الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وأظهر علىّ العزم على قتال معاوية، وكتب إلى عمّاله أن ينتدبوا الناس إلى الشام.
ثم استأذنه طلحة والزبير فى العمرة، فأذن لهما.
ودعا علىّ ابنه محمد بن الحنفيّة، فدفع إليه اللواء، وولى عبد الله بن عباس ميمنته، وعمرو بن أبى سلمة- أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد- ميسرته، وجعل أبا ليلى بن عمر بن الجرّاح (ابن أخى أبى عبيدة) على مقدّمته، واستخلف على المدينة قثم بن العبّاس.
ذكر ابتداء وقعة الجمل
ومسير عائشة وطلحة والزبير ومن معهم إلى البصرة وما كان من الحرب إلى أن استقروا بها وإخراج عثمان بن حنيف عامل على رضى الله عنه كان ابتداء وقعة الجمل أنّ عائشة رضى الله عنها كانت قد خرجت إلى الحجّ وعثمان محصور- كما ذكرنا- فلمّا قضت الحجّ وعادت أتاها الخبر بقتله وخلافة علىّ، وهى يسرف [1]، فرجعت إلى مكة وهى تقول:«قتل- والله- عثمان مظلوما! والله لأطلبنّ بدمه!» وطلبت مكة، فقصدت الحجر، فسمرت فيه، واجتمع الناس إليها، فقالت: «أيّها الناس، إنّ الغوغاء من أهل الامصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما بالأمس، ونقموا [2] عليه استعمال من حدثت سنّه، وقد استعمل أمثالهم
[1] سرف: موضع على ستة أميال من مكة.
[2]
نقموا: أنكروا.
من قبله، ومواضع من الحمى حماها لهم [1] ، [وهى أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها،][2] فتابعهم، ونزع [لهم][2] عنها (استصلاحا لهم)[2] ، فلمّا لم يجدوا حجّة ولا عذرا بادروا بالعدوان، فسفكوا الدم الحرام، وأستحلّوا البلد الحرام والشهر الحرام، وأخذوا المال الحرام، والله لإصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم! وو الله لو أنّ الّذى اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذّهب من خبثة أو الثّوب من درنه إذ ما صوه [3] كما يماص الثّوب بالماء!» فقال عبد الله بن [عمرو بن] [4] الحضرمى (وكان عامل عثمان على مكة) :«ها أنا [ذا] [5] أوّل طالب» ، فكان أوّل مجيب، وتبعه [6] بنو أميّة على ذلك، وكانوا قد هربوا من المدينة إلى مكة بعد قتل عثمان، وتبعهم سعيد بن العاص والوليد ابن عقبة.
[1] قال عثمان- رضى الله عنه دفاعا عن نفسه: «وأما الحمى فان عمر حمى الحمى قبل لإبل الصدقة فلما وليت زادت إبل الصدقة، فزدت فى الحمى لما زاد فى إبل الصدقة» .
انظر تاريخ ابن جرير الطبرى فى ج 3 ص سنة 390.
[2]
الزيادة من تاريخ ابن جرير ج 3 ص 468.
[3]
[4]
هذا هو الصواب، كما ذكراه ابن حجر فى الإصابة ج 2 ص 351 وابن جرير وغيره فى أسماء عمال عثمان، وهو غير عبد الله بن عامر بن كريز القرشى وإلى البصرة الذى يأتى مذكره بعد أسطر. وقد جاء فى المخطوطة «عبد الله بن عامر الحضرمى» وهو خطأ وقع أيضا فى نسخ الطبرى وابن الأثير فى هذا الموضع.
[5]
كذا جاء فى تاريخ ابن جرير ج 3 ص 648. ووقع فى المخطوطة: «ها أنا أول طالب» .
[6]
كان عبد الله بن الحضرمى حليفا لبنى أمية.
وقدم عليهم عبد الله بن عامر [1] من البصرة بمال كثير ويعلى ابن أميّة (وهو ابن منية)[2] من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف، فأناخ بالأبطح.
وقدم طلحة والزّبير من المدينة، فلقيا عائشة: فقالت:
ما وراءكما؟ فقالا: «إنّا تحمّلنا هرّابا [3] من المدينة من غوغاء وأعراب، وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقّا ولا ينكرون باطلا ولا يمنعون أنفسهم» ، فقالت: انهضوا إلى هذه الغوغاء. فقالوا:
نأتى الشام. فقال ابن عامر: «قد كفاكم معاوية الشام، فأتوا البصرة، فإنّ لى بها صنائع، ولهم فى طلحة هوى» ، قالوا:
«قبحك الله! فو الله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب، فهلّا أقمت كما أقام معاوية فنكتفى بك، ثم نأتى الكوفة فنسدّ على هؤلاء القوم مذاهبهم» . فلم يجدوا [4] عنده جوابا مقبولا.
حتّى إذا استقام لهم الرأى على البصرة قالوا: «يا أمّ المؤمنين، دعى المدينة، فإنّ من معنا لا يطيق من بها من الغوغاء، [واشخصى [5] معنا إلى البصرة، فإنّا] [6] نأتى بلدا مضيعا، وسيحتجّون علينا [فيه][6] ببيعة علىّ فتنهضينهم [7] كما أنهضت أهل مكة،
[1] سبق أنه ابن خال عثمان بن عفان وواليه على البصرة.
[2]
سبق ذكره وأنه عامل عثمان على صنعاء اليمن.
[3]
أى: ارتحلنا هاربين.
[4]
كذا جاء عند الطبرى وابن الأثير. وفى المخطوطة: «فلم تجد» .
[5]
أى: اذهبى.
[6]
الزيادة من تاريخ الطبرى.
[7]
كذا جاء عند الطبرى وابن الأثير وفى المخطوطة «فتهضهم» .. وقد جاء فى بعض الروايات أن طلحة والزبير قالا لعائشة: «إنا نأتى أرضا قد أضيعت وصارت إلى على، وقد أجبرنا على على بيعته، وهم محتجون علينا بذلك وتاركوا أمرنا، إلا أن تخرجى فتأمرى ما أمرت بمكة» .
فإن أصلح الله الأمر كان الذى أردنا، وإلّا دفعنا [عن هذا الأمر][1] بجهدنا، حتّى يقضى الله ما أراد» . فأجابتهم إلى ذلك.
ودعوا عبد الله بن عمر ليسير معهم، فأبى، وقال:«أنا رجل من أهل المدينة، أفعل ما يفعلون» . فتركوه.
وكان أزواج النّبى صلى الله عليه وسلم مع عائشة على قصد المدينة، فلما تغيّر رأيها إلى البصرة تركن [2] ذلك. وأجابتها حفصة على المسير معها، فمنعها أخوها عبد الله [3] .
وجّهزهم يعلى بن منية بستّمائة ألف وستمائة بعير، وجهّزهم ابن عامر بمال كثير.
ونادى مناديها: «إنّ أمّ المؤمنين وطلحة والزّبير شاخصون إلى البصرة، فمن أراد إعزاز الإسلام وقتال المحلين [4] والطلب بثأر عثمان وليس له مركب ولا جهاز فليأت» . فحملوا ستّمائة على ستمائة بعير، وساروا فى ألف- وقيل فى تسعمائة- من أهل المدينة ومكة، وتلاحقت بهم الناس، فكانوا فى ثلاثة آلاف رجل.
وأعان يعلى بن منية الزّبير بأربعمائة ألف، وحمل سبعين
[1] الزيادة من تاريخ الطبرى.
[2]
كذا جاء عند الطبرى وابن الأثير، وفى المخطوطة «تركوا» .
[3]
عبد الله بن عمر بن الخطاب أخو أم المؤمنين حفصة لأبيها وأمها، كما سبق فى هذا الكتاب ج 18 ص- 176.
[4]
كذا جاء عند ابن جرير وابن الأثير، و «المحلون» يراد بهم هنا: الذين أحلوا ما حرم الله وانتهكوا حرماته، وهذا يناسب ما سبق قريبا من قول عائشة «سفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام» ، وفى المخطوطة «المخلين» بالخاء المعجمة، والمعنى عليه غير بعيد.
من قريش، وأعطى عائشة جملا، اسمه «عسكر» ، واشتراه بمائتى دينار، وقيل: بثمانين دينارا، وقيل: كان لرجل من عرينة، فابتيع منه بمهريّة [1] وأربعمائة درهم أو ستمائة درهم.
وخرجت عائشة من مكة ومعها أمّهات المؤمنين إلى ذات عرق [2] فبكوا على الإسلام، فلم ير يوم [3] كان أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم، وكان يسمّى «يوم النّحيب» ..
وكتبت أمّ الفضل [4] بنت الحارث (أمّ عبد الله بن عبّاس) إلى علىّ بالخبر.
ولما خرجت عائشة من مكة أذّن مروان [5] بن الحكم، ثم جاء حتّى وقف على طلحة والزّبير فقال: على أيّكما أسلّم [6] بالإمرة وأؤذّن بالصلاة فقال عبد الله بن الزّبير: على أبى عبد الله (يعنى أباه) . وقال محمد ابن طلحة: على أبى محمد (يعنى أباه) . فأرسلت عائشة إلى مروان فقالت: أتريد أن تفرّق أمرنا، ليصلّ بالناس ابن أختى [7] (تعنى
[1] ناقة مهرية من نوع سريع معروف من الإبل. ينسب إلى «مهرة» .
[2]
موضع على مرحلتين من مكة، ينزل فيه مريد لحج من أهل العراق ليحرم بالحج منه.
[3]
كذا جاء عند ابن جرير وابن الأثير، ووقع فى المخطوطة «يوما» .
[4]
هى لبابة بنت الحارث الهلالية، اشتهرت بكنيتها.
[5]
مروان بن الحكم القرشى الأموى أبو عبد الملك، وهو ابن عم عثمان وكاتبه فى خلافته.
[6]
كذا جاء عند ابن جرير. وفى المخطوطة: «أسأله» .
[7]
ابتعدت بذلك عن ذكر الشيخين اللذين وقع فيهما الاختلاف.
عبد الله بن الزّبير) . وقيل بل صلّى بالناس عبد الرحمن [1] بن عتّاب بن أسيد حتّى قتل.
ولما انتهوا إلى ذات عرق لقى سعيد [2] بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه [3] فقال: أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم؟ (يعنى عائشة وطلحة والزّبير) اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم! فقالوا: نسير فعلّنا نقتل قتلة عثمان
…
فخلا سعيد ابن العاص بطلحة والزّبير، فقال: اصدقانى إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ قالا: نجعله لأحدنا أيّنا اختاره الناس. قال: بل تجعلونه لولد عثمان فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم! قال: فلا أرانى أسعى إلّا لإخراجها من بنى عبد مناف [4] فرجع، ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد [5]، فقال المغيرة بن شعبة:«الرأى ما قال سعيد، من كان ها هنا من ثقيف فليرجع» ، ورجع.
ومضى القوم، ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان، وكان دليلهم رجلا من عرينة، وهو الّذى ابتيع منه الجمل (على أحد الأقوال)، قال العرنىّ: فسرت معهم، فلا أمرّ على واد إلّا
[1] هو من الأمويين، صحابى أو تابعى، انظر الإصابة ج 3 ص 72 وشرح ابن أبى الحديد لنهج البلاغة ج 3 ص 41.
[2]
هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشى الأموى.
[3]
بنى أمية.
[4]
قال ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة ج 3 ص 42 «طلحة من تيم بن مرة والزبير من أسد بن عبد العزى بن قصى، وليس أحد منها من بنى عبد مناف» .
[5]
عبد الله بن خالد أموى، وهو ابن عم عبد الرحمن بن عتاب الذى سبق ذكره قريبا.
سألونى عنه، حتى طرقنا الحوأب- وهو ماء [1]- فنبحتنا كلابه فقالوا: أىّ ماء هذا؟ قلت: هذا ماء الحوأب، فصرخت عائشة بأعلى صوتها، واسترجعت [2] وقالت: إنّى لهيه!
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنسائه: «ليت شعرى أيّتكنّ تنبحها كلاب الحوأب!»
ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت:
«ردّونى! أنا والله صاحبة ماء الحوأب!» فأناخوا حولها يوما وليلة، فقال لها عبد الله بن الزّبير:«إنه كذب، وليس هو ماء الحوأب» ولم يزل بها وهى تمتنع حتّى قال لها: النّجاء النّجاء! قد أدرككم علىّ بن أبى طالب.» فارتحلوا نحو البصرة، فلما كانوا بفنائها لقيهم عمير بن عبد الله التميمى فقال: (يا أمّ المؤمنين، أنشدك الله أن تقدمى اليوم على قوم لم تراسلى منهم أحدا، فعجّلى ابن عامر فإنّ له بها صنائع، فليذهب إليهم [3] » فأرسلته.
وكتبت عائشة إلى رجال من أهل البصرة، وإلى الأحنف بن قيس وأمثاله، وأقامت بالحفير [4] تنتظر الجواب.
ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدّؤلىّ وقال: انطلقا إلى عائشة واعلما علمها وعلم من معها، فأتياها وقالا: إنّ أميرنا بعثنا إليك ليسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: «والله ما مثلى يسير بالأمر المكتوم
[1] من مياه العرب على الطريق بين البصرة ومكة. ويصلح هذا الموضع لنزول المسافرين.
[2]
قالت: «إنا لله وإنا إليه راجعون» .
[3]
زاد ابن جرير الطبرى: «فليلقوا الناس حتى تقدمى ويسمعوا ما جئتم فيه»
[4]
الحفير: ما حفره أبو موسى الأشعرى على طريق البصرة إلى مكة فكان ماؤه عذبا.
إنّ الغوغاء من أهل الأمصار ونزّاع [1] القبائل غزوا حرم رسول الله عليه الصلاة والسلام وأحدثوا فيه الأحداث [2] ، وآووا فيه المحدثين [3] ، فاستوجبوا لعنة الله ولعنة الرسول، مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلاتره [4] ولا عذر، فاستحلّوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلّوا البلد الحرام والشهر الحرام، ومزّقوا الأعراض والجلود، وأقاموا فى دار قوم كارهين لمقامهم ضارّين مضرّين [5] غير نافعين ولا منتفعين، لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت فى المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء، وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغى لهم أن يأتوا فى إصلاح هذه القصّة» وقرأت: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ
[6]
[ثم قالت [7] :] «نهض [8] فى
[1] النزاع من القبائل: جمع «النازع» وهو الغريب الذى نزع عن أهله وعشيرته أى: بعد وغاب.
[2]
الأحداث: جمع حدث، وهو: الأمر الحادث المنكر الذى ليس بمعتاد ولا معروف فى السنة، كما ذكره صاحب النهاية «فى حديث المدينة: من أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا» .
[3]
آووا المحدثين: نصروا الجانين أو أجاروهم من خصومهم وحالوا بينهم وبين أن يقتص منهم.
[4]
الترة: الثأر.
[5]
قد جاء اللفظان بمعنى واحد، وقد يكون المراد ب «مضرين» : الذين يكرهون غيرهم على الأمور التى يريدونها.
[6]
من الآية 114 من سورة النساء.
[7]
زيادة يقتضيها المقام.
[8]
عند الطبرى: «نهض» .
الإصلاح فيمن [1] أمر الله وأمر رسوله الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضّكم عليه، ومنكر ننهاكم عنه ونحثّكم على تغييره فخرجا من عندها، فأتيا طلحة فقالا له: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان. فقالا: ألم تبايع عليّا؟ قال: «بلى، والسّيف على عنقى، وما أستقيل عليّا البيعة إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان» . ثم أتيا الزّبير فقالا له وقال مثل ذلك. فرجعا إلى عائشة فودّعاها، فودّعت عمران، وقالت يا أبا الأسود، إيّاك أن يقودك الهوى إلى النار كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ
(الآية)[2] . وسرّحتهما، ونادى مناديها بالرّحيل.
ومضيا حتّى أتيا عثمان بن حنيف، فبدر أبو الأسود عمران فقال:
يا ابن حنيف قد أتيت فانفر [3] .
…
وطاعن القوم وجالد واصبر
وابرز لهم مستلئما [4] وشمّر
فاسترجع [5] عثمان، وقال: دارت رحى الإسلام [6] وربّ الكعبة! ونادى فى الناس، وأمرهم بلبس السلاح.
[1] عند الطبرى: «ممن» .
[2]
الآية 8 من سورة المائدة.
[3]
انفر: تقدم للقتال.
[4]
مستلئما: لا يسا اللأمة، هى الدرع عدة الحرب.
[5]
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
[6]
روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «تدور رحى الإسلام بخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين»
.. قال الخطابى فى شرحه ج 4 ص 340: دوران الرحى كناية عن الحرب القتال، شبهها بالرحى الدوارة التى تطحن الحب، لما يكون فيها من تلف الأرواح وهلاك الأنفس قال الشاعر يصف حربا
«فدارت رحانا واستدارت وحاهمو....»
قال زهير
«فتعرككم عرك الرحى بثقالها
…
» .
وأقبلت عائشة فيمن معها حتّى انتهوا إلى المربد [1] ، فدخلوا من أعلاه، ووقفوا حتّى خرج عثمان بن حنيف فيمن معه، وخرج إلى عائشة من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، فاجتمع القوم كلّهم بالمربد: عائشة ومن معها فى ميمنته، وعثمان ومن معه فى ميصرته.
فتكلّم طلحة، فأنصتوا له، فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان وفضله وما استحلّ منه [2] ، ودعا إلى الطلب بدمه، وحثّهم عليه.
وتكلّم الزّبير بمثل ذلك. فقال من فى ميمنة المربد: صدقا وبرّا! وقال من فى ميسرته: «فجرا، وغدرا، وأمرا بالباطل! بايعا عليّا ثم جاءا يقولان ما يقولان!» وتحاثى [3] الناس وتحاصبوا [4] .
فتكلّمت عائشة، فحمدت الله وأثنت عليه، وقالت: كان الناس يتجنّون على عثمان، ويزرون [5] على عماله، ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم، ويرون حسنا من كلامنا فى إصلاح بينهم، فننظر فى ذلك فنجده بريّا تقيّا وفيّا،
[1] المربد: كان من أعظم محال البصرة أسواقها سككها.
[2]
فى رواية ابن جرير: وذكر عثمان وفضله والبلد وما استحل منه وعظم ما أتى إليه.
[3]
تحاثى الناس: تراموا التراب فرماه بعضهم فى وجه بعض ولم يذكر أصحاب الصحاح والنهاية واللسان والقاموس وشرحه هذا اللفظ فى مادته، وذكروا «استحثى» لهذا المعنى الذى هو ظاهر فى التفاعل، مثل «تحاصبوا» الآتى، وسيأتى «تحاثوا» قريبا، كما جاء هذا اللفظ عند ابن جرير وابن الأثير.
[4]
تحاصبوا: تراموا بالحصباء، أى الحصى.
[5]
يزرون: يعيبون.
ونجدهم فجرة غدرة كذبه، وهم يحاولون غير ما يظهرون، فلمّا قدروا على المكاثرة كاثروه، فاقتحموا عليه داره، واستحلّوا الدم الحرام والمال الحرام، والبلد الحرام، بلاترة [1] ولا عذر، ألا إنّ فيما ينبغى- لا ينبغى لكم غيره- أخذ قتلة عثمان، وإقامة كتاب الله، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
(الآية [2] ) .
فافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين: فقالت فرقة:
صدقت والله وبرّت وجاءت بالمعروف، وقالت فرقة خلاف ذلك.
فتحاثوا وتحاصبوا وأرهجوا [3] ، فلمّا رأت عائشة ذلك انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان بن حنيف، حتّى وقفوا فى المربد فى موضع الدبّاغين، وبقى أصحاب عثمان على حالهم، يتدافعون حتّى تحاجزوا، ومال بعضهم إلى عائشة [4] .
وأقبل حكيم بن جبلة، وهو على خيل ابن حنيف، فأنشب القتال، فأشرع أصحاب عائشة رماحهم، وأمسكوا ليمسك [5] ، فلم ينته ولم ينثن، وأصحاب عائشة كافّون [إلّا ما دافعوا عن أنفسهم [6]] ثمّ اقتتلوا على فم السّكّة، وأشرف أهل الدّور ممن كان له فى أحد
[1] الترة: الثأر.
[2]
من الآية 23 من سورة آل عمران.
[3]
أرهجوا: أثاروا الغبار.
[4]
وبقى بعضهم مع عثمان بن حنيف على فم السكة، كما ذكره ابن جرير ج 3 ص 482.
[5]
هذا هو المناسب للفعلين بعده، وعبارة ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 109 «وأمسكوا ليمسك حكيم وأصحابه» . وفى المخطوطة وتاريخ ابن جرير:«ليمسكوا» .
[6]
الزيادة من تاريخ ابن جرير.
الفريقين هوى، فرموا فى الأخرى بالحجارة. وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا، حتّى انتهوا إلى مقبرة بنى مازن، فوقفوا بها مليّا [1] ، وثاب إليهم الناس، فحجز الليل بينهم. ورجع عثمان إلى القصر، ورجع الناس إلى قبائلهم، وأتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق [وباتوا يتأهبّون، وبات الناس يأتونهم، واجتمعوا بساحة دار الرزق [2]] .
وأصبح عثمان فغاداهم [3] ، وخرج حكيم، فاقتتلوا قتالا شديدا من حين بزغت الشمس إلى أن زالت، وقد كثر القتل فى أصحاب ابن حنيف، وفشت الجراحة فى الفريقين، ومنادى عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكفّ، فيأبون، حتّى إذا مسّهم الشرّ وعضّتهم الحرب نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح، فأجابوهم: وتداعوا [4] وكتبوا بينهم كتابا [5] على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسأل أهلها،
[1] مليا: زمنا طويلا.
[2]
سقطت هذه العبارة من النسخة (ك) وثبتت فى النسخة (ن) .
[3]
غاداهم: أتاهم أفى وقت الغداة.
[4]
كذا فى المخطوطة، أى: دعا بعضهم بعضا. وعند الطبرى «تواعدوا» . وعند ابن الأثير «توادعوا» .
[5]
فإن كان طلحة والزّبير أكرها على مبايعة علىّ خرج ابن حنيف عن البصرة وأخلاها لهم، وإن كانا لم يكرها على البيعة خرج طلحة والزّبير.
فسار كعب [1] بن سور حتّى أتى المدينة، فقدمها يوم جمعة فسأل أهلها هل أكره طلحة والزّبير على بيعة علىّ أم أتياها طائعين؟
فلم يجبه أحد إلا أسامة ابن زيد فإنه قال: اللهمّ إنّهما لم يبايعا إلّا وهما مكرهان. فواثبه سهل بن حنيف والناس، وثار صهيب وأبو أيّوب فى عدّة من الصحابة، منهم محمد بن مسلمة، حين خافوا أن يقتل أسامة، فقالوا: اللهمّ نعم. فتركوه، وأخذ صهيب أسامة بيده إلى منزله.
وبلغ عليّا الخبر [2] ، فكتب إلى عثمان بن حنيف أنّهما لم يكرها على البيعة.
فلمّا عاد كعب بن سور أمر عثمان بالخروج عن البصرة، فامتنع، واحتجّ بكتاب علىّ، فجمع طلحة والزّبير الرجال فى ليلة مظلمة ذات رياح ومطر، وقصدوا المسجد واقتتلوا، فقتل من أصحاب ابن حنيف أربعون رجلا، ودخل الرجال على ابن حنيف فأخرجوه [إليهما][3] ، فما وصل وفى جهه شعرة، فاستعظما ذلك، وأرسلا إلى عائشة فى أمره، فأرسلت أن خلّوا سبيله، وبقى طلحة والزّبير بالبصرة ومعهما بيت المال والحرس، واستتر من لم يكن معهما.
وبلغ حكيم بن جبلة ما حلّ بعثمان [بن حنيف][4] فقال: لست
[1] كان قاضى البصرة.
[2]
كذا جاء عند ابن الأثير. وفى المخطوطة «على» .
[3]
كذا جاء عند ابن الأثير. وفى المخطوطة «على» .
[4]
كذا جاء فى (ك) وتاريخ ابن الأثير. وسقط من (ن) .