الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عثمان. فقال لهم: أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم. ومعاوية لا يلتفت إليه، فقال له ابناه: ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إليك، انصرف إلى غيره، فدخل عليه فقال:«والله لعجب لك أنى أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عنى، إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن فى النفس ما فيها، حيث تقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنّا إنّما أردنا هذه الدنيا» . فصالحه معاوية وعطف عليه واقتدى بآرائه، وشهد عمرو معه صفين، وحكّمه، وكان من أمره معه ما تقدم، والله أعلم.
ذكر مقتل محمد بن أبى حذيفة وشىء من أخباره
كان أبوه حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، قتل يوم اليمامة وترك ابنه محمدا هذا، فكفله عثمان وأحسن تربيته.
وكان فيما قيل قد أصاب شرابا فحده عثمان، ثم تنسّك بعد ذلك وأقبل على العبادة.
وطلب من عثمان أن يولّيه عملا فقال له: لو كنت أهلا لذلك لولّيتك، فقال له: إنى قد رغبت [1] فى غزو البحر فأذن لى فى إتيان مصر. فأذن له وجهّزه، فلما قدمها رأى الناس عبادته فلزموه وعظّموه.
وغزا مع عبد الله بن سعد غزوة الصوارى [2] ، وكان محمد
[1] كذا جاء فى الكامل لابن الأثير ج 3 ص 135، ولم تتبين الكلمة فى (ن)، وجاء فى (ك) :«ركبت» .
[2]
غزوة الصوارى أو «ذات الصوارى» كان سببها أن المسلمين لما انتصروا فى أفريقيه خرج الروم فى جمع كبير، وخرج المسلمون للدفاع والجهاد، وكان عليهم فى هذه الحرب البحرية عبد الله بن سعد بن أبى سرح، جاء فى النجوم الزاهرة ج 1 ص 80، 91 «ثم غزا فى البحر من ناحية الإسكندرية، فلقيه قسطنطين بن هرقل فى ألف مركب، وقيل: فى سبعمائة، والمسلمون فى مائتى مركب، وتقاتلا، فانتصر أمير مصر عبد الله وهزم الروم، وانما سميت غزوة ذات الصوارى لكثرة صوارى المركب واجتماعها» . ويقال: إنها سميت بذات الصوارى لأن هذا الاسم كان لإقليم يجلب منه قدماء المصريين الخشب لبناء سفنهم.. وقد أحسنت الجمهورية العربية المتحدة فى اختيارها ذكرى هذه المعركة البحرية فى احتفالها بيوم البحرية.
يعيب ابن سعد، ويعيب عثمان بتوليته [1]، ويقول: استعمل رجلا أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه.
وكتب عبد الله إلى عثمان: إن محمدا قد أفسد على البلاد هو ومحمد بن أبى بكر.
فكتب عثمان رضى الله عنه إليه: أمّا ابن أبى بكر فإنه يوهب لأبيه ولعائشة، وأما ابن أبى حذيفة فإنه ابنى وابن أخى وتربيتى وهو فرخ قريش.
فكتب إليه: إن هذا الفرخ قد استوى ريشه ولم يبق إلا أن يطير.
فبعث عثمان إلى ابن أبى حذيفة ثلاثين ألف درهم ومحملا عليه كسوة. فوضعهما محمد فى المسجد وقال: يا معشر المسلمين ألا ترون إلى عثمان يخادعنى عن دينى ويرشونى، عليه. فازداد أهل مصر تعظيما له وطعنا على عثمان، وبايعوه على رئاستهم.
فكتب إليه عثمان يذكّره برّه به وتربيته إيّاه وقيامه بشأنه، ويقول له: كفرت إحسانى أحوج ما كنت إلى شكرك. فلم يردّه ذلك عن ذمّه وتأليب الناس عليه، وحثهم إلى المسير إلى حصره ومساعدة من يريد ذلك.
[1] كان أول ما تكلم به محمد بن أبى حذيفة ومحمد بن أبى بكر فى حق عثمان فى غزوة الصوارى.
فلما سار المصريون إلى عثمان أقام هو بمصر، وخرج عنها عبد الله ابن سعد بن أبى سرح، فاستولى عليها وضبطها ولم يزل مقيما بها حتى قتل عثمان وبويع علىّ رضى الله عنه، واتفق معاوية وعمرو بن العاص [على خلاف علىّ][1] فسار عمرو بن العاص إليه وقتله.
وقد اختلف فى قتله، فمن المؤرخين من قال: إن عمرو بن العاص سار إلى مصر هو ومعاوية قبل مقدم قيس بن سعد إليها، وأرادا دخول مصر فلم يقدرا على ذلك، فخدعا محمدا حتى خرج إلى العريش فى ألف رجل فتحصن بها، فنصبا عليه المنجنيق حتّى نزل فى ثلاثين من أصحابه فقتل. وهذا القول ليس بشىء يعتمد عليه، وهو بعيد جدا، لأن على بن أبى طالب استعمل قيس بن سعد على مصر أول ما بويع، ولو كان قتل محمد بن أبى حذيفة [قبل وصول قيس بن سعد إلى مصر][2] لاستولى معاوية على مصر، ولا خلاف أن استيلاء معاوية على مصر كان بعد صفّين، وإنّما ذكرنا هذا القول لنبين بطلانه، وقد علّله بعض المؤرخين بنحو هذا التعليل، واستدل على بطلانه [3] .
وقد قيل غير ذلك: وهو أن محمد بن أبى حذيفة سيّر المصريين إلى عثمان، فلما حضروه [4] أخرج محمد عبد الله بن سعيد بن أبى سرح عن مصر وهو عامل عثمان [واستولى][5] عليها، فنزل عبد الله على تخوم مصر وانتظر أمر عثمان، فطلع عليه راكب، فسأله،
[1] الزيادة من الكامل لابن الأثير ج 3 ص 135 حيث نقل المؤلف.
[2]
ثبتت هذه العبارة فى النسخة (ن) ، وسقطت من النسخة (ك) .
[3]
انظر ابن الأثير فى تاريخه الكامل ج 3 ص 135.
[4]
كذا جاء فى المخطوطة، وجاء فى الكامل ج 3 ص 136:«حصروه» .
[5]
الزيادة من الكامل.
فأخبره بقتل عثمان وببيعة علىّ رضى الله عنه، فاسترجع، وأخبره بولاية قيس بن سعد على مصر، وأنه قادم بعده فقال عبد الله:«أبعد الله محمد بن أبى حذيفة! فإنه بغى على ابن عمه وسعى عليه، وقد كفله وربّاه وأحسن إليه، فأساء جواره، وجهّز إليه الرجال، حتّى قتل، ثم ولى على [1] من هو أبعد منه ومن عثمان، ولم يمتعه بسلطان بلاده شهرا ولم يره لذلك أهلا» . وخرج عبد الله هاربا حتّى قدم على معاوية [2] .
وقيل: إن عمرو بن بن العاص سار إلى مصر بعد صفين، فلقيه محمد بن أبى حذيفة فى جيش كثير، فلما رأى عمرو كثرة من معه أرسل إليه فاجتمعا، فقال له عمرو:«إنه قد كان ما ترى، وقد بايعت هذا الرجل- يعنى معاوية- وما أنا راض بكثير من أمره، وإنى لأعلم أنّ صاحبك عليّا أفضل من معاوية نفسا وقدما، وأولى بهذا الأمر، فواعدنى موعدا ألتقى معك فيه فى غير جيش، تأتى فى مائة وآتى فى مثلها، وليس معنا إلّا السيوف فى القرب» . فتعاهدا وتعاقدا على ذلك واتّعدا العريش، ورجع عمرو إلى معاوية فأخبره الخبر، فلما جاء الأجل سار كل واحد منهما فى مائة، وجعل عمرو جيشا خلّفه، فلما التقيا بالعريش، قدم جيش عمرو [على أثره][3] فعلم محمد أنه قد غدر به، فدخل قصرا بالعريش فتحصّن به، وحصره عمرو، ورماه بالمنجنيق حتّى أخذ أسيرا، فبعث به إلى معاوية فسجنه، وكانت
[1] كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :«عليه» .
[2]
عقب ابن الأثير فى الكامل هذا بقوله: «وهذا القول يدل على أن قيسا ولى مصر ومحمد بن أبى حذيفه حى، وهو الصحيح» ..
[3]
الزيادة من الكامل لابن الأثير.
ابنة [1] قرظة امرأة معاوية ابنة بن محمد عمة أبى حذيفة، أمّها فاطمة بنت عتبة، فكانت تصنع له طعاما ترسله إليه، فأرسلت إليه يوما فى الطعام مبارد، فبرد بها قيوده، وهرب، فاختفى فى غار، فأخذ وقتل.
وقيل: إنه بقى محبوسا إلى أن قتل حجر بن عدىّ، ثم هرب فطلبه مالك بن هبيرة السّكونى، فظفر به فقتله غضبا لحجر، وكان مالك قد شفع إلى معاوية فى حجر فلم يشفعه.
وقيل: إن محمد بن أبى حذيفة- لما قتل محمد بن أبى بكر- خرج فى جمع كثير على عمرو، فأمّنه عمرو، ثم غدر به، وحمله إلى معاوية، فحبسه، ثم إنه هرب، فأظهر معاوية للناس أنه كره هربه، وأمر بطلبه فسار فى طلبه عبيد الله بن عمر [2] بن ظلام الخثعمى فأدركه بحوارن فى غار، وجاءت حمر تدخل الغار، فلما رأت محمدا نفرت منه، وكان هناك ناس يحصدون، فقالوا: والله إن لنفرة هذه الحمر لشأنا، فذهبوا إلى الغار فرأوه، وخرجوا من عنده، فوافقهم عبيد الله فسألهم عنه ووصفه لهم، فقالوا: هو فى الغار، فأخرجه، وكره أن يأتى به معاوية فيخلى سبيله، فضرب عنقه.
والله أعلم.
[1] هى فاختة ابنة قرظة.
[2]
عند ابن جرير وابن الأثير: «عمرو» .