الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا، وإنما ننظر فيكم أمر الله» . ثم رجع إلى مكانه من الخطبة.
ذكر اجتماع الخوارج بعد الحكمين
وتوليتهم أمرهم عبد الله بن وهب وخروجهم عن الكوفة وانضمام خوارج البصرة إليهم، وما كاتبهم علىّ به وجوابهم وغير ذلك قال: ولمّا كان من أمر الحكمين ما ذكرناه، لقى بعض الخوارج بعضا واجتمعوا فى منزل عبد الله بن وهب الراسبى، فخطبهم، فزهّدهم فى الدنيا، وأمرهم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ثم قال اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلّة، فقال حرقوص بن زهير:«إن المتاع بهذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعونّكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تلفتنكم عن طلب الحق وإنكار الظلم، فإن الله [1] مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون» وقال حمزة بن سنان الأسدى: «يا قوم، إن الرأي ما رأيتم فولّوا أمركم [2] رجلا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها، وترجعون إليها» فعرضوها على زيد بن حصين [3] الطائى فأبى، وعرضوها على حرقوص فأبى، وعلى حمزة بن سنان وشريح
[1] كذا جاء فى النسخة (ك)، وجاء فى (ن) :«فالله» .
[2]
كذا جاء فى النسخة (ك)، وجاء فى (ن) :(أموركم) .
[3]
كذا جاء فى المخطوطة، وهذا الاسم يقال فيه «حصن» كما ذكره ابن حجر فى الإصابة، ويقال فيه «حصين» كما ذكره الطبرى وابن الأثير، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك
ابن أوفى العبسىّ فأبيا، وعرضوها على عبد الله بن وهب فقال:
«هاتوها، أما والله لا آخذها رغبة فى الدنيا، ولا أدعها فرقا من الموت» فبايعوه لعشر خلون من شوال سنة سبع وثلاثين، وكان يقال: له ذو الثفنات [1] .
ثم اجتمعوا فى منزل شريح بن أبى أوفى [2] العبسى، فقال ابن وهب:
اشخصوا [3] بنا إلى بلدة نجتمع فيها لإنفاذ حكم الله فإنكم أهل الحق. قال شريح: «نخرج إلى المدائن، فننزلها، ونأخذ بأبوابها، ونخرج منها سكانها، ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا» . فقال زيد بن حصن: «إنكم إن خرجتم مجتمعين تتبّعتم، ولكن اخرجوا وحدانا مستخفين، فأمّا المدائن فإن بها من يمنعكم، ولكن سيروا حتى تنزلوا من جسر [4] النهروان، وتكاتبوا إخوانكم من أهل البصرة» . قالوا: هذا الرأى.
وكتب عبد الله بن وهب إلى من بالبصرة منهم يعلمهم ما اجتمعوا عليه، ويحثهم على اللّحاق بهم، وسير الكتاب إليهم، فأجابوا.
قال: ولما غزم من بالكوفة من الخوارج على الخروج، تعبّدوا ليلتهم- وكانت ليلة الجمعة- ويوم الجمعة، وساروا يوم السبت، فخرج شريح بن أوفى العبسى وهو يتلو قول الله تعالى:
[1] كان عبد الله بن وهب قد أثر طول السجود فى ثفناته، والثفنات: جمع ثفنة.
وهى الركبة.. وهناك من غير الخوارج «ذو الثفنات» زين العابدين على بن الحسين بن على وعلى بن عبد الله بن عباس.
[2]
كذا جاء فى النسخة (ك) وجاء فى النسخة (ن) : «شريح بن أوفى» .
[3]
اشخصوا: اذهبوا.
[4]
كذا جاء فى النسخة (ن)، وفى (ك) :«مر» .
فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ
[1]
قال: وخرج معهم طرفة بن عدى بن حاتم الطائى، فأتبعه أبوه ليرده فلم يقدر عليه، فانتهى إلى المدائن ثم رجع.
وأرسل عدى إلى سعد بن مسعود عامل علىّ على المدائن يحذّره أمرهم، فحذر، وأخذ أبواب المدائن، وخرج فى الخيل، واستخلف بها ابن أخيه المختار بن أبى عبيد، وسار فى طلبهم فأخبر عبد الله ابن وهب خبره، فترك طريقه وسار على بغداد، ولحقهم سعد بن مسعود بالكرج فى خمسمائة فارس عند المساء، [فانصرف إليهم عبد الله فى ثلاثين فارسا، فاقتتلوا ساعة][2] وامتنع القوم منهم، وقال أصحاب سعد لسعد. «ما تريد من قتال هؤلاء ولم يأتك فيهم أمر، خلّهم فليذهبوا، واكتب إلى أمير المؤمنين، فإن أمرك باتّباعهم فاتّبعهم، وإن كفاكهم غيرك كان فى ذلك عافية لك» فأبى عليهم، فلما جن عليهم الليل عبر عبد الله بن وهب دجلة إلى أرض جوخى [3] ، وسار إلى النهروان، فوصل إلى أصحابه وقد أيسوا منه.
وسار جماعة من أهل الكوفة يريدون الخوارج ليكونوا معهم، فردهم أهلوهم كرها، منهم القعقاع بن قيس الطائى عم الطّرماح ابن حكيم، وعبد الله بن حكيم بن عبد الرحمن البكائى.
[1] الآيتان 21، 22 من سورة القصص.
[2]
سقطت هذه الجملة من النسخة (ك) ، وجاءت فى (ن) والكامل لابن الأثير ج 3 ص 170 وتاريخ ابن جرير ج 4 ص 56.
[3]
جوخى مقصور الآخر مع فتح الجيم أوضمها: نهر عليه كورة واسعة فى سواد بغداد.
قال: ولما خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليّا أصحابه وشيعته فبايعوه، وقالوا: نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت. فشرط لهم فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأمّا خوارج البصرة فإنهم اجتمعوا فى خمسمائة رجل، وجعلوا عليهم مسعر بن فدكى التميمى، فعلم بهم ابن عباس، فأتبعهم أبا الأسود الدّؤلى، فلحق بهم بالجسر الأكبر، فتواقفوا حتى حجز بينهم الليل، وأدلج [1] مسعر بأصحابه، وسار حتى لحق بعبد الله ابن وهب.
قال: ولما خرجت الخوارج وهرب أبو موسى الأشعرى إلى مكة، وردّ علىّ ابن عباس رضى الله عنهما إلى البصرة، قام علىّ بالكوفة خطيبا فقال: «الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أمّا بعد، فإن المعصية تورث الحسرة، وتعقب الندم، وقد كنت أمرتكم فى هذين الرجلين وفى هذه الحكومة أمرى، ونحلتكم [2] رأيى، لو كان لقصير [3] أمر، ولكن أبيتم إلا ما أردتم، فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازان [4] :
أمرتهمو أمرى بمنعرج اللّوى [5]
…
فلم يستبينوا الرّشيد إلا ضحى الغد
[1] أدلج: سار بالليل.
[2]
نحلتكم: اعطيتكم.
[3]
هو قصير بن سعد صاحب جذيمة الأبرش، وله قصة مع الزباء ذات أمثال، والمثل المراد هنا:«لا يطاع لقصر أمر» .
[4]
أخو هوازن هو دريد بن الصمة، والبيت من قصيدته الدالية الطويلة التى رثى بها أخاه عبد الله، وقد سبق ذكر دريد وقصيدته.
[5]
منعرج اللوى: منعطف الرمل.
ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين، قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا ما أمات القرآن، واتبع كلّ واحد منهما هواه بغير هدى من الله، فحكما بغير حجّة بينة ولا سنّة ماضية، واختلفا فى حكمهما وكلاهما لم يرشد، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح [1] المؤمنين، استعدّوا وتأهبّوا للمسير إلى الشام، وأصبحوا فى معسكركم إن شاء الله يوم الاثنين» . ثم نزل.
فلما قرأ كتابهم أيس منهم، ورأى أن يدعهم ويمضى بالناس [حتّى يناجز أهل الشام] [2] فقام فى أهل الكوفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أمّا بعد فإنه من ترك الجهاد فى الله وداهن فى أمره كان
[1] كذا جاء فى النسخة (ك) . وجاء فى (ن) : «وصالحو» .
[2]
ثبتت هذه العبارة فى النسخة (ن) وسقطت من (ك) .
على شفاهلكة، إلا أن يتداركه الله بنعمته، فاتقوا الله تعالى، وقاتلوا من حادّ الله، وحاول أن يطفئ نور الله، وقاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين، الذين ليسوا بقرّاء القرآن ولا فقهاء فى الدين، ولا علماء بالتأويل، ولا لهذا الأمر بأهل فى سابقة الإسلام، والله لو ولّوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل، تيسّروا [1] للمسير إلى عدوّكم من أهل المغرب، وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم، فإذا اجتمعتم شخصنا إن شاء الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله» .
وكتب إلى ابن عباس رضى الله عنه: «أمّا بعد فإنا خرجنا إلى معسكرنا بالنّخيلة، وقد أجمعنا على المسير إلى عدوّنا من أهل المغرب، فاشخص إلى الناس حتى يأتيك رسولى، وأقم حتى يأتيك أمرى، والسلام عليك» .
فقرأ ابن عباس الكتاب على الناس، وندبهم مع الأحنف ابن قيس، فشخص ألف وخمسمائة، فخطبهم [2] وقال: «يا أهل البصرة، أتانى كتاب أمير المؤمنين، فأمرتكم بالنفير [3] إليه، فلم يشخص منكم إلا ألف وخمسمائة، وانتم ستون ألف مقاتل سوى أبنائكم وعبيدكم. ألا انفروا مع جارية [4] بن قدامة السعدىّ، ولا يجعلن رجل على نفسه سبيلا، فإنّى موقع بكلّ من وجدته متخلفا
[1] تيسروا: تهيئوا.
[2]
ذكر ابن جرير فى روايته لسبب الخطبة ج 4 ص 58 أن ابن عباس استقلهم، أى رآهم قليلا.
[3]
كذا جاء فى النسخة (ك)، وفى (ن) :«بالنفر» .
[4]
وقع فى المخطوطة «حارثة» بالحاء المهملة، والصواب «جارية» كما نص عليه بالجيم ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 113، 181، 183 وله ترجمة فى حرف الجيم من من الاستيعاب ج 1 ص 245 وأسد الغابة ج 1 ص 263 والإصابة ج 1 ص 218.
عن دعوته، عاصيا لإمامه، فلا يلومن رجل إلا نفسه» . فخرج جارية واجتمع إليه ألف وسبعمائة، فوافوا عليّا وهم ثلاثة آلاف ومائتان.
فجمع على رضى الله عنه رءوس أهل الكوفة ورءوس الأسباع [1] ووجوه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «يا أهل الكوفة، أنتم إخوانى وأنصارى وأعوانى على الحق، وأصحابى إلى جهاد المخلين [2] ، بكم أضرب المدبر، وأرجو تمام طاعة المقبل، وقد استنفرت أهل البصرة، فأتانى منهم ثلاثة آلاف ومائتان، فليكتب لى رئيس كلّ قبيلة ما فى عشيرته من المقاتلة [وأبناء المقاتلة][3] الذين أدركو القتال، وعبدان عشيرته ومواليهم، ويرفع ذلك إلينا.
فقام إليه سعيد بن قيس الهمدانى فقال: يا أمير المؤمنين، سمعا وطاعة، أنا أول الناس أجاوب بما طلبت. وقام معقل بن قيس، وعدىّ بن حاتم، وزياد بن خصفة، وحجر بن عدّى، وأشراف الناس والقبائل، فقالوا متل ذلك، وكتبوا له ما طلب، وأمروا أبناءهم وعبيدهم [ومواليهم][4] أن يخرجوا معهم، فرفعوا له أربعين ألف مقاتل وسبعة عشر ألفا من الأبناء ممن أدرك، وثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم، فكان جميع أهل الكوفة خمسة وستين ألفا، سوى أهل البصرة وهم ثلاثة آلاف ومائتا رجل.
[1] قال ابن أبى الحديد ج 1 ص 181: «وكانت الكوفة يومئذ أسباعا» وأسباع جمع سبع بضم السين، وقد مضت الإشارة إلى هذا فيما سبق.
[2]
(المخلين) جاء بالخاء المعجمة فى (ك) ، وبالحاء المهملة فى (ن) ، وقد سبقت الإشارة إلى مثل هذا.
[3]
ثبتت هذه العبارة فى (ن) . وسقطت من (ك) .
[4]
الزيادة من ابن جرير الطبرى، ويأتى ما يناسبها.
وكتب إلى سعد بن مسعود بالمدائن يأمره بإرسال من عنده من المقاتلة، وبلغ عليا رضى الله عنه أن الناس يقولون:«لو ساربنا إلى قتال هذه الحرورية فإذا فرغنا منهم توجهنا إلى قتال المخلين» .
فناداه الناس أن سربنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت. وقام إليه صيفى بن نشيل [2] الشيبانىّ فقال: «يا أمير المؤمنين، نحن حزبك وأنصارك، نعادى من عاداك، ونشايع من أناب إلى طاعتك، فسربنا إلى عدوك من كانوا وأينما كانوا، فإنك إن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد، ولا ضعف نية أتباع» . وقام إليه محرز بن شهاب التميمىّ فقال: «يا أمير المؤمنين، إن قلب شيعتك كقلب رجل واحد فى الاجتماع على نصرتك، والجد فى جهاد عدوّك، فأبشر بالنصر، وسربنا إلى أىّ الفريقين أحببت، فإنّا شيعتك الذين نرجو فى طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب، ونخاف فى خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال» ..
وأجمع على المسير [علىّ][3] إلى الشام، فشغله عن ذلك أمر الخرارج وقتالهم على ما نذكره.
[1] كذا جاء فى النسخة (ن)، ووقع فى النسخة فى (ك) :«كما» .
[2]
كذا جاء فى المخطوطة، وعند الطبرى:«فسيل» .
[3]
ثبتت هذه الكلمة فى النسخة (ن) ، وسقطت من (ك) .