الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الموادعة بين على ومعاوية فى شهر المحرم وما كان بينهما من المراسلة والأجوبة فى الشهر
قال: وفى شهر المحرم سنة سبع وثلاثين جرت موادعة [1] بين علىّ رضى الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان، توادعا على ترك الحرب بينهما حتّى ينقضى الشهر، طمعا فى الصلح.. واختلفت فيه بينهما الرسائل.
فبعث على رضى الله عنه عدىّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبى وشبث بن ربعىّ وزياد بن خصفة.
فتكلّم عدىّ بن حاتم، فحمد الله، فقال:«أمّا بعد، فقد جئناك ندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمّتنا، ويحقن [2] به الدماء، ويصلح [3] به ذات البين، إنّ ابن عمّك سيّد المسلمين أفضلها سابقة، وأحسنها فى الإسلام أثرا، وقد استجمع له الناس، ولم يبق أحد غيرك وغير من معك، فاحذر يا معاوية لا يصيبك [4] وأصحابك مثل يوم الجمل» . فقال له معاوية: «كأنك جئت مهدّدا لم تأت مصلحا، هيهات يا عدىّ، كلّا! والله إنّى لابن حرب [5] ،
[1] أى: مسالمة على ترك الحرب فى المدة المذكورة.
[2]
فى النسخة (ك) : «ونحقق» .
[3]
فى النسخة (ن) : «ونصلح» .
[4]
فى تاريخ ابن جرير الطبرى: «لا يصبك» .
[5]
معاوية هو ابن أبى سفيان صخر بن حرب، فاسم جده «حرب» ، ولا تخفى مناسبة ذكره لحال الحرب.
ما يقعقع لى بالشّنان [1] ! وإنّك والله لمن المجلبين على عثمان، وإنك من قتلته، وإنى لأرجو أن تكون ممّن يقتله الله به» .
فقال شبث وزياد بن خصفة جوابا واحدا: أتيناك فيما يصلحنا وإيّاك، فأقبلت تضرب لنا الأمثال [2] ، دع ما لا ينفع، وأجبنا فيما يعمّ نفعه.
وقال يزيد بن قيس: إنّا لم نأت إلّا لنبلّغك ما أرسلنا به إليك ونؤدّى عنك ما سمعنا منك، ولم نخدع أن ننصح لك، وأن نذكر ما تكون به الحجّة عليك، ويرجع إلى الألفة والجماعة، إنّ صاحبنا من قد عرف المسلمون فضيله، ولا يخفى عليك، فاتّق الله يا معاوية ولا تخالفه، فإنّا والله ما رأينا فى الناس رجلا قطّ أعمل بالتقوى ولا أزهد فى الدّنيا ولا أجمع لخصال الخير كلّها منه» .
فحمد الله معاوية، ثم قال: أمّا بعد، فإنّكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأمّا الجماعة التّى دعوتم إليها فنعمّاهى [3] ، وأمّا الطاعة
[1](يضرب المثل)«ما يقعقع له بالشنان» لمن لا يتضع لحوادث الدهر ولا يروعه ما لا حقيقة له. والقعقعة: تحريك الشىء يسمع له صوت، والشنان: جمع شن، وهى القربة البالية، وأصل المثل أنهم كانوا إذا أرادوا حث الإبل على السير حركوا قربة بالية يسمع لها صوت فتفزع الإبل وتسرع، قال النابغة:
كأنك من جمال بنى أقيش
…
يقعقع خلف رجليه بشن
وقد تمثل بهذا المثل- بعد معاوية- الحجاج الثقفى فى خطبة مشهورة، انظر الكامل للمبرد شرحه رغبة الآمل ج 4 ص 76، 87.
[2]
سبق ذكر المثل «ما يقعقع لى بالشنان» ، وروى ابن جرير فى آخر كلام معاوية تمثله بمثل ثان هو «قد حلبت بالساعد الأشد» أى أخذت بالقوة إذ لم يتأت الرفق.
[3]
كذا جاء فى وقعة صفين ص 223 وعند ابن أبى الحديد ج 1 ص 344. وجاء فى المخطوطة: «فمعنا هى» .
لصاحبكم فإنّا لا نراها، لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا، وفرّق جماعتنا، وآوى ثأرنا، وصاحبكم يزعم أنّه لم يقتله، فنحن لا نردّ عليه ذلك، فليدفع إلينا قتلة صاحبنا لنقتلهم ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.
فقال شبث بن ربعىّ: يا معاوية أيسرّك أن تقتل عمّارا؟ قال «وما يمنعنى من ذلك؟ والله لو تمكّنت من ابن سميّة لقتلته بمولى عثمان [1] !» فقال شبث: «والذى لا إله غيره لا تصل إلى ذلك حتّى تندر الهام [2] عن الكواهل وتضيق الأرض الفضاء عليك!» فقال معاوية: «لو كان كذلك لكانت عليك أضيق!» . وتفرّق القوم.
وبعث معاوية إلى زياد بن خصفة، فخلا به، وقال له:«يا أخا ربيعة، إنّ عليّا قطع أرحامنا، وقتل إمامنا، وآوى قتلة صاحبنا، وإنّى أسألك النصر عليه بعشيرتك، ثم لك عهد الله وميثاقه أن أولّيك إذا ظهرت [3] أىّ المصرين أحببت» . فقال زياد: «أمّا بعد، فإنى على بيّنة من ربّى، وبما [4] أنعم الله علىّ فلن أكون ظهيرا [5] للمجرمين!» وقام فقال معاوية لعمرو بن العاص: ليس نكلّم رجلا منهم فيجيب إلى خير، ما قلوبهم إلّا كقلب واحد!.
[1] فى رواية ابن أبى الحديد: «كنت أقتله بنائل مولى عثمان» .
[2]
تندر الهام: تسقط الرءوس.
[3]
ظهرت: غلبت.
[4]
كذا جاء فى تاريخ ابن جرير ج 4 ص 3 ووقعة صفين ص 224، وقد جاء فى القرآن الكريم قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ
وجاء فى المخطوطة: «وما» .
[5]
ظهيرا: عونا.
وبعث معاوية إلى علىّ حبيب بن مسلمة الفهرىّ وشرحبيل بن السّمط ومعن بن يزيد بن الأخنس، فدخلوا عليه، فحمد الله حبيب وأثنى عليه، ثم قال:«أمّا بعد فإنّ عثمان كان خليفة مهديّا، يعمل بكتاب الله وينيب إلى أمره، فاستثقلتم حياته، واستبطأتم وفاته، فعدوتم عليه فقتلتموه، فادفع إلينا قتلة عثمان إن زعمت أنك لم تقتله، ثم اعتزل أمر الناس، فيكون أمرهم شورى بينهم، يولّونه من أجمعوا عليه» . فقال له علىّ رضى الله عنه: «ما أنت- لا أمّ لك- والعزل وهذا الأمر [1] ؟ اسكت! لست هنالك ولا بأهل له» . فقال؛: والله لترينّى بحيث تكره! فقال على: «وما أنت؟
لا أبقى الله عليك إن أبقيت علينا، اذهب فصوّب وصعّد ما بدالك!» وقال شرحبيل؛ «ما كلامى إلّا مثل كلام صاحبى، فهل عندك جواب غير هذا!» فقال علىّ نعم [2]، عندى جواب غيره:.
ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: (أمّا بعد، فإنّ الله تعالى بعث محمدا بالحق، فأنقذ به من الضلالة والهلكة، وجمع به من الفرقة، ثم قبضه الله إليه، فاستخلف الناس أبا بكر، [ثم][3] استخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السيرة، وعدلا [فى الأمة][4] ، وقد وجدنا عليهما أن
[1] أصل العبارة عند ابن أبى الحديد ج 1 ص 345: «ما أنت لا أم لك والولاية والعزل والدخول فى هذا الأمر» .
[2]
كذا جاء فى رواية ابن جرير الطبرى فى تاريخه ج 4 ص 4 وشرح ابن أبى الحديد لنهج البلاغة ج 1 ص 345، وهذا هو الظاهر المناسب لما بعده، وجاء فى المخطوطة:
«ليس» .
[3]
كذا جاء عند ابن أبى الحديد، وفى المخطوطة:«و» .
[4]
الزيادة من ابن جرير الطبرى وابن أبى الحديد وابن مزاحم فى وقعة صفين ص 226.
تولّيا الأمور [دوننا][1] ونحن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغفرنا لهما ذلك، وولى الناس عثمان، فعمل بأشياء عابها الناس، فساروا إليه فقتلوه، ثم أتانى الناس [وأنا معتزل أمورهم][2]، فقالوا لى: بايع. فأبيت، فقالوا: بايع فإنّ الأمّة لا ترضى إلّا بك، وإنّا نخاف إن لم تفعل أن يتفرّق الناس. فبايعتهم، فلم يرعنى إلّا شقاق رجلين قد بايعانى! وخلاف معاوية الذى لم يجعل [الله عز وجل له][3] سابقة فى الدّين، ولا سلف صدق فى الإسلام، طليق ابن طليق، وحزب [4] من الأحزاب، لم يزل حربا لله ولرسوله هو وأبوه حتّى دخلا فى الإسلام كارهين، ولا عجب إلّا من خلافكم [5] معه، وانقيادكم له، وتتركون آل بيت [6] نبيّكم الذين لا ينبغى لكم شقاقهم ولا خلافهم، ألا إنّى أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، وإماتة الباطل وإحياء الحق ومعالم الدين، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم وللمؤمنين» .
فقالا: تشهد أنّ عثمان قتل مظلوما. قال: لا أقول «إنّه قتل ظالما أو مظلوما» . قالا: من لم يزعم أنه قتل مظلوما فنحن منه براء. وانصرفا فقال علىّ رضى الله عنه: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ
[1] الزيادة من ابن أبى الحديد.
[2]
الزيادة من ابن جرير وابن أبى الحديد.
[3]
الزيادة من ابن جرير وابن أبى الحديد.
[4]
كذا جاء عند ابن أبى الحديد، وجاء فى المخطوطة:«حزبا» .
[5]
كذا جاء عند الطبرى، وهو المناسب ل «خلافهم» الآتى بعده، وفى المخطوطة اختلافكم» .
[6]
كذا جاء فى المخطوطة كالكامل، وجاء فى تاريخ ابن جرير «آل نبيكم»
عَنْ ضَلالَتِهِمْ، إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ
[1]
.
ثمّ قال لأصحابه: لا يكن هؤلاء فى الجدّ فى ضلالهم أجدّ منكم فى الجدّ فى حقّكم.
قال: ولما انسلخ شهر الله المحرّم وانقضت مدّة الموادعة أمر علىّ رضى الله عنه مناديا فنادى [2] : «يا أهل الشام، يقول لكم أمير المؤمنين: قد استدمتكم لتراجعوا الحقّ وتنيبوا إليه، فلم تنتهوا عن الطّغيان، ولم تجيبوا إلى الحقّ، وإنى قد نبذت إليكم على سواء [3] ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين» .
قال: واجتمع أهل الشام إلى أمرائهم ورؤسائهم، وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتّبان الكتائب [4] ويعبئان الناس، وكذلك فعل علىّ رضى الله عنه.
وقال علىّ للناس: لا تقاتلوهم حتّى يقاتلوكم، فأنتم بحمد الله على حجّة، وترككم قتالهم [حتّى يبدءوكم][5] حجّة أخرى
[1] الآيتان 80، 81 من سورة النمل.
[2]
ذكر نصر بن مزاحم وابن أبى الحديد أن المنادى مرثد بن الحارث الجشمى.
[3]
أى إنى قد طرحت إليكم عهدكم مستو أنا وأنتم فى العلم بإنهاء الموادعة التى كانت بينى وبينكم، يريد أنه لم يغدر بهم فيقاتلهم بغتة، بل أعلمهم بنبذ الموادعة، ليكون الطرفان على سواء فى العلم بذلك والاستعداد للخطوة التالية، وهذا مأخوذ من الآية 58 فى سورة الأنفال: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ.
[4]
الكتائب: جمع كتيبة، وهى القطعة من الجيش، وتكتيب الكتائب إعدادها.
[5]
الزيادة من رواية ابن جرير الطبرى، وهى فى نهج البلاغة مع شرحه لابن أبى الحديد ج 3 ص 417، وقد ذكرها ابن مزاحم فى وقعة صفين ص 230.
فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح [1] ، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثّلوا بقتيل [2] ، فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا [إلّا بإذن][3] ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم [إلّا ما وجدتم فى عسكرهم][4] ، ولا تهيجوا امرأة [بأذى][5] ، وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم وصلحاءكم، فإنّهنّ ضعاف القوى، والأنفس [6] .
وحرّض أصحابه فقال رضى الله عنه: عباد الله، اتّقوا الله، وغضّوا الأبصار، واخفضوا الأصوات، وأقلّوا الكلام، ووطّنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمزاولة [7] والمناضلة والمعانقة والمكادمة والملازمة، فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
[8]
وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [9]
اللهمّ ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم لهم الأجر.
[1] فى النهاية: «حديث على رضى الله عنه: لا يجهز على جريحهم. أى من صرع منهم وكفى قتاله لا يقتل، لأنهم مسلمون، والقصد من قتالهم دفع شرهم، فإذا لم يمكن ذلك إلا بقتلهم قتلوا» .
[2]
«مثل» بفتح الثاء مع تشديدها أو تركه، يقال: مثل بالقتيل، إذا قطع شيئا من أطرافه.
[3]
، (4) ، (5) الزيادة من رواية ابن جرير الطبرى.
[6]
فى الكامل ج 3 ص 149 بعد هذا.
«وكان يقول بهذا المعنى لأصحابه فى كل موطن» .. وأصل ذلك ما رواه نصر بن مزاحم عن عبد الله بن جندب عن أبيه أن عليا كان يأمرنا فى كل موطن لقينا معه عدوه
…
الخ انظر وقعة صفين ص 229- 230 وابن أبى الحديد ج 1 ص 345.
[7]
كذا جاء فى المخطوطة والكامل ج 3 ص 150 وجاء فى تاريخ ابن جرير الطبرى ج 4 ص 7 وشرح ابن أبى الحديد ج 1 ص 346 «والمبارزة» .
[8]
من الآية 45 فى سورة الأنفال.
[9]
من الآية 46 فى سورة الأنفال.
وأصبح علىّ رضى الله عنه فجعل على خيل الكوفة الأشتر، وعلى خيل البصرة سهل بن حنيف، وعلى رجّالة الكوفة عمّار بن ياسر، وعلى رجّالة البصرة قيس بن سعد بن عبادة، وهاشم بن عتبة بن أبى وقّاص المعروف بالمرقال [1] وجعل معه الراية، وجعل مسعر بن فدكىّ على قرّاء أهل الكوفة وأهل البصرة [2] .
وبعث معاوية على ميمنته ابن ذى الكلاع الحميرىّ [3] ، وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهّرىّ، وعلى مقدّمته أبا الأعور السّلمى و [كان] على خيل دمشق، [و][4] عمرو بن العاص [على خيول الشام كلها][4] وعلى رجّالة دمشق [4] مسلم بن عقبة المرى، وعلى [رجّالة][5] الناس كلهم الضحاك بن قيس.. وبايع [6] رجال من أهل الشام على الموت، فعقلوا أنفسهم بالعمائم، فكانوا خمسة صفوف.
والتقوا أوّل يوم من صفر سنة سبع وثلاثين، وكان الذى خرج فى هذا اليوم الأشتر على أهل الكوفة، وحبيب بن مسلمة على أهل
[1] فى القاموس: والمرقال هاشم بن عتبة، لأن عليا رضى الله عنه أعطاه الراية بصفين فكان يرقل بها (أى: يسرع) ، وقال ابن جرير فى تاريخ ج 4 ص 31 هاشم يدعى المرقال لأنه كان يرقل فى الحرب.
[2]
كذا جاء فى المخطوطة، وجاء فى الكامل لابن الأثير:«على قراء الكوفة وأهل البصرة» ، وجاء فى تاريخ ابن جرير الطبرى:«على قراء أهل البصرة، وصار أهل الكوفة إلى عبد الله بن بديل وعمار بن ياسر» .
[3]
انظر ما سبق، وفى شرح ابن أبى الحديد ج 1 ص 346 «ذا الكلاع الحميرى»
[4]
الزيادة من تاريخ ابن جرير الطبرى.
[5]
فى المخطوطة: «وعلى رجالتها» ، وصرح ابن جرير ب «دمشق» .
[6]
عند ابن أبى الحديد ج 1 ص 347: «وتبايع» ، والذى هناك «وقعة صفين» ص 239.
الشام، فاقتتلوا عامّة النهار، ثمّ تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض.
ثمّ خرج فى اليوم الثانى هاشم بن عتبة فى خيل ورجال، وخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السّلمى، فاقتتلوا يومهم ذلك، ثمّ انصرفوا.
وخرج فى اليوم الثالث عمّار بن ياسر، وخرج إليه عمرو بن العاص، فاقتتلوا أشدّ قتال، وقال عمّار لزياد بن النّضر وهو على الخيل: احمل على أهل الشام، فحمل، وقاتله الناس وصبروا له، وحمل عمار فأزال عمرو بن العاص عن موضعه، وبارز يومئذ زياد بن النّضر أخاه لأمّه [1] واسمه: عمرو بن [2] معاوية من بنى المنتفق، فلمّا التقيا تعارفا، فانصرف كلّ واحد منهما عن صاحبه، وتراجع الناس وخرج من الغد فى اليوم الرابع محمد بن علىّ، هو «ابن الحنفيّة» وخرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطّاب، فى جمعين عظيمين، فاقتتلوا أشدّ القتال، وأرسل عبيد الله إلى محمد يدعوه للمبارزة، فخرج إليه، فحرّك علىّ دابّته، وردّ ابنه، وبرز علىّ إلى عبيد الله، فرجع عبيد الله، وتراجع الناس [3] .
وخرج فى اليوم الخامس عبد الله بن عبّاس، خرج إليه الوليد
[1] قال ابن أبى الحديد ج 1 ص 347: «وأمهما هند الزبيدية» .
[2]
فى (وقعة صفين) ص 241 «يقال له معاوية بن عمرو العقيلى» .
[3]
قال ابن أبى الحديد ج 1 ص 480 وغيره: «فقال ابن الحنفية: يا أبت لم منعتنى من مبارزته فو الله لو تركتنى لرجوت أن أقتله. قال على رضى الله عنه: يا بنى لو بارزته أنا لقتلته، ولو بارزته أنت لرجوت لك أن تقتله، وما كنت آمن أن يقتلك» .
لبن عقبة، فاقتتلوا قتالا شديدا، وطلب ابن عبّاس الوليد ليبارزه فأبى، ثم انصرفا.
[وخرج فى اليوم السادس قيس بن سعد الأنصارى وخرج إليه ابن ذى الكلاع الحميرىّ، فاقتتلوا قتالا شديد، ثم انصرفوا.][1]
قال [2] : ثم عاد الأشتر يوم الثلاثاء [3] ، وخرج إليه حبيب، فاقتتلا قتالا شديدا، وانصرفا عند الظهر.
ثم إنّ عليّا رضى الله عنه قال: حتّى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا؟ فقام فى الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وقال: الحمد لله الذى لا يبرم ما نقض، وما أبرم لم ينقضه الناقضون، ولو شاء الله ما اختلف اثنان من خلقه، ولا اختلفت الأمّة فى شىء، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار، فنحن بمرأى من ربّنا ومسمع، فلو شاء عجّل النّقمة، وكان منه التغيير، حتى يكذب الظالم، ويعلم المحقّ [4] أين مصيره، ولكنّه جعل الدّنيا دار الأعمال [5] ، وجعل الآخرة دار القرار، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى
[6]
، ألا وإنكم لاقو القوم غدا،
[1] الزيادة من الكامل ج 3 ص 150.
[2]
ابن الأثير فى الكامل.
[3]
قال ابن جرير «اليوم السابع» ثم قال: «وذلك يوم الثلاثاء» .
[4]
كذا جاء عند ابن أبى الحديد ج 1 ص 481، وجاء فى المخطوطة «الحق» .
[5]
كذا جاء فى النسخة (ك)، وجاء فى النسخة (ن) :«الأغمار» .
[6]
من الآية 31 من سورة النجم.