الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلمّا أتى زياد بن أبيه البصرة فى سنة خمس وأربعين هرب الخطيم إلى الأهواز، واجتمع إلى سهم جماعة، فأقبل بهم إلى البصرة، فتفرق عنه أصحابه، فاختفى [1] وطلب الأمان [2] ، فلم يؤمّنه زياد، وبحث عنه وأخذه فقتله وصلبه فى داره.. وقيل: إنه لم يزل مستخفيا حتّى مات زياد، فأخذه عبيد الله بن زياد وصلبه فى سنة أربع وخمسين، فقال رجل من الخوارج:
فإن تكن الأحزاب باءوا بصلبه
…
فلا يبعدنّ الله سهم بن غالب
وأما الخطيم فإن زيادا سأله عن قتل عبادة، فأنكره، فسيره إلى البحرين، ثم أعاده [3] بعد ذلك، وقيل: إنه قتله [4] .
ذكر خبر المستورد الخارجى
وفى سنة اثنتين وأربعين تحرك الخوارج الذين كانوا انحازوا عمن قتل يوم النهروان، واجتمعوا فى أربعمائة وأمّروا عليهم المستورد بن علّفة التّيمى، من تيم الرّباب، وبايعوه فى جمادى الآخرة، واتّعدوا للخروج فخرجوا فى غرّة شعبان سنة ثلاث وأربعين.
فبلغ المغيرة أنهم اجتمعوا فى منزل حيّان بن ظبيان السّلمىّ وتواعدوا للخروج، فأرسل صاحب شرطته، وهو قبيصه بن الدمّون،
[1] قيل: إنهم تفرقوا عند استخفائه.
[2]
ظن أنه يسوغ له عند زياد ما ساغ له عند ابن عامر.
[3]
كذا ذكره ابن الأثير فى الكامل.
[4]
كذا ذكره أبو عمر ابن عبد البر فى الاستيعاب ج 2 ص 452.
فأحاط بدار حيّان، وإذا عنده معاد بن جوين وهو من رءوس الخوارج ونحو عشرين رجلا، وثارت امرأته وهى أمّ ولد كانت له [كارهة][1] فأخذت سيوفهم وألقتها تحت الفراش، [وقاموا ليأخذوا سيوفهم][2] فلم يجدوها فاستسلموا، فجىء بهم إلى المغيرة، فحبسهم بعد أن قرّرهم فلم يعترفوا بشىء قالوا: وإنما اجتمعنا لقراءة القرآن، ولم يزالوا فى السجن نحو سنة، وسمع إخوانهم فحذروا.
وخرج صاحبهم المستورد فنزل الحيرة، واختلف الخوارج إليه، ثم تحول إلى دار سليم بن مجدوع العبدى، وهو مهره.
وبلغ المغيرة الخبر وأنهم عزموا على الخروج فى تلك الأيام، فجمع الرؤساء فخطبهم وقال لهم:«ليكفنى كلّ رجل منكم قومه، وإلّا والله تحولت عما تعرفون إلى ما تنكرون، وعما تحبون إلى ما تكرهون» . فرجعوا إلى قومهم فناشدوهم الله والإسلام إلّا دلوهم على من يريد تهييج الفتنة.
فبلغ المستورد ذلك فخرج من دار سليم بن محدوج، وأرسل إلى أصحابه فأمرهم بالخروج فخرجوا متفرقين، واجتمعوا فى نحو ثلاثمائة رجل وساروا إلى الصرّاة [3] .
وبلغ المغيرة بن شعبة خبرهم، فندب معقل بن قيس فى ثلاثة آلاف فارس اختارهم من الشيعة.
[1] الزيادة من الكامل لابن الأثير ج 3 ص 212.
[2]
الزيادة من الكامل.
[3]
الصراة: نهر بالعراق.
وأما الخوارج فإنهم ساروا إلى أن بلغوا المذار [1] فأقاموا بها.
وبلغ ابن عامر بالبصرة خبرهم، فندب شريك بن الأعور الحرثى، وانتخب معه ثلاثة آلاف فارس أكثرهم من ربيعة، فسار بهم إلى المذار.
وسار معقل وقدّم أمامه أبا الرّواغ فى ثلاثمائة، فأتى بهم إلى المذار وقاتل الخوارج عامة نهاره وهم يهزمونه ويعود إلى القتال، ثم أدركه معقل فى سبعمائة من أهل القوة، فجاء وقد غربت الشمس فصلوا المغرب، وحملت الخوارج عليهم فانهزم أصحاب معقل، وثبت هو فى نحو مائتين ونزل إلى الأرض فتراجع إليه أصحابه وأتاه بقية الجيش.
فبينما هم على ذلك بلغ الخوارج أن شريك بن الأعور قد أقبل من البصرة فى ثلاثة آلاف، فأشار المستورد على أصحابه بالرجوع من حيث جاءوا، وقال:«إنا إذا رجعنا نحو الكوفة لم يتبعنا أهل البصرة، ويرجعوا عنا فنقاتل طائفة أسهل من قتال طائفتين» .
فانحاز بأصحابه إلى البيوت، وخرج من الجانب الآخر وسار ليلته، ولم يعلم الجيش بمسيرهم، وبات معقل وأصحابه يتحارسون [2] إلى الصباح، فأتاهم خبر مسيرهم.
وجاء شريك، فدعاه معقل أن يسير معه، فأبى أصحاب شريك اتّباعهم [3] ، فاعتذر إليه لمخالفة أصحابه ورجع.
[1] المذار: بلد بين واسط والبصرة.
[2]
كان معقل قد بعث من يأتيه بخبر الخوارج حين لم ير سوادهم، فعاد إليه يخبره بسيرهم، فخاف معقل أن تكون مكيدة منهم ليأتوا جيشه ليلا، فاحتاط هو وأصحابه وتحارسوا.
[3]
قالوا لشريك: لا والله لا نفعل، إنما أقبلنا نحو هؤلاء لننفيهم عن أرضنا ونمنعهم من دخولها، فإذا كفانا الله مؤنتهم فإنا منصرفون إلى مصرنا، وفى أهل الكوفة ما يمنعون به بلادهم من هؤلاء الأكلب.
ودعا معقل أبا الرواغ، وأمره باتباعهم، فى ستمائة فارس، فاتبعهم، فأدركهم نحو جرجرايا مع طلوع الشمس، فحمل المستورد على أبى الروّاغ، فانهزم أصحابه وثبت فى مائة فارس وقاتلهم طويلا، ثم عطف أصحابه من كل جانب، وصدقوهم القتال، فلما رأى المستورد ذلك علم أن معقلا إن أتاهم بمن معه هلكوا، فمضى بأصحابه وعبر دجلة إلى بهرسير، وتبعهم أبو الروّاغ حتى نزل بهم إلى ساباط، فقال المستورد: هؤلاء حماة معقل وفرسانه ولو علمت أنى أسبقهم إليه بساعة لسرت إليهم فواقعته، ثم ركب بأصحابه حتّى انتهى إلى جسر ساباط، فقطعه، ووقف أبو الرواغ ينتظرهم للقتال وقد عبّأ أصحابه.
وسار المستورد حتى أتى ديلمان، وبها معقل، فلما رآهم نصب رايته [ونزل] [1] وقال: يا عباد الله الأرض الأرض! فنزل معه نحو مائتى رجل، فحملت الخوارج عليهم، فاستقبلوهم بالرماح جثاة على الرّكب، فلم يقدروا عليهم، فتركوهم، وعدلوا إلى خيولهم [فحالوا بينهم وبينها][2] وقطعوا أعنّتها فذهبت، ثم رجعوا إلى معقل وأصحابه فحملوا عليهم، واشتدّ الأمر على معقل ومن معه.
فبينما هم كذلك أقبل أبو الروّاغ بمن معه، وكان سبب عوده أنه أقام ينتظر عودة الخوارج إليه، فلما أبطأوا عليه أرسل من يأتيه بخبرهم فرأوا الجسر مقطوعا ففرحوا بذلك ظنا منهم أن الخوارج فعلوا ذلك هيبة، فرجعوا إلى أبى الرواغ فأخبروه أنهم لم يروهم، وأن الجسر قد قطعوه هيبة لهم، فقال أبو الرواغ: «لعمرى ما فعلوا هذا
[1] الزيادة من ابن جرير فى تاريخه ج 4 ص 156.
[2]
الزيادة من ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 216.
إلّا مكيدة، وما أراهم إلا قد سبقوكم إلى معقل حيث علموا أن فرسان أصحابه معى، وقد قطعوا الجسر ليشغلوكم به عن لحاقهم، فالنجاء النجاء فى الطلب» ثم أمر أهل القرية فعقدوا الجسر، فعبر عليه، واتّبع الخوارج، فلقيه أوائل الناس منهزمين، فصاح بهم: إلىّ إلىّ: فرجعوا.
إليه، وأخبروه الخبر وأنهم تركوا معقلا يقاتلهم، وما يظنونه إلا قتيلا، فجدّ فى السير، وردّ معه من لقيه من المنهزمين، وانتهى إلى العسكر، فرأى رأية معقل منصوبة والناس يقتتلون، فحمل أبو الرواغ وأصحابه على الخوارج فأزالهم غير بعيد.
ووصل أبو الرواغ إلى معقل فإذا هو متقدّم يحرّض أصحابه، فشدوا على الخوارج شدّة منكرة، ونزل المستورد ومن معه إلى الأرض ونزل أصحاب معقل أيضا، ثم اقتتلوا طويلا من النهار بالسيوف أشدّ قتال، ثم إن المستورد نادى معقلا ليبرز إليه، فبرز إليه، فمنعه أصحابه، فلم يقبل [منهم][1] وكان معه سيفه ومع المستورد رمحه، فقال أصحاب معقل له: خذ رمحك. فأبى، وأقدم على المستورد، فطعنه المستورد برمحه، فخرج السّنان من ظهره، وتقدم معقل والرمح فيه إلى المستورد، فضربه بسيفه فخالط دماغه فماتا جميعا.
وكان معقل قال لأصحابه: إن قتلت فأميركم عمرو بن محرز بن شهاب التميمى، فلما قتل معقل أخذ عمرو الراية، وحمل هو وأصحابه
[1] ثبتت هذه الزيادة فى النسخة (ن) ولم تثبت فى النسخة (ك)، وقد قال معقل لأصحابه: لا والله لا يدعونى رجل إلى مبارزة أبدا فأكون أنا الناكل.
على الخوارج فقتلوهم، فلم ينج منهم غير خمسة أو ستة، وانكفت [1] الخوارج بعد ذلك مدّة ولاية زياد بن أبيه إلى سنة خمسين.
فخرج قريب الأزدى وزحّاف الطائى بالبصرة وهما ابنا خالة، وكان زياد يومئذ بالكوفة، وسمرة بالبصرة [2] فأتى الخوارج بنى ضبيعة [3] وهم سبعون رجلا فقتلوا منهم شيخا، فاشتد زياد فى أمر الخوارج فقتلهم وأمر سمرة بذلك، فقتل منهم بشرا كثيرا، وخطب زياد على المنبر فقال:«يا أهل البصرة والله لتكفنّنى هؤلاء. أو لأبدأنّ بكم، والله لئن أفلت رجل منهم لا تأخذون العام من عطاياكم درهما» فسار الناس إليهم فقتلوهم.
ثم خرج زياد بن خراش العجلى فى سنة اثنتين وخمسين فى ثلاثمائة فأتى أرض مسكن من السّواد، فسرّح إليد زياد بن أبيه خيلا عليها سعد بن حذيفة، أو غيره، فقتلوهم وقد صاروا إلى ماه [4] وخرج رجل من طىء اسمه معاذ فى ثلاثين رجلا [5] فبعث إليه زياد من قتله وقتل أصحابه، ويقال بل حلّ لواءه واستأمن.
وخرج طوّاف بن غلّاق فى سنة ثمان وخمسين بالبصرة، وكان سبب خروجه أن قوما من الخوارج بالبصرة كانوا يجتمعون إلى رجل اسمه
[1] انكفتوا: انصرفوا عن الخروج القتال.
[2]
كان معاوية قد كتب بعهد زياد على الكوفة والبصرة، فاستخلف زياد على البصرة سمرة بن جندب، وشخص إلى الكوفة، فكان زياد يقيم ستة أشهر بالكوفة وستة أشهر بالبصرة.
[3]
كان بنو ضبيعة بالبصرة لهم محلة هناك سميت «ضبيعة» باسمهم.
[4]
ماه: قصية الكوفة، لأن «مسكن» موضع بالكوفة، وماه قصبة البلد، فارسية.،
كما فى القاموس.
[5]
أتوا نهر عبد الرحمن بن أم الحكم، ولذلك قيل لهم «أصحاب نهر عبد الرحمن» .
حرار [1] فيتحدثون عنده ويعيبون السلطان، فأخذهم عبيد الله بن زياد فحبسهم، ثم أحضرهم، وعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضا ويخلّى سبيل القاتلين، ففعلوا، فأطلقوا، وكان طواف ممن قتل، فعذلهم أصحابهم وقالوا: قتلتم إخوانكم، قالوا أكرهنا وقد يكره الرجل على الكفر وهو مطمئنّ بالإيمان، وندم طوّاف وأصحابه، وقال أما من توبة؟ فكانوا يبكون، وعرضوا على أولياء من قتلوا الدّية، فأبوا قبولها، وعرضوا عليهم القود، فأبوا.
ولقى طوّاف الهثهاث بن ثور السدوسى، فقال له: ما ترى لنا من توبة! فقال: ما أجد لك إلا آية فى كتاب الله عز وجل: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ
. [2] فدعا طوّاف أصحابه إلى الخروج على أن يفتكوا بابن زياد، فبايعوه فى هذه السنة، وهم سبعون رجلا من عبد القيس بالبصرة، فسعى بهم رجل من أصحابهم إلى ابن زياد، وبلغ ذلك طوّافا فعجل الخروج، فخرجوا من ليلتهم، فقتلوا رجلا، ومضوا إلى الجلحاء [3] ، فندب ابن زياد الشرط والبخارية [4] فقاتلوهم، فانهزم الشّرط حتى دخلوا البصرة، واتبعوهم، وذلك يوم الفطر فكاثرهم الناس، فقاتلوا فقتلوا، وبقى طوّاف فى ستة نفر
[1] كذا جاء فى النسخة (ك)، وجاء فى النسخة (ن) :«جرار» ، وجاء فى الكامل لابن الأثير ج 3 ص 287 «جدار» .
[2]
الآية 110 من سورة النحل.
[3]
الجلحاء: موضع على فرسخين من البصرة.
[4]
البخارية: طائفة من بخارى، سباهم عبيد الله بن زياد ونقلهم إلى البصرة، وبنى لهم فيها سكة خاصة نسبت إليهم، وهم يبلغون الألفين ويجيدون الرمى بالنشاب، ففرض لهم عبيد الله عطاء وأسكنهم تلك السكة.