الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقالوا: أين أخذ هؤلاء التّرابيون [1] ؟ فأشار إليهم: أخذوا ها هنا.
ثم أقبل إلى الكوفة.
وبعث أيضا مسلم بن عقبة المرىّ إلى دومة الجندل، وكان أهلها قد امتنعوا من بيعة علىّ ومعاوية جميعا، فدعاهم إلى طاعة معاوية وبيعته، فامتنعوا، وبلغ ذلك عليّا، فبعث مالك بن كعب الهمذانى فى جمع إلى دومة الجندل، فلم يشعر مسلم إلّا وقد وافاه مالك، فاقتتلوا يوما ثم انصرف مسلم منهزما، وقام مالك أياما يدعو أهل دومة الجندل إلى بيعة علىّ، فأبوا وقالوا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على إمام، فانصرف عنهم وتركهم.
ذكر مسير بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن وما فعله
وفى سنة أربعين بعث [2] معاوية بسر بن أرطاة بن أبى أرطاة- واسم أبى أرطاة عمير، وقيل [3] عويمر الشّامىّ [4] من بنى عامر بن لؤى- إلى الحجاز واليمن فى ثلاثة آلاف فارس، فسار من الشام حتّى قدم المدينة، وعامل المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصارى من قبل علىّ رضى الله عنهما، ففرّ أبو أيّوب ولحق بعلى، ودخل بسر المدينة ولم يقاتله أحد، فصعد منبرها فنادى: يا دينار، يا نجار، يا زريق
[1] أى أتباع أبى تراب على بن أبى طالب.
[2]
وذلك بعد تحكيم الحكمين، كما فى تاريخ الطبرى ج 4 ص 106 والاستيعاب ج 1 ص 158.
[3]
كذا جاء فى المخطوطة مثل الاستيعاب ج 1 ص 154، وجاء فى جمهرة أنساب العرب ص 161 والإصابة ج 1 ص 147 «واسم أبى (أرطاة) عمير بن عويمر» .
[4]
كذا جاء فى النسخة (ن)، وقد قال أبو عمر فى الاستيعاب «يعد بسر بن أرطاة فى الشاميين» . وجاء فى النسخة (ك) :«الشيبانى» ، ومن المعروف أنه عامرى قرشى.
(وهذه بطون من الأنصار) شيخى شيخى، عهدته ههنا بالأمس، فأين هو؟! (يعنى عثمان) . ثم قال: والله لولا ما عهد إلى معاوية ما تركت بها محتلما إلّا قتلته. ثم أمر أهل المدينة بالبيعة لمعاوية، وأرسل إلى بنى سلمة [1] فقال: ما لكم عندى أمان ولا مبايعة حتّى تأتونى بجابر بن عبد الله. فأخبر، فانطلق إلى أمّ سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم فقال لها:«ماذا ترين؟ فإنى خشيت أن أقتل، وهذه بيعة ضلاله!» فقالت: «أرى أن تبايع، وقد أمرت ابنى عمر بن أبى سلمة وختنى بن زمعة أن يبايعا» ، وكانت [2] ابنتها زينب تحت ابن زمعه [3] ، فأتى جابر إلى بسر فبايعه لمعاوية، وهدم بسر دورا بالمدينة.
ثم انطلق حتّى أتى مكة، وفيها أبو موسى الأشعرى، فخافه أبو موسى على نفسه أن يقتله، فهرب، فقيل ذلك لبسر، فقال:
ما كنت لأطلبه وقد خلع عليا. ولم يطلبه.
وكتب أبو موسى إلى اليمن: أن خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل الناس ممّن أبى أن يقرّ بالحكومة.
ثم مضى بسر إلى اليمن، وعامل اليمن من قبل علىّ رضى الله عنه عبيد الله بن عبّاس، فلما بلغه أمر بسر فرّ إلى الكوفة حتّى أتى
[1] قال ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 193 «بكسر اللام، بطن من الأنصار» وهم بنو سلمة بن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج، ومن بنى أسد جابر بن عبد الله، هو وأبوه صحابيان.
[2]
جاء بهذه الجملة ليشرح معنى «الختن» .
[3]
ابن زمعة: عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصى القرشى الأسدى، أمه: قريبة بنت أبى أمية، أخت أم سلمة، وزوجته: ابنة خالته زينب بنت أبى سلمة.
عليّا، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد المدان الحارثى [1] ، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه [2] ، ولقى ثقل [3] عبيد الله بن العباس رضى الله عنه وفيه ابنان صغيران لعبيد الله بن العبّاس فقتلهما، وهما عبد الرحمن وقثم.
وقيل: إنهما كانا عند رجل من بنى كنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الكنانى:«لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلنى معهما!» ، فقتله، وقتلهما بعده.
وقيل: إنّ الكنانىّ أخذ سيفه وقاتل عن الغلامين وهو يقول!
الليث من يمنع حافات الدار.
…
ولا يزال مصلتا دون الجار.
وقاتل حتّى قتل وأخذ بسر الغلاميين فذبحهما، فخرج نسوة من بنى كنانة، فقالت امرأة منهن:«ما هذا؟ قتلت الرجال فعلام تقتل الولدان؟ والله ما كانوا يقتلون فى جاهلية ولا إسلام! والله إنّ سلطانا لا يقوم إلّا بقتل الضّرع [4] الصغير والشيخ الكبير وبرفع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء!» فقال لها بسر: والله لقد
[1] عبد الله بن عبد المدان قدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى وفد بنى الحارث بن كعب، فقال له: من أنت قال: أنا عبد الحجر. قال: أنت عبد الله. فأسلم وبايع. وأبوه عبد المدان اسمه عمرو. وجده الديان اسمه يزيد.
وكان عبيد الله بن عباس قد تزوج عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان واستعان أباها عبد الله على اليمن.
[2]
مالك بن عبد الله بن عبد المدان.
[3]
الثقل: متاع المسافر وحشمه وكل شىء نفيس مصون.
[4]
الضرع: الضعيف.
هممت أن أضع فيكن السيف. فقالت له: تالله إنها لأخت التى صنعت وما أنا لها منك بآمنة! ثم قالت للنساء [التى [1] حولها] :
ويحكنّ! تفرّقن!.
وقتل بسر فى مسيره ذلك جماعة من شيعة علىّ باليمن.
وبلغ عليا الخبر، فأرسل جارية بن قدامة فى ألفين، ووهب ابن مسعود فى ألفين، فسار جارية حتّى أتى نجران، فقتل بها ناسا من شيعة عثمان، وهرب بسر منه، واتبعه جارية إلى مكة، فقال: بايعوا أمير المؤمنين. فقالوا: قد هلك فلمن نبايع؟ قال:
لمن بايع له أصحاب على فبايعوا خوفا منه.
ثم سار حتّى أتى المدينة، وأبو هريرة يصلّى بالناس، فهرب منه، فقال جارية: لو وجدت أبا سنّور لقتلته. ثم قال لأهل المدينة:
بايعوا الحسن بن على، فبايعوا، وأقام يومه، ثم عاد إلى الكوفة، ورجع أبو هريرة يصلّى بهم.
وكانت أم ابنى عبيد الله أمّ الحكم جويرية بنت خويلد بن قارظ، وقيل: عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان، فلما قتل ولداها ولهت [2] عليها، فكانت لا تعقل ولا تصغى، ولا تزال تنشدهما فى المواسم وتقول:
[1] يبدأ من هنا مقدار كبير سقط من النسخة (ك) وثبت فى النسخة (ن) .
[2]
ولهت: اشتد حزنها وذهب عقلها.
ها [1] من أحس بنيّىّ اللذين هما
…
كالدّرتين تشظّى [2] عنهما الصدف
هامن أحسّ بنيّىّ اللذين هما
…
سمعى وعقلى فقلبى اليوم مختطف
هامن أحسّ بنيّىّ اللذين هما
…
مخّ العظام فمخّى اليوم مزدهف [3]
من ذلّ والهة حيرى مدلّهة [4]
…
على صبيّين ذلّا إذ غدا السّلف
نبّئت بسرا وما صدّقت ما زعموا
…
من قتلهم ومن الإثم الّذى اقترفوا
أحنى على ودجى [5] إبنىّ [6] مرهفة
…
مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
قال [7] : فلمّا سمع علىّ بقتلهما جزع جزعا شديدا، ودعا على بسر فقال: اللهم اسلبه دينه وعقله. فأصابه ذلك، وفقد عقله، فكان يهذى بالسّيف ويطلبه، فيؤتى بسيف من خشب، ويجعل
[1]«ها» كذا جاء فى المخطوطة موافقا للاستيعاب ج 1 ص 156، وجاء فى الكامل لابن الأثير ج 3 ص 193:«يا» ، وكذلك أولا البيتين التاليين.
[2]
تشظى: انشق.
[3]
مزدهف: مذهوب به.
[4]
المدلهة: الساهية القلب الذاهية العقل.
[5]
الودج: عرق فى العنق يقطعه الذابح فلا يبق معه حياة.
[6]
همزة «ابن» همزة وصل، ولكنها صارت إلى القطع هنا لضرورة شعر.
[7]
ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 193.
بين يديه زقّ منفوخ، فلا يزال يضربه، فلم يزل كذلك إلى أن مات.
قال [1] : ولما استقرّ الأمر لمعاوية دخل عليه عبيد الله بن عبّاس وعنده بسر، فقال لبسر: وددت أن الأرض أنبتنى عندك حين قتلت ولدىّ. فقال بسر: هاك سيفى. فأهوى عبيد الله ليتناوله، فأخذه معاوية وقال لبسر:«أخزاك الله شيخا قد خرفت! والله لو تمكّن منه لبدأ بى!» قال عبيد الله: أجل ثم ثنيت به.
وقيل: إن مسير بسر إلى الحجاز كان فى سنة اثنتين وأربعين، وإنه أقام بالمدينة شهرا يستعرض الناس، لا يقال له عن أحد «إنه شرك فى دم عثمان» إلّا قتله.
وحكى أبو عمر بن عبد البر [2] عن أبى عمرو الشيبانى قوله:
لما وجّه معاوية بن أبى سفيان بسر بن أرطاة الفهرى لقتل شيعة علىّ، قام إليه معن أو [3] عمرو بن يزيد بن الأخنس السّلمى وزياد [4] بن الأشهب الجعدى فقالا:«يا أمير المؤمنين نسألك بالله والرّحم ألّا تجعل لبسر على قيس سلطانا، فيقتل قيسا بما قتلت بنو سليم من بنى فهر وكنانة يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة» .
فقال له معاوية: يا بسر، لا أمر لك على قيس. فسار حتّى أتى المدينة فقتل ابنى عبيد الله بن عبّاس، وفرّ أهل المدينة ودخلوا الحرّة: حرّة بنى سليم.
[1] ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 193.
[2]
الاستيعاب ج 1 ص 156.
[3]
المشهور فى هذه النسبة «معن بن يزيد بن الأخنس السلمى» ، وقد بايع النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنهم ثلاثتهم شهدوا بدرا مسلمين.
[4]
كان زياد بن الأشهب بن أدر بن عمرو بن ربيعة بن جعدة العامرى الجعدى من أشراف أهل الشام عظيم المنزلة عند معاوية.
هكذا قال الشيبانى: إنه قتل ابنى عبيد الله بالمدينة. والأكثر أنه قتلهما باليمن على ما ذكرنا.
قال [1] : وفى هذه الخرجة أغار بسر على همدان وقتل وسبى نساءهم، فكنّ أوّل مسلمات سبين فى الإسلام. وقتل أحياء من بنى سعد.
وروى أبو عمر [2] بسنده عن أبى الرّباب وصاحب له أنهما سمعا أبا ذر يدعو ويتعوذ فى صلاة صلّاها طال قيامها وركوعها وسجودها، قال: فسألناه: ممّ تعوّذت؟ وفيم دعوت؟ فقال:
تعوذت بالله من يوم البلاء أن يدركنى ويوم العورة أن أدركه. فقلنا:
وما ذاك؟ فقال: أما يوم البلاء فتلتقى فئتان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضا، وأما يوم العورة فإن نساء من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهنّ فأيّتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها، فدعوت الله ألّا يدركنى هذا الزمان ولعلكما تدركانه. قال:
فقتل عثمان ثم أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فسبى نساء مسلمات فأقمن فى السّوق.
هذا ما كان من أخياره فى خلافة علىّ رضى الله عنه ممّا يدخل فيما نحن بصدده، فلنذكر الآن ما اتفق له فى مدة ولايته بعد أن خاص له الأمر، ونبدأ بالغزوات والفتوحات.
[1] أبو عمر بن عبد البر فى الاستيعاب.
[2]
فى الاستيعاب.