الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسع وأربعين
فى هذه السنة عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة، فى شهر ربيع الأول، وأمّر سعيد بن العاص [1] ، فكانت ولاية مروان المدينة ثمانى سنين وشهرين، وكان على قضاء المدينة عبد الله [2] بن الحارث بن نوفل، فعزله سعيد حين ولّى، واستقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن.
ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه
قد اختلف فى وقت وفاته رضى الله عنه، فقيل:[فى سنة تسع وأربعين، وقيل: بل مات][3] فى شهر ربيع الأول سنة خمسين، وقيل: مات فى سنة إحدى وخمسين، ودفن فى بقيع الغرقد [4] ، وصلى عليه سعيد بن العاص أمير المدينة، قدّمه الحسين للصلاة عليه، وقال له لولا أنها سنّة ما قدمتك.
قال أبو عمر بن عبد البر [5] : وقد كانت عائشة رضى الله عنها أباحت له أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتها،
[1] هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، الأموى القرشى، أبو عثمان، لزم بيته بعد مقتل عثمان بن عفان، واعتزل أيام الجمل وصفين، فلم يشهد شيئا من تلك الحروب، إلى أن انتهى الأمر إلى معاوية فعاتبه على اعتزاله، ثم ولاه المدينة، فكان يعاقب بينه وبين مروان فى ولايتها.
[2]
سبق ذكره.
[3]
الزيادة من النسخة (ن) والاستيعاب ج 1 ص 374، وسقطت من النسخة (ك) .
[4]
بقيع الغرقد،: مقبرة المدينة المنورة، وكان هذا الموضع قديما منبت الشجر المسمى بالغرقد.
[5]
فى الاستيعاب ج 1 ص 374.
وكان قد سألها ذلك فى مرضه، فلمّا مات منع من ذلك مروان بن الحكم وبنو أميّة.
وروى [1] أبو عمر: أن الحسن لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه: «يا أخى إن أباك رحمه الله لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا الأمر رجاء أن يكون صاحبه، فصرفه الله عنه، وولّاها أبا بكر، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوّف لها أيضا، فصرفت عنه إلى عمر، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم، فلم يشكّ أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلما هلك عثمان بويع له، ثم نوزع حتّى جرّد السيف، وطلبها، النبوّة والخلافة [2]، فلا أعرفنّ ما استخفّك سفهاء أهل الكوفة:
فأخرجوك، وإنى قد كنت طلبت إلى عائشة إذا متّ أن تأذن لى فأدفن فى بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: نعم، وإنى لا أدرى لعلها كان ذلك منها حياء [3] ، فإن طابت نفسها فادفنّى فى بيتها، وما أظن إلّا أن القوم سيمنعونك إذا أردت ذلك، فإن فعلوا فلا تراجعهم فى ذلك، وادفنّى فى بقيع الغرقد، فإن لى بمن فيه أسوة فلمّا مات الحسن رضى الله عنه أتى الحسين عائشة فطلب ذلك إليها
[1] فى الاستيعاب ج 1 ص 376.
[2]
روى الشيرازى فى الألقاب عن أم سلمة رضى الله عنها، قالت: إن عليا وفاطمة والحسن والحسين دخلوا على النبى صلى الله عليه وسلم فسألوه الخلافة. فقال: «ما كان الله ليجمع فيكم أمرين: النبوة والخلافة»
. ذكره فى البيان والتعريف.
[3]
زاد صاحب الاستيعاب: «فإذا أنامت فاطلب ذلك إليها» .
فقالت: نعم وكرامة. فبلغ ذلك مروان بن الحكم [1] فقال: «كذب وكذبت، والله لا يدفن هناك أبدا، منعوا عثمان من دفنه فى المقبرة ويريدون دفن الحسن فى بيت عائشة.» . فبلغ ذلك الحسين فدخل هو ومن معه فى السلاح، واستلأم مروان فى الحديد أيضا، فبلغ ذلك أبا هريرة رضى الله عنه فقال:«والله ما هو إلّا ظلم، يمنع الحسن أن يدفن مع أبيه! والله إنه لابن رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
ثم انطلق إلى الحسين فكلّمه وناشده الله وقال له: «أليس قد قال أخوك: إن خفت أن يكون قتال فردّنى إلى مقبرة المسلمين؟» . فلم يزل به حتى فعل، وحمله إلى البقيع، فلم يشهده يومئذ من بنى أمية إلّا سعيد بن العاص، فقدّمه الحسين للصلاة، وقال: هى للسنة [2] .
وشهدها خالد بن الوليد بن عقبة بعد أن ناشد بنى أمية أن يخلوه يشهد الجنازة فتركوه فشهد دفنه فى المقبرة، ودفن إلى جنب أمّه فاطمة رضى الله عنهما.
قال [3] : وقال أبو قتادة وأبو بكر بن حفص: سمّ الحسن ابن علىّ رضى الله عنهما، سمّته أمرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندى. قال: وقالت طائفة كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها [فى ذلك، وكان لها ضرائر][4] وأنه وعدها بخمسين ألف
[1] ذكر ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 228 وغيره أنهم لما أرادوا دفنه فى بيت عائشة عند النبى صلى الله عليه وسلم لم يعرض لهم سعيد بن العاص، وهو الأمير على المدينة، فقام مروان بن الحكم وجمع بنى أمية وشيعتهم ومنع عن ذلك.
[2]
كذا جاء فى النسخة (ك)، وجاء فى النسخة (ن) :«السنة» .
[3]
أبو عمر فى الاستيعاب ج 1 ص 325.
[4]
الزيادة من الاستيعاب.
درهم، وأن يزوّجها من يزيد، فلما فعلت وفّى لها بالمال، وقال:
حبّنا ليزيد يمنعنا من الوفاء لك بالشرط الثانى.
وروى قتادة قال: دخل الحسين على أخيه الحسن رضى الله عنهما فقال: «يا أخى إنى سقيت السمّ ثلاث مرات، ولم أسق مثل هذه المرة، إنى لأضع كبدى!» . فقال الحسين: من سقاك يا أخى؟ قال:
«ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أكلهم إلى الله.» . [1]
فلمّا مات ورد البريد بموته على معاوية فقال: «يا عجبا من الحسن! شرب شربة من عسل بماء رومة [2] فقضى نحبه!» .
وأتى ابن عبّاس معاوية فقال له: يابن عباس احتسب الحسر لا يحزنك الله ولا يسوءك. قال: أما ما أبقاك الله يا أمير المؤمنين فلا يحزننى الله ولا يسوؤنى، فأعطاه على كلمته ألف ألف درهم وعروضا وأشياء. وقال: خذها فاقسمها على أهلك.
ومات الحسن رضى الله عنه وله من السن يومئذ سبع وأربعون سنة.
وقيل: ستّ وأربعون سنة.
وكان رضى الله عنه وأرضاه ورعا فاضلا، دعاه ورعه وفضله إلى ترك الخلافة رغبة فيما عند الله، وقال: والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعنى ويضّرنى أن ألى أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، على أن يراق فى ذلك محجمة دم.
وحج بالناس فى هذه السنة سعيد بن العاص.
[1] وجاء فى رواية أخرى قول الحسن لأخيه الحسين: «فإن كان الذى أظن فالله أشد نقمة وإن كان غيره فما أحب أن يقتل بى برىء» .
[2]
روقه: بئر بالمدينة.