المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة خمس وأربعين - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العشرون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني من القسم الخامس في أخبار الخلفاء الراشدين]

- ‌ذكر خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر صفته رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر نبذة من فضائله رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر بيعة على رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر تفريق على عماله وخلاف معاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر ابتداء وقعة الجمل

- ‌ذكر مسير على الى البصرة وما اتّفق له فى مسيره ومن انضمّ إليه ومراسلته أهل الكوفة

- ‌ذكر ارسال على الى أهل الكوفة

- ‌ذكر مراسلة على طلحة والزبير وأهل البصرة فى الصلح وإجابتهم إليه وانتظام الصلح وكيف أفسده قتلة عثمان

- ‌ذكر اجتماع قتلة عثمان بذى قار وتشاورهم وما اتفقوا عليه من المكيدة التى اقتضت نقض الصلح ووقوع الحرب

- ‌ذكر مسير على رضى الله عنه ومن معه من ذى قار إلى البصرة ووقعه الجمل

- ‌ذكر مقتل طلحة رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر مقتل الزبير بن العوام رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر وقعة صفين وابتداء أمرها

- ‌ذكر ارسال على الى معاوية وجوابه [1]

- ‌ذكر الموادعة بين على ومعاوية فى شهر المحرم وما كان بينهما من المراسلة والأجوبة فى الشهر

- ‌ذكر الحروب التى كانت بصفين بعد الأيام الستة فى يومى الأربعاء والخميس وليلة الهرير ويوم الجمعة إلى أن رفعت المصاحف وتقرّر أمر الحكمين

- ‌ذكر رفع أهل الشام المصاحف وما تقرر من أمر التحكيم وكتاب القضية

- ‌ذكر اجتماع الحكمين

- ‌ذكر أخبار الخوارج الذين خرجوا على عهد علىّ وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبرهم [3] بعد صفين

- ‌ذكر خبرهم عند توجيه الحكمين

- ‌ذكر اجتماع الخوارج بعد الحكمين

- ‌ذكر قتال الخوارج

- ‌ذكر أخبار من خرج بعد أصحاب النّهروان

- ‌ذكر خلاف الخريت بن راشد التميمى وبنى ناجية على علىّ رضى الله عنه وما كان من أمرهم

- ‌ذكر ما اتفق فى مدة خلافته رضى الله عنه

- ‌سنة ست وثلاثين ذكر ولاية قيس بن سعد مصر

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌ذكر خبر عبد الله بن الحضرمى حين بعثه معاوية إلى البصرة وما كان من أمره إلى أن قتل

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة اربعين

- ‌ذكر مقتل على بن أبى طالب رضى الله عنه وشىء من سيرته

- ‌ ذكر أزواج على رضى الله عنه وأولاده وكاتبه وقاضيه وحاجبه

- ‌ذكر خلافة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما

- ‌ذكر تسليم الحسن بن على الخلافة إلى معاوية بن أبى سفيان

- ‌ذكر أخبار سعد بن أبى وقاص ووفاته رضى الله عنه

- ‌ذكر أخبار سعيد بن زيد رضى الله عنه ووفاته

- ‌الباب الثالث من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار الدولة الأموية

- ‌ذكر قدوم عمرو بن العاص على معاوية وصلحه معه

- ‌ذكر مقتل محمد بن أبى حذيفة وشىء من أخباره

- ‌ذكر ملك عمرو بن العاص مصر ومقتل محمد بن أبى بكر ووفاة الأشتر وما يتصل بذلك

- ‌ذكر سرايا معاوية الى بلاد على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر مسير بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن وما فعله

- ‌ذكر الغزوات والفتوحات فى أيام معاوية بعد أن استقل بالأمر

- ‌ذكر غزو السند

- ‌ذكر غزوة القسطنطينية

- ‌ذكر فتح جزيرة أرواد

- ‌ذكر أخبار الخوارج فى أيام معاوية وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبر المستورد الخارجى

- ‌ذكر عروة بن أدية وأخيه مرداس بن أدية وغيرهما من الخوارج

- ‌ذكر الحوادث فى أيام معاوية بن أبى سفيان غير ما تقدم، على حكم السنين منذ خلص له الأمر إلى أن توفى إلى رحمة الله

- ‌سنة احدى وأربعين

- ‌ذكر صلح معاوية وقيس بن سعد بن عبادة

- ‌ذكر استعمال معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة

- ‌ذكر استعمال بسر بن أرطاة

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌ذكر قدوم زياد بن أبيه على معاوية بن أبى سفيان

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌ذكر وفاة عمرو بن العاص وشىء من أخباره واستعمال عبد الله ابن عمرو على مصر

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌ذكر عزل عبد الله بن عامر عن البصرة واستعمال الحارث بن عبد الله

- ‌ذكر استلحاق معاوية بن أبى سفيان زياد بن أبيه وهو ابن سميّة

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌ذكر عمال زياد بن أبيه

- ‌سنة ست وأربعين ذكر وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌سنة خمسين

- ‌ذكر وفاة المغيرة بن شعبة

- ‌ذكر ولاية زياد الكوفة

- ‌ذكر ما قصده معاوية من نقل المنبر من المدينة إلى الشام ومن قصد ذلك بعده من الأمراء

- ‌ذكر وفاة الحكم بن عمرو الغفارى

- ‌سنة احدى وخمسين

- ‌ذكر مقتل حجر بن عدى وعمرو بن الحمق وأصحابهما

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌ذكر وفاة زياد بن أبيه

- ‌سنة اربع وخمسين ذكر عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على خراسان ومسيره إلى جبال بخارى

- ‌سنة خمس وخمسين ذكر ولاية عبيد الله بن زياد على البصرة

- ‌سنة ست وخمسين ذكر البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد

- ‌ذكر مراسلة معاوية زيادا فى شأن البيعة

- ‌ذكر ارسال معاوية الى مروان بن الحكم

- ‌ذكر من وفد الى معاوية من أهل الأمصار فى شأن البيعة. وما تكلم به بعضهم وبيعة أهل العراق والشام ليزيد

- ‌ذكر مسير معاوية الى الحجاز وكيف أخذ البيعة ليزيد على أهل الحجاز

- ‌ذكر استعمال سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان وغزوه

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌ذكر عزل الضحاك عن الكوفة واستعمال عبد الرحمن بن أم الحكم وطرده عنها واستعماله على مصر وطرده عنها أيضا

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌ذكر عزل عبيد الله بن زياد عن البصرة وعوده إليها

- ‌سنة ستين ذكر وفاة معاوية بن أبى سفيان وما أوصى به عند وفاته

- ‌ذكر شىء من سيرته وأخباره

- ‌ذكر صفة معاوية وأولاده وأزواجه وكتّابه وقضاته وحجّابه وشرطه وعمّاله

- ‌ذكر بيعة يزيد بن معاوية

- ‌ذكر ارسال الوليد بن عتبة إلى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير، وما كان بينهم فى أمر البيعة وخروجهما إلى مكة رضى الله عنهما

- ‌ذكر استعمال عمرو بن سعيد على المدينة

- ‌ذكر مقدم الحسين إلى مكة

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على الكوفة وقدومه إليها وخبره مع هانى بن عروة

- ‌ذكر ظهور مسلم بن عقيل

- ‌سنة أحدى وستين ذكر مسير [1] الحسين بن على رضى الله عنهما وخبر من نهاه عن المسير

- ‌ذكر ما تكلم به الحسين رضى الله عنه قبل إنشاب الحرب وما وعظ به الناس وما أجابوه وما تكلم به أصحابه وما أجيبوا به وخبر مقتله

- ‌ذكر تسمية من قتل مع الحسين بن على رضى الله عنهما ومن سلم ممن شهد القتال

- ‌ذكر ما كان بعد مقتل الحسين مما هو متعلق بهذه الحادثة

- ‌ذكر ورود الخبر بمقتل الحسين رضى الله عنه إلى المدينة وعود أهله إليها

- ‌ذكر ما ورد من الاختلاف فى مقر رأس الحسين وأين دفن

- ‌ذكر مقتل أبى بلال مرداس بن حدير الحنظلى [1] الخارجى

- ‌سنة اثنين وستين ذكر وفد أهل المدينة إلى يزيد بن معاوية وخلعهم له عند عودهم

- ‌سنة ثلاث وستين ذكر وقعة الحرّة

- ‌سنة اربع وستين ذكر مسير مسلم بن عقبة إلى مكة لحصار عبد الله بن الزبير، ووفاة مسلم والحصار الأول وإحراق الكعبة

- ‌ذكر وفاة يزيد بن معاوية وشىء من أخباره

- ‌ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية

- ‌ذكر أخبار من بويع بالعراق أو لم يتم أمره إلى أن بويع

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن الحارث البصرة

- ‌ذكر مقتل مسعود بن عمرو الأزدى وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام

- ‌ذكر خبر أهل الكوفة وما كان من أمرهم [بعد ابن زياد] [1] إلى أن بويع ابن الزبير

- ‌ذكر خبر خراسان وما كان من أمر سلم بن زياد وبيعته وخبر عبد الله بن خازم

- ‌ذكر بيعة عبد الله بن الزبير وما حدثت فى أيامه من الوقائع والحوادث المتعلقة به والكائن [1] فى أعمال ولايته

- ‌ذكر فراق الخوارج عبد الله وما كان من أمرهم

- ‌ذكر مقتل نافع بن الأزرق أمير الخوارج وغيره منهم

- ‌ذكر محاربة المهلب الخوارج وقتل أميرهم عبيد الله بن الماحوز

- ‌ذكر خبر التوابين وما كان من أمرهم وأخبارها إلى أن قتلوا

- ‌فهرس الجزء العشرين

الفصل: ‌سنة خمس وأربعين

من زياد بن أبى سفيان» وهو يريد أن تكتب إليه «إلى زياد بن أبى سفيان» فكتبت إليه «من عائشة أم المؤمنين إلى ولدها زياد» .

وكان يقال لزياد قبل الاستلحاق «زياد بن أبيه» و «زياد بن أمّه» و «زياد بن سميّة» و «زياد بن عبيد الثّقفىّ» .

وروى أبو عمر [1] بسنده إلى أبى عثمان النهدى قال: اشترى زياد أباه عبيدا بألف درهم فأعتقه.. فكنّا نغيظه بذلك.

‌سنة خمس وأربعين

ذكر ولاية زياد البصرة وخراسان وسجستان وما تكلم به زياد عند مقدمه ومن استعمله زياد من العمال وفى هذه السنة عزل معاوية الحارث بن عبد الله الأزدى عن البصرة وكان قد استعمله عليها فى [أوّل][2] هذه السنة، ثم عزله، فكانت ولايته أربعة أشهر، واستعمل زيادا على البصرة وخراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان.

فقدم زياد البصرة فى آخر شهر ربيع الآخر من السنة، فدخلها والفسق فيها ظاهر فاش.

فخطب خطبة بتراء [3] لم يحمد الله فيها (وقيل: بل حمد الله

[1] فى الاستيعاب ج 1 ص 568.

[2]

ثبتت هذه الكلمة فى النسخة (ن) ، وسقطت من النسخة (ك) .

[3]

ذكر الجاحظ فى البيان والتبيين ج 2 ص 6 «أن خطباء السلف الطيب وأهل البيان من التابعين بإحسان ما زالوا يسمون الخطبة التى لم تبدأ بالتحميد وتستفتح بالتمجيد البتراء» .

ص: 309

فقال: الحمد لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه، اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا على نعمك فينا.) أمّا بعد فإنّ الجهالة الجهلاء والضّلالة العمياء والفجر [1] الموقد لأهله النار [2] الباقى عليهم سعيرها، ما يأتيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، فيثب [3] فيها الصغير، ولا ينحاش عنها الكبير كأن لم يسمعوا نبىّ الله، ولم يقرءوا كتاب الله، ولم يعلموا [4] ما أعدّ الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته فى الزمن السّرمدى الذى لا يزول، أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا [5] وسدّت مسامعه الشهوات واختار الفانية على الباقية؟ ولا تذكرون أنكم أحدثتم فى الإسلام الحدث الذى لم تسبقوا إليه (وفى نسخة [6] بعد قوله «لم تسبقوا إليه» قال: من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله والضعيفة المسكينة فى النهار المبصر) هذه المواخير [7] المنصوبة، والضعيفة المسلوبة فى النهار المبصر، والعدد غير قليل! ألم تكن

[1] فى البيان والتبيين ج 2 ص 12 «والغى» :

[2]

كذا جاء فى المخطوطة وتاريخ الطبرى ج 4 ص 165 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 222، وجاء فى البيان والتبيين ج 2 ص 62 والعقد الفريد ج 4 ص 110 «الموفى بأهله على النار» .

[3]

كذا جاء فى المخطوطة والكامل، وجاء فى تاريخ الطبرى والبيان والتبيين والعقد الفريد:«ينبت» .

[4]

جاءت الأفعال «يسمعوا» و «يقرءوا» و «يعلموا» بالياء فى النسخة (ك) ولم تنقط أوائلها فى النسخة (ن) ، وجاءت بالتاء فى تاريخ ابن جرير الطبرى والكامل والبيان والعقد.

[5]

أى: طمحت ببصره إليها، من قولهم «امرأة مطروفة بالرجال» إذا كانت طماحة إليهم، وقيل: طرقت عينه أى صرفتها إليها، كما فى النهاية.

[6]

كذا جاء فى النسخة (ن) ، ولم يثبت فى النسخة (ك) .

[7]

قال صاحب النهاية: المواخير جمع ماخور، وهو مجلس الريبة ومجمع أهل الفسق والفساد وبيوت الخمارين.

ص: 310

منكم نهاة [1] تمنع الغواة عن دلج [2] الليل وغارة النهار؟ قرّبتم القرابة وباعدتم الدّين! تعتذرون بغير العذر وتغطّون [3] على المختلس! كلّ امرئ منكم يذبّ عن سفيهه صنع من لا يخاف عاقبة ولا يخشى [4] معادا! ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السّفهاء، فلم يزل بهم ما ترون [5] من قيامكم دونهم حتّى انتهكوا حرم الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا فى مكانس [6] الريب!. حرام علىّ الطعام والشراب حتّى أسوّيها بالأرض هدما وإحراقا! إنى رأيت هذا الأمر لا يصلح إلّا بما صلح به أوّله:

لين فى غير ضعف، وشدة فى غير جبريّة وعنف. وإنّى أقسم بالله لآخذنّ الولىّ بالولىّ والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم فى نفسه بالسقيم، حتّى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد [7] ، أو تستقيم لى قناتكم! إن كذبة المنبر

[1] النهاة: جمع الناهى، كما تكون الغواة جمع الغاوى.

[2]

دلج الليل: يراد به السير فى الليل، وأكثره يكون للسرقة أو الفجور.

[3]

فى الكامل: «تعطفون» ، وفى البيان:«تغضون» .

[4]

فى تاريخ الطبرى والبيان والعقد: «ولا يرجو» .

[5]

فى العقد «بكم ما ترون» ، وكذلك بعض نسخ البيان، وفى بعضها:«بهم ما يرون» .

[6]

يقال: كنس الظبى فى كناسه أو مكنسه، إذا تغيب واستنر فى بيته، قال صاحب النهاية فى شرح هذه الجملة من خطبة زياد: المكانس: جمع مكنس، مفعل من الكناس، والمعنى استتروا فى مواضع الريبة.

[7]

«انج سعد فقد هلك سعيد» مثل من أمثال العرب، انظر مجمع الأمثال فى حرف النون ج 2 ص 301، و «سعد» و «سعيد» ابنا ضبة بن طابخة بن الياس بن مضر، وكانا قد زوجها فى طلب إبل لأبيهما نفرت فى الليل، فوجدها سعد فردها، ومضى سعيد فى طلبها حتى لقيه الحارث بن كعب فقتله وأخذ يرديه، انظر مجمع الأمثال ج 1 ص 301 والفاخر ص 59.

ص: 311

مشهودة [1] ، فإذا تعّلقتم علىّ بكذبة فقد حلّت لكم معصيتى! من بيّت [2] منكم فأنا ضامن لما ذهب له، إيّاى ودلج الليل، فإنى لا أوتى بمدلج إلّا سفكت دمه، وقد أجّلتكم فى ذلك بقدر ما يأتى الخبر الكوفة ويرجع إليكم. وإيّاى ودعوى الجاهليّة [3] ، فإنى لا أجد أحدا دعا بها إلّا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثا لم تكن، وقد أحدثنا لكلّ ذنب عقوبة، فمن غرّق قوما غرّقناه، ومن حرّق قوما حرّقناه، ومن نقب بيتا نقبت عن قلبه، ومن نبش قبرا دفنته فيه حيّا! فكفّوا عنّى أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدى ولسانى، ولا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامّتكم إلّا ضربت عنقه! وقد كانت بينى وبين أقوام إحن [4] فجعلت ذلك دبر أذنى وتحت قدمى [5] ، فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان مسيئا فلينزع عن إساءته، إنّى لو علمت أن أحدكم قد قتله [6] السلّ من بغضى لم أكشف له قناعا ولم أهتك له سترا حتى يبدى لى صفحته، فإذا فعل لم أناظره. فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على

[1] روى أبو على القالى فى النوادر ص 185 قول زياد فى خطبته: «ألا وإنها ليست كذبة أكثر عليها شاهدا من الله ومن المسلمين من كذبة إمام على منبر» .

[2]

بيت: أصيب من شخص أوقع به ليلا.

[3]

ما كان عليه أهل الجاهلية من التعصب القبلى الأعمى يدعو بعضهم بعضا عند الحادث فيقول: «يا لفلان» ،

وفى الصحيحين وغيرهما حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية»

. [4] إحن: جمع إحنة، بمعنى حقد.

[5]

روى المبرد فى الكامل قول زياد: «الإمرة تذهب الحفيظة، وكانت من قوم إلى هنات جعلتها تحت قدمى ودبر أذنى» ، وقال المرصفى فى شرحه ج 4 ص 116:

«دبر: معناه خلف، يريد تصاممت فلم أصغ إليه» .

[6]

رواية المبرد فى الكامل: «أخذه» .

ص: 312

أنفسكم، فربّ مبتئس بقدومنا سيسرّ ومسرور بقدومنا سيبتئس [1] أيّها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة [2] ، نسوسكم بسلطان الله الذى أعطاناه، ونذود عنكم بفىء الله الذى خوّلناه، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولّينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا. واعلموا أنى مهما قصّرت عنكم [3] فإنى لا أقصّر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتانى طارقا بليل، ولا حابسا رزقا ولا عطاء عن إبّانه، ولا مجمّرا [4] لكم بعثا، فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدّبون، وكهفكم الذى إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا [5] ، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتدّ لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكان شرّا لكم، أسأل الله أن يعين كلّا على كلّ، فإذا رأيتمونى أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله [6] . وايم الله إن لى فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كلّ امرئ منكم أن يكون من صرعاى!.

[1] ذكر المسعودى فى مروج الذهب ج 2 ص 67 أن زيادا قال:

ألا رب مسرور بما لا يسره

وآخر مجزون بما لا يضره

[2]

ذادة: جمع ذائد، وسيأتى الفعل، «نذود» أى: ندافع.

[3]

كذا جاء فى المخطوطة، وجاء فى تاريخ الطبرى والكامل والبيان:«عنه» .

[4]

تجمير الجنود: حبسهم فى أرض العدو عن العودة إلى أهلهم، وقد جاء فى وصية عمر بن الخطاب قوله:«ولا تجمرهم فى البعوث فتقطع نسلهم» .

[5]

كذا جاء فى البيان والتبيين، وجاء فى تاريخ الطبرى والكامل لابن الأثير:

«ومتى تصلحوا يصلحوا» .

[6]

أذلاله: طرقه ومذاهبه، فالأذلال: جمع ذل- بكسر الذال- وهو ما مهد من الطريق، قال صاحب النهاية:«ومنه خطبة زياد؛: إذا رأيتمونى أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله» .

ص: 313

فقام إليه عبد الله بن الأهتم فقال: أشهد أيها الأمير أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب. فقال: «كذبت، ذاك نبىّ الله داود عليه الصلاة والسلام [1] » .

فقال الأحنف: «قد قلت فأحسنت، أيّها الأمير [2] والثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء، وإنا لا نثنى حتّى نبتلى، ولا نحمد حتّى نعطى» . فقال زياد: صدقت.

فقام أبو بلال مرداس بن أديّة وهو يقول: [3] أنبأنا الله بغير ما قلت، قال الله تعالى: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى

[4]

فأوعدنا الله خيرا ممّا أوعدتنا يا زياد [5] فقال زياد: إنا لا نجد إلى ما نريد منك ومن أصحابك سبيلا حتّى نخوض إليكم الباطل خوضا!. (وقيل: إنه قال: حتى نخوض إليها [6] الدماء) .

[1] يشير إلى قول الله تعالى فى قصة داود: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ

الآية 20 من سورة ص.

[2]

زاد الحصرى فى زهر الآداب ج 2 ص 1025 والقالى فى النوادر ص 186 وابن قتيبة فى عيون الأخبار ج 2 ص 242: «الفرس بشده، والسيف مجده، والمرء مجده، وقد بلغ بك جدك ما ترى» .

[3]

عند ابن جرير والجاحظ وابن عبد ربه: يهمس وهو يقول:

[4]

الآيات 37، 38، 39، 40، 41 من سورة النجم.

[5]

ذكر القالى فى نوادره أن أبا بلال بعد أن تلا القرآن قال: «وأنت تزعم أنك تأخذ بعضنا ببعض وتقتل بعضنا ببعض» وذكر الجاحظ فى البيان والتبيين أنه قال:

«وأنت تزعم أنك تأخذ البرى بالسقيم والمطيع بالعاصى والمقبل بالمدبر» فسمعه زياد.

[6]

كذا جاء فى النسخة (ك)، وجاء فى النسخة (ن) :«إليه» .

ص: 314

وقيل: إنّه لمّا قدم العراق خطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«إنّ معاوية غير مخوف على قومه، ولم يكن ليلحق بنسبه من ليس منه، وقد شهدت الشهود بما قد بلغكم، والحقّ أحقّ أن يتّبع، والله حيث وضع البينات كان أعلم، وقد رحلت عنكم وأنا أعرف صديقى من عدوّى، وقد قدمت عليكم، وصار العدوّ صديقا مناصحا، والصديق عدوا مكاشحا، فاشتمل كلّ امرئ على ما فى صدره، فلا يكوننّ لسانه شفرة تجرى على ودجه، وليعلم أحدكم إذا خلا بنفسه أنى قد حملت سيفى بيده، فإن شهره لم أغمده، وإن أغمده لم أشهره» . ثم نزل.

واستعمل على شرطته عبد الله بن حصن.. وأجّل الناس حتّى بلغ الخبر الكوفة وعاد إليه وصول الخبر، وكان يؤخر العشاء الآخرة، ثم يصلّى ويأمر رجلا فيقرأ سورة البقرة أو مثلها يرتّل القرآن، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أنّ إنسانا يبلغ أقصى البصرة، ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج فيخرج فلا يرى إنسانا إلا قتله.

فخرج ذات ليلة، فأخذ أعرابيا، فأتى به زيادا، فقال: هل سمعت النداء؟ قال: «لا والله قدمت بحلوبة لى، وغشينى الليل، فاضطررتها إلى موضغ، وأقمت لأصبح، ولا علم لى بما كان من الأمير» . قال:

أظنك والله صادقا ولكن فى قتلك صلاح الأمة. ثم أمر به فضربت عنقه.

وكان زياد أول من شدّد أمر السلطان، وأكد الملك لمعاوية، وجرّد السيف، وأخذ على الظّنة، وعاقب بالشّبهة، وخافه الناس خوفا شديدا، حتّى أمن بعضهم بعضا، وحتى كان الشىء يسقط من الرجل

ص: 315