المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر قتال الخوارج - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٢٠

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء العشرون

- ‌[تتمة الفن الخامس في التاريخ]

- ‌[تتمة القسم الخامس من الفن الخامس في أخبار الملة الإسلامية]

- ‌[تتمة الباب الثاني من القسم الخامس في أخبار الخلفاء الراشدين]

- ‌ذكر خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر صفته رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر نبذة من فضائله رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر بيعة على رضى الله تعالى عنه

- ‌ذكر تفريق على عماله وخلاف معاوية رضى الله عنهما

- ‌ذكر ابتداء وقعة الجمل

- ‌ذكر مسير على الى البصرة وما اتّفق له فى مسيره ومن انضمّ إليه ومراسلته أهل الكوفة

- ‌ذكر ارسال على الى أهل الكوفة

- ‌ذكر مراسلة على طلحة والزبير وأهل البصرة فى الصلح وإجابتهم إليه وانتظام الصلح وكيف أفسده قتلة عثمان

- ‌ذكر اجتماع قتلة عثمان بذى قار وتشاورهم وما اتفقوا عليه من المكيدة التى اقتضت نقض الصلح ووقوع الحرب

- ‌ذكر مسير على رضى الله عنه ومن معه من ذى قار إلى البصرة ووقعه الجمل

- ‌ذكر مقتل طلحة رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر مقتل الزبير بن العوام رضى الله عنه وشىء من أخباره

- ‌ذكر وقعة صفين وابتداء أمرها

- ‌ذكر ارسال على الى معاوية وجوابه [1]

- ‌ذكر الموادعة بين على ومعاوية فى شهر المحرم وما كان بينهما من المراسلة والأجوبة فى الشهر

- ‌ذكر الحروب التى كانت بصفين بعد الأيام الستة فى يومى الأربعاء والخميس وليلة الهرير ويوم الجمعة إلى أن رفعت المصاحف وتقرّر أمر الحكمين

- ‌ذكر رفع أهل الشام المصاحف وما تقرر من أمر التحكيم وكتاب القضية

- ‌ذكر اجتماع الحكمين

- ‌ذكر أخبار الخوارج الذين خرجوا على عهد علىّ وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبرهم [3] بعد صفين

- ‌ذكر خبرهم عند توجيه الحكمين

- ‌ذكر اجتماع الخوارج بعد الحكمين

- ‌ذكر قتال الخوارج

- ‌ذكر أخبار من خرج بعد أصحاب النّهروان

- ‌ذكر خلاف الخريت بن راشد التميمى وبنى ناجية على علىّ رضى الله عنه وما كان من أمرهم

- ‌ذكر ما اتفق فى مدة خلافته رضى الله عنه

- ‌سنة ست وثلاثين ذكر ولاية قيس بن سعد مصر

- ‌سنة سبع وثلاثين

- ‌سنة ثمان وثلاثين

- ‌ذكر خبر عبد الله بن الحضرمى حين بعثه معاوية إلى البصرة وما كان من أمره إلى أن قتل

- ‌سنة تسع وثلاثين

- ‌سنة اربعين

- ‌ذكر مقتل على بن أبى طالب رضى الله عنه وشىء من سيرته

- ‌ ذكر أزواج على رضى الله عنه وأولاده وكاتبه وقاضيه وحاجبه

- ‌ذكر خلافة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما

- ‌ذكر تسليم الحسن بن على الخلافة إلى معاوية بن أبى سفيان

- ‌ذكر أخبار سعد بن أبى وقاص ووفاته رضى الله عنه

- ‌ذكر أخبار سعيد بن زيد رضى الله عنه ووفاته

- ‌الباب الثالث من القسم الخامس من الفن الخامس فى أخبار الدولة الأموية

- ‌ذكر قدوم عمرو بن العاص على معاوية وصلحه معه

- ‌ذكر مقتل محمد بن أبى حذيفة وشىء من أخباره

- ‌ذكر ملك عمرو بن العاص مصر ومقتل محمد بن أبى بكر ووفاة الأشتر وما يتصل بذلك

- ‌ذكر سرايا معاوية الى بلاد على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ذكر مسير بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن وما فعله

- ‌ذكر الغزوات والفتوحات فى أيام معاوية بعد أن استقل بالأمر

- ‌ذكر غزو السند

- ‌ذكر غزوة القسطنطينية

- ‌ذكر فتح جزيرة أرواد

- ‌ذكر أخبار الخوارج فى أيام معاوية وما كان من أمرهم

- ‌ذكر خبر المستورد الخارجى

- ‌ذكر عروة بن أدية وأخيه مرداس بن أدية وغيرهما من الخوارج

- ‌ذكر الحوادث فى أيام معاوية بن أبى سفيان غير ما تقدم، على حكم السنين منذ خلص له الأمر إلى أن توفى إلى رحمة الله

- ‌سنة احدى وأربعين

- ‌ذكر صلح معاوية وقيس بن سعد بن عبادة

- ‌ذكر استعمال معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة

- ‌ذكر استعمال بسر بن أرطاة

- ‌سنة اثنتين وأربعين

- ‌ذكر قدوم زياد بن أبيه على معاوية بن أبى سفيان

- ‌سنة ثلاث وأربعين

- ‌ذكر وفاة عمرو بن العاص وشىء من أخباره واستعمال عبد الله ابن عمرو على مصر

- ‌سنة أربع وأربعين

- ‌ذكر عزل عبد الله بن عامر عن البصرة واستعمال الحارث بن عبد الله

- ‌ذكر استلحاق معاوية بن أبى سفيان زياد بن أبيه وهو ابن سميّة

- ‌سنة خمس وأربعين

- ‌ذكر عمال زياد بن أبيه

- ‌سنة ست وأربعين ذكر وفاة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌سنة تسع وأربعين

- ‌ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌سنة خمسين

- ‌ذكر وفاة المغيرة بن شعبة

- ‌ذكر ولاية زياد الكوفة

- ‌ذكر ما قصده معاوية من نقل المنبر من المدينة إلى الشام ومن قصد ذلك بعده من الأمراء

- ‌ذكر وفاة الحكم بن عمرو الغفارى

- ‌سنة احدى وخمسين

- ‌ذكر مقتل حجر بن عدى وعمرو بن الحمق وأصحابهما

- ‌سنة اثنتين وخمسين

- ‌سنة ثلاث وخمسين

- ‌ذكر وفاة زياد بن أبيه

- ‌سنة اربع وخمسين ذكر عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على خراسان ومسيره إلى جبال بخارى

- ‌سنة خمس وخمسين ذكر ولاية عبيد الله بن زياد على البصرة

- ‌سنة ست وخمسين ذكر البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد

- ‌ذكر مراسلة معاوية زيادا فى شأن البيعة

- ‌ذكر ارسال معاوية الى مروان بن الحكم

- ‌ذكر من وفد الى معاوية من أهل الأمصار فى شأن البيعة. وما تكلم به بعضهم وبيعة أهل العراق والشام ليزيد

- ‌ذكر مسير معاوية الى الحجاز وكيف أخذ البيعة ليزيد على أهل الحجاز

- ‌ذكر استعمال سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان وغزوه

- ‌سنة سبع وأربعين

- ‌سنة ثمان وأربعين

- ‌ذكر عزل الضحاك عن الكوفة واستعمال عبد الرحمن بن أم الحكم وطرده عنها واستعماله على مصر وطرده عنها أيضا

- ‌سنة تسع وخمسين

- ‌ذكر عزل عبيد الله بن زياد عن البصرة وعوده إليها

- ‌سنة ستين ذكر وفاة معاوية بن أبى سفيان وما أوصى به عند وفاته

- ‌ذكر شىء من سيرته وأخباره

- ‌ذكر صفة معاوية وأولاده وأزواجه وكتّابه وقضاته وحجّابه وشرطه وعمّاله

- ‌ذكر بيعة يزيد بن معاوية

- ‌ذكر ارسال الوليد بن عتبة إلى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير، وما كان بينهم فى أمر البيعة وخروجهما إلى مكة رضى الله عنهما

- ‌ذكر استعمال عمرو بن سعيد على المدينة

- ‌ذكر مقدم الحسين إلى مكة

- ‌ذكر استعمال عبيد الله بن زياد على الكوفة وقدومه إليها وخبره مع هانى بن عروة

- ‌ذكر ظهور مسلم بن عقيل

- ‌سنة أحدى وستين ذكر مسير [1] الحسين بن على رضى الله عنهما وخبر من نهاه عن المسير

- ‌ذكر ما تكلم به الحسين رضى الله عنه قبل إنشاب الحرب وما وعظ به الناس وما أجابوه وما تكلم به أصحابه وما أجيبوا به وخبر مقتله

- ‌ذكر تسمية من قتل مع الحسين بن على رضى الله عنهما ومن سلم ممن شهد القتال

- ‌ذكر ما كان بعد مقتل الحسين مما هو متعلق بهذه الحادثة

- ‌ذكر ورود الخبر بمقتل الحسين رضى الله عنه إلى المدينة وعود أهله إليها

- ‌ذكر ما ورد من الاختلاف فى مقر رأس الحسين وأين دفن

- ‌ذكر مقتل أبى بلال مرداس بن حدير الحنظلى [1] الخارجى

- ‌سنة اثنين وستين ذكر وفد أهل المدينة إلى يزيد بن معاوية وخلعهم له عند عودهم

- ‌سنة ثلاث وستين ذكر وقعة الحرّة

- ‌سنة اربع وستين ذكر مسير مسلم بن عقبة إلى مكة لحصار عبد الله بن الزبير، ووفاة مسلم والحصار الأول وإحراق الكعبة

- ‌ذكر وفاة يزيد بن معاوية وشىء من أخباره

- ‌ذكر بيعة معاوية بن يزيد بن معاوية

- ‌ذكر أخبار من بويع بالعراق أو لم يتم أمره إلى أن بويع

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن الحارث البصرة

- ‌ذكر مقتل مسعود بن عمرو الأزدى وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام

- ‌ذكر خبر أهل الكوفة وما كان من أمرهم [بعد ابن زياد] [1] إلى أن بويع ابن الزبير

- ‌ذكر خبر خراسان وما كان من أمر سلم بن زياد وبيعته وخبر عبد الله بن خازم

- ‌ذكر بيعة عبد الله بن الزبير وما حدثت فى أيامه من الوقائع والحوادث المتعلقة به والكائن [1] فى أعمال ولايته

- ‌ذكر فراق الخوارج عبد الله وما كان من أمرهم

- ‌ذكر مقتل نافع بن الأزرق أمير الخوارج وغيره منهم

- ‌ذكر محاربة المهلب الخوارج وقتل أميرهم عبيد الله بن الماحوز

- ‌ذكر خبر التوابين وما كان من أمرهم وأخبارها إلى أن قتلوا

- ‌فهرس الجزء العشرين

الفصل: ‌ذكر قتال الخوارج

‌ذكر قتال الخوارج

قيل: كان سبب ذلك أن الخوارج من البصرة لما دنوا من من النهروان رأوا رجلا يسوق بامرأة على حمار، فدعوه وانتهروه فأفزعوه، وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خبّاب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا له: أفزعناك! قال: نعم قالوا لا روع عليك، حدّثنا عن أبيك حديثا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفعنا به، فقال:

حدثنى أبى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه، يمسى فيها مؤمنا ويصبح كافرا، ويصبح مؤمنا ويمسى كافرا

، قالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول فى أبى بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرا. فقالوا: ما تقول فى عثمان فى أوّل خلافته وفى آخرها؟ قال: إنه كان محقّا فى أولها وآخرها، قالوا: فما تقول فى علىّ قبل التحكيم وبعده؟ قال: أقول إنه أعلم بالله منكم، وأشدّ توقّيا على دينه، وأنفذ بصيرة. قالوا: إنك تتبع الهوى وتوالى الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا، فأخذوه وكتفوه، ثم أقبلوا بامرأته وهى حبلى متمّ [1] حتى نزلوا تحت نخل مواقر، فسقطت رطبة، فأخذها أحدهم فتركها فى فيه، فقال له آخر: أخذتها بغير حلها وبغير ثمن. فألقاها، ثم مر بهم خنزير لأهل الذمة، فضربه أحدهم بسيفه، فقالوا له: هذا فساد فى الأرض. فلقى صاحب الخنزير فأرضاه. فلما رأى عبد الله

[1] حبل متم: قريبة الوضع.

ص: 174

ابن خبّاب ذلك منهم قال: «إن كنتم صادقين فيما أرى فما على منكم من بأس، إنّى مسلم ما أحدثت فى الإسلام حدثا، ولقد أمنتمونى، فقلتم: لا روع عليك» فأضجعوه فذبحوه، وأقبلوا إلى المرأة فقالت:

أنا امرأة، ألا تتقون الله. فبقروا بطنها وقتلوا ثلاث نسوة من طيىء، وقتلوا أمّ سنان الصيداوية.

فلما بلغ عليّا رضى الله عنه ذلك بعث إليهم الحارث بن مرّة العبدىّ ليأتيهم، وينظر ما بلغه عنهم، ويكتب به إليه، فلما دنا منهم يسألهم قتلوه. وأتى الخبر إلى على، فقال له الناس:«يا أمير المؤمنين علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا فى عيالنا وأموالنا! سر بنا إلى القوم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدوّنا من أهل الشام» . فأجمع علىّ رضى الله عنه على ذلك، وخرج وسار إليهم. فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم أقتلهم بهم، ثم أنا تارككم وكافّ عنكم حتّى ألقى أهل المغرب، فلعل الله يقبل قلوبكم [1]، ويردّكم إلى خير مما أنتم عليه [من أمركم] [2] فقالوا: كلّنا قتلهم، وكلّنا مستحلّ لدمائكم ودمائهم. فراسلهم مرة بعد أخرى.

وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة، فكلّمهم ونصحهم، وأشار عليهم بالمراجعة والدخول فيما خرجوا منه، فأبوا. وخطبهم أبو أيوب الأنصارى رضى الله عنه وحذّرهم تعجيل الفتنة. وأتاهم علىّ رضى الله عنه فكلّمهم ووعظهم وذكرهم. فتنادوا: «لا تخاطبوهم

[1] كذا جاء فى المخطوطة، مثل الكامل لابن الأثير، وجاء فى ابن جرير الطبرى «يقلب قلوبكم» .

[2]

ثبتت هذه العبارة فى النسخة (ن) . وسقطت من (ك) .

ص: 175

ولا تكلمّوهم، وتهيئوا للقاء الله، الرواح الرواح إلى الجنة» .

فعاد علىّ عنهم.

ثم إن الخوارج قصدوا الجسر، فقال أصحاب علىّ له: إنهم عبروا النهر، فقال: لن يعبروه، فأرسلوا طليعة، فعاد. وأخبر [1] أنهم عبروا النهر، وكان بينهم وبينه عطفة من النهر، فلخوف الطليعة منهم لم يقربهم فعاد، فقال: قد عبروا النهر. فقال علىّ رضى الله عنه: «والله ما عبروه، وإن مصارعهم لدون الجسر، وو الله لا يقتل منكم عشرة، ولا يسلم منهم عشرة» . وتقدم علىّ إليهم فرآهم عند الجسر لم يعبروه، وكان الناس قد شكّوا فى قوله وارتاب به بعضهم، فلما رأوهم لم يعبروا كبّروا وأخبروا عليّا رضى الله عنه بحالهم، فقال والله ما كذبت ولا كذبت.

ثم عبّأ أصحابه، فجعل على ميمنته حجر بن عدىّ، وعلى ميسرته شبث بن ربعىّ أو معقل بن قيس الرّياحى، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصارى رضى الله عنه، وعلى الرّجالة أبا قتادة الأنصارىّ رضى الله عنه، وعلى أهل المدينة- وهم سبعمائة أو ثمانمائة. قيس بن سعد ابن عبادة رضى الله عنه.

وعبأت الخوارج فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصن الطائى، وعلى الميسرة شريح بن أبى أوفى العبسىّ، وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسدىّ، وعلى رجّالتهم حرقوص بن زهير السّعدىّ.

وأعطى علىّ رضى الله عنه أبا أيّوب الأنصارىّ راية أمان، فناداهم

[1] كذا جاء فى النسخة (ن) وهو المناسب لما يأتى بعده، وفى النسخة (ك) :«فعادوا وأخبروا» .

ص: 176

أبو أيوب فقال: «من جاء هذه الراية فهو آمن ممّن لم يقتل ولم يتعرض، ومن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن، لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم فى سفك دمائكم» . فقال فروة بن نوفل الأشجعىّ: «والله ما أدرى على أى شىء نقاتل عليا؟: أرى أن أنصرف حتى تتضح لى بصيرتى فى قتاله، أو أتابعه» . فانصرف فى خمسمائة فارس، حتى نزل البندنيجين [1] والدّسكرة، وخرجت طائفة أخرى متفرقين فنزلوا الكوفة.

وخرج إلى علىّ رضى الله عنه نحو مائة، وكان الخوارج فى أربعة آلاف؛ فبقى مع عبد الله بن وهب ألف وثمانمائة، فزحفوا إلى علىّ رضى الله عنه وكان قد قال لأصحابه: كفّوا عنهم حتى يبدءوكم.

فتنادوا. الرواح إلى الجنة. فحملوا على الناس فافترقت خيل علىّ فرقتين، فرقة نحو الميمنة، وفرقة نحو الميسرة،، فاستقبلت الرماة وجوههم بالنبل، وعطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة، ونهض إليهم الرجال بالرماح والسّيوف فما لبثوا أن أناموهم، فلما رأى حمزة بن سنان الهلاك نادى أصحابه أن انزلوا، فذهبوا لينزلوا فلم يلبثوا حتى حمل عليهم الأسود بن قيس، وجاءتهم الخيل من نحو علىّ فأهلكوا فى ساعة، فكأنّما قيل لهم موتوا فماتوا.

قال: وأخذ علىّ ما فى عسكرهم من شىء، فأما السّلاح والدّواب

[1] كذا جاء عند الطبرى وابن الأثير وياقوت وغيرهم. قال ياقوت: هى بلدة مشهورة فى طرف النهروان من ناحية الجبل. وفى المخطوطة: «البندجين» .

ص: 177

وما شهر [1] عليه فقسمه بين المسلمين، وأما المتاع والعبيد والإماء فإنه ردّه على أهله حين قدم.

وطاف عدىّ بن حاتم فى القتلى على ابنه طرفة، فدفنه، ودفن رجال قتلاهم، فقال علىّ حين بلغه ذلك تقتلونهم ثم تدفنونهم! ارتحلوا. فارتحل الناس ولم يقتل من أصحاب علىّ إلا سبعة؛ منهم يزيد بن نوبرة وله صحبة [2] وسابقة.

وهؤلاء الخوارج هم الذين ورد فى أمرهم فى الصحيح [الحديث][3]

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قوما يخرجون يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة [4] علامتهم رجل مخدج اليد [5] »

فالتمسه علىّ فى القتلى فوجده، فنظر فى عضده فإذا لحم مجتمع كثدى المرأة، وحلمة عليها شعرات سود، فإذا مدّت امتدت حتى تحاذى يده الطّولى، ثم تترك فتعود إلى منكبه. وكان علىّ رضى الله عنه يحدّث الناس بهذا الحديث قبل وقعة الخوارج [6] .

[1] كذا جاء فى المخطوطة، مثل ما فى الكامل لابن الأثير، وجاء فى تاريخ الطبرى «وما شهدوا به عليه الحرب» .

[2]

انظر الاستيعاب ج 3 ص 655 وأسد الغابة ج 5 ص 122 والإصابة ج 3 ص 664.

[3]

ثبتت هذه الكلمة فى النسخة (ن) وسقطت من (ك) .

[4]

أى يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم الشىء المرمى به ويخرج منه.

[5]

مخدج اليد: ناقص اليد.

[6]

انظر فى صحيح البخارى «كتاب استتابة المرتدين» ومن أبوابه «باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم» و «باب من ترك قتال الخوارج للتألف وأن ينفر الناس عنه» وقد روى بسنده عن على رضى الله عنه الحديث «سيخرج قوم.» وروى أيضا بسنده عن أبى سلمة وعطاء بن يسار أنهما «أتيا أبا سعيد الخدرى فسألاه عن الحرورية:

أسمعت النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أدرى ما الحرورية؟ سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج فى هذه الأمة- ولم يقل: منها- قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية» وروى أيضا بسنده عن أبى سلمة عن أبى سعيد قال (

آيتهم رجل إحدى يديه أو قال ثدييه مثل ثدى المرأة أو قال مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس قال أبو سعيد: أشهد أنى سمعت من النبى صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن عليا قتلهم وأنا معه، جىء بالرجل على النعت الذى نعته النبى صلى الله عليه وسلم» وانظر حديث (ذى الثدية) عند ابن أبى الحديد ج 1 ص 202- 205 وانظر فى النهاية ولسان العرب شرحه فى المواد: خ د ج، ود ن، ث د ن، ث د ى، م ر ق، ر م ى، د ر د ر.

ص: 178

وقيل كانت هذه الوقعة فى سنة ثمان وثلاثين.

قال: ولمّا فرغ علىّ رضى الله عنه من هذه الوقعة حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنّ الله قد أحسن بكم، وأعزّ نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوّكم. قالوا:«يا أمير المؤمنين، نفدت سهامنا، وكلّت سيوفنا، ونصلت [1] أسنة رماحنا وعاد أكثرها قصدا [2] ، فارجع إلى مصرنا. فلنستعدّ [بأحسن عدّتنا] [3] ولعل أمير المؤمنين يزيد فى عدّتنا فإنه أقوى لنا على عدوّنا» . وكان الذى تولّى كلامه الأشعث بن قيس، فأقبل حتّى نزل النّخيلة، فأمر الناس أن يلزموا عسكرهم، ويوطّنوا على الجهاد لعدوهم أنفسهم، وأن يقلوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتّى يسيروا إلى عدوّهم. فأقاموا فيه أياما ثم تسللوا من معسكرهم، فدخلوا إلّا رجالا من وجوه الناس وترك العسكر خاليا.

فلما رأى علىّ ذلك دخل الكوفة، وانكسر عليه رأيه فى المسير. وخطبهم مرة بعد أخرى، وحثّهم على الخروج إلى الشام فلم يتهيأ له ذلك. وحيث

[1] فصلت: خرجت.

[2]

قصدا: قطعا.

[3]

الزيادة من رواية ابن جرير الطبرى.

ص: 179