الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما ورد من الاختلاف فى مقر رأس الحسين وأين دفن
قد اختلف المؤرخون فى مقر رأسه، فمنهم من قال: إنه دفن بدمشق، ومنهم من زعم أنه نقل إلى مرو؛ ومنهم من يقول: إنه أعيد إلى الجسد ودفن بالطّف؛ ومنهم من قال: دفن بعسقلان، ثم نقل إلى مصر؛ ومنهم من قال: دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمة رضى الله الله عنهما. وقد رأينا أن نذكر أقوالهم فى ذلك ومستحجهم [1] .
قال: فأما من قال إنه دفن بدمشق فإنه يقول: إنه لمّا قتل الحسين رضى الله عنه، وحمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد بالكوفة كما تقدم وقصد حمله إلى دمشق، طلب من يقوره فلم يجبه إلّا طارق بن المبارك مولى بنى أمية وكان حجّاما، ففعل، وقد هجى أبو يعلى الكاتب، وهو أحد أسباط طارق هذا، فقيل فيه:
شقّ رأس الحسين جدّ أبى يع
…
لى وساط [2] الدّماغ بالإبهام
ثم أرسل ابن زياد به إلى دمشق، فنصبه يزيد بن معاوية بها ثلاثة أيام، ووضع فى مسجد عند باب المسجد الجامع، يعرف بمسجد الرأس، (وهو تجاه باب الساعات، كان بابه هناك، ثم سدّ وفتح من مشهد زين العابدين فى سنة ثلاثين وستمائة ونحوها) ، ثم كان الرأس فى خزانة يزيد بن معاوية.
واختلف أيضا القائلون إنه دفن بدمشق فى المكان الذى دفن فيه بها.
فحكى ابن أبى الدنيا فى المقتل عن منصور بن جمهور أنه قال: دخلت
[1] كذا جاء فى النسخة (ك) ، وجاء فى النسخة (ن)«وحججهم» .
[2]
ساطه: خلطه وقلبه.
خزانة يزيد بن معاوية، فلما فتحت أصبت [1] جونة حمراء فقلت لغلام لى يقال له سليم: احتفظ بهذه الجونة فإنها كنز من كنوز بنى أمية، فلما فتحتها وجدت بها رأسا وورقة مكتوب فيها:«رأس الحسين بن على بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وإذا هو مخضوب بالسواد، فلفه فى ثوب ثم دفنه عند باب الفراديس، عند البرج الثالث مما يلى المشرق. وحكى الاسترباذى فى كتابه «الداعى إلى وداع الدنيا» عن أبى سعيد الزاهد أنه قال: قبر الحسين بكربلاء ورأسه بالشام فى مسجد دمشق على رأس أسطوانة، وقال غيره: على عمودين يمين القبلة، وقيل إن يزيد دفنه فى قبر أبيه معاوية، ومنهم من قال: فى مقابر المسلمين.
وأما من قال: إنه بمرو فانه يقول: إن أبا مسلم الخراسانى لما استولى على دمشق، أخذ الرأس ونقله إلى مرو، ودفن بها فى دار الإمارة: وأن الرأس حشى بالمسك وكفّن وصلّى عليه مرة بعد أخرى.
وأما من قال: إنه أعيد إلى الجسد ودفن معه، فمنهم من يقول: إن يزيد أعاده بعد أربعين يوما؛ ومنهم من يقول: بل استقر فى خزانة السلاح إلى أن ولى سليمان بن عبد الملك فأحضره وقد قحل [2] ؛ وبقى عظم أبيض فجعل عليه ثوبا وجعله فى سفط [3] وصلّى عليه ودفن فى مقابر المسلمين، فلما ولى عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن السلاح يطلب منه الرأس، فطالعه بما كان من أمره فأمره بنبشه وأخذه، فالله أعلم بما
[1] الجونة: السلة.
[2]
كذا جاء فى النسخة (ن) : «قحل» ومعناه: يبس، وجاء فى النسخة (ك) :
«نحل» .
[3]
السفط: وعاء كالقفة، وحرفه بعض العامة إلى «سبت» .
صنع به، لكنهم أستدلّوا من ديانة عمر بن عبد العزيز وصلاحه وخيره أنه نقله إلى الجسد ودفن معه.
وأما من قال: إنه كان بعسقلان ثم نقل إلى مصر فاستنادهم فى ذلك إلى رؤيا منام، وذلك أن رجلا رأى فى منامه، وهو بعسقلان أن رأس الحسين فى مكان بها، عيّن له فى منامه فنبش ذلك [1] الموضع، وذلك فى أيام المستنصر بالله العبيدى صاحب مصر، ووزارة بدر الجمالى، فابتنى بدر الجمالى له مشهدا بعسقلان، فلم يزل الأمر على ذلك إلى أن تغلب الفرنج على عسقلان، فى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، فحمل إلى القاهرة فى البحر.
وحكى محمد بن القاضى المكين عبد العزيز بن حسين [2] فى سيرة الصالح بن رزّيك، قال: لما ولى عباس بن أبى الفتوح الوزارة بمصر فى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، فى مستهلّ جمادى الآخرة وصل الخبر بتملّك الفرنج عسقلان، فنقل رأس الحسين فيها- من المشهد الذى أنشأه أمير الجيوش بدر الجمالى، وكمله الأفضل [3]- إلى القاهرة، فكان وصوله إليها فى يوم الأحد، ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وكان قد سيّر أحد الأستاذين الخواص لتلقّيه إلى مدينة تنّيس [4] ، فوصل فى عشارى [5]
[1] كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :«فنبش فى ذلك» .
[2]
كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :«عبد العزيز الحسين» .
[3]
الأفضل: هو ابن أمير الجيوش بدر الجمالى، وقد قتل الأفضل فى شهر رمضان من سنة خمس عشرة وخمسمائة، انظر النجوم الزاهرة ج 5.
[4]
جاءت هذه الكلمة فى الأصل غير منقوطة وغير واضحة، والأقرب أنها «تئيس» وهى مدينة قديمة فى جزيرة صغيرة فى الجهة الشمالية الشرقية من يحيرة المنزلة.
[5]
عشارى: نوع من السفن المصرية الخاصة بعظماء الدولة وصفها عبد اللطيف البغدادى فى مختصر أخبار مصر طبع أوربا ص 172.
من عشاريات الخدمة، ودخل فيه إلى خليج القاهرة، وأدخل من باب البستان المعروف بالكافورى، فى ليلة الاثنين التاسع من الشهر، وسلك به إلى القصر الغربى إلى أن وصل إلى القصر الشرقى، ولم يزل الحال على ذلك إلى أن حدث من عبّاس وابنه ما حدث، من قبل الظافر وإخوته وابن أخيه، على ما نذكر ذلك إن شاء الله فى أخبارهم فى كتابنا هذا، فلما نهض الصالح بن رزّيك فى الطلب بثأرهم، وولىّ الوزارة، لم يقدّم شيئا على الشروع فى بناء المشهد بالقصر، فى الموضع المعروف بقبة الخراج من دهاليز باب الديلم وكمّل المشهد، فلما كان فى ليلة يسفر صباحها عن تاسع المحرم سنة خمس وخمسين وخمسمائة، خرج ابن رزّيك من داره راجلا إلى الايوان، فأخرج الرأس فحمله خاشعا مستكينا إلى أن أحله بالضريح، ومدحه الشعراء، فمن ذلك قول أحدهم:
أدركت من عبّاس ثأرا دونه
…
ما أدرك السّفّاح من مروان
وحقرت ما فخر ابن ذى يزن به
…
لمّا أقرّ الملك فى غمدان
وجمعت أشلاء الحسين وقد غدت
…
بددا فأضحت فى أعزّ مكان
وعرفت للعضو الشريف محلّه
…
وجليل موضعه من الرحمن
أكرمت مثواه لديك وقبل فى
…
آل الطّريد غدا بدار هوان
وقضيت حقّ المصطفى فى حمله
…
وحظيت من ذى العرش بالرّضوان
ونصبته للمسلمين تزوره
…
مهج إليه شديدة الهيمان
أسكنته فى خير مأوى خطّه
…
أبناؤه فى سالف الأزمان
ولو استطعت جعلت قلبك لحده
…
فى موضع التوحيد والإيمان
حرم تلوذ به الجناة فتنثنى
…
محبوّة بالعفو والغفران
قد كان مغتربا زمانا قبل ذا
…
فالآن عدت به إلى الأوطان
وأما من قال: إنه بالمدينة، فإنه يقول: إنه لما نصب بدمشق وطيف به، أمر يزيد بن معاوية النعمان بن بشير الأنصارى أن يحمله إلى المدينة، ليشاهده الناس، وليرهب به عبد الله بن الزبير، فلما وصل إلى المدينة ودخل به على عمرو بن سعيد الأشدق، قال:
وددت أن أمير المؤمنين لم يكن بعث به إلىّ، فقال له مروان بن الحكم:
اسكت لا سكتّ ولكن قل كما قال:
ضربت دوسى فيهم ضربة
…
أثبتت أوتاد ملك فاستقر
ثم أمر به عمرو بن سعيد فكفّن ودفن عند قبر أمه فاطمة رضى الله عنهما.
وقيل: بل أرسل إلى من بالمدينة من بنى هاشم، أن [1] دونكم رأس صاحبكم، فأخذوه، فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه عند قبر أمه رضى الله عنهما، والله تعالى أعلم، وقد تكلم عمر بن أبى المعالى أسعد بن عمار [2] بن سعد بن عمار [بن على][3] رحمه الله تعالى فى كتابه الذى ترجمه «الفاصل بين الصدق والمين فى مقر رأس الحسين» على هذه الأقوال المتقدمة ووهنها وضعّفها [واستدل على ضعفها [4]] ، ورجح أنه بالمدينة، حتّى كاد يبلغ به مبلغ القطع،
[1] كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :«أودونكم» .
[2]
كذا جاء فى النسخة (ك)، وجاء فى النسخة (ن) :«عمران» .
[3]
ثبتت هذه الزيادة فى النسخة (ن) ، ولم تثبت فى النسخة (ك) .
[4]
ثبتت هذه الزيادة فى النسخة (ن) ، ولم تثبت فى النسخة (ك) .
فقال ما معناه: أمّا قولهم إنه كان فى خزائن بنى أميّة إلى أن ظهرت الخلافة العباسية، وأن أبا مسلم نقله إلى خراسان، فهذا بعيد جدا، وذلك أن أبا مسلم لمّا فتح الشام كان بخراسان، والذى فتح دمشق عبد الله بن على بن [عبد الله بن][1] عباس، فكيف يتصوّر أن ينقله أو يمكن من نقله إلى مولاه بخراسان؟ ولو ظفر به فى خزائن بنى أميّة لأظهره للناس ليزدادوا لبنى أمية بغضا، وأيضا فقد ولى العبد الصالح عمر بن عبد العزيز الخلافة، وبعيد أن كان يترك رأس ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خزائن السلاح ولم يواره.
وأمّا قولهم إنه كان بعسقلان فلم يوجد ذلك فى تاريخ من التواريخ أنه نقل إلى عسقلان ولا إلى مصر، ويقوّى ذلك أن الشام ومصر لم يكن بهما شيعة علوية فينقل إليهم ليروه وتنقطع آمالهم من الحسين وتضعف نفوسهم عن الوثوب مع غيره والانضمام [2] إليه.
وأما قولهم إنه بالمدينة عند قبر أمه فقد قاله محمد بن سعد فى طبقاته، وابن أبى الدنيا وأبو المؤيد الخوارزمى خطيب خوارزم فى إحدى رواياتهما، وصححه أبو الفرج ابن الجوزى، والله تعالى أعلم.
وقد أخذ هذا الفصل حقه، فلنذكر خلاف ذلك من الأخبار التى اتفقت فى أيام يزيد بن معاوية على حكم اليقين:
[1] ثبتت هذه الزيادة فى النسخة (ن) ، ولم تثبت فى النسخة (ك) .
[2]
كذا جاء فى النسخة (ك) ، وجاء فى النسخة (ن)«أو الإنضمام» .