الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يومه ذلك إلا قتله وسار أوس بن ثعلبة إلى سجستان فمات بها أو قريبا منها، وقتل من بكر يومئذ ثمانية آلاف، وغلب ابن حازم على هراة واستعمل عليها ابنه محمدا وضم إليه شماس بن دثار العطاردىّ، وجعل بكير بن وشاح الثّقفىّ على شرطته، ورجع ابن خازم إلى مرو.
وفى هذه السنة بعد موت يزيد خالف أهل الرّى، وكان عليهم الفرّخان الرازى، فوجه إليهم عامر بن مسعود وهو أمير الكوفة محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمى الدّارمى فهزمه أهل الرىّ، فبعث إليهم عامر عتّاب بن ورقاء التميمىّ، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا، فقتل الفرّخان وانهزم المشركون.
هذا ما كان من أخبار العراق وخراسان بعد وفاة يزيد، فلنذكر أخبار عبد الله بن الزبير، وما تخلل أيامه من أخبار غيره التى حدثت فى أعماله.
ذكر بيعة عبد الله بن الزبير وما حدثت فى أيامه من الوقائع والحوادث المتعلقة به والكائن [1] فى أعمال ولايته
هو أبو خبيب [2]، وقيل: أبو بكر [3] عبد الله بن الزبير ابن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ، يجتمع نسبه ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قصى، وأمه أسماء
[1] كذا جاء فى (ك) وجاء فى النسخة (ن)«والمكاتبة» .
[2]
«أبو خبيب» كنية عبد الله بن الزبير بأكبر أولاده «خبيب» ، ومن ذلك قول الشاعر:
أرى الحاجات عند أبى خبيب
…
نكدن ولا أمية فى البلاد
[3]
كناه النبى صلى الله عليه وسلم بكنية جده أبى أمه.. أبى بكر الصديق.
بنت أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنه، وهى ذات النّطاقين [1] ، وهو أول مولود ولد بالمدينة من المسلمين [2] بعد الهجرة.
وكان ابتداء أمره فى البيعة له ما قدمناه؛ من خروجه من المدينة لما توفّى معاوية بن أبى سفيان، ووصوله إلى مكة، وأنه أقام بالبيت وقال: أنا العائذ بهذا البيت.
فلما قتل الحسين بن على رضى الله عنهما فى سنة إحدى وستين كما ذكرنا، قام عبد الله فى الناس فعظّم قتله، وعاب أهل العراق عامّة، وأهل الكوفة خاصّة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وصلّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن أهل العراق غدر فجر إلا قليلا، وإن أهل الكوفة شرار أهل العراق، وإنهم دعوا حسينا لينصروه ويولّوه عليهم، فلمّا قدم عليهم ثاروا عليه، فقالوا له: إمّا أن تضع يدك فى أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سمية فيمضى فيك حكمه، وإما أن تحارب، فرأى والله أنه هو وأصحابه قليل فى كثير، وإن كان الله لم يطلع على الغيب أحدا أنه مقتول، ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة، فرحم الله حسينا، وأخرى قاتله. لعمرى لقد كان من خلافهم إيّاه، وعصيانهم، ما كان فى مثله واعظ وناه عنهم، ولكنه قدر نازل، وإذا أراد الله أمرا لم يدفع، أفبعد الحسين يطمأنّ إلى هؤلاء القوم، ويصدّق قولهم، ويقبل لهم عهد؟ لا والله لا نراهم لذلك أهلا، أم والله لقد
[1] ذكر المؤلف حديث الهجرة فى الجزء 16 من نهاية الأرب فقال ص 333:
قطعت أسماء قطعة من نطاقها فأوكأت بها الجراب، وقطعة أخرى صيريها عصاما لفم القربة، فلذلك سميت أسماء «ذات النطاقين» .
[2]
الذى قال ابن عبد البر فى الاستيعاب ج 2 ص 301: «من المهاجرين» .
قتلوه طويلا بالليل قيامه، كثيرا فى النهار صيامه، أحقّ بما هم فيه منهم وأولى به فى الدين والفضل! أم الله ما كان يبدّل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الحرام، ولا بالمجالس فى حلق الذكر الركض فى تطلاب الصّيد- يعرض بيزيد فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا
[1]
.
فثار إليه أصحابه، وقالوا: أظهر بيعتك، فإنه لم يبق أحد إذ هلك الحسين ينازعك هذا الأمر. وقد كان عبد الله قبل ذلك يبايع سرا، فقال لهم: لا تعجلوا. هذا وعمرو بن سعيد عامل مكة، وهو أشدّ شىء على عبد الله بن الزّبير، وهو مع ذلك يدارى ويرفق.
فلما استقرّ عند يزيد ما قد جمع ابن الزبير من الجموع بمكة أعطى الله عهدا ليوثقنّه فى سلسلة، فبعث إليه سلسلة من فضّة مع ابن عضادة [2] الأشعرى ومسعدة وأصحابهما ليأتوه به فيها، وبعث معهم برنس خزّ ليلبسه عليها لئلا تظهر للناس.
فاجتاز أبو عضادة بالمدينة وبها مروان بن الحكم، فأخبره بما قدم له، فأرسل مروان معه ولدين له، أحدهما عبد العزيز، وقال:
إذا بلّغته رسل يزيد الرسالة فتعرّضا له، وليتمثل أحدكما بهذا الشعر:
فخذها فليست للعزيز بخطّة
…
وفيها مقال لا مرىء متذلّل
أعامر إن القوم ساموك خطة
…
وذلك فى الجيران عزلا بمعزل [3]
أراك إذا ما كنت للقوم ناصحا
…
يقال له بالدلو أدبر وأقبل
[1] من الآية 59 من سورة مريم.
[2]
فى تاريخ الطبرى «عضاه» وفى الكامل «عطاء» .
[3]
فى تاريخ الطبرى ج 4 ص 365: «وذلك فى الجيران غزل بمغزل» .
فلمّا بلّغه الرسل الرّسالة أنشد عبد العزيز الأبيات، فقال ابن الزبير: يا بنى مروان قد سمعت ما قلتما فأخبرا أباكما:
إنى لمن نبعة صمّ مكاسرها
…
إذا تناوحت القصباء والعشر
فلا ألين لغير الحق أسأله
…
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
وامتنع من رسل يزيد.
فقال الوليد بن عتبة وناس من بنى أميّة ليزيد: لو شاء عمرو ابن سعيد لأخذ ابن الزبير وبعث إليك به، فعزل يزيد عمرا واستعمل الوليد بن عتبة على الحجاز، فأقام الوليد يريد غرّة عبد الله فلم يجده إلا متحذّرا ممتنعا.
وثار نجدة بن عامر الحنفىّ باليمامة حين قتل الحسين، وكان الوليد يفيض بالناس من المعرّف، ويقف ابن الزبير وأصحابه ونجدة وأصحابه، ثم يفيض ابن الزبير وأصحابه، ونجدة بأصحابه، لا يفيض واحد منهم بإفاضة أحد. وكان نجدة يلقى عبد الله بن الزّبير ويكثر حتى ظنّ الناس أنه سيبايعه.
ثم [كتب][1] عبد الله بن الزبير إلى يزيد فى شأن الوليد فعزله يزيد كما تقدم، واستعمل عثمان بن محمد بن أبى سفيان.
وكان من خبر أهل المدينة فى خلافهم يزيد، ووقعة الحرّة، والحصار الأول ما قدمناه.
فلما مات يزيد بن معاوية بلغ الخبر عبد الله بن الزبير والحصين ابن نمير ومن معه من عسكر الشام يحاصرونه، وقد اشتد حصارهم،
[1] الزيادة من ابن الأثير والطبرى.
فقال لهم عبد الله وأهل مكة: علام تقاتلون وقد هلك طاغيتكم؟
فلم يصدّقوهم، فلما بلغ الحصين خبر موت يزيد بعث إلى ابن الزبير فقال: موعد ما بيننا الليلة الأبطح، فالتقيا وتحادثا فراث فرس الحصين، فجاء حمام الحرم يلتقط روث فرس الحصين، فكفّ الحصين فرسه عن الحمام، وقال: أخاف أن يقتل فرسى حمام الحرم. فقال له ابن الزبير: تتحرجون من هذا وأنتم تقاتلون المسلمين فى الحرم، فكان فيما قال له الحصين:«أنت أحقّ بهذا الأمر، هلمّ فلنبايعك، ثم اخرج معى إلى الشام، فإن هذا الجند الذين معى هم وجوه أهل الشام وفرسانهم، فو الله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمّن الناس، وتهدر الدماء التى كانت بيننا وبينك، وبين أهل الحرة» ، فقال له أنا لا أهدر الدماء، والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة. وأخذ الحصين يكلّمه سرا وهو يجهر ويقول: والله لا أفعل، فقال له الحصين: قبح الله من يعدّك بعد هذا داهيّا أو أريبا، قد كنت أظنّ لك رأيا، وأنا أكلمك سرّا، وتكلّمنى جهرا، وأدعوك إلى الخلافة، وتعدنى القتل والهلكة. ثم فارقه ورحل هو وأصحابه نحو المدينة.
وندم ابن الزّبير على ما صنع، فأرسل إلى الحصين يقول:
أما المسير إلى الشام فلا أفعله، ولكن بايعوا لى هناك، فإنى مؤمّنكم وعادل فيكم، فقال الحصين: إن لم تقدم بنفسك لا يمشى الأمر، فإن هنالك ناسا من بنى أمية يطلبون هذا الأمر. وسار الحصين إلى المدينة فخرج معه بنو أمية إلى الشام.