الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من زياد بن أبى سفيان» وهو يريد أن تكتب إليه «إلى زياد بن أبى سفيان» فكتبت إليه «من عائشة أم المؤمنين إلى ولدها زياد» .
وكان يقال لزياد قبل الاستلحاق «زياد بن أبيه» و «زياد بن أمّه» و «زياد بن سميّة» و «زياد بن عبيد الثّقفىّ» .
وروى أبو عمر [1] بسنده إلى أبى عثمان النهدى قال: اشترى زياد أباه عبيدا بألف درهم فأعتقه.. فكنّا نغيظه بذلك.
سنة خمس وأربعين
ذكر ولاية زياد البصرة وخراسان وسجستان وما تكلم به زياد عند مقدمه ومن استعمله زياد من العمال وفى هذه السنة عزل معاوية الحارث بن عبد الله الأزدى عن البصرة وكان قد استعمله عليها فى [أوّل][2] هذه السنة، ثم عزله، فكانت ولايته أربعة أشهر، واستعمل زيادا على البصرة وخراسان وسجستان، ثم جمع له الهند والبحرين وعمان.
فقدم زياد البصرة فى آخر شهر ربيع الآخر من السنة، فدخلها والفسق فيها ظاهر فاش.
فخطب خطبة بتراء [3] لم يحمد الله فيها (وقيل: بل حمد الله
[1] فى الاستيعاب ج 1 ص 568.
[2]
ثبتت هذه الكلمة فى النسخة (ن) ، وسقطت من النسخة (ك) .
[3]
ذكر الجاحظ فى البيان والتبيين ج 2 ص 6 «أن خطباء السلف الطيب وأهل البيان من التابعين بإحسان ما زالوا يسمون الخطبة التى لم تبدأ بالتحميد وتستفتح بالتمجيد البتراء» .
فقال: الحمد لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيد من نعمه وإكرامه، اللهم كما زدتنا نعما فألهمنا شكرا على نعمك فينا.) أمّا بعد فإنّ الجهالة الجهلاء والضّلالة العمياء والفجر [1] الموقد لأهله النار [2] الباقى عليهم سعيرها، ما يأتيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، فيثب [3] فيها الصغير، ولا ينحاش عنها الكبير كأن لم يسمعوا نبىّ الله، ولم يقرءوا كتاب الله، ولم يعلموا [4] ما أعدّ الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته فى الزمن السّرمدى الذى لا يزول، أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا [5] وسدّت مسامعه الشهوات واختار الفانية على الباقية؟ ولا تذكرون أنكم أحدثتم فى الإسلام الحدث الذى لم تسبقوا إليه (وفى نسخة [6] بعد قوله «لم تسبقوا إليه» قال: من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله والضعيفة المسكينة فى النهار المبصر) هذه المواخير [7] المنصوبة، والضعيفة المسلوبة فى النهار المبصر، والعدد غير قليل! ألم تكن
[1] فى البيان والتبيين ج 2 ص 12 «والغى» :
[2]
كذا جاء فى المخطوطة وتاريخ الطبرى ج 4 ص 165 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 222، وجاء فى البيان والتبيين ج 2 ص 62 والعقد الفريد ج 4 ص 110 «الموفى بأهله على النار» .
[3]
كذا جاء فى المخطوطة والكامل، وجاء فى تاريخ الطبرى والبيان والتبيين والعقد الفريد:«ينبت» .
[4]
جاءت الأفعال «يسمعوا» و «يقرءوا» و «يعلموا» بالياء فى النسخة (ك) ولم تنقط أوائلها فى النسخة (ن) ، وجاءت بالتاء فى تاريخ ابن جرير الطبرى والكامل والبيان والعقد.
[5]
أى: طمحت ببصره إليها، من قولهم «امرأة مطروفة بالرجال» إذا كانت طماحة إليهم، وقيل: طرقت عينه أى صرفتها إليها، كما فى النهاية.
[6]
كذا جاء فى النسخة (ن) ، ولم يثبت فى النسخة (ك) .
[7]
قال صاحب النهاية: المواخير جمع ماخور، وهو مجلس الريبة ومجمع أهل الفسق والفساد وبيوت الخمارين.
منكم نهاة [1] تمنع الغواة عن دلج [2] الليل وغارة النهار؟ قرّبتم القرابة وباعدتم الدّين! تعتذرون بغير العذر وتغطّون [3] على المختلس! كلّ امرئ منكم يذبّ عن سفيهه صنع من لا يخاف عاقبة ولا يخشى [4] معادا! ما أنتم بالحلماء، ولقد اتبعتم السّفهاء، فلم يزل بهم ما ترون [5] من قيامكم دونهم حتّى انتهكوا حرم الإسلام ثم أطرقوا وراءكم كنوسا فى مكانس [6] الريب!. حرام علىّ الطعام والشراب حتّى أسوّيها بالأرض هدما وإحراقا! إنى رأيت هذا الأمر لا يصلح إلّا بما صلح به أوّله:
لين فى غير ضعف، وشدة فى غير جبريّة وعنف. وإنّى أقسم بالله لآخذنّ الولىّ بالولىّ والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم فى نفسه بالسقيم، حتّى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد [7] ، أو تستقيم لى قناتكم! إن كذبة المنبر
[1] النهاة: جمع الناهى، كما تكون الغواة جمع الغاوى.
[2]
دلج الليل: يراد به السير فى الليل، وأكثره يكون للسرقة أو الفجور.
[3]
فى الكامل: «تعطفون» ، وفى البيان:«تغضون» .
[4]
فى تاريخ الطبرى والبيان والعقد: «ولا يرجو» .
[5]
فى العقد «بكم ما ترون» ، وكذلك بعض نسخ البيان، وفى بعضها:«بهم ما يرون» .
[6]
يقال: كنس الظبى فى كناسه أو مكنسه، إذا تغيب واستنر فى بيته، قال صاحب النهاية فى شرح هذه الجملة من خطبة زياد: المكانس: جمع مكنس، مفعل من الكناس، والمعنى استتروا فى مواضع الريبة.
[7]
«انج سعد فقد هلك سعيد» مثل من أمثال العرب، انظر مجمع الأمثال فى حرف النون ج 2 ص 301، و «سعد» و «سعيد» ابنا ضبة بن طابخة بن الياس بن مضر، وكانا قد زوجها فى طلب إبل لأبيهما نفرت فى الليل، فوجدها سعد فردها، ومضى سعيد فى طلبها حتى لقيه الحارث بن كعب فقتله وأخذ يرديه، انظر مجمع الأمثال ج 1 ص 301 والفاخر ص 59.
مشهودة [1] ، فإذا تعّلقتم علىّ بكذبة فقد حلّت لكم معصيتى! من بيّت [2] منكم فأنا ضامن لما ذهب له، إيّاى ودلج الليل، فإنى لا أوتى بمدلج إلّا سفكت دمه، وقد أجّلتكم فى ذلك بقدر ما يأتى الخبر الكوفة ويرجع إليكم. وإيّاى ودعوى الجاهليّة [3] ، فإنى لا أجد أحدا دعا بها إلّا قطعت لسانه، وقد أحدثتم أحداثا لم تكن، وقد أحدثنا لكلّ ذنب عقوبة، فمن غرّق قوما غرّقناه، ومن حرّق قوما حرّقناه، ومن نقب بيتا نقبت عن قلبه، ومن نبش قبرا دفنته فيه حيّا! فكفّوا عنّى أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدى ولسانى، ولا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامّتكم إلّا ضربت عنقه! وقد كانت بينى وبين أقوام إحن [4] فجعلت ذلك دبر أذنى وتحت قدمى [5] ، فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان مسيئا فلينزع عن إساءته، إنّى لو علمت أن أحدكم قد قتله [6] السلّ من بغضى لم أكشف له قناعا ولم أهتك له سترا حتى يبدى لى صفحته، فإذا فعل لم أناظره. فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على
[1] روى أبو على القالى فى النوادر ص 185 قول زياد فى خطبته: «ألا وإنها ليست كذبة أكثر عليها شاهدا من الله ومن المسلمين من كذبة إمام على منبر» .
[2]
بيت: أصيب من شخص أوقع به ليلا.
[3]
ما كان عليه أهل الجاهلية من التعصب القبلى الأعمى يدعو بعضهم بعضا عند الحادث فيقول: «يا لفلان» ،
وفى الصحيحين وغيرهما حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية»
. [4] إحن: جمع إحنة، بمعنى حقد.
[5]
روى المبرد فى الكامل قول زياد: «الإمرة تذهب الحفيظة، وكانت من قوم إلى هنات جعلتها تحت قدمى ودبر أذنى» ، وقال المرصفى فى شرحه ج 4 ص 116:
«دبر: معناه خلف، يريد تصاممت فلم أصغ إليه» .
[6]
رواية المبرد فى الكامل: «أخذه» .
أنفسكم، فربّ مبتئس بقدومنا سيسرّ ومسرور بقدومنا سيبتئس [1] أيّها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة [2] ، نسوسكم بسلطان الله الذى أعطاناه، ونذود عنكم بفىء الله الذى خوّلناه، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما ولّينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بمناصحتكم لنا. واعلموا أنى مهما قصّرت عنكم [3] فإنى لا أقصّر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتانى طارقا بليل، ولا حابسا رزقا ولا عطاء عن إبّانه، ولا مجمّرا [4] لكم بعثا، فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدّبون، وكهفكم الذى إليه تأوون، ومتى يصلحوا تصلحوا [5] ، ولا تشربوا قلوبكم بغضهم، فيشتدّ لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكان شرّا لكم، أسأل الله أن يعين كلّا على كلّ، فإذا رأيتمونى أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله [6] . وايم الله إن لى فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كلّ امرئ منكم أن يكون من صرعاى!.
[1] ذكر المسعودى فى مروج الذهب ج 2 ص 67 أن زيادا قال:
ألا رب مسرور بما لا يسره
…
وآخر مجزون بما لا يضره
[2]
ذادة: جمع ذائد، وسيأتى الفعل، «نذود» أى: ندافع.
[3]
كذا جاء فى المخطوطة، وجاء فى تاريخ الطبرى والكامل والبيان:«عنه» .
[4]
تجمير الجنود: حبسهم فى أرض العدو عن العودة إلى أهلهم، وقد جاء فى وصية عمر بن الخطاب قوله:«ولا تجمرهم فى البعوث فتقطع نسلهم» .
[5]
كذا جاء فى البيان والتبيين، وجاء فى تاريخ الطبرى والكامل لابن الأثير:
[6]
أذلاله: طرقه ومذاهبه، فالأذلال: جمع ذل- بكسر الذال- وهو ما مهد من الطريق، قال صاحب النهاية:«ومنه خطبة زياد؛: إذا رأيتمونى أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله» .
فقام إليه عبد الله بن الأهتم فقال: أشهد أيها الأمير أنك أوتيت الحكمة وفصل الخطاب. فقال: «كذبت، ذاك نبىّ الله داود عليه الصلاة والسلام [1] » .
فقال الأحنف: «قد قلت فأحسنت، أيّها الأمير [2] والثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء، وإنا لا نثنى حتّى نبتلى، ولا نحمد حتّى نعطى» . فقال زياد: صدقت.
فقام أبو بلال مرداس بن أديّة وهو يقول: [3] أنبأنا الله بغير ما قلت، قال الله تعالى: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى
[4]
فأوعدنا الله خيرا ممّا أوعدتنا يا زياد [5] فقال زياد: إنا لا نجد إلى ما نريد منك ومن أصحابك سبيلا حتّى نخوض إليكم الباطل خوضا!. (وقيل: إنه قال: حتى نخوض إليها [6] الدماء) .
[1] يشير إلى قول الله تعالى فى قصة داود: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ
الآية 20 من سورة ص.
[2]
زاد الحصرى فى زهر الآداب ج 2 ص 1025 والقالى فى النوادر ص 186 وابن قتيبة فى عيون الأخبار ج 2 ص 242: «الفرس بشده، والسيف مجده، والمرء مجده، وقد بلغ بك جدك ما ترى» .
[3]
عند ابن جرير والجاحظ وابن عبد ربه: يهمس وهو يقول:
[4]
الآيات 37، 38، 39، 40، 41 من سورة النجم.
[5]
ذكر القالى فى نوادره أن أبا بلال بعد أن تلا القرآن قال: «وأنت تزعم أنك تأخذ بعضنا ببعض وتقتل بعضنا ببعض» وذكر الجاحظ فى البيان والتبيين أنه قال:
«وأنت تزعم أنك تأخذ البرى بالسقيم والمطيع بالعاصى والمقبل بالمدبر» فسمعه زياد.
[6]
كذا جاء فى النسخة (ك)، وجاء فى النسخة (ن) :«إليه» .
وقيل: إنّه لمّا قدم العراق خطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«إنّ معاوية غير مخوف على قومه، ولم يكن ليلحق بنسبه من ليس منه، وقد شهدت الشهود بما قد بلغكم، والحقّ أحقّ أن يتّبع، والله حيث وضع البينات كان أعلم، وقد رحلت عنكم وأنا أعرف صديقى من عدوّى، وقد قدمت عليكم، وصار العدوّ صديقا مناصحا، والصديق عدوا مكاشحا، فاشتمل كلّ امرئ على ما فى صدره، فلا يكوننّ لسانه شفرة تجرى على ودجه، وليعلم أحدكم إذا خلا بنفسه أنى قد حملت سيفى بيده، فإن شهره لم أغمده، وإن أغمده لم أشهره» . ثم نزل.
واستعمل على شرطته عبد الله بن حصن.. وأجّل الناس حتّى بلغ الخبر الكوفة وعاد إليه وصول الخبر، وكان يؤخر العشاء الآخرة، ثم يصلّى ويأمر رجلا فيقرأ سورة البقرة أو مثلها يرتّل القرآن، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أنّ إنسانا يبلغ أقصى البصرة، ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج فيخرج فلا يرى إنسانا إلا قتله.
فخرج ذات ليلة، فأخذ أعرابيا، فأتى به زيادا، فقال: هل سمعت النداء؟ قال: «لا والله قدمت بحلوبة لى، وغشينى الليل، فاضطررتها إلى موضغ، وأقمت لأصبح، ولا علم لى بما كان من الأمير» . قال:
أظنك والله صادقا ولكن فى قتلك صلاح الأمة. ثم أمر به فضربت عنقه.
وكان زياد أول من شدّد أمر السلطان، وأكد الملك لمعاوية، وجرّد السيف، وأخذ على الظّنة، وعاقب بالشّبهة، وخافه الناس خوفا شديدا، حتّى أمن بعضهم بعضا، وحتى كان الشىء يسقط من الرجل