الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان رضى الله عنه رجلا آدم، حسن الوجه، كثير الشّعر، ليس بالجعد القطط [1][ولا بالسّبط][2] وكان لا يغيّر شعره [3] .
وسمع علىّ رجلا ينشد:
فتى كان يدنيه الغنى من صديقه
…
إذا ما هو استغنى، ويبعده الفقر
فقال: ذاك أبو محمد طلحة بن عبيد الله.
وحكى الزّبير [4] أنّه سمع سفيان بن عيينة يقول: كانت غلّة طلحة بن عبيد الله ألفا وافيا كلّ يوم! (قال: والوافى وزنه وزن الدّينار، وعلى ذلك وزن دراهم فارس التى تعرف بالبغلية) .
ذكر مقتل الزبير بن العوام رضى الله عنه وشىء من أخباره
هو أبو عبد الله الزّبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ، القرشى الأسدى.
وأمّه صفيّة بنت عبد المطّلب، عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستّة أصحاب الشّورى، وهو قديم الإسلام، واختلف فى سنّه يوم أسلم، فقيل:
[1] القطط: الكثير الجعودة.
[2]
كذا ثبت فى النسخة (ن) كالاستيعاب ج 2 ص 225، وسقط من النسخة (ك)، والسبط من الشعر: المنبسط المسترسل، والمراد أن شعر طلحة: كان وسطا بين الجعد والمسترسل (وهما ضدان) .
[3]
كانوا يكرهون تغيير الشيب بنتف شعره، وأما تغيير لونه فغير مكروه، فمن ذوى الشيب من يقبل عليه، ومنهم من لا يقبل
…
وقد ذكر الرياض النضرة ج 2 ص 262 أن الزبير بن العوام «كان لا يغير شيبه» كذلك.
[4]
هو الزبير بن بكار فى الرياض النضرة ج 2 ص 258.
خمس عشرة سنة، وقيل ست عشرة، وقيل: اثنتى عشرة سنة وقيل: ثمانى سنين. والأول أصح.
وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مسعود حين أخى بين المهاجرين، ولما أخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين سلمة بن سلامة بن وقش.
وكان له رضى الله عنه من الولد- فيما حكاه بعضهم- عشرة، وهم: عبد الله وعروة ومصعب والمنذر وعمرو وعبيدة وجعفر وعامر وعمير وحمزة.
وكان الزّبير رضى الله عنه أوّل من سلّ سيفا فى سبيل الله، وذلك أنه نفخت فيه نفخة من الشّيطان:«أخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام» ، فأقبل يشقّ الناس بسيفه، والنبىّ صلى الله عليه وسلم بأعلى مكّة، فقال له رسول الله: ما لك يا زبير؟ قال: أخبرت أنك أخذت! فصلّى عليه ودعا له.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الزّبير ابن عمّتى وحواريّى من أمّتى»
. وقال: «لكلّ نبىّ حوارىّ، وحواريّى الزّبير»
. وسمع ابن عمر رضى الله عنه رجلا يقول: «أنا ابن الحوارىّ» ، فقال إن كنت ابن الزّبير وإلّا فلا.
وذكر [1] فى معنى «الحوارىّ» : الخالص، وقيل الخليل، ولذلك قال جرير [2] :
[1] ابن عبد البر فى الاستيعاب ج ص 581- 582.
[2]
فى ديوان جرير ص 454، وقبله:
إنى تذكرنى الزبير حمامة
…
تدعو بمجمع نخلتين هديلا
قالت قريش: ما أذل مجاشعا
…
جارا وأكرم ذا القتيل قتيلا!
لو كان يعلم غدر آل مجاشع
…
نقل الرحال فأسرع التحويلا
بالهف نفسى إذ يغرك حبلهم
…
هلا اتخذت على القيون كفيلا
أفبعد مقتلهم خليل محمد [1]
…
ترجو القيون مع الرسول سبيلا
وقيل: الحوارىّ: الناصر. وقيل: الصاحب المستخلص.
وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه للزّبير مرّتين: يوم أحد ويوم بنى قريظة، فقال:«ارم فداك أبى وأمّى!» [2] .
قال أبو عمر ابن عبد البر: وكان الزبير تاجرا! مجدودا [3] فى التجارة، قيل له يوما: بم أدركت فى التجارة ما أدركت؟ فقال:
لأنى لم أشتر غبنا [4] ولم أردد ربحا والله يبارك لمن يشاء.
وروى عن كعب قال: كان للزّبير ألف مملوك يؤدّون إليه الخراج فما يدخل بيته منه درهما واحدا. يعنى أنه كان يتصدق بذلك.
وكان سبب قتله رضى الله عنه أنّه لما انصرف من وقعة الجمل وفارق الحرب مرّ بالأحنف فقال: هذا الذى جمع بين المسلمين حتّى ضرب بعضهم بعضا ثم لحق ببيته! ثم قال للناس: من يأتينى بخبره؟ فقال عمرو بن جرموز: أنا.
وقيل: إنّ الزّبير لمّا انصرف نزل بعمرو بن جرموز، فقال له:
«يا أبا عبد الله، جنيت حربا ظالما أو مظلوما ثمّ تنصرف! أتائب أم عاجز؟» فسكت عنه الزّبير، ثم عاوده، فقال: ظنّ فىّ كلّ شىء
[1] الرواية فى الديوان: «أفبعد متركهم خليل محمد» .. وقد عبر جرير عن الزبير ب «الحوارى» فى قوله:
دعاكم حوارى الرسول فكنتمو
…
عضاريط يا خشب الخلاف المصرعا
[2]
الرواية فى الديوان: «أفبعد متركهم خليل محمد» .. وقد عبر جرير عن الزبير ب «الحوارى» فى قوله:
دعاكم حوارى الرسول فكنتمو
…
عضاريط يا خشب الخلاف المصرعا
[3]
مجدودا: صاحب حظ.
[4]
غبنا: خدعا.
غير الجبن. فانصرف عنه ابن جرموز وهو يقول: «والهفى على ابن صفيّة! أضرمها نارا ثم أراد أن يلحق بأهله! قتلنى الله إن لم أقتله!» ثم رجع إليه كالمتنصّح، فقال:«يا أبا عبد الله دون أهلك فياف، فخذ نجيبى [1] هذا وخلّ فرسك ودرعك، فإنهما شاهدان عليك بما نكره» . وأراد بذلك أن يلقاه حاسرا [2] ، ولم يزل به حتّى تركهما عنده وأخذ نجيبه، وسار معه ابن جرموز كالمشيّع له، حتّى انتهيا إلى وادى السّباع [3]، فاستغفله [4] ابن جرموز وطعنه. وقيل: إنّه اتبعه إلى الوادى فقتله وهو فى الصلاة. وقيل: بل قتله وهو نائم.
وفى ذلك تقول عاتكة [5] بنت زيد بن عمرو بن نفيل العدوية زوجته ترثيه [6] :
غدر ابن جرموز بفارس بهمة
…
يوم اللقاء وكان غير معرّد [7]
يا عمرو لو نبّهته لوجدته
…
لا طائشا رعش الجنان [8] ولا اليد
[1] النجيب من الإبل: القوى السريع.
[2]
حاسر: لا درع عليه ولا وقاية.
[3]
وادى السباع: على أربعة فراسخ من البصرة، كما فى خزانة الأدب ج 4 ص 350 وانظر معجم البلدان.
[4]
فى خزانة الأدب ج 2 ص 458: «وأراه أنه يريد مسايرته ومؤانسته، فقتله غيلة» .
[5]
عاتكة من المهاجرات، حسناء بارعة الجمال، تزوجت مرات وقتل أزواجها ورثتهم بشعرها، وسيذكر المؤلف فى هذا الجزء ترجمة أخيها: سعيد بن زيد.
[6]
انظر هذا الرثاء فى الأغانى ج 6، ص 126 وذيل أمالى القالى ص 112 والموشى ص 80 والاستيعاب ج 4 ص 364 وابن عساكر ج 5 ص 366 والرياض النضرة ج 2 ص 304.
[7]
يقال للجيش «بهمة» ، ومنه قولهم «فلان فارس بهمة» والمعرد: الهارب
[8]
الجنان: القلب.
كم غمرة قد خاضها لم يثنه
…
عنها طرادك يا ابن فقع القردد [1]
ثكلتك أمّك إن ظفرت بمثله [2]
…
فيما مضى ممّن يروح ويغتدى
والله ربّك إن قتلت لمسلما
…
حلت عليك عقوبة المتعمّد [3]
قال: فلمّا رجع برأسه وسلبه [4] قال له رجل من قومه: «فضحت والله اليمن أوّلها وآخرها بقتلك الزّبير رأس المهاجرين وفارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريّه وابن عمّته! والله لو قتلته فى حرب لعزّ ذلك علينا ولمسّنا عارك! فكيف فى جوارك وحرمك؟!» قال: وأتى ابن جرموز عليّا، فقال لحاجبه: استأذن لقاتل الزّبير.
فقال علىّ رضى الله عنه ائذن له وبشّره بالنار، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار!
فقال ابن جرموز:
أتيت عليا برأس الزّبي
…
ر أرجو لديه به الزّلفه
[1] الغمرة: الشدة، ولفقع: نوع من الكمأة، والقردد: أرض مرتفعة إلى جنب وهده، يشبهون بهذا الفقع الرجل الذليل لأن الدواب تنجله بأرجلها.
[2]
ويروى: «فاذهب فما ظفرت يداك بمثله» .
[3]
هذا البيت من شواهد النحو. انظر العينى ج 2 ص 278 والسيوطى ص 26 وخزانة الأدب ج 4 ص 350- 351.
[4]
السلب: ما يأخذه القاتل مما كان القتيل من سلاح وثياب ودابة.
فبشّر بالنار إذ جئته
…
فبئس بشارة ذى التّحفه
وسيان عندى قتل الزّبير
…
وضرطة عير بذى الجحفه [1]
وحكى أبو عمر ابن عبد البر فى كتابه المترجم ب «الاستيعاب» [2] من رواية عمرو بن جاوان عن الاحنف بن قيس قال: لما بلغ الزبير سفوان (موضعا بالبصرة كمكان القادسيّة من الكوفة) لقيه النعر [3](رجل من بنى مجاشع) فقال: «أين تذهب يا حوارىّ رسول الله؟
إلىّ، فأنت فى ذمّتى لا يوصل إليك» ، فأقبل معه، وأتى إنسان الأحنف فقال: هذا الزّبير قد لقى بسفوان، فقال الأحنف:«ما شاء الله كان، قد جمع بين المسلمين حتّى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسّيوف، ثم يلحق ببيته وأهله!!» فسمعه عميرة [4] بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع فى غواة من غواة بنى تميم، فركبوا فى طلبه، فلقوه مع النعر، فأتاه عميرة بن جرموز من خلفه وهو على فرس له ضعيفة فطعنه طعنة خفيفة، وحمل عليه الزّبير على فرس له يقال له «ذو الخمار» [5]، حتى إذا ظنّ أنه قاتله نادى صاحبيه: «يا نفيع
[1] انظر الأبيات مع شىء من التغيير فى شرح ابن أبى الحديد لنهج البلاغة ج 1 ص- 79.
[2]
ج 1 ص 585.
[3]
جاء فى شرح ديوان جرير ص 455 أنه «النعر بن الزمام من بنى مجاشع» .
[4]
المشهور فى اسم القاتل «عمرو» كما سبق فى شعر عاتكة، وقد يقال له.
«عميرة» أو «عمير» كما فى الاستيعاب ج 1 ص ح 584 والرياض النضرة 2 ص 273.
[5]
فى القاموس: «ذو الخمار: فرس الزبير بن العوام يوم الجمل» .
يا فضالة» فحملوا عليه حتّى قتلوه
…
قال: [1] وهذا [2] أصّح مما تقدّم.
وكان مقتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة [3] سنة ست وثلاثين.
وكانت سنّه يوم قتل سبعا وستّين سنة، وقيل ستّا وستين.
وكان الزّبير رضى الله عنه أسمر ربعة معتدل اللحم خفيف اللحية.
وقال حسّان بن ثابت يمدح الزّبير ويفضّله: [4]
أقام على عهد النبىّ وهديه
…
حواريّه والقول بالفعل يعدل
أقام على منهاجه وطريقه
…
يوالى ولى الحقّ والحقّ أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذى
…
يصول إذا ما كان يوم محجّل [5]
[1] أبو عمر ابن عبد البر.
[2]
يؤيده ما ورد فى ديوان جرير، وقد ذكر جرير حادثة الزبير فى هجائة للفرزدق المجاشعى قريبا من أربعين مرة، ولم يكن جرير بعيدا عن عصر الزبير.
[3]
كذا جاء فى المخطوطة والرياض النضرة ج 2 ص 274، وجاء فى الاستيعاب ج 1 ص 584 والإصابة ج 1 ص 546 «جمادى الأولى» ، ولكن صاحب الاستيعاب أعقب ذلك بقوله «وفى ذلك اليوم كانت وقعة الجمل» وقد قال ابن جرير ج 3 ص 539 «وكانت الواقعة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 36 فى قول الواقدى» .
[4]
ديوان حسان ص 338- 339.
[5]
محجل: مشهور.
وإن امرأ كانت صفية أمه
…
ومن أسد فى بيته لمرفّل [1]
له من رسول الله قربى قريبة
…
ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل [2]
فكم كرّة ذبّ الزّبير بسيفه
…
عن المصطفى والله يعطى ويجزل [3]
إذا كشفت عن ساقها الحرب حشّها
…
بأبيض سبّاق إلى الموت يرقل [4]
فما مثله فيهم ولا كان قبله
…
وليس يكون الدّهر ما دام يذبل [5]
وروى [6] عن عبد الله بن الزّبير رضى الله عنهما أنه قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعانى، فقمت إلى جنبه، فقال «يا بنىّ:
إنّه لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّى لا أرانى [7] إلّا سأقتل اليوم
[1] مرفل: معظم.
[2]
مؤثل: مؤصل.
[3]
جاءت فى الأصل «كرة» وهى المناسبة لسياق البيت وجاءت فى بعض الكتب «كربة» . ذب: دفع.
[4]
كشفت الحرب عن ساقها: اشتدت. حشها: أشعلها. أبيض: سيف. يرقل:
يسرع.
[5]
يذبل: جبل بنجد، يريد دائما.
[6]
روى البخارى فى صحيحه هذا الحديث (291) بسنده عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن أخيه عبد الله بن الزبير، وهذا فى باب (بركة الغازى فى ماله حيا وميتا) .
[7]
لا أرانى: لا أظننى.
مظلوما، وإنّ من أكبر همّى لدينى، أفترى ديننا يبقى من مالنا شيئا؟ [1] وقال: يا بنى بع مالنا واقض دينى. وأوصى بالثّلث وثلثه لبنيه (يعنى بنى عبد الله بن الزّبير) يقول: الثلث إليك [2] فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام وكان بعض ولد عبد الله قد وازى [3] بعض بنى الزّبير: خبيب وعبّاد [4]، وله [5] يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله فجعل يوصينى بدينه ويقول: يا بنىّ إن عجزت عن شىء منه فاستعن عليه مولاى. قال [6] : فو الله ما دريت ما أراد، حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله تعالى. فو الله ما وقعت فى كربة من دينه إلّا قلت: «يا مولى الزّبير اقض عنه دينه» فيقضيه.
فقتل الزّبير رضى الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة [7] وإحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة ودارا بمصر.
قال [8] : وإنّما كان دينه الذى عليه أنّ الرجل كان يأتيه بالمال
[1] قال ذلك استكثارا لما عليه وإشفاقا من دينه.
[2]
فى صحيح البخارى «ثلث الثلث» .
[3]
وازى: ساوى، وللغويين كلام فى هذا اللفظ.
[4]
هما ولدا عبد الله بن الزبير.
[5]
أى الزبير.
[6]
عبد الله بن الزبير.
[7]
الغابة: أرض عظيمة من عوالى المدينة.
[8]
عبد الله بن الزبير.
فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير رضى الله عنه لا [1] ، ولكنّه سلف، فإنّى أخشى عليه الضّيعة.
وما ولى إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون فى غزوة مع النبى صلى الله عليه وسلم أو مع أبى بكر أو عمر أو عثمان رضى الله عنهم.
قال عبد الله بن الزّبير: فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفى ألف ومائتى ألف.
قال: فلقى حكيم بن حزام عبد الله بن الزّبير فقال: يا ابن أخى كم على أخى من الدّين؟ فكتمه وقال: مائة ألف. فقال حكيم:
والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أفرأيتك إن كانت ألفى ألف ومائتى ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا فإن عجزتم عن شىء منه فاستعينوا بى.
قال: وكان الزّبير رضى الله عنه اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، ثم قام فقال:
من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر، وكان له على الزّبير أربعمائة ألف، فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم. فقال عبد الله: لا. قال: فاقطعوا لى قطعة. فقال عبد الله لك من ههنا إلى ههنا. فباع منها [2] فقضى دينه فأوفاه، وبقى
[1] أى: لا أقبضه وديعة.
[2]
أى: من الغابة والدور.
منها [1] أربعة أسهم ونصف، فقدم [2] على معاوية وعنده عمرو بن عثمان [3] والمنذر بن الزبير وابن زمعة [4]، فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟ قال: كلّ سهم [5] بمائة ألف. قال: كم بقى قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية: كم بقى فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. (قال وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف [6] ) قال: فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادى بالموسم أربع سنين: «ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه» .
قال: فجعل كلّ سنة ينادى بالموسم، فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم. قال: وكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث، فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجميع ماله [7] خمسون ألف ألف ومائتا ألف. هكذا أورده البخارىّ رحمه الله فى صحيحه، وعقد جملة المال فى آخره على ما ذكرنا.
[1] أى: من الغابة بغير بيع.
[2]
عبد الله بن الزبير.
[3]
ابن عفان.
[4]
عبد الله بن زمعة.
[5]
أى: من أصل ستة عشر سهما.
[6]
فربح مائتى ألف.
[7]
الذى تركه الزبير عند وفاته، ويحتوى على الوصية والميراث والدين.