الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وأربعين
فى هذه السنة ولّى معاوية مروان بن الحكم المدينة، وخالد بن العاص بن هشام مكة، فاستقضى مروان عبد الله بن الحارث ابن نوفل [1] .
ذكر قدوم زياد بن أبيه على معاوية بن أبى سفيان
فى هذه السنة قدم زياد بن أبيه على معاوية، وكان معاوية قد كتب إليه يتهدّده، حين قتل على رضى الله عنه، فقام زياد خطيبا فقال:
العجب من ابن آكلة الكبود [2] ، وكهف النفاق، ورئيس الأحزاب يتهدّدننى وبينى وبينه ابنا عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ابن عباس والحسن بن على رضى الله عنهم- فى سبعين ألفا، واضعى سيوفهم على عواتقهم، أما والله لئن خلص إلى ليجدنىّ أحمر ضرّابا بالسيف [3] » فلما صالح الحسن معاوية اعتصم زياد بقلعته كما تقدم ثم، كان من خبر بنيه مع بسر بن أرطاة ما ذكرناه، فأهمّ معاوية أمره، وكان زياد قد استودع عبد الرحمن بن أبى بكرة ماله، فبلغ معاوية ذلك،
[1] عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشى الهاشمى، وأمه هى هند بنت أبى سفيان، فكان معاوية خاله، وكان مرضيا ظاهر الصلاح.
[2]
كانت هند بنت عتبة- وهى أم معاوية- فى جيش المشركين يوم أحد وقد شقت عن بطن حمزة بن عبد المطلب وأخرجت كبده، وجعلت تلوكها، فلم تستطيع أن تسيغها، فلفظتها.
انظر نهاية الأرب ج 17 ص 101.
[3]
أحمر: شديدا. ثم انظر ما يأتى قريبا فى «ذكر استلحاق معاوية بن أبى سفيان زياد بن أبيه» .
فبعث إلى المغيرة بن شعبة لينظر فى أموال زياد، فأخذ عبد الرحمن فقال له لئن كان أبوك أساء إلىّ لقد أحسن عمك [1]- يعنى زيادا- فكتب إلى معاوية: إنى لم أجد فى يد عبد الرحمن مالا يحلّ لى أخذه. فكتب إليه معاوية: أن عذّب عبد الرحمن. فقال لعبد الرحمن: احتفظ بما فى يدك، وألقى على وجهه حريرة [2] ونضحها بالماء فغشى عليه، فعل ذلك ثلاث مرات، ثم خلّاه، وكتب إلى معاوية: إنى عذّبته فلم أجد عنده شيئا.
ثم دخل المغيرة على معاوية فقال له [3] : ذكرت زيادا واعتصامه بفارس فلم أنم ليلتى. فقال المغيرة: ما زياد هناك؟ فقال معاوية: «داهية العرب! معه أموال فارس، يدبّر الحيل، ما يؤمننى أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت، فإذا هم قد أعادوا الحرب جذعة!» واستكتمه معاوية ذلك، فقال المغيرة: أتأذن لى يا أمير المؤمنين فى إتيانه؟
قال: نعم وتلطّف له، فأتاه المغيرة وقال له: إن معاوية استخفه الوجل حتى بعثنى إليك، ولم يكن أحد يمدّ يده إلى هذا الأمر غير الحسن، وقد بايع فخذ لنفسك قبل التّوطين فيستغنى معاوية عنك.
[1] كان الشهود على المغيرة عند عمر بن الخطاب أربعة: أبو بكرة ونافع وشل ابن معبد وزياد، وكلهم أولاد سمية، إلا أن زيادا لم يقطع الشهادة، فسلم المغيرة من الجلد بسبب زياد.
[2]
تطلق «الحريرة» على ما طبخ من الدقيق والدسم، وعلى قطعة الحرير.
[3]
قال معاوية للمغيرة حين نظر إليه:
إنما موضع سر المرء إن
…
باح بالسر أخوه المنتصح
فإذا بحت بسر فإلى
…
ناصح يستره أولا تبح
فقال: يا أمير المؤمنين إن تستودعنى تستودع ناصحا شفيقا ورعا وثيقا فما ذاك يا أمير المؤمنين قال: ذكرت زيادا.... الخ.
قال: أشر علىّ وارم الغرض الأقصى فإن المستشار مؤتمن. فقال المغيرة: أرى أن تصل حبلك بحبله وتشخص إليه. [قال: أرى][1] ويقضى الله. وكتب إليه معاوية بأمانه بعد عود المغيرة عنه.
فخرج زياد من فارس نحو معاوية، ومعه المنجاب بن راشد الضبّى، وحارثة بن بدر، وقدم على معاوية فسأله عن أموال فارس فأخبره بما حمل منها إلى علىّ رضى الله عنه، وما انفق منها فى الوجوه التى تحتاج إلى النفقة، وما بقى عنده وأنه مودع للمسلمين، فصدّقه معاوية فيما أنفق وفيما بقى عنده وقبضه منه، وقيل: إن زيادا لما قال لمعاوية: قد بقيت بقية من المال، وقد أودعتها [قوما][2] فمكث معاوية يروده، فكتب زياد كتبا إلى قوم يقول: قد علمتم ما لى عندكم من الأمانة، فتدبروا كتاب الله إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ.
الآية [3] فاحتفظوا بما عندكم.
وسمى فى الكتب المال الذى أقرّ به لمعاوية، وأمر رسوله أن يتعرّض لبعض من يبلغ ذلك معاوية، ففعل رسوله، وانتشر ذلك، فقال معاوية لزياد حين وقف على الكتب: أخاف أن تكون مكرت بى فصالحنى على ما شئت، فصالحه على ألفى ألف درهم، وحملها زياد إليه، واستأذنه زياد فى نزول الكوفة فأذن له، فكان المغيرة يكرّمه ويعظّمه، وكتب معاوية إلى المغيرة ليلزم زيادا وحجر ابن عدى وسليمان بن
[1] الزيادة من تاريخ ابن جرير الطبرى ج 4 ص 135.
[2]
الزيادة من تاريخ ابن جرير الطبرى ج 4 ص 136.
[3]
الآية 72 من سورة الأحزاب.