الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليك، فإنّ العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك، فإنّك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم [1] ليحمّلنّك الناس دم عثمان غدا! .. فأبى علىّ، وقال: تشير علىّ وأرى فإذا عصيتك فأطعنى قال: فقلت «أفعل، إنّ أيسر مالك عندى الطاعة» . فقال له علىّ: تسير إلى الشام فقد ولّيتكها. فقال ابن عباس: «ما هذا برأى، معاوية رجل من بنى أميّة، وهو ابن عم عثمان، وعامله، ولست آمن أن يضرب عنقى بعثمان، وإنّ أدنى ما هو صانع أن يحبسنى فيتحكّم علىّ لقرابتى منك. وإن كلّ ما حمل علىّ حمل عليك [2] ، ولكن اكتب إلى معاوية فمنّه وعده» . فقال: لا والله لا كان هذا أبدا! وخرج المغيرة فلحق بمكة.
ذكر تفريق على عماله وخلاف معاوية رضى الله عنهما
وفى سنة ست وثلاثين فرّق علىّ- رضى الله عنه- عمّاله على الأمصار، فبعث عثمان بن حنيف على البصرة، وعمارة بن شهاب على الكوفة، وعبيد الله بن عبّاس على اليمن، وقيس بن سعد على مصر، وسهل [3] بن حنيف على الشام.
فأما سهل فإنه خرج، حتى إذا كان بتبوك [4] لقيته خيل [5] فقالوا: من أنت؟ قال: أمير. قالوا: على أىّ شىء؟ قال: على
[1] كذا جاء فى النسخة (ن) وتاريخى الطبرى وابن الأثير. وفى النسخة (ك) : «القوم»
[2]
كذا جاء فى المخطوطة. وعند الطبرى وابن الأثير: «وإن كل ما حمل عليك حمل على»
[3]
أخو عثمان بن حنيف، وهما صحابيان.
[4]
موضع بين وادى القرى والشام، وقد سبق ذكره.
[5]
أى: فرسان خيل.
الشام. قالوا: إن كان عثمان بعثك فحىّ هلا بك [1]، وإن كان بعثك غيره فارجع. قال: أو ما سمعتم بالّذى كان؟ قالوا: بلى
…
فرجع إلى علىّ.
وأمّا عمارة فلمّا بلغ زبالة [2] لقيه طليحة بن خويلد، وكان قد خرج يطلب بثأر عثمان، فقال له: ارجع فإنّ القوم لا يريدون بأميرهم بدلا، فإن أبيت ضربت عنقك
…
فرجع إلى علىّ.
وأمّا قيس بن سعد فإنّه لما انتهى إلى أيله [3] لقيته خيل، فقالوا: من أنت؟ قال: قيس بن سعد. قالوا امض. فمضى حتى دخل [مصر][4]، فافترق أهل مصر فرقا: فرقة دخلت فى الجماعة فكانوا معه، وفرقة اعتزلت بخرنبا، [5] وقالوا: «إن قتل قتلة عثمان فنحن معكم، وإلّا فنحن على جديلتنا [6] حتّى نحرك [7]
[1] حى هلا: كلمة تقال عند الدعاء إل الشىء، والإقبال عليه، أى: أنك حينئذ أهل لهذا.
[2]
زبالة: قرية بطريق مكة من الكوفة، وكانت بها أسواق.
[3]
أيله: مدينة معروفه على خليج العقبة، وكانت مقصودة، لمن كانوا يقدمون من الحجاز إلى الفسطاط بطريق البر.
[4]
كذا فى النسخة (ن) وتاريخ ابن الأثير، وسقطت هذه الكلمة من (ك) .
[5]
جاء فى هامش النسخة (ص ما نصه: «خرنبا» بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح النون والباء الموحدة، بعدها ألف» ، وهو تابع لابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 105 حيث ذكر هذا الضبط، ولكن المحققين لا يصححون هذا، بل يرون أنها» «خربتا» بفتح الخاء أو كسرها مع كسر الراء وسكون الباء قبل التاء المثناه الفوفية، وكذلك تكررت فى مواضع من الجزء الأول من النجوم الزاهرة، وقال ياقوت فى معجم البلدان:« «خزنبا: قال نصر: موضع من أرض مصر، لأهلها حديث فى قصة على ومحمد بن أبى بكر، وهو خطأ، وقد سألت عنه أهل مصر فلم يعرفوا إلا خربتا» ، وقال فى موضع آخر:«خربتا» : هكذا ضبط فى كتاب ابن عبد الحكم، وقد ضبط الحازمى بالنون ثم الباء، هو خطأ» . والمعروف الآن أن «خربتا» قرية تابعة لمحافظة «البحيرة» وأنها بكسر الخاء والباء مع سكون الراء.
[6]
الجديلة: الحال والطريقة.
[7]
نحرك: نصاب السيوف، وهذه الكلمة جاءت فى النسخة (ن) ، وفى (ك) «تخزك
أو نصيب حاجتنا» ، وفرقة قالت نحن مع علىّ ما لم يقد من إخواننا [1] وهم فى ذلك مع الجماعة
…
فكتب قيس إلى علىّ بذلك.
وأمّا عثمان بن حنيف فسار حتّى دخل البصرة، ولم يردّه أحد ولا وجد لابن عامر [2] فى ذلك رأيا ولا استقلالا بحرب، وافترق الناس بها: ففرقة دخلت فى الجماعة، وفرقة اتّبعت القوم، وقالت فرقة «ننظر ما يقول أهل المدينة فنصنع ما صنعوا» .
وأمّا عبيد الله بن عبّاس فانطلق إلى اليمن، فخرج يعلى بن منية [3] بعد أن جمع المال- ولحق بمكة، وأنفق المال فى حرب الجمل.
قال [4] : ولمّا رجع سهل بن حنيف دعا علىّ طلحة والزّبير فقال «إنّ الأمر الذى كنت أحذّركم قد وقع، وإنّ الّذى قد وقع لا يدرك إلّا بإماتة [5] ، وإنّها فتنة كالنار كلما سعرت ازدادت اضطراما، واستثارت» . فقالا [6] :- ائذن لنا نخرج من المدينة، فإما أن نكاثر، وإما أن تدعنا. فقال: سأمسك الأمر ما أستمسك، فإذا لم أجد بدا فآخر الداء الكى!.
[1] أى: ما لم يقتل إخواننا بما فعلوه فى الخليفة عثمان بن عفان.
[2]
ابن عامر: عبد الله بن عامر بن كريز، وكان ابن خال عثمان بن عفان، وقد ولاه عثمان البصرة.
[3]
هو يعلى بن أمية بن أبى عبيدة بن همام بن الحارث التميمى الخنظلى حليف قريش، ينسب حينا إلى أبيه «أمية» وينسب حينا إلى أمه «منية» وسيأتى النسبان قريبا فى وقعة الجمل، وقد استعمله عمر بن الخطاب على بعض اليمن فحمى لنفسه حمى، فعزله عمر، ثم استعمله عثمان ابن عفان على صنعاء اليمن، وانظر الاستيعاب ج 3 ص 661 وتهذيب الأسماء ج 2 ص- 165 والإصابة ج 3 ص- 668.
[4]
ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 103.
[5]
كذا جاء فى المخطوطة، وجاء فى الكامل:«باماتته» .
[6]
كذا جاء عند ابن الأثير، وفى المخطوطة:«فقالوا» .
وكتب إلى معاوية وإلى أبى موسى، فأجابه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة، وبيّن الكاره منهم [للذى كان][1] والراضى ومن بين ذلك، حتى كان على [كأنّه][2] يشاهدهم.. وكان رسوله إلى أبى موسى معبد الأسلمى.
وكان رسوله إلى معاوية سبرة الجهنى، فلم يجبه معاوية بشىء وكلّما تنجّز جوابه لم يزده على قوله:
أدم إدامة حصن أو خذا [3] بيدى
…
حربا ضروسا تشبّ الجزل والضّرما [4]
فى جاركم وابنكم إذ كان مقتله
…
نعاء [5] شيّبت الأصداغ واللمما
أعيى المسود بها والسّيّدون فلم
…
يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما
حتى إذا كان [الشهر الثالث من مقتل عثمان][6] فى صفر دعا معاوية رجلا من بنى عبس، اسمه قبيصة، فدفع إليه طومارا [7] مختوما، عنوانه «من معاوية إلى علىّ» وقال له: إذا دخلت المدينة فاقبض
[1] الزيادة من الكامل لابن الأثير.
[2]
كذا جاء فى المخطوطة كالكامل، وفى تاريخ ابن جرير الطبرى ج 3 ص 4643:
«أو جدا» .
[3]
تشب: توقد. والجزل: الحطب اليابس الغليظ. والضرم: السعف الذى فى طرفه نار، والجمر.
[4]
كذا جاء فى النسخة (ن) . وفى (ك) : شنعا» .
[6]
الزيادة من ابن الأثير:.
[7]
الطومار: الصحيفة.
على أسفل الطّومار. وأوصاه بما يقول، وأعاد رسول علىّ معه، فقدما المدينة فى شهر ربيع الأوّل، ودخل العبسىّ كما أمره معاوية، والناس تنظر إلى الطّومار، حتّى دفعه إلى علىّ، ففضّه، فلم يجد فيه كتابا فقال للرسول: ما وراءك؟ قال: وأنا آمن؟ قال: نعم، إن الرّسل لا تقتل: قال تركت قوما لا يرضون إلّا بالقود [1] . قال: ممّن؟
قال «من خيط رقبتك! وتركت ستّين ألف شيخ يبكى تحت قميص عثمان، وهو منصوب لهم، قد ألبسوه منبر دمشق!» قال: «أمنّى يطلبون دم عثمان؟ ألست موتورا بترة [2] عثمان؟ اللهمّ إنّى أبرأ إليك من دم عثمان! نجا- والله- قتلة عثمان إلّا أن يشاء الله فإنه إذا أراد أمرا أصابه! اخرج.» قال وأنا آمن؟ قال: وأنت آمن. فخرج العبسىّ، فقالوا [3] :«هذا الكلب رسول الكلب! اقتلوه!» فنادى: يا آل مضر. يا آل قيس، الخيل والنبل، وبالله أقسم ليردّنّها عليكم أربعة آلاف خصىّ! فانظروا كم الفحول والركاب؟» وتعاووا [4] عليه، فمنعته مضر، وجعلوا يقولون له:«اسكت» فيقول: «لا والله، والله لا يفلح هؤلاء أبدا، أتاهم ما يوعدون، لقد حلّ بهم ما يحذرون، انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم [5] .
[1] القود: القصاص.
[2]
جاء عند ابن جرير وابن الأثير: كترة» والترة: الثأر والظلم فيه، والموتور:
المصاب بقتل حميمه ولم يدرك ثأره.
[3]
القائلون هم السبئية كما جاء عند ابن جرير وابن الأثير.
[4]
تعاووا (بالعين أو بالغين) أى: تجمعوا وتعاونوا.
[5]
فى القرآن الكريم: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
والمراد بالريح الدولة والقوة.