المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر خلاف الخريت بن راشد التميمى وبنى ناجية على على رضى الله عنه وما كان من أمرهم - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العشرون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني من القسم الخامس في أخبار الخلفاء الراشدين]

- ‌ذكر خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر صفته رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر نبذة من فضائله رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر بيعة على رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر تفريق على عماله وخلاف معاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر ابتداء وقعة الجمل

- ‌ذكر مسير على الى البصرة وما اتّفق له فى مسيره ومن انضمّ إليه ومراسلته أهل الكوفة

- ‌ذكر ارسال على الى أهل الكوفة

- ‌ذكر مراسلة على طلحة والزبير وأهل البصرة فى الصلح وإجابتهم إليه وانتظام الصلح وكيف أفسده قتلة عثمان

- ‌ذكر اجتماع قتلة عثمان بذى قار وتشاورهم وما اتفقوا عليه من المكيدة التى اقتضت نقض الصلح ووقوع الحرب

- ‌ذكر مسير على رضى الله عنه ومن معه من ذى قار إلى البصرة ووقعه الجمل

- ‌ذكر مقتل طلحة رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر مقتل الزبير بن العوام رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر وقعة صفين وابتداء أمرها

- ‌ذكر ارسال على الى معاوية وجوابه [1]

- ‌ذكر الموادعة بين على ومعاوية فى شهر المحرم وما كان بينهما من المراسلة والأجوبة فى الشهر

- ‌ذكر الحروب التى كانت بصفين بعد الأيام الستة فى يومى الأربعاء والخميس وليلة الهرير ويوم الجمعة إلى أن رفعت المصاحف وتقرّر أمر الحكمين

- ‌ذكر رفع أهل الشام المصاحف وما تقرر من أمر التحكيم وكتاب القضية

- ‌ذكر اجتماع الحكمين

- ‌ذكر أخبار الخوارج الذين خرجوا على عهد علىّ وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبرهم [3] بعد صفين

- ‌ذكر خبرهم عند توجيه الحكمين

- ‌ذكر اجتماع الخوارج بعد الحكمين

- ‌ذكر قتال الخوارج

- ‌ذكر أخبار من خرج بعد أصحاب النّهروان

- ‌ذكر خلاف الخريت بن راشد التميمى وبنى ناجية على علىّ رضى الله عنه وما كان من أمرهم

- ‌ذكر ما اتفق فى مدة خلافته رضى الله عنه

- ‌سنة ست وثلاثين ذكر ولاية قيس بن سعد مصر

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌ذكر خبر عبد الله بن الحضرمى حين بعثه معاوية إلى البصرة وما كان من أمره إلى أن قتل

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة اربعين

- ‌ذكر مقتل على بن أبى طالب رضى الله عنه وشىء من سيرته

- ‌ ذكر أزواج على رضى الله عنه وأولاده وكاتبه وقاضيه وحاجبه

- ‌ذكر خلافة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما

- ‌ذكر تسليم الحسن بن على الخلافة إلى معاوية بن أبى سفيان

- ‌ذكر أخبار سعد بن أبى وقاص ووفاته رضى الله عنه

- ‌ذكر أخبار سعيد بن زيد رضى الله عنه ووفاته

- ‌الباب الثالث من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار الدولة الأموية

- ‌ذكر قدوم عمرو بن العاص على معاوية وصلحه معه

- ‌ذكر مقتل محمد بن أبى حذيفة وشىء من أخباره

- ‌ذكر ملك عمرو بن العاص مصر ومقتل محمد بن أبى بكر ووفاة الأشتر وما يتصل بذلك

- ‌ذكر سرايا معاوية الى بلاد على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر مسير بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن وما فعله

- ‌ذكر الغزوات والفتوحات فى أيام معاوية بعد أن استقل بالأمر

- ‌ذكر غزو السند

- ‌ذكر غزوة القسطنطينية

- ‌ذكر فتح جزيرة أرواد

- ‌ذكر أخبار الخوارج فى أيام معاوية وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبر المستورد الخارجى

- ‌ذكر عروة بن أدية وأخيه مرداس بن أدية وغيرهما من الخوارج

- ‌ذكر الحوادث فى أيام معاوية بن أبى سفيان غير ما تقدم، على حكم السنين منذ خلص له الأمر إلى أن توفى إلى رحمة الله

- ‌سنة احدى وأربعين

- ‌ذكر صلح معاوية وقيس بن سعد بن عبادة

- ‌ذكر استعمال معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة

- ‌ذكر استعمال بسر بن أرطاة

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌ذكر قدوم زياد بن أبيه على معاوية بن أبى سفيان

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌ذكر وفاة عمرو بن العاص وشىء من أخباره واستعمال عبد الله ابن عمرو على مصر

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌ذكر عزل عبد الله بن عامر عن البصرة واستعمال الحارث بن عبد الله

- ‌ذكر استلحاق معاوية بن أبى سفيان زياد بن أبيه وهو ابن سميّة

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌ذكر عمال زياد بن أبيه

- ‌سنة ست وأربعين ذكر وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌سنة خمسين

- ‌ذكر وفاة المغيرة بن شعبة

- ‌ذكر ولاية زياد الكوفة

- ‌ذكر ما قصده معاوية من نقل المنبر من المدينة إلى الشام ومن قصد ذلك بعده من الأمراء

- ‌ذكر وفاة الحكم بن عمرو الغفارى

- ‌سنة احدى وخمسين

- ‌ذكر مقتل حجر بن عدى وعمرو بن الحمق وأصحابهما

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌ذكر وفاة زياد بن أبيه

- ‌سنة اربع وخمسين ذكر عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على خراسان ومسيره إلى جبال بخارى

- ‌سنة خمس وخمسين ذكر ولاية عبيد الله بن زياد على البصرة

- ‌سنة ست وخمسين ذكر البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد

- ‌ذكر مراسلة معاوية زيادا فى شأن البيعة

- ‌ذكر ارسال معاوية الى مروان بن الحكم

- ‌ذكر من وفد الى معاوية من أهل الأمصار فى شأن البيعة. وما تكلم به بعضهم وبيعة أهل العراق والشام ليزيد

- ‌ذكر مسير معاوية الى الحجاز وكيف أخذ البيعة ليزيد على أهل الحجاز

- ‌ذكر استعمال سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان وغزوه

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌ذكر عزل الضحاك عن الكوفة واستعمال عبد الرحمن بن أم الحكم وطرده عنها واستعماله على مصر وطرده عنها أيضا

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌ذكر عزل عبيد الله بن زياد عن البصرة وعوده إليها

- ‌سنة ستين ذكر وفاة معاوية بن أبى سفيان وما أوصى به عند وفاته

- ‌ذكر شىء من سيرته وأخباره

- ‌ذكر صفة معاوية وأولاده وأزواجه وكتّابه وقضاته وحجّابه وشرطه وعمّاله

- ‌ذكر بيعة يزيد بن معاوية

- ‌ذكر ارسال الوليد بن عتبة إلى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير، وما كان بينهم فى أمر البيعة وخروجهما إلى مكة رضى الله عنهما

- ‌ذكر استعمال عمرو بن سعيد على المدينة

- ‌ذكر مقدم الحسين إلى مكة

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على الكوفة وقدومه إليها وخبره مع هانى بن عروة

- ‌ذكر ظهور مسلم بن عقيل

- ‌سنة أحدى وستين ذكر مسير [1] الحسين بن على رضى الله عنهما وخبر من نهاه عن المسير

- ‌ذكر ما تكلم به الحسين رضى الله عنه قبل إنشاب الحرب وما وعظ به الناس وما أجابوه وما تكلم به أصحابه وما أجيبوا به وخبر مقتله

- ‌ذكر تسمية من قتل مع الحسين بن على رضى الله عنهما ومن سلم ممن شهد القتال

- ‌ذكر ما كان بعد مقتل الحسين مما هو متعلق بهذه الحادثة

- ‌ذكر ورود الخبر بمقتل الحسين رضى الله عنه إلى المدينة وعود أهله إليها

- ‌ذكر ما ورد من الاختلاف فى مقر رأس الحسين وأين دفن

- ‌ذكر مقتل أبى بلال مرداس بن حدير الحنظلى [1] الخارجى

- ‌سنة اثنين وستين ذكر وفد أهل المدينة إلى يزيد بن معاوية وخلعهم له عند عودهم

- ‌سنة ثلاث وستين ذكر وقعة الحرّة

- ‌سنة اربع وستين ذكر مسير مسلم بن عقبة إلى مكة لحصار عبد الله بن الزبير، ووفاة مسلم والحصار الأول وإحراق الكعبة

- ‌ذكر وفاة يزيد بن معاوية وشىء من أخباره

- ‌ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية

- ‌ذكر أخبار من بويع بالعراق أو لم يتم أمره إلى أن بويع

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن الحارث البصرة

- ‌ذكر مقتل مسعود بن عمرو الأزدى وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام

- ‌ذكر خبر أهل الكوفة وما كان من أمرهم [بعد ابن زياد] [1] إلى أن بويع ابن الزبير

- ‌ذكر خبر خراسان وما كان من أمر سلم بن زياد وبيعته وخبر عبد الله بن خازم

- ‌ذكر بيعة عبد الله بن الزبير وما حدثت فى أيامه من الوقائع والحوادث المتعلقة به والكائن [1] فى أعمال ولايته

- ‌ذكر فراق الخوارج عبد الله وما كان من أمرهم

- ‌ذكر مقتل نافع بن الأزرق أمير الخوارج وغيره منهم

- ‌ذكر محاربة المهلب الخوارج وقتل أميرهم عبيد الله بن الماحوز

- ‌ذكر خبر التوابين وما كان من أمرهم وأخبارها إلى أن قتلوا

- ‌فهرس الجزء العشرين

الفصل: ‌ذكر خلاف الخريت بن راشد التميمى وبنى ناجية على على رضى الله عنه وما كان من أمرهم

‌ذكر خلاف الخريت بن راشد التميمى وبنى ناجية على علىّ رضى الله عنه وما كان من أمرهم

قال [1] وفى سنة ثمان وثلاثين أظهر الخرّيت بن راشد الناجى الخلاف على علىّ رضى الله عنه، وكان قد شهد مع علىّ الجمل وصفّين فى ثلاثمائة من بنى ناجية خرجوا إليه من البصرة، وأقاموا معه بالكوفة إلى هذه السنة، فجاء إلى علىّ فى ثلاثين راكبا، فقال له:«يا على والله لا أطيع لك أمرا، ولا أصلّى خلفك، وإنى غدا مفارق لك» .

فقال له على: «ثكلتك أمّك! إذا تعصى ربّك، وتنكث عهدك، ولا تضر إلا نفسك؛ خبرنى لم تفعل ذلك؟» قال: «إنك حكّمت الرّجال، وضعفت عن الحق، وركنت إلى القوم الذين ظلموا، فأنا عليك زار وعليهم ناقم، ولكم جميعا مباين» . فقال له علىّ: «هلمّ أدارسك الكتاب، وأناظرك فى السّنن، وأفاتحك أمورا أنا أعلم بها منك، فلعلك تعرف ما أنت له الآن منكر» . قال: فإنى عائد إليك. قال: «لا تستهوينّك الشياطين، ولا يستخفنك الجهّال، والله لئن استرشدتنى وقبلت منى لأهدينك سبيل الرّشاد» . فخرج من عنده منصرفا إلى أهله، وسار من ليلته هو وأصحابه.

فقال زياد بن خصفة البكرىّ: «يا أمير المؤمنين، إنه لم يعظم علينا فقدهم فنأسى عليهم، إنهم قلما يزيدون فى عددنا لو أقاموا، ولقلما ينقصون من عددنا بخروجهم عنا، ولكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة

[1] ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 183.

ص: 182

كثيرة ممن يقدمون عليه [1] من أهل طاعتك، فأذن لى فى اتباعهم حتى أردّهم عليك» . فقال: تدرى أين توجهوا؟ قال: لا، ولكنى أسأل وأتبع الأثر، فقال له: اخرج يرحمك الله، وأنزل دير أبى موسى، وأقم حتى يأتيك أمرى.

فخرج زياد فأتى داره وجمع أصحابه من بكر وائل، وأعلمهم الخبر فسار [معه] [2] منهم مائة وثلاثون رجلا. فقال: حسبى.

ثم سار فأتى دير أبى موسى فنزله ينتظر أمر على.

وأتى عليا كتاب من قرظة بن كعب الأنصارىّ يخبره أنهم توجهوا نحو، نفّر [3] ، وأنهم قتلوا رجلا من الدّهاقين، كان قد أسلم، فأرسل علىّ رضى الله عنه إلى زياد يأمره باتباعهم ويخبره خبرهم، وأنهم قتلوا رجلا مسلما، ويأمره بردّهم إليه، فإن أبوا يناجزهم.

وسيّر الكتاب مع عبد الله بن وأل، فاستأذنه فى المسير مع زياد، فأذن له، وسار بالكتاب إلى زياد.

وساروا حتى أتوا نفّر، فقيل: إنهم ساروا نحو جرجرايا، فتبعوا آثارهم حتى أدركوهم بالمذاد [4] وهم نزول، قد أقاموا يومهم وليلتهم واستراحوا، فأتاهم زياد وقد تقطع أصحابه وتعبوا، فلما رأوهم ركبوا خيولهم، وقال لهم الخرّيت: أخبرونى ما تريدون؟ فقال له زياد- وكان مجربا رفيقا-: «قد ترى ما بنا من التعب، والذى جئناك

[1] كذا جاء فى المخطوطة، مثل ما فى تاريخ ابن جرير الطبرى ج 4 ص 88، وجاء فى الكامل لابن الأثير ج 3 ص 183:«عليك» .

[2]

ثبتت هذه الكلمة فى النسخة (ن) وسقطت من (ك)

[3]

نفر: قرية بالعراق.

[4]

المذار: بلد بالعراق.

ص: 183

له لا يصلحه الكلام علانية، ولكن ننزل ثم نخلو جميعا، فنتذاكر أمرنا، فإن رأيت ما جئناك به حظا لنفسك قبلته، وإن رأينا فيما نسمع منك أمرا نرجو فيه العافية لم نرده عليك» . قال: فانزل. فنزل زياد ومن معه على ماء هناك، فأكلوا شيئا وعلفوا دوابهم، ووقف زياد فى خمسة فوارس بين أصحابه وبين القوم وقال: إنّ عدّتنا كعدّتهم، وأرى أمرنا يصير إلى القتال فلا تكونوا أعجز الفريقين. وخرج زياد إلى الخرّيت، فسمعهم يقولون: جاءنا القوم وهم كالّون تعبون فتركناهم حتّى استراحوا، هذا والله سوء الرأى. فدعاه زياد وقال:

ما الذى نقمته [1] على أمير المؤمنين وعلينا حتّى فارقتنا؟» فقال:

«لم أرض صاحبكم إماما، ولا سيرتكم سيرة، فرأيت أن أعتزل وأكون مع من يدعو إلى الشّورى» . فقال له زياد: «وهل يجتمع الناس على رجل يدانى صاحبك الذى فارقته علما بالله وسنّته وكتابه.

مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسابقته فى الإسلام» ؟

فقال [له][2] : «ذلك ما قال لك» . فقال له زياد: ففيم قتلت ذلك الرجل المسلم؟ قال: ما أنا قتلته إنما قتله (طائفة من)[3] أصحابى. قال: فادفعهم إلينا. قال: ما إلى ذلك سبيل. فدعا زياد أصحابه، ودعا الخرّيت أصحابه، فاقتتلوا قتالا شديدا، فتطاعنوا بالرماح حتّى لم يبق رمح، وتضاربوا بالسيوف، حتى انحنت، وعقرت عامّة خيولهم، وكثرت الجراحة فيهم، وقتل من أصحاب

[1] كذا جاء فى النسخة (ك)، وفى (ن) :«نقمت» .

[2]

ثبتت الكلمة فى (ن) وسقطت من (ك) .

[3]

ثبتت هذه العبارة فى النسخة (ن) وسقطت من (ك) .

ص: 184

زياد رجلان، ومن أولئك خمسة، وجاء الليل فحجز بينهم، وقد كره بعضهم بعضا، وجرح زياد. فسار الخرّيت من الليل، وسار زياد إلى البصرة.

وأتاهم خبر الخرّيت أنه أتى الأهواز فنزل بجانب منها، وتلاحق به ناس من أصحابه فصاروا نحو مائتين، وكتب زياد إلى علىّ رضى الله عنه بخبرهم، وأنه مقيم يداوى الجرحى وينتظر أمره.

فلما قرأ على كتابه قام معقل بن قيس فقال: «يا أمير المؤمنين، كان ينبغى أن يكون مع من يطلب هؤلاء مكان كل واحد عشرة، فإذا لحقوهم استأصلوهم وقطعوا دابرهم، فأما أن يلقاهم عددهم فلعمرى ليصبرنّ لهم، فإن العدّة تصبر للعدة» . فقال على تجهز يا معقل إليهم، وندب معه ألفين من أهل الكوفة منهم يزيد بن معقل [1] الأزدى وكتب على إلى ابن عباس يأمره أن يبعث من أهل البصرة رجلا شجاعا معروفا بالصلاح فى ألفى رجل إلى معقل، وهو أمير أصحابه حتّى يأتى معقلا، فإذا لقيه كان معقل الأمير، وكتب إلى زياد بن خصفة يشكره ويأمره بالعود.

قال: واجتمع على الخرّيت علوج كثير من أهل الأهواز أرادوا كسر الخراج، ولصوص وطائفة أخرى من العرب ترى رأيه، وطمع أهل الخراج [فى كسره][2] ، فكسروه، وأخرجوا سهل بن حنيف من فارس

[1] كذا جاء فى المخطوطة: وجاء فى تاريخ ابن جرير الطبرى ج 4 ص 93:

«المغفل» بالغين المعجمة والفاء، وانظر ما يأتى.

[2]

الزيادة من الكامل لابن الأثير ج 3 ص 185.

ص: 185

(وكان عاملا لعلىّ فى قول من يزعم أنه لم يمت فى سنة سبع وثلاثين) .

فقال ابن عبّاس لعلىّ: أنا أكفيك فارس بزياد؛ يعنى ابن أبيه، فأمره بإرساله إليها، فأرسله فى جمع كثير، فوطىء بلاد فارس، فأدّوا الخراج واستقاموا.

قال: وسار معقل بن قيس، وقدم الأهواز، وأقام ينتظر مدد البصرة، فأبطئوا عليه، فسار يطلب الخرّيت، فلم يسر يوما حتى أدركه المدد مع خالد بن معدان الطائى، فساروا جميعا فلحقوهم بقرب جبل من جبال رامهرمز، فصفّ معقل أصحابه، فجعل على ميمنته يزيد بن المغفل [1] ، وعلى ميسرته منجاب بن راشد الضّبىّ من أهل البصرة. وصفّ الخرّيت أصحابه، فجعل من معه من العرب ميمنة، ومن معه من أهل البلد والعلوج [2] ميسرة ومعهم الأكراد، فحرّك معقل دابّته [3] مرتين، ثم حمل فى الثالثة، فصبروا له ساعة ثم انهزموا، فقتل أصحاب معقل منهم سبعين من بنى ناجية ومن معهم من العرب، وقتلوا نحوا من ثلاثمائة من العلوج والأكراد.

وانهزم الخرّيت فلحق بأسياف البحر وبها جماعة كبيرة من قومه، فما زال يسير فيهم ويدعوهم إلى خلاف علىّ، ويخبرهم أن الهدى فى حربه، حتى ابتعه منهم ناس كثير.

وأقام معقل بأرض الأهواز، وكتب إلى علىّ رضى الله عنه بالفتح فقرأ علىّ الكتاب على أصحابه واستشارهم، فقالوا كلهم: نرى

[1] كذا جاء فى النسخة (ك)، وفى النسخة (ن) :«معقل» ، وانظر ما سبق.

[2]

كذا جاء فى النسخة (ك)، وفى (ن) :«العلوج» دون واو قبلها.

[3]

كذا جاء فى المخطوطة، وجاء فى الكامل:«رأسه» ، وفى تاريخ الطبرى «رايته» .

ص: 186

أن تأمر معقلا يتبع آثار الفاسق حتّى يقتله أو ينفيه، فإنّا لا نأمن أن يفسد عليك الناس. فكتب إلى معقل يثنى عليه وعلى من معه، ويأمره باتباعه وقتله أو نفيه.

فسأل معقل عنه فأخبر بمكانه بالأسياف، وأنه قد ردّ قومه عن طاعة علىّ وأفسد من عنده من عبد القيس وسائر العرب. وكان قومه قد منعوا الصّدقة عام صفّين وذلك العام، فسار إليهم معقل وأخذ على فارس فانتهى إلى أسياف البحر، فلما سمع الخرّيت بمسيره قال لمن معه من الخوارج: أنا على رأيكم وإن عليّا لم ينبغ له أن يحكّم. وقال للآخرين من أصحابه: إنّ عليّا حكّم ورضى فخلعه حكمه الذى ارتضاه. وقال سرّا للعثمانية. أنا والله على رأيكم، قد والله قتل عثمان مظلوما. فأرضى كلّ صنف منهم. وقال لمن منع الصدقة: شدّوا أيديكم على صدقاتكم، وصلوا بها أرحامكم، وكان فيها نصارى كثير قد أسلموا؛ فلما اختلف الناس قالوا: والله لديننا الذى خرجنا منه خير من دين هؤلاء الذى لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء، فقال لهم الخرّيت، ويلكم [1] ، لا ينجيكم من القتل إلا قتال هؤلاء القوم والصبر، فإنّ حكمهم فيمن أسلم ثم ارتد أن يقتل ولا يقبلون منه توبة ولا عذرا. فخدعهم وجمعهم وأتاهم من كان من بنى ناجية وغيرهم خلق كثير.

فلما انتهى معقل إليه نصب راية أمان؛ وقال: «من أتاها من الناس فهو آمن إلّا الخرّيت وأصحابه الذين حاربونا أول مرة» .

فتفرق عن الخرّيت جل من كان معه من غير قومه. وعبّأ معقل

[1] كذا جاء فى النسخة (ك)، وفى (ن) :«ويحكم» .

ص: 187

أصحابه، وزحف بهم نحو الخرّيت ومعه أصحابه مسلمهم ونصرانيهم ومانع الزكاة منهم، وحرّض كلّ واحد منهما أصحابه، ثم حمل معقل ومن معه فقاتلوا قتالا شديدا وصبروا، ثم إن النّعمان بن صهبان [الراسبى][1] بصر بالخرّيت، فحمل عليه فطعنه، فصرع عن دابّته، ثم اختلفا ضربتين، فقتله النعمان؛ وقتل معه فى المعركة سبعون ومائة رجل، وذهب الباقون يمينا وشمالا، وسبى معقل من أدركه من حريمهم وذراريهم، وأخذ رجالا كثيرا، فأما من كان مسلما فخلّاه وأخذ بيعته وترك له عياله، وأمّا من كان ارتّد فعرض عليهم الإسلام، فرجعوا، فخلّى سبيلهم وسبيل عيالهم، إلّا شيخا نصرانيا منهم يقال له الرّماحس لم يسلم فقتله.

وجمع من منع الصدقة، وأخذ منهم صدقة عامين.

واحتمل الأسارى وعيالهم وأقبل بهم، وشيعهم المسلمون، فلما ودّعوهم بكى الرجال والنساء بعضهم إلى بعض حتّى رحمهم الناس.

ثم مرّ بهم حتى أقبل على مصقلة بن هبيرة الشّيبانى، وهو عامل علىّ على أردشير [2] خرّه، وهم خمسمائة إنسان، فبكى النساء والصبيان وصاح الرجال:«يا أبا الفضل، يا حامى الرجال، ومأوى العضب [3] وفكّاك العناة [4] ، امنن علينا فاشترنا وأعتقنا» . فقال مصقلة:

أقسم بالله لأتصدّقنّ عليكم إنّ الله يجزى المتصدقين [5] . فاشتراهم

[1] الزيادة جاءت فى النسخة (ن) وسقطت من النسخة (ك) .

[2]

أردشير خره: اسم كورة من أعظم كور فارس، وهو اسم مركب معناه: بهاء أردشير، وأردشير ملك من ملوك الفرس.

[3]

العضب: جمع الأعضب، وهو من لا ناصر له.

[4]

العناة: جمع العانى، وهو الأسير.

[5]

مأخوذ من الآية 88 فى سورة يوسف.

ص: 188

من معقل بخمسمائة ألف، فقال له معقل: عجّل المال إلى أمير المؤمنين.

فقال أنا باعث الآن بعضه ثم [أبعث كذلك][1] حتى لا يبقى منه شىء؛ وأقبلى معقل إلى علىّ فأخبره بما كان منه فاستحسنه.

وبلّغ عليا أنّ مصقلة أعتق الأسارى ولم يسألهم أن يعينوه بشىء، فقال: ما أظنّ مصقلة إلّا قد تحمل حمالة سترونه عن قريب منها مبلدا، وكتب إليه بحمل المال أو يحضر عنده، فحضر عنده، وحمل من المال مائتى ألف.

قال ذهل بن الحارث: فاستدعانى مصقلة ليلة فطعمنا، ثم قال:

إن أمير المؤمنين يسألنى هذا المال [2] ولا أقدر عليه. فقلت:

والله لو شئت ما مضت جمعة حتى تحمله. فقال: «والله ما كنت لأحمّلها قومى؛ أما والله لو كان ابن هند [3] ما طالبنى بها، ولو كان ابن عفّان لو هبها لى» . قال فقلت: إن هذا لا يرى ذلك الرأى، لا يترك منها شيئا. فهرب مصقلة من ليلته فلحق بمعاوية.

وبلغ عليا ذلك فقال: ما له أقرحه الله! فعل فعل السيّد وفرّ فرار العبد، وخان خيانة الفاجر، أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على دينه [4] ، فإن وجدنا [5] له شيئا أخذناه وإلّا تركناه» . ثم سار علىّ إلى داره فهدمها، وأجاز عتق السّبى، وقال: أعتقهم مبتاعهم وصارت أثمانهم دينا على معتقهم.

[1] زيادة تؤخذ من ابن جرير، وفى المخطوطة:«لذلك» .

[2]

كذا جاء فى النسخة (ن)، وفى النسخة (ك) :«فلا» .

[3]

ابن هند: معاوية بن أبى سفيان.

[4]

كذا جاء فى النسخة (ك)، وفى (ن) :«حبسه» .

[5]

كذا جاء فى النسخة (ن)، وفى (ك) :«تهيأ» .

ص: 189

وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعة لعلىّ، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب، اسمه حلوان يقول له: «إن معاوية قد وعدك الإمارة والكرامة، فأقبل ساعة يلقاك رسولى والسلام [عليك][1] فأخذه مالك بن كعب الأرحبىّ فسرحه إلى علىّ رضى الله عنه، فقطع علىّ يده، فمات. وكتب [2] نعيم إلى أخيه يلومه على لحاقه بالشام، وما فعله من هربه.. وأتاه [3] التغلبيون فطلبوا منه دية صاحبهم فوداه لهم. وقال مصقلة:

لعمرى لئن عاب أهل العراق

علىّ انتعاش بنى ناجيه

لأعظم من عتقهم رقهم

وكفّى بعتقهمو حاليه [4]

وزايدت فيهم لإطلاقهم

وغاليت إن العلا غاليه [5]

وحيث ذكرنا من أخبار علىّ ما قدمناه، فلنذكر ما وقع فى مدة خلافته خلاف ذلك على حكم السنين.

[1] ثبتت هذه الكلمة فى النسخة (ن) ، وسقطت من (ك) .

[2]

انظر الشعر الذى كتبه نعيم إلى أخيه فى تاريخ الطبرى ج 4 ص 104 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 187.

[3]

أى أتى التغلبيون مصقلة، لأنه الذى بعث التغلبى فكان سببا فى هلاكه.

[4]

كذا جاء فى النسخة (ن)، وفى (ك) :«عاليه» .

[5]

كذا جاء فى النسخة (ن) ، وفى (ك)«وعاليت إن العلا عاليه» .

ص: 190