المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما كان بعد مقتل الحسين مما هو متعلق بهذه الحادثة - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العشرون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني من القسم الخامس في أخبار الخلفاء الراشدين]

- ‌ذكر خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر صفته رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر نبذة من فضائله رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر بيعة على رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر تفريق على عماله وخلاف معاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر ابتداء وقعة الجمل

- ‌ذكر مسير على الى البصرة وما اتّفق له فى مسيره ومن انضمّ إليه ومراسلته أهل الكوفة

- ‌ذكر ارسال على الى أهل الكوفة

- ‌ذكر مراسلة على طلحة والزبير وأهل البصرة فى الصلح وإجابتهم إليه وانتظام الصلح وكيف أفسده قتلة عثمان

- ‌ذكر اجتماع قتلة عثمان بذى قار وتشاورهم وما اتفقوا عليه من المكيدة التى اقتضت نقض الصلح ووقوع الحرب

- ‌ذكر مسير على رضى الله عنه ومن معه من ذى قار إلى البصرة ووقعه الجمل

- ‌ذكر مقتل طلحة رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر مقتل الزبير بن العوام رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر وقعة صفين وابتداء أمرها

- ‌ذكر ارسال على الى معاوية وجوابه [1]

- ‌ذكر الموادعة بين على ومعاوية فى شهر المحرم وما كان بينهما من المراسلة والأجوبة فى الشهر

- ‌ذكر الحروب التى كانت بصفين بعد الأيام الستة فى يومى الأربعاء والخميس وليلة الهرير ويوم الجمعة إلى أن رفعت المصاحف وتقرّر أمر الحكمين

- ‌ذكر رفع أهل الشام المصاحف وما تقرر من أمر التحكيم وكتاب القضية

- ‌ذكر اجتماع الحكمين

- ‌ذكر أخبار الخوارج الذين خرجوا على عهد علىّ وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبرهم [3] بعد صفين

- ‌ذكر خبرهم عند توجيه الحكمين

- ‌ذكر اجتماع الخوارج بعد الحكمين

- ‌ذكر قتال الخوارج

- ‌ذكر أخبار من خرج بعد أصحاب النّهروان

- ‌ذكر خلاف الخريت بن راشد التميمى وبنى ناجية على علىّ رضى الله عنه وما كان من أمرهم

- ‌ذكر ما اتفق فى مدة خلافته رضى الله عنه

- ‌سنة ست وثلاثين ذكر ولاية قيس بن سعد مصر

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌ذكر خبر عبد الله بن الحضرمى حين بعثه معاوية إلى البصرة وما كان من أمره إلى أن قتل

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة اربعين

- ‌ذكر مقتل على بن أبى طالب رضى الله عنه وشىء من سيرته

- ‌ ذكر أزواج على رضى الله عنه وأولاده وكاتبه وقاضيه وحاجبه

- ‌ذكر خلافة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما

- ‌ذكر تسليم الحسن بن على الخلافة إلى معاوية بن أبى سفيان

- ‌ذكر أخبار سعد بن أبى وقاص ووفاته رضى الله عنه

- ‌ذكر أخبار سعيد بن زيد رضى الله عنه ووفاته

- ‌الباب الثالث من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار الدولة الأموية

- ‌ذكر قدوم عمرو بن العاص على معاوية وصلحه معه

- ‌ذكر مقتل محمد بن أبى حذيفة وشىء من أخباره

- ‌ذكر ملك عمرو بن العاص مصر ومقتل محمد بن أبى بكر ووفاة الأشتر وما يتصل بذلك

- ‌ذكر سرايا معاوية الى بلاد على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر مسير بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن وما فعله

- ‌ذكر الغزوات والفتوحات فى أيام معاوية بعد أن استقل بالأمر

- ‌ذكر غزو السند

- ‌ذكر غزوة القسطنطينية

- ‌ذكر فتح جزيرة أرواد

- ‌ذكر أخبار الخوارج فى أيام معاوية وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبر المستورد الخارجى

- ‌ذكر عروة بن أدية وأخيه مرداس بن أدية وغيرهما من الخوارج

- ‌ذكر الحوادث فى أيام معاوية بن أبى سفيان غير ما تقدم، على حكم السنين منذ خلص له الأمر إلى أن توفى إلى رحمة الله

- ‌سنة احدى وأربعين

- ‌ذكر صلح معاوية وقيس بن سعد بن عبادة

- ‌ذكر استعمال معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة

- ‌ذكر استعمال بسر بن أرطاة

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌ذكر قدوم زياد بن أبيه على معاوية بن أبى سفيان

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌ذكر وفاة عمرو بن العاص وشىء من أخباره واستعمال عبد الله ابن عمرو على مصر

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌ذكر عزل عبد الله بن عامر عن البصرة واستعمال الحارث بن عبد الله

- ‌ذكر استلحاق معاوية بن أبى سفيان زياد بن أبيه وهو ابن سميّة

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌ذكر عمال زياد بن أبيه

- ‌سنة ست وأربعين ذكر وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌سنة خمسين

- ‌ذكر وفاة المغيرة بن شعبة

- ‌ذكر ولاية زياد الكوفة

- ‌ذكر ما قصده معاوية من نقل المنبر من المدينة إلى الشام ومن قصد ذلك بعده من الأمراء

- ‌ذكر وفاة الحكم بن عمرو الغفارى

- ‌سنة احدى وخمسين

- ‌ذكر مقتل حجر بن عدى وعمرو بن الحمق وأصحابهما

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌ذكر وفاة زياد بن أبيه

- ‌سنة اربع وخمسين ذكر عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على خراسان ومسيره إلى جبال بخارى

- ‌سنة خمس وخمسين ذكر ولاية عبيد الله بن زياد على البصرة

- ‌سنة ست وخمسين ذكر البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد

- ‌ذكر مراسلة معاوية زيادا فى شأن البيعة

- ‌ذكر ارسال معاوية الى مروان بن الحكم

- ‌ذكر من وفد الى معاوية من أهل الأمصار فى شأن البيعة. وما تكلم به بعضهم وبيعة أهل العراق والشام ليزيد

- ‌ذكر مسير معاوية الى الحجاز وكيف أخذ البيعة ليزيد على أهل الحجاز

- ‌ذكر استعمال سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان وغزوه

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌ذكر عزل الضحاك عن الكوفة واستعمال عبد الرحمن بن أم الحكم وطرده عنها واستعماله على مصر وطرده عنها أيضا

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌ذكر عزل عبيد الله بن زياد عن البصرة وعوده إليها

- ‌سنة ستين ذكر وفاة معاوية بن أبى سفيان وما أوصى به عند وفاته

- ‌ذكر شىء من سيرته وأخباره

- ‌ذكر صفة معاوية وأولاده وأزواجه وكتّابه وقضاته وحجّابه وشرطه وعمّاله

- ‌ذكر بيعة يزيد بن معاوية

- ‌ذكر ارسال الوليد بن عتبة إلى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير، وما كان بينهم فى أمر البيعة وخروجهما إلى مكة رضى الله عنهما

- ‌ذكر استعمال عمرو بن سعيد على المدينة

- ‌ذكر مقدم الحسين إلى مكة

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على الكوفة وقدومه إليها وخبره مع هانى بن عروة

- ‌ذكر ظهور مسلم بن عقيل

- ‌سنة أحدى وستين ذكر مسير [1] الحسين بن على رضى الله عنهما وخبر من نهاه عن المسير

- ‌ذكر ما تكلم به الحسين رضى الله عنه قبل إنشاب الحرب وما وعظ به الناس وما أجابوه وما تكلم به أصحابه وما أجيبوا به وخبر مقتله

- ‌ذكر تسمية من قتل مع الحسين بن على رضى الله عنهما ومن سلم ممن شهد القتال

- ‌ذكر ما كان بعد مقتل الحسين مما هو متعلق بهذه الحادثة

- ‌ذكر ورود الخبر بمقتل الحسين رضى الله عنه إلى المدينة وعود أهله إليها

- ‌ذكر ما ورد من الاختلاف فى مقر رأس الحسين وأين دفن

- ‌ذكر مقتل أبى بلال مرداس بن حدير الحنظلى [1] الخارجى

- ‌سنة اثنين وستين ذكر وفد أهل المدينة إلى يزيد بن معاوية وخلعهم له عند عودهم

- ‌سنة ثلاث وستين ذكر وقعة الحرّة

- ‌سنة اربع وستين ذكر مسير مسلم بن عقبة إلى مكة لحصار عبد الله بن الزبير، ووفاة مسلم والحصار الأول وإحراق الكعبة

- ‌ذكر وفاة يزيد بن معاوية وشىء من أخباره

- ‌ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية

- ‌ذكر أخبار من بويع بالعراق أو لم يتم أمره إلى أن بويع

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن الحارث البصرة

- ‌ذكر مقتل مسعود بن عمرو الأزدى وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام

- ‌ذكر خبر أهل الكوفة وما كان من أمرهم [بعد ابن زياد] [1] إلى أن بويع ابن الزبير

- ‌ذكر خبر خراسان وما كان من أمر سلم بن زياد وبيعته وخبر عبد الله بن خازم

- ‌ذكر بيعة عبد الله بن الزبير وما حدثت فى أيامه من الوقائع والحوادث المتعلقة به والكائن [1] فى أعمال ولايته

- ‌ذكر فراق الخوارج عبد الله وما كان من أمرهم

- ‌ذكر مقتل نافع بن الأزرق أمير الخوارج وغيره منهم

- ‌ذكر محاربة المهلب الخوارج وقتل أميرهم عبيد الله بن الماحوز

- ‌ذكر خبر التوابين وما كان من أمرهم وأخبارها إلى أن قتلوا

- ‌فهرس الجزء العشرين

الفصل: ‌ذكر ما كان بعد مقتل الحسين مما هو متعلق بهذه الحادثة

مملوك فخلّى سبيله، فنجا. ومنهم الرقع [1] بن تمامة الأسدى، وكان قد نثر نبله فقاتل فجاءه نفر من قومه فأمنوه، فخرج إليهم فلما أخبر ابن زياد به نفاه إلى الزارة [2] .

‌ذكر ما كان بعد مقتل الحسين مما هو متعلق بهذه الحادثة

قال: ولما قتل الحسين نادى عمر بن سعد فى أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه، فانتدب له عشرة، منهم إسحاق بن حيوة الحضرمى، وهو الذى سلب قميص الحسين فبرص بعد ذلك، فداسوا الحسين بخيولهم حتّى رضّوا ظهره وصدره.

قال: ودفن جثّة الحسين وجثث أصحابه أهل الغاضرية من بنى أسد بعد ما قتلوا بيوم.

وقتل من أصحاب ابن سعد ثمانية وثمانون رجلا سوى الجرحى، فصلّى عليهم عمر ودفنهم.

قال: وسرح عمر برأس الحسين من يومه ذلك مع خولىّ بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدى إلى عبيد الله بن زياد، فأقبل به خولى فوجد باب القصر مغلقا، فأتى منزله فوضعه تحت إجّانة [3] فى الدار، ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه، فقالت له امرأته وهى النّوار بنت مالك الحضرميّة: ما الخبر؟ قال: جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين معك فى الدار، قالت. فقلت: ويلك! جاء الناس

[1] كذا فى النسخة «ك» ، وفى النسخة «ن» :«المرفع» ، وفى شرح القاموس:

رقيع، كزبير، الأسدى.

[2]

الزارة: قرية بالبحرين.

[3]

إجانة: إناء تغسل فيه الثياب.

ص: 463

بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يجمع رأسى ورأسك بيت أبدا، قالت: فقمت من فراشى فخرجت وجلست أنظر، فو الله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجّانة، ورأيت طيرا بيضا ترفرف عليها [1] ، فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد.

وقيل: بل الذى حمل الرأس شمر بن ذى الجوشن، وقيس ابن الأشعث، وعمرو بن الحجاج، وعزرة بن قيس، فجلس ابن زياد، وأذن للناس فأحضرت الرؤوس بين يديه، فجعل ينكت بقضيب بين ثنيّتى الحسين، فلما رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه، قال له: اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فو الله الذى لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما! ثم بكى، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينك، فو الله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك.

فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانه، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل [[2] فبعدا لمن رضى بالذل] قال: وأقام عمر بن سعد يومه هذا والغد، ثم أذن فى الناس بالرحيل إلى الكوفة، وحمل معه بنات الحسين وأخواته، ومن كان معه من الصبيان، وعلىّ بن الحسين مريض، فاجتازوا به على الحسين وأصحابه صرعى، فصاح النساء ولطمن الخدود، وصاحت زينب أخته: «يا محمداه! صلّى عليك ملائكة السماء، هذا حسين

[1] كذا جاء فى النسخة (ك) ، وجاء فى النسخة (ن)«حولها» .

[2]

ثبتت هذا العبارة فى النسخة (ن) ، ولم تثبت فى النسخة (ك) .

ص: 464

بالعراء مرمل [1] بالدماء مقطّع الأعضاء! يا محمداه! وبناتك سبايا! وذريتك مقتّلة تسفى عليها الصّبا!» فأبكت كل عدوّ وصديق.

قال: ولما أدخلوا على عبيد الله لبست زينب أرذل ثيابها وتنكّرت، وحفّ بها إماؤها، فقال عبيد الله: من هذه الجالسة؟ فلم تكلّمه حتّى قال ذلك ثلاثا وهى لا تكلّمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة، فقال لها ابن زياد: الحمد لله الذى فضحكم وقتّلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت: الحمد لله الذى أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وطهّرنا تطهيرا لا كما تقول، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر. قال: فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده، فغضب ابن زياد واستشاط، ثم قال لها: قد شفى الله نفسى من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك. فبكت ثم قالت: لعمرى لقد قتلت كهلى وأبرزت أهلى وقطعت فرعى واجتثثت أصلى، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت. فقال لها عبيد الله. هذه شجاعة فلعمرى لقد كان أبوك شجاعا، قالت: ما للمرأة والشجاعة؟ إن لى عن الشجاعة لشغلا. ونظر عبيد الله إلى على بن الحسين فقال له: ما اسمك؟ قال: أنا على بن الحسين، قال: أو لم يقتل الله على بن الحسين، فسكت. فقال له ابن زياد: ما لك لا تتكلم؟

قال: قد كان لى أخ يقال له علىّ فقتله الناس، قال: إن الله قتله، فسكت علىّ، فقال: ما لك لا تتكلم؟ قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ

[1] مرمل: متلطخ.

ص: 465

حِينَ مَوْتِها

[1]

. وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ

[2]

قال: أنت والله منهم، ثم قال لرجل: ويحك انظر هذا هل أدرك؟

والله إنى لأحسبه رجلا، فكشف عنه مرىّ بن معاذ الأحمرى فقال:

نعم قد أدرك، قال: اقتله، فقال على: من توكّل بهؤلاء النسوة؟

وتعلقت به زينب عمته، فقالت: يا ابن زياد حسبك منّا أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منا أحدا؟ واعتنقته وقالت: أسألك بالله إن كنت مؤمنا إن قتلته لما قتلتنى معه، وقال علىّ: يا ابن زياد إن كان بينك وبينهنّ قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحة الإسلام. فنظر إليهن ساعة ثم نظر إلى القوم فقال: يا عجبا للرّحم والله إنى أظنها ودّت لو أنى قتلته أنى قتلتها معه، دعوا الغلام، انطلق مع نسائك.

ثم نودى: «الصلاة جامعة» فاجتمع الناس فى المسجد الأعظم فصعد ابن زياد المنبر، فقال: الحمد لله الذى أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن على وشيعته، فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدى، وكان من شيعة على، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع على، والأخرى بصفّين معه، وكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم، يصلّى فيه إلى الليل ثم ينصرف، فقال: يا ابن مرجانة إنّ الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك، والذى ولاك وأبوه، يا ابن مرجانة تقتلون أبناء النبيين، وتكلّمون بكلام الصدّيقين. فقال ابن زياد: علىّ

[1] من الآية 42 من سورة الزمر.

[2]

من الآية 145 من سورة آل عمران.

ص: 466

به، فوثبت عليه الجلاوزة [1] فأخذوه، فنادى بشعار الأزد «يا مبرور» فوثبت إليه فئة من الأزد، فانتزعوه، وأتوابه أهله، فأرسل إليه من أتاه به فقتله، ثم أمر بصلبه فى السّبخة [2] فصلب.

قال: وأمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به فى الكوفة.

قال: ثم أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس إلى يزيد بن معاوية ومعه جماعة، وقيل: مع شمر وجماعة، وأرسل معهم النساء والصبيان، وفيهم على بن الحسين، وقد جعل ابن زياد الغلّ فى يديه وعنقه، وحملهم على الأقتاب، فلم يكلمهم علىّ فى الطريق، فدخل زحر بن قيس على يزيد فقال له:

ما وراءك ويلك وما عندك؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك ونصره، ورد علينا الحسين بن علىّ فى ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسملوا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال، فغدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية، حتّى أخذت السيوف مأخذها من هام القوم، فجعلوا يهربون إلى غير وزر [3] ، ويلوذون منا بالآكام والحفر لو اذا [4] كما لاذ الحمائم من صقر، فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور [5] ، أو نومة قائل [6] حتى أتينا

[1] الجلاوزة: الشرطة.

[2]

السبخة: موضع بالبصرة.

[3]

الوزر: الملجأ.

[4]

لوادا: التجاء.

[5]

الجزر: النحر، والجزور: الفتى من الإبل.

[6]

القائل: النائم وقت الظهيرة.

ص: 467

على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، وثيابهم مرمّلة [1] ، وخدودهم معفرة [2] ، تصهرهم الشمس وتسفى عليهم الريح، زوّارهم العقبان والرخم بقىّ [3] سبسب. قال: فدمعت عينا يزيد وقال: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سميّة، أما والله لو أنى صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين. قال: ولما وصل علىّ بن الحسين ومن معه والرأس إلى دمشق، وقف محفّر بن ثعلبة العائذى، وكان عبيد الله قد تركهم معه ومع شمر على باب يزيد بن معاوية، ثم رفع صوته وقال: هذا محفّر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه يزيد ما ولدت أمّ محفّر شرّ وألأم، ولكنه قاطع ظلوم. ثم دخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه وحدثوه، فسمعت الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وكانت تحت يزيد، فتقنّعت بثوبها وخرجت فقالت: يا أمير المؤمنين رأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله؟ قال: نعم فأعولى عليه وحدّى على ابن بنت رسول الله وصريحة قريش، عجّل عليه ابن زياد فقتله، قتله الله، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، والرأس بين يديه، ومعه قضيب وهو ينكت فى ثغره، ثم قال: إن هذا وأنا كما قال الحصين بن الحمام:

أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضب [4] فى أيماننا تقطر الدّما

[1] مرملة: ملطخة بالدماء.

[2]

معفرة: من العفر، وهو التراب.

[3]

بقى بالكسر والتشديد من القوا: الأرض القفر الخالية، والسبسب (نعت) : المفازة المستوية.

[4]

قواضب: سيوف.

ص: 468

نفلّق هاما [1] من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما [2]

فقال أبو برزة الأسلمى: «أتنكت بقضيبك فى ثغر الحسين؟

أما لقد أخذ قضيبك فى ثغره مأخذا لربّما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشفه، أما إنك يا يزيد تجئ يوم القيامة وابن زياد شفيعك ويجئ هذا ومحمد شفيعه!» ثم قام فولّى. فقال يزيد: يا حسين والله لو أنى صاحبك ما قتلتك، ثم قال: «أتدرون من أين أتى هذا؟

قال: أبى خير من أبيه، وأمى فاطمة خير من أمه، وجدّى رسول الله خير من جده، وأنا خير منه، وأنا أحق بهذا الأمر منه. فأما قوله:

أبوه خير من أبى فقد حاجّ أبى أباه إلى الله وعلم الناس أيّهما حكم له، وأما قوله: أمى خير من أمه فلعمرى فاطمة بنت رسول الله خير من أمى، وأما قوله جدّى رسول الله خير من جده، فلعمرى ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلا ولا ندّا، ولكنه إنما أتى من قبل فقهه، ولم يقرأ قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ

[3]

.

قال: ثم أدخل نساء الحسين عليه والرأس بين يديه، فجعلت فاطمة وسكينة ابنتا الحسين تتطاولان لتنظرا إلى الرأس، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس، فلما رأين الرأس صحن، فصاح نساء يزيد وولولن وبنات معاوية، فقالت فاطمة بنت الحسين،

[1] الهام: مفرده هامة، وهى الرأس.

[2]

أنظر المفضلية 12 من المفضليات والحماسة بشرح المرزوقى ج 1 ص 199، 391 والأغانى ج 14 ص 7 والشعر والشعراء ج 2 ص 630 والمؤتلف والمختلف ص 91 وخزانة الأدب ج 2 ص 7.

[3]

من الآية 26 فى سورة آل عمران.

ص: 469

وكانت أكبر من سكينة: أبنات رسول الله سبايا يا يزيد؟ فقال:

يا ابنة أخى أنا لهذا كنت أكره، فقام رجل من أهل الشام فقال:

هب لى هذه، يعنى فاطمة بنت على، فأخذت بثياب أختها زينب وكانت أكبر منها، فقالت زينب: كذبت ولو متّ، ما ذلك لك ولا له، فغضب يزيد وقال: كذبت والله إن ذلك لى، ولو شئت أن أفعله لفعلته، قالت: كلّا والله ما جعل الله ذلك لك، إلا أن تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا! فغضب يزيد واستطار، ثم قال. إياى تستقبلين بهذا، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك، قالت زينب:

بدين الله ودين أبى وأخى اهتديت أنت وأبوك وجدّك، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك. فاستحيى وسكت؛ ثم أخرجن وأدخلن دور يزيد فلم تبقى امرأة من آل يزيد إلا أتتهن وأقمن المأتم، وسألهن عمّا أخذ منهن فأضعفه لهن، وكانت سكينة تقول: ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد بن معاوية.

قال: ثم أمر بعلىّ بن الحسين فأدخل مغلولا، فقال: لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلولين لفك عنا؛ قال: صدقت؛ وأمر بفك غلّه عنه، فقال على: لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعد لأحبّ أن يقرّبنا؛ فأمر به فقرّب منه، وقال له يزيد: يا علىّ أبوك الذى قطع رحمى وجهل حقّى ونازعنى سلطانى فصنع الله به ما رأيت. فقال علىّ: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [1]

فقال

[1] الآيتان 22، 23 من سورة الحديد.

ص: 470

يزيد: ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [1]

ثم سكت عنه، وأمر بإنزاله وإنزال نسائه فى دار على حدة، وكان يزيد لا يتغدّى ولا يتعشّى إلّا دعا عليّا إليه، فدعاه يوما فجاء ومعه عمرو بن الحسن وهو غلام صغير، فقال يزيد لعمرو: أتقاتل هذا؟ يعنى خالدا ابنه، فقال: أعطنى سكّينا وأعطه سكينا حتّى أقاتله. فضمه يزيد إليه وقال شنشنة [2] أعرفها من أخزم، وهل تلد الحيّة [3] إلا حييّة؟

وقيل: لمّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده، ووصله، وسرّه ما فعل، ثم لم يلبث إلّا يسيرا حتّى بلغه بغض الناس له، ولعنهم إياه، وسبّهم، فندم على قتل الحسين، وكان يقول: «وما علىّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معى فى دارى وحكّمته فيما يريد، وإن كان علىّ من ذلك وهن فى سلطانى، حفظا لرسول الله ورعاية لحقّه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة، فإنه اضطره، وقد سأله أن يضع يده فى يدى، أو يلحق بثغر حتّى يتوفّاه الله، فلم يجبه إلى ذلك، وقتله، فبغضنى بقتله إلى المسلمين،

[1] من الآية 30 فى سورة الشورى.

[2]

هذا مثل يضرب فى قرب الشبه، تمثل به يزيد، وأصله أن رجلا من طىء يسمى «أخزم» كان عاقا لوالده، فلما مات ترك بنين يشبهو له فى العقوق، فوثبوا يوما على جدهم أبى أخزم وضربوه وأدموه، فقال:

إن بنى ضرجونى بالدم

شنشنة أعرفها من أخزم

والشنشنة: الطبيعة والعادة.

[3]

هذا مثل تمثل به يزيد كسابقه، جاء فى تاج العروس (ح ى ى) «ومن أمثالهم:

لا تلد الحية إلا حيية» وحيية: تصغير حية وكنى الحريرى فى مقاماته عن أبى زيد وابنه ب «الحية والحيية» .

ص: 471