء فى المخطوطة كالكامل، وعند الطبرى وابن أبى الحديد:«كريب» .

ص: 128

شرحبيل، ثم مرثد، ثم هبيرة، ثم يريم، ثم سمير، أولاد شريح قتلوا [1] ، ثم أخذ الراية عميرة [2] ثم الحارث ابنا بشير [3] فقتلا، ثم أخذها سفيان وعبد الله وبكر بنو زيد فقتلوا جميعا [4]، ثم أخذ الراية وهب بن كريب فانصرف هو وقومه وهم يقولون:«ليت لنا عدّتنا من العرب، يحالفوننا على الموت، ثمّ نرجع، فلا ننصرف أو نقتل أو نظفر!» ، فسمعهم الأشتر فقال لهم: أنا أحالفكم لى ألّا نرجع أبدا حتّى نظفر أو نهلك جميعا! فوقفوا معه.

قال: وزحف الأشتر نحو الميمنة، وثاب إليه الناس وتراجعوا من أهل البصرة وغيرهم، فلم يقصد كتيبة إلّا كشفها، ولا جمعا إلّا حازه وردّه، وقاتل قتالا شديدا، ولزمه الحارث بن جمهان [5] الجعفىّ، فما زال هو ومن رجع إليه يقاتلون حتّى كشف أهل الشام، وألحقهم بمعاوية والصفّ الذى [6] معه، وذلك بين صلاة العصر والمغرب، وانتهى إلى عبد الله بن بديل بن ورقاء وهو فى عصابة من القرّاء نحو المائتين أو الثلاثمائة قد لصقوا بالأرض كأنّهم

[1] يعنى أن هؤلاء الرؤساء الستة كانوا إخوة أبناء شريح، وقد قتلوا فى هذه المعركة واحدا بعد واحد.

[2]

كذا جاء فى المخطوطة كالكامل، وعند الطبرى:«عميم» .

[3]

كذا جاء عند الطبرى وابن الأثير، وجاء فى المخطوطة:«بشر» .

[4]

ذكر الطبرى قتل هؤلاء الإخوة الثلاثة قبل قتل عميرة والحارث، وما جاء هنا مثل ما ذكره ابن الأثير فى الكامل.

[5]

كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :(جهمان) ويأتى الاختلاف أيضا فيما سيجىء.

[6]

كذا جاء فى (ك)، وجاء فى (ن) :«الذين» .

ص: 129

جثا [1] ، فكشف عنهم أهل الشام فأبصروا إخوانهم، فقالوا:

ما فعل أمير المؤمنين (قال: حىّ صالح فى الميسرة يقاتل الناس أمامه.

فقالوا: الحمد لله قد كنّا ظننّا أن قد هلك وهلكتم. ثم قال عبد الله بن بديل رحمه الله [لأصحابه][2] : استقدموا بنا. فقال له الأشتر:

«لا تفعل، واثبت مع الناس، فقاتل، فإنه خير لهم وأبقى لك ولأصحابك» ، فأبى، ومضى نحو معاوية وحوله كأمثال الجبال، وخرج عبد الله أمام أصحابه فقتل من دنا منه، حتّى قتل جماعة، ودنا من معاوية، فنهض إليه الناس من كل جانب، وأحيط به وبطائفة من أصحابه، فقاتل حتّى قتل، وقتل ناس من أصحابه، ورجعت طائفة منهم مجرحين، فبعث الأشتر الحارث بن جمهان الجعفىّ، فحمل على أهل الشام الذين يتبعون من انهزم من أصحاب عبد الله، حتّى نفّسوا عنهم، وانتهوا إلى الأشتر.

وحكى أبو عمر ابن عبد البر عن الشعبى فى قتل عبد الله: أنّه لما انتهى إلى معاوية أزاله وأزال أصحابه عن مواقفهم، وكان مع معاوية يومئذ عبد الله بن عامر، فأقبل أصحاب معاوية على عبد الله بن بديل يرجمونه بالحجارة حتّى أثخنوه، وقتل، فأقبل معاوية وعبد الله بن عامر معه، فألقى عليه ابن عامر عمامته غطّى بها وجهه، وترحّم عليه [3]، فقال معاوية: اكشفوا وجهه. فقال ابن عامر: والله لا تمثل [4] به وفىّ روح! فقال معاوية: اكشفوا عن وجهه فقد وهبناه لك. ففعلوا،

[1] الجثا: جمع جثوة، بمعنى أتربة مجموعة.

[2]

الزيادة من ابن جرير الطبرى.

[3]

قال ابن أبى الحديد ج 1 ص 486: «وكان له من قبل أخا وصديقا» .

[4]

فى الاستيعاب ج 2 ص 269: «بمثل» بالياء مبنيا للمجهول.

ص: 130

فقال معاوية: هذا كبش [1] القوم ورب الكعبه، اللهم أظفر بالأشتر والأشعث بن قيس، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر [2] :

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها

وإن شمّرت يوما به [3] الحرب شمّرا

كليث هزبر كان يحمى ذماره

رمته المنايا قصدها فتقطّرا

ثمّ قال معاوية: إنّ نساء خزاعة لو قدرت أن تقاتلنى فضلا عن رجالها لفعلت. انتهى كلام الشّعبى [4] .

قال: وزحف الأشتر لعكّ والأشعريّين، وقال لمذحج: اكفو ناعكّا.

ووقف فى همدان وقال لكندة: اكفونا الأشعريّين. فاقتتلوا قتالا شديدا إلى المساء، وقاتلهم الأشتر فى همدان وطوائف من الناس، فما زال أهل الشام عن مواضعهم حتى ألحقوهم بالصفوف الخمسة المعقلة بالعمائم حول معاوية، ثم حمل عليهم حملة أخرى فصرع أربعة صفوف من المعقّلين بالعمائم.

[1] يطلق العرب لفظ «الكبش» مجازا على قائد القوم ورئيسهم وحاميهم والمنظور إليه فيهم، قال عمرو بن معد يكرب:

نازلت كبشهمو ولم

أو من نزال الكبش بدا

وقال عمرو بن الإطنابة: والضاربين الكبش يبرق بيضه

الخ.

[2]

هو حاتم طيىء، كما ذكره ابن جرير الطبرى فى تاريخه ج 4 ص 16.

[3]

عند ابن أبى الحديد: (وإن شمرت عن ساقها.....) .

[4]

انظر روايته فى (وقعة صفين) ص- 276- 278.

ص: 131

ودعا معاوية بفرسه فركبه، وكان يقول: أردت أن أنهزم فذكرت قول ابن الإطنابة [1] وكان جاهليا:

أبت لى عفّتى [2] وأبى بلائى

وإقدامى على البطل المشيح [3]

وإعطائى على المكروه مالى [4]

وأخذى الحمد بالثّمن الرّبيح

وقولى كلّما جشأت وجاشت [5] :

مكانك تحمدى أو تستريحى [6]

[1] ابن الإطنابة هو عمرو بن عامر بن زيد مناة بن مالك الخزرجى الشاعر، والإطنابة:

أمه، وهى امرأة من بلقين كما قال ابن جرير الطبرى.

[2]

كذا جاء فى النسخة (ن) مثل تاريخ الطبرى ج 4 ص 17 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 154 والأمالى للقالى ج 1 ص 258 والبداية والنهاية ج 7، ص- 264 والمزهر السيوطى ج 2 ص 197 ومجالس ثعلب ج 1 ص 83 ولباب الآداب ص 223، وجاء فى النسخة (أ) :«همتى» وجاء فى العقد الفريد ج 1 ص 104: «شيمتى» .

[3]

قال العينى فى شواهده الكبرى ج 4 ص 415 والسيوطى فى شرح المعنى ص 186:

المشيح: المجد فى لأمر.

[4]

كذا جاء فى المخطوطة كتاريخى ابن جرير وابن الأثير والبداية والنهاية ج 7 ص 265، وجاء فى أمالى القالى ومجالس ثعلب والمزهر:«وإعطائى على الإعدام مالى» ، وجاء فى الكامل للمبرد ج 2 ص 23:«وإجشامى على المكروه نفسى» وجاء فى العقد الفريد وشواهد العينى وشواهد السيوطى ولباب الآداب ولسان العرب (ش ى ح) : «وإقدامى على المكروه نفسى» .

[5]

- هذه الرواية المشهورة، يريد بقوله (جشأت) نفسه، أى ارتفعت إليه من فزع وحزن، وجاشت أى خافت فهمت بالفرار. وقال البكرى فى شرح أمالى القالى ج 1 ص 574 575 من سمط الآلى:«وروى غير واحد: وقولى كلما جشأت لنفسى وهو أحسن» وهذه الرواية هى التى جاءت فى لسان العرب (ج ش أ) .

[6]

«مكانك» اسم فعل بمعنى اثبتى، وقوله «تحمدى» مضارع على صيغة المجهول مجزوم لوقوعه فى جواب الطلب باسم الفعل، أى: اثبتى تحمدى، أو تستريحى. وفى مجالس ثعلب:«مكانك تعذرى، أو تستريحى» .

ص: 132

قال [1] : فمنعنى هذا القول [2] من الفرار، ونظر إلى عمرو فقال له:«اليوم صبر، وغدا فخر» . فقال: صدقت.

قال [3] : وتقدم عقبة بن حديد النميرى [4] وهو يقول: «ألا إن مرعى الدّنيا أصبح هشيما [5] ، وشجرها حصيدا [6] ، وجديدها سملا [7] ، وحلوها مرّ المذاق، وإنى قد سئمت الدنيا، وإنّى أتمنى الشهادة وأتعرض لها فى كل جيش وغارة، فأبى الله إلا أن يبلغنى هذا اليوم، وإنّى متعرّض لها من ساعتى هذه، وقد طمعت ألا أحرمها، فما تنتظرون عباد الله بجهاد من عادى الله! (فى كلام طويل)[8]، وقال: يا إخوتى، قد بعت هذه الدار بالّتى أمامها، وهذا وجهى إليها! فتبعه إخوته عبيد الله وعوف ومالك، وقالوا:

لا نطلب رزق الدنيا بعدك! فقاتلوا حتى قتلوا، وهم من أصحاب علىّ.

وكان ممن قتل فى هذا اليوم من أصحاب علىّ أبو شداد قيس ابن المكشوح، واسم المكشوح [9] : هبيرة بن هلال (عند

[1] أى معاوية.

[2]

انظر رواية القالى لقول معاوية، وقد ذكر السيوطى فى شواهده ما قيل فى هذه الأبيات «أنها أجود ما قيل فى الصبر فى مواطن الحروب» وقد افتتح البحترى بها حماسته.

[3]

ابن الأثير فى الكامل.

[4]

كذا جاء فى المخطوطة مثل الكامل، وعند ابن جرير:«النمرى» .

[5]

هشيما: يابسا متكسرا.

[6]

حصيدا: مقطوعا، وفى الكامل لابن الأثير:«خضيدا» .

[7]

سملا: باليا.

[8]

انظر تاريخ ابن جرير الطبرى ج 4 ص 19.

[9]

المكشوح لقب قيل له لأنه ضرب على كشحه، أو كوى عليه.

ص: 133

أكثرهم) ، وكان قيس يومئذ صاحب راية بجيلة، وذلك أن بجيلة قالت له: يا أبا شداد خذ رايتنا اليوم. فقال: غيرى خير لكم.

قالوا: ما نريد غيرك. قال فو الله لئن [1] أعطيتمونيها لا أنتهى بكم دون صاحب الترس المذهب (وكان على رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهب يستر به معاوية من الشمس)، قالوا: اصنع ما شئت.

فأخذ الراية ثم زحف بها، فجعل يطاعنهم حتى انتهى إلى صاحب التّرس، وكان فى خيل عظيمة، فاقتتل الناس قتالا شديدا، وشد أبو شداد على صاحب التّرس- وقيل: كان صاحب التّرس المذهب عبد الرحمن بن خالد بن الوليد- فاعترضه دونه مولّى رومىّ لمعاوية، فضرب قدم أبى شدّاد فقطعها، وضربه أبو شدّاد فقتله، وأشرعت إليه الرماح فقتلوه، وأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسى، فقاتل حتى قتل، ثم أخذها عفيف بن إياس فلم تزل فى يده حتى تحاجز الناس.. وقتل غير هؤلاء ممن له صحبة.

قال: وخرجت حمير فى جمعها ومن انضم إليها من أهل الشام، وتقدمهم ذو الكلاع [2] ، ومعهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب وهم ميمنة أهل الشام، فقصدوا ربيعة من أهل العراق، وكانت ربيعة ميسرة أهل العراق، وفيهم ابن عبّاس، فحملوا على ربيعة حملة شديدة، فتضعضعت راية ربيعة، وكانت الراية مع أبى ساسان حضين بن المنذر، فانصرف أهل الشام عنهم، ثم كر عبيد الله

[1] كذا جاء فى رواية ابن جرير ج 4 ص 18، وجاء فى الاصابة ج 3 ص 275 «إن» وجاء فى المخطوطة:«لو» .

[2]

هو ذو الكلاع الأصغر، ومن أجداده ذو الكلاع الأكبر، والتعبير هنا ب «ذو الكلاع» أولى من التعبير ب «ابن ذى الكلاع» فيما سبق.

ص: 134

ابن عمر وقال: يا أهل الشام، إن هذا الحى من أهل العراق قتلة عثمان وأنصار علىّ، فشدوا على الناس شدّة عظيمة، فثبتت ربيعة وصبرت صبرا حسنا إلّا قليلا من الضعفاء والفشلة، وثبت أهل الرايات وأهل الصبر والحفاظ وقاتلوا قتالا حسنا، ثم تراجع من انهزم من ربيعة، واشتد القتال حتّى كثرت القتلى، فقتل سمير بن الريان العجلىّ، وكان شديد البأس، وأتى زياد بن خصفة عبد القيس فأعلمهم بما لقيت بكر بن وائل من حمير، وقال: يا عبد القيس لا بكر بعد اليوم! فقاتلوا معهم، فقتل ذو الكلاع الحميرى وعبيد الله بن عمر ابن الخطاب، وجرح عمّار بن ياسر فقال:«اللهمّ إنّك تعلم [أنّى] [1] لو أعلم أن رضاك فى أن أضع ظبة [2] سيفى فى بطنى ثم أنحنى عليها حتّى تخرج من ظهرى لفعلته! وإنّى لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم عملا هو أرضى لك منه لفعلته! والله إنّى لأرى قوما ليضربنّكم ضربا يرتاب منه المبطلون، وايم الله لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات [3] هجر لعلمت أننا على الحق وأنّهم على الباطل!» ثم قال: «من يبتغى رضوان ربّه فلا يرجع إلى مال ولا ولد!» فأتاه عصابة فقال:

«اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان، والله ما أرادوا الطلب

[1] الزيادة من ابن جرير وابن الأثير.

[2]

ظبة السيف: طرفه وحده.

[3]

هكذا جاء فى تاريخ الطبرى والكامل لابن الأثير والاستيعاب وشرح ابن أبى الحديد لنهج البلاغة والنهاية ولسان العرب، قال صاحب النهاية:«السعفات: جمع سعفة، بالتحريك وهى أغصان النخيل قيل: إذا يبست سميت سعفة وإذا كانت رطبة فهى شطبة وإنما خص هجر للمباعدة فى المسافة ولأنها موصوفة بكثرة النخيل (. وجاء فى النسخة (ن) : «شعاف» وفى النسخة (ك) : «شعاب» .

ص: 135

بدمه، ولكنّهم ذاقوا الدنيا واستحبّوها، وعلموا أنّ الحقّ إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه منها، ولم تكن لهم سابقة [1] يستحقّون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فخدعوا أتباعهم أن قالوا: إمامنا قتل مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا، فبلغوا ما ترون، ولولا هذه ما تبعهم من الناس رجلان، اللهمّ إن تنصرنا فطال ما نصرت، وإن جعلت لهم الأمر فادّخر لهم بما أحدثوا فى عبادك العذاب الأليم!» ثم مضى ومعه تلك العصابة، فكان لا يمرّ بواد من أودية صفّين إلّا تبعه من كان هناك من أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم.

ثم جاء إلى هاشم بن عتبة بن أبى وقّاص- وهو المرقال- وكان صاحب راية علىّ رضى الله عنه، فقال: «يا هاشم، أعورا وجبنا؟

لا خير فى أعور لا يغشى البأس، اركب يا هاشم» . فركب معه وهو يقول [2] .

أعور يبغى أهله محلّا

قد عالج الحياة حتّى ملّا

لا بدّ أن يفلّ [3] أو يفلّا

يتلّهم [4] بذى الكعوب [5] تلّا

وعمّار يقول: «تقدّم يا هاشم، الجنّة تحت ظلال السيوف،

[1] فى تاريخ ابن جرير: «سابقة فى الإسلام» .

[2]

انظر ابن أبى الحديد ج 2 ص 269 ففيه زيادة.

[3]

يقل: يكسر.

[4]

يتلهم: يصرعهم، هكذا جاء (يتلهم) بالباء عند وابن جرير وابن الأثير ولم ينقط الحرف الأول فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :«نتلهم» بالنون.

[5]

ذو الكعوب: الرمح.

ص: 136

والموت [فى][1] أطراف الأسل، وقد فتحت أبواب السماء، وتزيّنت الحور العين، اليوم ألقى الأحبّه، محمّدا وحزبه [2] !» وتقدّم حتّى دنا من عمرو بن العاص، فقال له:«يا عمرو، بعت دينك بمصر! تبّا لك! تبّا لك!» فقال: لا ولكن أطلب دم عثمان. قال: «أشهد على علمى فيك إنّك لا تطلب بشىء من فعلك وجه الله، وأنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا، فانظر إذا أعطى الناس على نيّاتهم ما نيّتك؟ لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الرابعة ما هى بأبرّ ولا أتقى!» .

ثم قاتل عمّار فلم يرجع، وقتل، وقال قبل أن يقتل: إيتونى بآخر رزق لى من الدنيا! فأتى بضياح من لبن فى قدح،

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقتل عمارا الفئة الباغية، وإنّ آخر رزقه ضياح من لبن»

(والضياح) ؛ الممزوج بالماء من اللبن [3] .

قال: وقتلة أبو الغاديه [4] ، واحتزّ رأسه ابن حوىّ [5]

[1] الزيادة من ابن جرير، وجاء فى الكامل:«تحت» ، وسقطت الكلمة من المخطوطة.

[2]

يكتب هذا فى بعض الكتب على أسلوب كتابة الشعر.

[3]

جاء فى النهاية ولسان العرب: «فى حديث عمار: إن آخر شربة تشربها ضياح، الضياح والضيح بالفتح: اللبن الخاثر يصب فيه الماء ثم يخلط، رواه يوم قتل بصفين وقد جئ بلبن يشربه» .

[4]

أبو الغادية اسمه يسار بن سبع الجهنى.

[5]

قال ابن حزم فى جمهرة أنساب العرب ص 405: «ولد السكسك بن أشرس بن كندة ثمانية عشر ذكرا، ولهم ثروة عظيمة بالشام، منهم حوى بن ماتع بن زرعة بن ينحض بن حبيب بن ثور بن خداش، من بنى عامر بن السكسك وهو قاتل عمار بن ياسر» .

ص: 137

السّكسكىّ،

وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لعمّار «تقتلك الفئة الباغية وآخر شربة تشربها ضياح من لبن [1] »

. فكان ذو الكلاع يقول لعمرو:

ما هذا ويحك يا عمرو! فيقول: إنّه يرجع إلينا، فقتل ذو الكلاع قبل عمّار مع معاوية، وأصيب عمّار بعده مع على، فقال عمرو لمعاوية:«والله ما أدرى بقتل أيّهما أنا أشدّ فرحا: بقتل عمّار أو بقتل ذى الكلاع، والله لو بقى بعد قتل عمّار لمال بعامّة أهل الشّام إلى علىّ!» . فأتى جماعة إلى معاوية، كلّهم يقول:«أنا قتلت عمارا» ، فيقول عمرو: فما سمعته يقول؟ فيخلطون، فأتاه ابن حوىّ فقال: أنا قتلته فسمعته يقول «اليوم ألقى الأحبّه، محمّدا وحزبه» . فقال له عمرو: أنت صاحبه. ثم قال «رويدا، والله ما ظفرت يداك [2] ، ولقد أسخطت ربّك!» .

وقيل: إنّ أبا الغادية قتل عمّارا وعاش إلى زمن الحجّاج، فدخل عليه، فأكرمه الحجّاج وقال: أنت قتلت ابن سميّة؟ (يعنى عمارا) قال: نعم. قال: من سرّه أن ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذى قتل ابن سميّة. ثم سأله أبو الغادية حاجة فلم يجبه إليها، فقال: نوطّىء لهم الدنيا ولا يصلونا منها

[1] أما

قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمار «تقتلك الفئة الباغية»

فقد ورد فى الحديث الصحيح بروايات مختلفة عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة وأم سلمة عند مسلم والترمذى وغيرهما.. وأما «آخر شربة» فهو حديث رواه أبو عمر بن عبد البر فى الاستيعاب ج 2 ص 480 عن عبد الله بن سلمة، ونقله ابن أبى الحديد ج 2 ص 538 وانظر البداية والنهاية 7 ص 267.

[2]

كذا جاء فى النسخة (ك) وجاء فى (ن) : «بذاك» .

ص: 138

ويزعم أنّى عظيم الباع يوم القيامة! [فقال الحجّاج][1] : أجل والله من كان ضرسه مثل أحد، وفخذه مثل جبل ورقان، ومجلسه مثل المدينة والرّبذة، لعظيم الباع يوم القيامة، والله لو أنّ عمّارا قتله أهل الأرض لدخلوا كلّهم النار!.

وقال أبو عبد الرحمن السلمى: لمّا قتل عمّار دخلت عسكر معاوية لأنظر هل بلغ منهم قتل عمّار ما بلغ منّا- وكنّا إذا تركنا القتال تحدّثوا إلينا وتحدثنا إليهم- فإذا معاوية وعمرو وأبو الأعور وعبد الله ابن عمرو يتسايرون، فأدخلت فرسى بينهم لئلّا يفوتنى ما يقولون، فقال عبد الله بن عمرو لأبيه: يا أبت قتلتم هذا الرجل فى يومكم هذا وقد قال رسول الله ما قال! قال وما قال؟ قال: ألم يكن المسلمون ينقلون فى بناء مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم لبنة لبنة وعمار ينقل لبنتين لبنتين؟ فغشى عليه، فأتاه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول «ويحك يا ابن سميّة! الناس ينقلون لبنة لبنة، وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة فى الأجر، وأنت مع ذلك تقتلك الفئة الباغية!» . فقال عمرو لمعاوية: أما تسمع ما يقول عبد الله؟ قال: وما يقول؟

فأخبره، فقال معاوية: أنحن قتلناه؟ إنّما قتله من جاء به! قال فخرج الناس من أخبيتهم وفساطيطهم يقولون [2] . إنّما قتله من جاء به. فلا أدرى من كان أعجب؟: أهو أم هم؟.

قال: ولمّا قتل عمار قال علىّ رضى الله عنه لربيعة: أنتم درعى ورمحى.

[1] الزيادة من الكامل لابن الأثير ج 3 ص 158 حيث نقل المؤلف.

[2]

كذا جاء فى (ن)، وجاء فى (ك) :«تقول» .

ص: 139

فانتدب له نحو من اثنى عشر ألفا، وتقدمهم علىّ على بغلة، فحملوا معه حملة رجل واحد، فلم يبق لأهل الشام صفّ إلا انتقض، وقتلوا كلّ من انتهوا إليه، حتّى بلغوا معاوية، فناداه علىّ: فقال علام يقتل الناس بيننا؟ هلمّ أحاكمك إلى الله، فأيّنا قتل صاحبه استقامت له الأمور. فقال عمرو: أنصفك. فقال معاوية لعمرو:

ما أنصفت، إنك لتعلم أنه لم يبرز إليه أحد إلا قتله. فقال عمرو ما يحسن بك ترك مبارزته، فقال معاوية: طمعت فيها بعدى!.

قال [1] : وكان أصحاب على قد وكلوا به رجلين يحفظانه، لئلا يقاتل، فكان يحمل إذا غفلا فلا يرجع حتى يخضب سيفه، وإنه حمل مرّة فلم يرجع حتّى انثنى سيفه، فألقاه إليهم، وقال لولا أنّه انثنى ما رجعت إليكم. فقال الأعمش [2] لأبى عبد الرحمن:

هذا والله ضرب غير مرتاب!.

قال [3] : وأما هاشم بن عتبة بن أبى وقّاص فإنّه دعا الناس عند المساء وقال: ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فإلىّ. فأقبل إليه الناس، فحمل على أهل الشام مرارا، ويصبرون له، وقاتل قتالا شديدا، وقال لأصحابه:«لا يهولنّكم ما ترون من صبرهم، فو الله ما هو إلّا حميّة العرب وصبرها تحت راياتها، وإنهم لعلى الضلال وإنّكم لعلى الحق» ثم حرّض أصحابه، وحمل فى عصابة من القرّاء فقاتل قتالا شديدا، فقتل يومئذ تسعة أو عشرة، وحمل عليه الحارث ابن المنذر التّنوخى، فطعنه فسقط، وأرسل إليه علىّ: أن قدّم

[1] ابن الأثير فى الكامل.

[2]

الأعمش راوى هذا الحديث عن أبى عبد الرحمن السلمى.

[3]

كذا جاء عند ابن جرير وأن الأثير؛ وجاء فى المحظوطة (وهم لا يزالون) .

ص: 140

لواءك، فقال لرسوله: انظر إلى بطنى! فنظر إليه، فإذا هو قد انشق! قال [1] : ومرّ علىّ بكتيبة من أهل الشّام فرآهم لا يزولون [عن موقفهم][2]- وهم غسّان- فقال: «إنّ هؤلاء لا يزولون إلّا بطعن [3] وضرب يفلق الهام ويطيح العظام، وتسقط منه المعاصم والأكف، وحتى تقرع جباههم بعمد الحديد، أين أهل النصر والصبر وطلّاب الأجر؟» فأتاه عصابة من المسلمين، فدعا ابنه محمدا فقال:«تقدّم نحو هذه الراية مشيا رويدا على هينتك [4] ، حتّى إذا أشرعت فى صدورهم الرّماح فأمسك حتّى يأتيك أمرى» .

ففعل، وأعد [لهم][5] علىّ مثلهم وسيرّهم إلى ابنه محمد، وأمره بقتالهم، فحمل عليهم فأزالهم [6] عن مواقفهم، وأصابوا منهم رجالا.

قال [7] : ومرّ الأسود بن قيس المرادى بعبد الله بن كعب [المرادى][8] وهو صريع، فقال له عبد الله: يا أسود. قال:

لبّيك. وعرفه [9] ونزل إليه وقال له: «عزّ علىّ مصرعك!

[1] ابن الأثير فى الكامل.

[2]

الزيادة من ابن جرير.

[3]

جاء فى نهج البلاغة وشرحه لابن أبى الحديد ج 2 ص 268 «وإنهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك» .

[4]

أى: على عادتك فى السكون والرفق.

[5]

ثبتت فى النسخة (ن) ، وسقطت من النسخة (ك) .

[6]

كذا جاء فى (ك) وجاء فى (ن) : فحملوا عليهم فأزالوهم» .

[7]

ابن الأثير فى الكامل.

[8]

الزيادة من الكامل وتاريخ ابن جرير والاستيعاب والإصابة.

[9]

عرفه بآخر رمق، كما روى ابن جرير.

ص: 141

إن كان جارك ليأمن بوائقك [1]، وإن كنت لمن الذاكرين الله كثيرا! أوصنى رحمك الله!» قال:«أوصيك بتقوى الله، وأن تناصح أمير المؤمنين، وتقاتل معه المخلين [2] ، حتّى يظهر أو يلحق بالله، وأبلغه عنّى السلام وقل له: قاتل على المعركة حتّى تجعلها خلف ظهرك، فإنه من أصبح غدا والمعركة خلف ظهره كان العالى» .

ثمّ لم يلبث أن مات، فأقبل الأسود إلى علىّ فأخبره، فقال:«رحمه الله! جاهد عدوّنا فى الحياة، ونصح لنا فى الوفاة!» .. وقيل:

إن الذى أشار على علىّ بهذا عبد الرحمن بن حنبل الجمحى.

قال: فاقتتل الناس تلك الليلة كلّها إلى الصباح، وهى ليلة الهرير، فتطاعنوا حتى تقصّفت الرّماح، وتراموا حتى نفد النّبل، وأخذوا السيوف، وعلى يسير بين الميمنة والميسرة، ويأمر كلّ كتيبة أن أن تقدّم على التى تليها، فلم يزل يفعل ذلك حتّى أصبح، والمعركة كلّها خلف ظهره، والأشتر فى الميمنة، وابن عباس، فى الميسرة وعلىّ فى القلب، والناس يقتتلون من كل جانب (وذلك يوم الجمعة) وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة، وكان قد تولاها عشيّة الخميس وليلة الجمعة إلى ارتفاع الضحى، وهو يقول لأصحابه: ازحفوا قيد [3] هذا الرمح. ويزحف بهم نحو أهل الشام، فإذا فعل ذلك

[1]

روى مسلم فى صحيحه ج 2 ص 17 عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه»

قال ابن الأثير فى النهاية: أى: غوائله وشروره، واحدها بائقة وهى الداهية.

[2]

كذا جاء فى المخطوطة بالخاء المعجمة، وجاء عند ابن جرير وابن الأثير (المحلين) بالحاء المهملة.

[3]

قيد: قدر.

ص: 142

بهم قال: ازحفوا قيد هذا القوس. فإذا فعلوه سألهم مثل ذلك، حتّى ملّ أكثر الناس الإقدام، فلما رأى الأشتر ذلك دعا بفرسه فركبه وترك رايته مع حيان بن هوذة النّخعى، وخرج يسير فى الكتائب ويقول: من يشرى [1] نفسه ويقاتل مع الأشتر [حتّى][2] يظهر أو يلحق بالله؟ فاجتمع إليه جمع كثير، فيهم حيّان بن هوذة النخعى وغيره، فرجع بهم إلى المكان الذى كان فيه، وقال لهم:«شدّوا شدّة- فدى لكم خالى وعمّى- ترضون بها الربّ، وتعزّون بها الدين» ثمّ نزل فضرب وجه دابّته، وقال لصاحب رايته: أقدم بها.

وحمل بالقوم [3] فضرب أهل الشام حتّى انتهى بهم إلى عسكرهم، فقاتلوه عند العسكر قتالا شديدا، وقتل صاحب رايته، فلمّا رأى علىّ الظّفر من ناحيته أمدّه بالرجال.

فقال عمرو لوردان [4] : تدرى ما مثلى ومثلك ومثل الأشتر؟

قال: لا. قال «كالأشقر إن تقدّم عقر وإن تأخّر عقر [5] ! لئن تأخّرت لأضربنّ عنقك!» قال: أما والله يا أبا عبد الله لأوردنّك حياض الموت ضع يدك على عاتقى. ثم جعل يتقدّم ويتقدم [6] ويقول:

والله لأوردنّك حياض الموت. واشتد القتال.

فلمّا رأى عمرو أنّ أمر أهل العراق قد اشتدّ، وخاف الهلاك،

[1] كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :«يشترى» .

[2]

الزيادة من ابن جرير.

[3]

كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :«وحمل على القوم» .

[4]

وردان: مولى عمرو بن العاص.

[5]

عند ابن جرير: «نحر» .

[6]

كذا جاء فى المخطوطة. وجاء عند ابن جرير: «ثم جعل يتقدم وينظر إليه أحيانا» .

ص: 143