الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذى دلّ عليه الحساب أنّ جملة المال تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف، وذلك أنّ نصيب الزوجات الأربع (وهو الثّمن بعد وفاء الدّين ورفع الثلث الذى أوصى به لبنى عبد الله) اشتمل على أربعة آلاف ألف وثمانمائة ألف، يضرب فى ثمانية فتكون ثمانية وثلاثين ألف ألف وأربعمائة ألف، ويكون ثلث الوصية (وهو نصف هذه الجملة) تسعة عشر ألف ألف ومائتى ألف، والدّين ألفى ألف ومائتى ألف، فتخرج الجملة على ما ذكرناه [1] .
ذكر وقعة صفين وابتداء أمرها
كانت وقعة صفّين فى أواخر سنة ست وثلاثين وأوائل سنة سبع وثلاثين.
وذلك أنه لما فرغ علىّ رضى الله عنه من حرب الجمل أقام بالبصرة، ثمّ انتقل إلى الكوفة، وأرسل إلى جرير بن عبد الله البجلى- وكان عثمان قد استعمله على همذان- وإلى الأشعث بن قيس- وكان على أذربيجان- فأمرهما بأخذ البيعة والحضور إليه، ففعلا ذلك.
وأراد علىّ أن يرسل إلى معاوية رسولا، فقال جرير: أرسلنى إليه [2] فقال الأشتر لعلىّ: لا تفعل [فإنّ هواه مع معاوية][3] فقال علىّ
[1] الجملة التى ذكرها المؤلف هى التى انتهى إليها الحساب فى آخر قسم المال، منها تسعة آلاف ألف وستمائة ألف حصلت من نماء العقار والأرضين فى المدة التى أخر فيها عبد الله بن الزبير قسم التركة استبراءا للدين، والباقى جملته الأصلية التى أوردها البخارى، انظر شرح الكرمانى للبخارى ج 13 ص 103 وإرشاد السارى ج 6 ص 370، وغيرهما.
[2]
جاء فى رواية ابن جرير ج 3 ص 560 «ابعثنى إليه، فإنه لى ود، حتى آتيه فأدعوه إلى الدخول فى طاعتك» .
[3]
ثبتت هذه الجملة فى النسخة (د) ، وسقطت من (أ) .
دعه حتّى ننظر ما يرجع به. فبعثه، وكتب معه إلى معاوية يعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار عليه [1] ، وما كان من نكث طلحة والزّبير وحرب الجمل، ودعاه إلى البيعة والدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار.
فلما قدم جرير على معاوية ما طله بالجواب، واستشار عمرو بن العاص، وكان قد قدم عليه وانضمّ إليه، على ما نذكر ذلك إن شاء الله فى أخبار معاوية، فأشار عمرو عليه أن يجمع أهل الشام ويلزم عليّا دم عثمان، ففعل، فأجمع أهل الشام على حرب علىّ.
فعاد جرير إلى علىّ وأعلمه ذلك، وأنّ أهل الشام يبكون على عثمان ويقولون: إنّ عليّا قتله، وآوى قتلته، وإنهم لا ينتهون عنه حتّى يقتلهم أو يقتلوه. فقال الأشتر لعلىّ: كنت نهيتك عن إرسال جرير، وأخبرتك بعداوته وعشه، فأبيت إلّا إرساله. ثم تقاول الأشتر وجرير مقاولة أدّت إلى مفارقة جرير لعلىّ ولحاقه بمعاوية.
قال: وخرج علىّ رضى الله عنه، فعسكر بالنّخيلة، [2] وتخلّف عنه نفر من أهل الكوفة، منهم ميسرة الهمدانى ومسعود [3] أخذا أعطياتهما وقصدا قزوين. وقدم عليه عبد الله بن العباس فى أهل البصرة.
وبلغ ذلك معاوية، فاستشار عمرو بن العاص، فقال له: «أمّا إذا سار علىّ بنفسه فى الناس فسر بنفسك، ولا تغب عنه برأيك
[1] على بيعته.
[2]
النخيلة: موضع قرب الكوفة من جهة الشام.
[3]
كذا جاء الاسمان فى المخطوطة، وجاء فى الكامل لابن الأثير ج 3 ص 142 «منهم مرة الهمدانى ومسروق» .
ومكيدتك.» فتجهّز معاوية بأهل الشام، وقد حرّضهم عمرو وضعّف عليّا وأصحابه، وقال:«إنّ أهل العراق قد فرّقوا جمعهم ووهّنوا شوكتهم، وفلّوا حدّهم، وأهل البصرة مخالفون لعلىّ بمن قتل منهم، وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل، وإنّما سار علىّ فى شرذمة قليلة، وقد قتل خليفتكم، فالله الله فى حقّكم أن تضيّعوه، وفى دمكم أن تطلّوه!» وكتب معاوية (فى أجناد)[1] أهل الشام، وعقد لواء لعمرو، ولواء لابنيه:
عبد الله ومحمد، ولواء لغلامه وردان. وسار معاوية وتأنّى فى مسيره.
قال: وبعث [2] علىّ رضى الله عنه زياد بن النّضر الحارثىّ فى ثمانية آلاف، وبعث شريح بن هانئ فى أربعة آلاف، وسار علىّ من النّخيلة، وأخذ معه من بالمدائن من المقاتلة، وولّى على المدائن سعد ابن مسعود (عمّ المختار بن أبى عبيد الثّقفى) ، ووجه من المدائن معقل بن قيس فى ثلاثة آلاف، وأمره أن يأخذ على الموصل حتّى يوافيه على الرّقّة.
فلما وصل علىّ [3] الرقة قال لأهلها ليعملوا جسرا يعبر عليه إلى أهل الشام، فأبوا، وكانوا قد ضمّوا سفنهم إليهم، فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج، وخلف عليهم الأشتر، فناداهم الأشتر: «أقسم بالله لئن لم تعملوا جسرا لأمير المؤمنين يعبر عليه
[1] كذا جاء عند ابن جرير ج 3 ص 562، وجاء فى المخطوطة (إلى) قال ابن الأثير فى النهاية:«الشام خمسة أجناد: فلسطين والأردن ودمشق وحمص وقنسرين، كل واحد منها يسمى جندا، أى المقيمين بها من المسلمين المقاتلين» .
[2]
المراد بهذه البعثة تقديم طليعة أمام الجيش.
[3]
كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى (ك) والكامل:«إلى» .
لأجرّدنّ فيكم السّيف، ولأقتلنّ الرجال ولآخذنّ الأموال!» فلقى بعضهم بعضا وقالوا:«إنّه الأشتر، وإنّه قمن أن يفى لكم بما حلف عليه أو يأتى بأكثر منه!» فنصبوا جسرا فعبر عليه علىّ وأصحابه.
قال: ولما بلغ [1] علىّ الفرات دعا زياد بن النّضر وشريح بن هانىء فيمن معهما فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الّتى خرجا عليها من الكوفة، وكان سبب عودهما أنّهما أخذا من الكوفة على شاطىء الفرات مما يلى البرّ، فلمّا بلغا» عانات» بلغهما أنّ معاوية قد أقبل فى جنود الشام، فقالا:«والله ما هذا لنا برأى، أن نسير وبيننا وبين المسلمين وأمير المؤمنين هذا البحر، وما لنا خير أن نلقى جنود الشام بقلّة من معنا» فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهلها، فرجعوا! [حتّى عبروا][2] من هيت [3] ، فلحقوا عليّا دون قرقيسيا [4]، فقال علىّ: مقدّمتى تأتينى من ورائى! فأخبره شريح وزياد بما كان، فقال: سدّدتما. فلمّا عبر الفرات سيّرهما أمامه.
فلمّا انتهيا إلى سور الرّوم لقيهما أبو الأعور السّلمىّ فى جند من أهل الشام، فأرسلا إلى علىّ فأعلماه.
فأرسل علىّ إلى الأشتر، وأمره بالسرعة، وقال: «إذا
[1] كذا جاء فى المخطوطة والكامل، وجاء فى تاريخ ابن جرير ج 3 ص 564 ووقعه صفين ص 170 «قطع» .
[2]
زيادة من ابن جرير الطبرى ونصر بن مزاحم.
[3]
بلد على الفرات من جهة بغداد.
[4]
بلد على نهر الخابور بينه وبين الفرات.
قدمت فأنت عليهم، وإيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلّا أن يبدءوك، حتّى تلقاهم فتدعوهم، وتسمع منهم، ولا يحملك بغضهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم مرّة بعد مرة، واجعل على ميمنتك زيادا، وعلى ميسرتك شريحا، ولا تدن منهم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد تباعد من يهاب البأس، حتّى أقدم عليك، فإنّى حثيث السّير فى أثرك إن شاء الله تعالى» . وكتب إلى شريح وزياد بذلك، وأمرهما بطاعة الأشتر..
فسار الأشتر حتّى قدم عليهم، وكفّ عن القتال، ولم بزالوا متوقفين حتّى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور، فثبتوا له واضطربوا ساعة، ثمّ انصرف أهل الشام، وخرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة المرقال، وخرج إليه أبو الأعور، فاقتتلوا يومهم، وصبر بعضهم لبعض، ثمّ انصرفوا، وحمل عليهم الأشتر، وقال أرونى أبا الأعور! فتراجعوا، ووقف أبو الأعور وراء المكان الذى كان فيه أوّل مرّة، وجاء الأشتر فصفّ أصحابه مكان أصحاب أبى الأعور بالأمس، وقال الأشتر لسنان بن مالك النّخعىّ: انطلق إلى أبى الأعور فادعه إلى البراز. فقال: إلى مبارزتى أو مبارزتك؟ فقال:
للأشتر لو أمرتك بمبارزته لفعلت. قال: «نعم والله لو أمرتنى أن أعترض صفّهم بسيفى لفعلت. فدعا له، وقال: إنّما تدعو لمبارزتى. فخرج إليهم فقال: أمّنونى فإنّى رسول. فأمّنوه، فانتهى إلى أبى الأعور فقال له: إنّ الأشتر يدعوك إلى أن تبارزه.
فسكت طويلا، ثم قال: إنّ خفّة الأشتر وسوء رأيه حملاه على إجلاء عمّال عثمان عن العراق وتقبيح محاسنه، وعلى أن سار إليه
فى داره حتّى قتله وأصبح متّبعا بدمه، لا حاجة لى فى مبارزته. فقال له سنان: قد قلت فاستمع منّى أجبك. قال: لا حاجة لى فى جوابك، اذهب عنّى. فصاح به أصحابه، فانصرف عنه، ورجع إلى الأشتر فأخبره، فقال: لنفسه نظر. فوقفوا حتّى حجز اللّيل بينهم وعاد، الشاميّون من الليل [1] .
وأصبح علىّ رضى الله عنه غدوة عند الأشتر، وتقدّم الأشتر ومن معه [2] فانتهى إلى معاوية، فواقفه، ولحق بهم علىّ، فتواقفوا طويلا.
ثم إنّ عليّا طلب لعسكره موضعا ينزل فيه، فكان معاوية قد سبق فنزل منزلا اختاره بسيطا واسعا أفيح [3] ، أخذ شريعة [4] الفرات، وليس فى ذلك الموضع شريعة غيرها، وجعل معاوية على الشّريعة أبا الأعور.
فأتى الناس عليّا، فأخبروه بفعلهم، وتعطّش الناس، فدعا صعصعة بن صوحان، فأرسله إلى معاوية يقول: «إنّا سرنا مسيرنا هذا ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، فقدّمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك، [وبدأتنا بالقتال][5] ونحن من رأينا الكفّ حتّى ندعوك ونحتجّ عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها، منعتم الناس
[1] فى تاريخ ابن جرير ج 3 ص 566: «انصرفوا من تحت ليلتهم» .
[2]
فى تلك المقدمة.
[3]
كل موضع واسع يقال له «أفيح» .
[4]
الشريعة: مورد الناس أو الحيوان على الماء الجارى.
[5]
الزيادة من تاريخ ابن جرير ج 3 ص 568.
من الماء، والناس غير منتهين [أو يشربوا][1] ، فابعث إلى أصحابك فليخلّوا بين الناس وبين الماء، وليكفوا لننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له، فإن أردت أن نترك ما جئنا له ونقتتل على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا» . فجاء صعصعة إلى معاوية وقصّ عليه الرسالة، فاستشار معاوية أصحابه وقال: ما ترون؟ فقال الوليد ابن عقبة وعبد الله [2] بن سعد: امنعهم الماء كما منعوه ابن عفّان، اقتلهم عطشا قتلهم الله! فقال عمرو بن العاص:«خلّ بين القوم وبين الماء فإنّهم لن يعطشوا وأنت ريّان، ولكن بغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم» . فأعاد الوليد وابن سعد مقالتهما، قالا: «امنعهم الماء إلى الليل، فإن هم لم يقدروا عليه رجعوا، وكان رجوعهم هزيمة، امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة! قال صعصعة: إنّما يمنعه الله الفجرة وشربة الخمر، لعنك الله ولعن هذا الفاسق (يعنى الوليد ابن عقبة) . فشتموه وتهدّدوه. (وقد قيل: إنّ الوليد وابن أبى سرح لم يشهدا صفّين.)
ورجع صعصعة فأخبر بما كان
…
وسيّر معاوية الخيل إلى أبى الأعور ليمنعهم الماء. فلمّا سمع علىّ ذلك قال لأصحابه:
قاتلوهم على الماء!.
فقال الأشعث بن قيس الكندىّ: أنا أسير إليهم. فسار
[1] الزيادة من تاريخ ابن جرير، و «أو» بمعنى «إلى» أو «إلا» .
[2]
هو عبد الله بن سعد بن أبى سرح بن الحارث بن حبيب القرشى العامرى. وكان أخا عثمان من الرضاعة، وسيذكره المؤلف قريبا بلفظ «ابن أبى سرح» ، وانظر الإصابة ج 2 ص 316- 317.
إليهم، فلما دنوا منهم ثاروا إلى وجوههم يرمونهم بالنّبل، فتراموا ساعة، ثم تطاعنوا بالرّماح، ثم صاروا إلى السيوف فاقتتلوا [بها][1] ساعة.
وأرسل معاوية يزيد بن أسد البجلىّ القسرى (جدّ خالد بن عبد الله فى الخيل إلى أبى الاعور، فاقتتلوا
…
وأرسل علىّ شبث بن ربعىّ الرياحى، فازداد القتال.
فأرسل معاوية عمرو بن العاص فى جند كثير، فأخذ يمدّ أبا الأعور [ويزيد بن أسد][2] .. وأرسل علىّ الأشتر فى جمع عظيم وجعل يمدّ الأشعث وشبثا..
فاشتدّ القتال حتى خلّوا بينهم وبين الماء، وصار فى أيدى أصحاب علىّ، فقالوا: والله لا نسقيه أهل الشام، فأرسل علىّ إلى أصحابه أن خذوا من الماء حاجتكم، وخلّوا عنهم، فإن الله تعالى نصركم عليهم ببغيهم وظلمهم.
ومكث علىّ رضى الله عنه يومين لا يرسل إليهم أحدا ولا يأتيه منهم أحد.
[1] الزيادة من ابن جرير الطبرى فى تاريخه ج 3 ص 567.
[2]
الزيادة من الكامل لابن الأثير ج 3 ص 145.