الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر استعمال معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة
وفى هذه السنة استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة.
وكان قد استعمل عليها عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتاه المغيرة وقال:«استعملت عبد الله على الكوفة، وأباه بمصر، فتكون أميرا بين نابى أسد» . فعزله، واستعمل المغيرة.
وبلغ عمرو بن العاص ما قاله المغيرة، فدخل على معاوية وقال:
«استعملت المغيرة على الخراج، فيغتال المال، ولا تستطيع أن تأخذه منه، استعمل على الخراج رجلا يخافك ويتقيك» فعزله عن الخراج وأقره على الصلاة [1] .
ولما ولى المغيرة استعمل كثير بن شهاب على الرّىّ، وكان يكثر سب علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه على المنبر.
ذكر استعمال بسر بن أرطاة
على البصرة وعزله، واستعمال عبد الله ابن عامر عليها وفى هذه السنة استعمل معاوية بسر بن أرطاة بن أبى أرطاة على البصرة، وكان سبب ذلك أن الحسن لما صالح معاوية وثب حمران ابن أبان على البصرة، فأخذها وغلب عليها، فبعث إليه معاوية بسر بن أرطاة؛ وأمره بقتل بنى زياد بن أبيه، وكان زياد على
[1] وبعد ذلك لقى المغيرة عمرو بن العاص فقال له: أنت المشير على أمير المؤمنين بما أشرت به فى عبد الله قال: نعم، قال: هذه بتلك.
فارس، قد أرسله عليها على بن أبى طالب رضى الله عنه كما تقدم.
فلما قدم بسر البصرة خطب على منبرها فشتم عليا، ثم قال:
نشدت الله رجلا يعلم أنى صادق إلّا صدّقنى أو كاذب إلّا كذبنى، فقال أبو بكرة [1] ؛ اللهم إنّا لا نعلمك إلا كاذبا! فأمر به فخنق، فقام أبو لؤلؤة الضّبىّ فرمى نفسه عليه فمنعه، فأقطعه أبو بكرة مائة جريب [2]، وقيل لأبى بكرة: ما حملك على ما قلت؟ فقال: يناشدنا الله ثم لا نصدقه.
وكان معاوية قد كتب إلى زياد: أن فى يديك مالا من مال الله فأدّ ما عندك منه. فكتب إليه زياد: «أنه لم يبق عندى شىء، وقد صرفت ما كان عندى فى وجهه، واستودعت بعضه لنازلة إن نزلت، وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمه الله تعالى» . فكتب إليه معاوية أن أقبل ننظر فيما وليت، فإن استقام بيننا أمر وإلا رجعت إلى مأمنك. فامتنع زياد.
فأخذ بسر أولاده الأكابر، منهم عبد الرحمن وعبيد الله وعبّاد وكتب إليه: لتقدمنّ على أمير المؤمنين أو لأقتلنّ بنيك، فكتب إليه زياد: لست بارحا مكانى حتى يحكم الله بينى وبين صاحبك، وإن قتلت ولدى فالمصير إلى الله تعالى، ومن ورائنا الحساب وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ
[1] أبو بكرة: نفيع بن الحارث أو مسروح، وكان قد تدلى إلى النبى صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ببكرة، فكناه صلى الله عليه وسلم أبا بكرة، واشتهر بهذه الكنية.
[2]
الجريب فى المساحة: قيل: عشرة آلاف ذراع، وقيل: ثلاثة آلاف وستمائة ذراع، وقالوا: يختلف مقدارها بحسب اصطلاح أهل الأقاليم، والجريب فى الطعام أربعة أقفزة. انظر المصباح.
ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
[1]
فأراد بسر قتلهم وأتاه أبو بكرة [2] فقال له: قد أخذت ولد أخى بلا ذنب، وقد صالح الحسن معاوية على ما أصاب أصحاب علىّ رضى الله عنه حيث كانوا، فليس عليهم ولا على أبيهم سبيل، وأجّله أياما حتّى يأتى بكتاب معاوية، فركب أبو بكرة إلى معاوية وهو بالكوفة، فلما أتاه قال له: يا معاوية إن الناس لم يعطوك بيعتهم على قتل الأطفال! قال: وما ذاك يا أبا بكرة؟ قال: بسر يريد قتل بنى أخى زياد، فكتب إليه بتخليتهم، فأخذ كتابه وعاد، فوصل البصرة يوم الميعاد، وقد أخرج بسر أولاد زياد مع طلوع الشمس، ينتظر بهم الغروب ليقتلهم، واجتمع الناس لذلك وهم ينتظرون أبا بكرة؛ إذ رفع على نجيب أو برذون يكدّه [3] ، فوقف فنزل عنه وألاح بثوبه، وكبّر وكبّر الناس معه، وأقبل يسعى على رجليه، فأدرك بسرا قبل أن يقتلهم، فدفع إليه الكتاب، فأطلقهم.
وكان زياد قد تحصّن بالقلعة التى تسمّى «قلعة زياد» .
وأمّا بسر فلم يطل مقامه بالبصرة، بل عزله معاوية فى بقية سنة إحدى وأربعين، وأراد أن يستعمل عتبة بن أبى سفيان [4]، فكلمه ابن عامر وقال له: إن لى بالبصرة ودائع وأموالا، فإن لم تولّنى عليها ذهبت. فولّاه البصرة، فقدمها فى آخر سنة إحدى وأربعين، وجعل إليه خراسان وسجستان، فجعل على شرطته حبيب بن شهاب
[1] آية 227 من سورة الشعراء.
[2]
سيأتى فى «ذكر استلحاق معاوية بن أبى سفيان زياد بن أبيه وهو ابن سمية» أن سمية أم زياد ولدت أبا بكرة- واسمه نفيع- عند الحارث بن كلدة الطبيب الثقفى.
[3]
يكده: يستعجله.
[4]
أى: أراد معاوية بن أبى سفيان أن يستعمل أخاه عتبة بن أبى سفيان على البصرة.
وعلى القضاء عميرة بن يثربىّ أخا عمرو، وقد تقدم فى وقعة الجمل أن عميرة قتل فيها، وقيل: المقتول عمرو [1] .
واستعمل ابن عامر قيس بن الهيثم على خراسان، وكان أهل باذغيس وهراة وبوشنج [2] قد نكثوا، فسار إلى بلخ، فأخرب نوبهارها [3] ، وكان الذى تولى ذلك عطاء [4] بن السائب مولى بنى ليث، واتخذ قناطر على ثلاثة أنهار من بلخ على فرسح، فقيل: قناطر عطاء، فسأل أهلها الصلح ومراجعة الطاعة، فصالحهم قيس، وقيل: إنما صالحهم الربيع ابن زياد سنة إحدى وخمسين، ثم قدم قيس على ابن عامر فضربه وحبسه، واستعمل عبد الله بن خازم، فأرسل إليه أهل هراة وباذغيس وبوشنج يطلبون الأمان والصلح، فصالحهم وحمل إلى ابن عامر مالا.
وفيها ولد على بن عبد الله بن العباس، وقيل: ولد سنة أربعين قبل قتل على رضى الله عنه، والأول أصح.
وحج بالناس فى هذه السنة عتبة بن أبى سفيان، وقيل: عنبسة بن أبى سفيان.
[1] الراجح أن المقتول فى وقعة الجمل هو عمرو بن يثربى أخو عميرة بن يثربى، انظر الإصابة ج 3 ص 119 وجمهرة أنساب العرب ص 195 والقاموس.
[2]
بوشنج: بلدة خصيبة من نواحى هراة، وكذلك «باذغيس» من نواحى هراة.
[3]
نوبهار ببلخ بناء: كان أهلها يعظمونه تعظيما، وتفسير النوبهار: البهار الجديد، وكان من عاداتهم أنهم إذا بنوا بناء يهتمون به كللوه بالريحان وتوخوا لذلك أول ريحان يطلع فى ذلك الوقت، فلما بنوا ذلك البيت جعلوا عليه أول ما يظهر من الريحان، فكان البهار، فسمى «النوبهار» لذلك.
[4]
وكان يقال له «عطاء الخشك» لأنه أول من دخل من المسلمين باب هراة الذى يقال له «خشك» .