الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ارسال على الى أهل الكوفة
وعود رسله وإرسال غيرهم وما كان من إخراج أبى موسى الأشعرىّ عن الكوفة وانضمام أهل الكوفة إلى علىّ وما كان فى خلال ذلك من الأخبار قال: ولما أقام علىّ- رضى الله عنه- بالرّبذة أرسل منها محمد بن أبى بكر الصديق ومحمد بن جعفر رضى الله عنهم إلى أهل الكوفة، وكتب إليهم:«إنى قد اخترتكم على الأمصار، وفزعت إليكم لما حدث، فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا، وانهضوا إلينا، فالإصلاح نريد، لتعود هذه الأمّة إخوانا» . فمضيا.
وأقام بالرّبذة، وأرسل إلى المدينة، فأتاه ما يريد من دابّة وسلاح.
ثم قام فى الناس فخطبهم وقال: إنّ الله تبارك وتعالى أعزّنا بالإسلام ورفعنا به، وجعلنا إخوانا بعد ذلّة وقلّة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء الله، الإسلام دينهم، والحقّ فيهم، والكتاب إمامهم، حتّى أصيب هذا الرجل بأيدى هؤلاء القوم الّذين نزغهم [1] الشيطان، لينزغ [2] بين هذه الأمّة، ألا وإنّ هذه لا بدّ مفترقة كما افترقت الأمم قبلها، فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال: إنّه لا بد مما هو كائن أن يكون، ألا وإن
[1] نزغهم: نخسهم ووسوس لهم.
[2]
ينزغ: يفسد.
هذه الأمّة ستفترق [1] على ثلاث وسبعين فرقة، شرّها فرقة تنتحلنى [2] ولا تعمل بعملى، وقد أدركتم ورأيتم [3] ، فالزموا دينكم، واهدوا بهديى، فإنه هدى نبيّكم، واتّبعوا سنّته، وأعرضوا عمّا أشكل عليكم حتّى تعرضوه على القرآن، فما عرفه القرآن فالزموه، وما أنكره فردّوه، وارضوا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيّا، وبالقرآن حكما وإماما.
قال: ثمّ أتاه جماعة من طيّىء، وهو بالرّبذة، فقيل له: هذه جماعة قد أتتك، منهم من يريد الخروج معك، ومنهم من يريد التسليم عليك. فقال: جزى الله كلّا خيرا وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً
[4]
. فلمّا دخلوا عليه قال لهم: ما شهدتمونا قال به؟ قالوا: شهدناك بكلّ ما تحب. فقال: «جزاكم الله خيرا! قد أسلمتم طائعين، وقاتلتم المرتدين، ووافيتم بصدقاتكم المسلمين» . فنهض سعيد بن عبيد الطائى فقال: «يا أمير المؤمنين، إنّ من الناس من يعبّر لسانه عن قلبه، وإنّى- والله- ما كلّ [5] ما أجد فى قلبى يعبّر عنه لسانى، وسأجهد وبالله التوفيق، أمّا أنا فسأنصح
[1] هذا مأخوذ من حديث النبى صلى الله عليه وسلم،
فقد روى أحمد بن حنبل وأبو داود عن معاوية بن أبى سفيان أنه قام فقال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون فى النار، وواحدة فى الجنة، وهى الجماعة»
. انظر معالم السنن ج 4 ص 295.
[2]
تنتحلنى: تنتسب إلى.
[3]
كذا جاء فى المخطوطة مثل الذى رواه ابن جرير. وجاء فى الكامل لابن الأثير:
[4]
من الآية 95 من سورة النساء.
[5]
كذا جاء عند الطبرى. وفى المخطوطة هذه العبارة: «وإنى والله ما أجد لسانى يعبر عما فى قلبى» .
لك فى السر والعلانية، وأقاتل عدوّك فى كل موطن، وأرى من الحقّ لك ما لا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك» . فقال:
«يرحمك الله! قد أدّى لسانك عما يجنّ ضميرك» . [1]
قال: ثم سار علىّ- رضى الله عنه- من الرّبذة، وعلى مقدّمته أبو ليلى بن عمرو بن الجراح، والراية مع ابنه محمد بن الحنفيّة، وعلىّ على ناقة حمراء يقود فرسا كميتا، فلمّا نزل بفيد [2] أتته أسد وطيّىء، فعرّضوا عليه أنفسهم فقال: فى المهاجرين كفاية.
وعرضت عليه بكر بن وائل أنفسها، فقال لها كذلك.
قال: وانتهى إلى ذى قار [3] أتاه عثمان بن حنيف وليس فى وجهه شعرة [4]- وقيل: إنّه أتاه بالرّبذة- فقال: يا أمير المؤمنين بعثتنى ذا لحية وقد جئتك أمرد! قال: أصبت أجرا وخيرا!.
وأقام بذى قار ينتظر جواب أهل الكوفة [5] .
وكان من خبر محمد بن أبى بكر ومحمد بن جعفر أنّهما أتيا أبا موسى الأشعرىّ بكتاب علىّ، وقاما فى الناس بأمره، فلم يجابا بشىء، فلما أيسوا دخل ناس من أهل الحجا على أبى موسى فقالوا: ما ترى فى الخروج؟ فقال: «كان الرأى بالأمس ليس اليوم [6] ، إن
[1] زاد الطبرى وابن الأثير: «فقتل معه بصفين، رحمه الله» .
[2]
فيد: موضع فى منتصف الطريق بين العراق والحجاز.
[3]
ذوقار: موضع قريب من الكوفة، اشتهر عند العرب بوقعة مشهورة كانت بين بكر وكسرى.
[4]
كان محاربوه قد نتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه.
[5]
كذا جاء فى المخطوطة، وعند ابن جرير وابن الأثير «أمسوا» .
[6]
كذا جاء فى المخطوطة والكامل لابن الأثير. وفى تاريخ ابن جرير: «باليوم» .
الّذى تهاونتم به فيما مضى هو الذى جرّ عليكم ما ترون، إنّما هما أمران:
القعود سبيل الآخرة، والخروج سبيل الدنيا، فاختاروا» فلم ينفر إليه أحد، فغضب محمد، فأغلظا لأبى موسى، فقال لهما:«والله إنّ بيعة عثمان فى عنقى وعنق صاحبكما، فإن لم يكن بدّ من قتال لا نقاتل أحدا حتّى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا» .
فانطلقا إلى علىّ فأخبراه الخبر وهو بذى قار، فقال للأشتر وكان معه:«أنت صاحبنا فى أبى موسى والمعترض فى كل شىء، اذهب أنت وابن عبّاس فأصلح ما أفسدت» .
فخرجا، فقدما الكوفة، فكلّما أبا موسى، واستعانا عليه بنفر من أهل الكوفة، فخطبهم أبو موسى فقال «أيّها الناس، إنّ أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم الّذين صحبوه [فى المواطن][1] أعلم بالله ورسوله ممّن لم يصحبه، وإنّ لكم علينا حقّا، وأنا مؤدّ إليكم نصيحة، كان الرأى ألّا تستخفّوا بسلطان الله، وألا تجترئوا على الله، وأن تأخذوا من قدم عليكم من المدينة فتردّوهم إليها حتّى يجتمعوا فهم أعلم بمن تصلح له الإمامة [منكم][2] ، وهذه فتنة صمّاء [3] ، النائم [4] فيها خير من اليقظان، واليقظان خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خير من الراكب، والراكب خير من الساعى،
[1] الزيادة من رواية ابن جرير الطبرى.
[2]
الزيادة من رواية ابن جرير.
[3]
الفتنة الصماء هى التى لا سبيل إلى تسكينها، لأن الأصم لا يسمع النداء فلا يقلع عما بفعله: وقيل: هى كالحية الصماء التى لا تقبل الرقى.
[4]
هذا وما يتصل به بعده مأخوذ من حديث النبى صلى الله عليه وسلم، وسيأتى ذكره قريبا.
فكونوا جرثومة [1] من جراثيم العرب، فأغمدوا السّيوف، وأنصلوا [2] الأسنّة، واقصعوا الأوتار، وآووا [3] المظلوم والمضطهد، حتّى يلتئم هذا الأمر، وتنجلى هذه الفتنة» .
فرجع ابن عبّاس والأشتر إلى علىّ، فأخبراه الخبر.
فأرسل ابنه الحسن وعمّار بن ياسر، رضى الله عنهما، وقال لعمّار: انطلق فأصلح ما افسدت. فأقبلا حتّى دخلا مسجد الكوفة، فكان أوّل من رآهما مسروق [4] بن الأجدع، فسلّم عليهما، وأقبل على عمّار فقال: يا أبا اليقظان علام قتلتم عثمان؟ قال: على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا [5] ! قال: فو الله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولا صبرتم فكان خيرا للصابرين [6] !.
فخرج أبو موسى فلقى الحسن فضمّه إليه، وأقبل على عمّار قال: يا أبا اليقظان أعدوت على أمير المؤمنين فيمن عدا فأحللت نفسك مع الفجّار؟ فقال: لم أفعل ولم يسؤنى! فقطع الحسن عليهما [الكلام [7]] ، وأقبل على أبى موسى فقال له: «لم تثبط
[1] الجرثومة: الأصل.
[2]
انصلوا الأسنة: انزعوا أسنة الرماح، أى: أخرجوا الأسنة من أماكنها إبطالا للقتال.
[3]
كذا جاء فى النسخة (ن) وتاريخ ابن جرير وابن الأثير، أى: ضموه إليكم.
وحوطوه بينكم. وفى النسخة (ك) : «وانصروا» .
[4]
كذا جاء فى تاريخ ابن جرير والقاموس والإصابه ج 3 ص 492 حيث ترجمته. وفى المخطوطة: «المسروق» .
[5]
أبشار: جمع بشر، و «بشر» اسم جنس جمعى واحده: بشرة، وهى ظاهر الجلد.
[6]
مأخوذ من قول الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ
الآية 126 من سورة النحل.
[7]
الزيادة من الكامل لابن الأثير.
الناس عنّا؟ فو الله ما أردنا إلّا الإصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شىء!» قال: صدقت، بأبى أنت وأمّى! ولكن» المستشار مؤتمن [1] ،
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشى، والماشى خير من الراكب [2] »
وقد جعلنا الله إخوانا، وحرّم علينا دماءنا وأموالنا.
فغضب عمّار، وسبّه، وقام فقال: يا أيّها الناس إنّما قال له وحده «أنت فيها قاعدا خير منك قائما» !.
فقام رجل من بنى تميم، فسبّ عمّارا وقال: أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا!.
وثار زيد بن صوحان وأمثاله، وثار الناس، وقام زيد على باب المسجد، ومعه كتاب من عائشة إليه تأمره بملازمة بيته أو نصرتها، وكتاب إلى أهل الكوفة بمعناه، فأخرجهما فقرأهما على الناس، فلما فرغ منهما قال: «أمرت أن تقرّ فى بيتها [3] ، وأمرنا أن نقاتل حتّى
[1]«المستشار مؤتمن» حديث رواه الترمذى وابن ماجه وغيرهما عن النبى صلى الله عليه وسلم، والمراد أنه أمين على ما استشير فيه.
[2]
هذا الحديث رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة، فقد رواه البخارى عن أبى هريرة فى الحديثين 6654، 6655، ورواه مسلم عن أبى هريرة وأبى بكرة، انظر شرح النووى ج 18 ص 8- 9،
وروى الترمذى أن سعد بن أبى وقاص قال عند فتنة عثمان بن عفان أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إنها ستكون فتنة..»
ثم عقبة بقوله «قال أبو عيسى: وفى الباب عن أبى هريرة وخباب بن الأرت وأبى بكرة» وابن مسعود وأبى واقد وأبى موسى وخرشة، وهذا حديث حسن» ج 9 ص 48- 49.
[3]
يشير إلى قول الله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ.
لا تكون فتنة [1] ، فأمرتنا بما أمرت به، وركبت ما أمرنا به!» .
فقال له شبث بن ربعىّ: يا عمانىّ [2] ، سرقت بجلولاء [3] فقطعت يدك! وعصيت أمّ المؤمنين [فقتلك الله [4]] !.
وتهاوى الناس. قام أبو موسى فقال: أيّها الناس، أطيعونى، وكونوا جرثومة من جراثيم العرب، يأوى إليكم المظلوم، ويأمن فيكم الخائف إنّ الفتنة إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت بيّنت [5] وإنّ هذه الفتنة باقرة [6] كداء البطن [7] ، تجرى بها [8] الشّمال والجنوب والصّبا والدّبور، تذر الحكيم وهو حيران كابن أمس، شيموا [9] سيوفكم، واقصدوا [10] رماحكم، وقطّعو أوتاركم والزموا بيوتكم، خلّوا قريشا إذ أبوا إلّا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم [11] ، استنصحونى ولا تستغشونى، أطيعونى يسلم لكم دينكم،
[1] يشير إلى قول الله تعالى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ*.
[2]
قال ابن جرير وابن الأثير: زيد من «عبد القيس» وهم يسكنون عمان.
[3]
جلولاء: قرية بالعراق كانت بها وقعة مشهورة على الفرس المسلمين.
[4]
الزيادة من أبن جرير.
[5]
أى أنها إذا أقبلت شبهت على القوم وأرتهم أنهم على الحق حتى يدخلوا فيها ويركبوا منها مالا يجوز، فاذا أدبرت وانقضت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنه كان على الخطأ.
[6]
كذا رواها
ابن جرير فى تاريخة، وقال صاحب النهاية: فى حديث أبى موسى:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «سيأتى على الناس فتنة باقرة تدع الحليم حيران»
أى: واسعة عظيمة. وفى المخطوطة: «فاقرة» .
[7]
فى النهاية: «إن هذه لفتنة باقرة كداء البطن لا يدرى أنى يؤتى له» أى أنها مفسدة للدين مفرقة للناس وشبهها بداء البطن لأنه لا يدرى ما هاجه وكيف يداوى ويتأتى له.
[8]
كذا رواها ابن جرير، وفى المخطوطة:«به» .
[9]
شيموا: اغمدوا.
[10]
اقصدوا: اكسروا.
[11]
فى تاريخ الطبرى: «العلم بالإمرة» .
ودنياكم ويشقى بجر هذه الفتنة من جناها.
فقام زيد، فشال يده المقطوعة، فقال: يا عبد الله بن قيس [1] ردّ الفرات عن أدراجه، اردده من حيث يجىء حتّى يعود كما بدأ فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد، فدع عنك ما لست مدركه، سيروا إلى أمير المؤمنين وسيّد المسلمين، انفروا إليه أجمعين تصيبوا الحقّ!.
وقال عبد خير الخيوانى: يا أبا موسى هل بايع طلحة والزبير عليّا؟ قال: نعم! قال: هل أحدث علىّ ما يحلّ به نقض بيعته؟
قال: لا أدرى. قال: «لا دريت! نحن نتركك حتّى تدرك! هل تعلم أحدا خارجا من هذه الفتنة؟ إنّما الناس أربع فرق: علىّ
[1] عبد الله بن قيس هو أبو موسى الأشعرى.
[2]
القعقاع بن عمرو التميمى كان من الصحابة والفرسان.
[3]
هكذا جاء عند ابن جرير وابن الأثير، و «تزع» بمعنى: تكف وتمنع وتزجر وفى المخطوطة «ترع» .
[4]
ملىء: مضطلع ناهض.
بظهر الكوفة، وطلحة والزّبير بالبصرة، ومعاوية بالشام، وفرقة بالحجاز لاغناء بها ولا يقاتل بها عدوّ.» فقال أبو موسى: أولئك خير الناس وهى فتنة! فقال عبد خير: غلب عليك غشك يا أبا موسى! فقال سيحان بن صوحان: إنّه لا بدّ لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال، يدفع الظلم، ويعزّ المظلوم، ويجمع الناس، وهذا وليكم [1] وهو يدعوكم لتنظروا فيما بينه وبين صاحبيه، وهو المأمون على الأمّة، الفقيه فى الدين، فمن نهض إليه فإنّا سائرون معه.
فلما فرغ سيحان قال عمّار: «هذا ابن عمّ رسول الله عليه الصلاة والسلام، يستنفركم [2] إلى زوجة رسول الله وإلى طلحة والزّبير، وإنّى أشهد أنها زوجته فى الدنيا والآخرة، فانظروا ثم انظروا فى الحقّ، فقاتلوا معه» . فقال له رجل: أنا [3] مع من شهدت له بالجنة على من لم تشهد له! فقال له الحسن: اكفف عنّا [يا عمّار][4] فإنّ للإصلاح أهلا!.
وقام الحسن رضى الله عنه، فقال: أيّها الناس أجيبوا دعوة أميركم، وسيروا إلى إخوانكم، فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، وو الله لأن يليه أولو النّهى أمثل فى العاجل والآجل، وخير فى العاقبة، اجيبوا دعوتنا، وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم، وإنّ أمير المؤمنين يقول: «قد خرجت مخرجى هذا ظالما أو مظلوما، وإنى أذكّر
[1] كذا جاء فى المخطوطة، وعند الطبرى وابن الأثير «واليكم» .
[2]
يستنفركم: يستنصركم.
[3]
كذا جاء فى المخطوطة وتاريخ ابن الأثير وجاء فى تاريخ ابن جرير الطبرى «لهو»
[4]
الزيادة من ابن جرير.
الله رجلا رعى حقّ الله إلّا نفر، فإن كنت مظلوما أعاننى، وإن كنت ظالما أخذ منى، والله إنّ طلحة والزّبير لأوّل من بايعنى وأوّل من عذر فهل استأثرت بمال أو بدّلت حكما؟» فانفروا، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر.
فسامح الناس وأجابوا ورضوا، وتكلم عدىّ بن حاتم، وهند بن عمرو، وحجر بن عدىّ، وحثّوا الناس على اللحاق بعلىّ وإعانته، فأذعن الناس للمسير.
فقال الحسن رضى الله عنه: «أيّها الناس، إنّى غاد، فمن شاء منكم أن يخرج على الظّهر [1] ، ومن شاء فى الماء» ، فنفر معه تسعة آلاف، أخذ فى البرّ ستّة آلاف ومائتان، وبقيّتهم فى الماء.
وقيل: إنّ عليّا- رضى الله عنه- أرسل الأشتر بعد ابنه الحسن وعمّار- إلى الكوفة، فدخلها والناس فى المسجد، وأبو موسى يخطبهم ويثبّطهم، والحسن وعمّار معه فى منازعة، وكذلك سائر الناس، كما تقدم، فجعل الأشتر لا يمرّ بقبيلة فيها جماعة إلّا دعاهم ويقول: اتّبعونى إلى القصر، فانتهى إلى القصر فى جماعة من الناس، فدخلوا (وأبو موسى فى المسجد يخطبهم ويثبّطهم، والحسن يقول له: اعتزل عملنا لا أمّ لك وتنحّ عن منبرنا! وعمّار ينازعه) فأخرج الأشتر غلمان أبى موسى من القصر، فخرجوا يعدون وينادون:
«يا أبا موسى، الأشتر قد دخل القصر، فضربنا، وأخرجنا» فنزل أبو موسى، فدخل القصر، فصاح به الأشتر: «اخرج
[1] الظهر: الإبل التى يحمل عليها وتركب.
لا أمّ لك! أخرج الله نفسك!» فقال: أجّلنى هذه العشيّة. فقال هى لك ولا تبيتنّ فى القصر الليلة. ودخل الناس ينهبون متاع أبى موسى، فمنعهم الأشتر، قال: أنا له جار. فكفوا عنه.
فنفر الناس فى العدد المذكور. وقيل: إنّ عدد من سار من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل، قال أبو الطّفيل: سمعت عليّا رضى الله عنه يقول ذلك قبل وصولهم، فقعدت فأحصيتهم، فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا!.
وكان على كنانه وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار الرّياحى [1] ، وعلى سبع [2] قيس سعد بن مسعود الثّقفى عمّ المختار [3] ، وعلى بكر وتغلب وعلة بن محدوج [4] الذّهلى [5] ، وعلى مذحج والأشعريين حجر بن عدىّ، [وعلى بجيلة وأنمار وخثعم والأزد مخنف بن سليم لأزدى، فقدموا على علىّ رضى الله عنه [6]] بذى قار، فلقيهم فى ناس فرحّب بهم، وقال: «يا أهل الكوفة، وليتم ملوك العجم وفضضتم جموعهم، حتى صارت إليكم مواريثهم، فأغنيتم حوزتكم،
[1] كذا جاء فى المخطوطة وغيرها، والمعرف أن «معقل بن يسار» صحابى سكن البصرة» وحفر نهر معقل بها، ويقال له «المزنى» لأنه بن مزينة، وأن «الرياحى» هو «معقل بن قيس الرياحى» من تميم، وهو المذكور فى أمراء على يوم الجمل، وانظر الإصابة ج 3 ص 499.
[2]
روى الطبرى فى تاريخة ج 3 ص 513 أنه «خرج إلى على اثنا عشر ألف رجل وهم أسباع
…
» ثم ذكر «سبع قيس» و «سبع بكر بن وائل» ، و «سبع مذحج» و «سبع بجيلة» .
[3]
المختار بن أبى عبيد بن مسعود الثقفى.
[4]
كذا جاء فى تاريخى ابن جرير وابن الأثير، وفى المخطوطة «وعلة بن مجدوع»
[5]
من ذهل بن ثعلبة، من بكر.
[6]
سقطت هذه العبارة من النسخة (ك) وثبتت فى النسخة (ن) .