الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقاتلوهم حتّى أخرجوهم من معسكرهم، وقتلوا أميرهم الزّبير بن الماحوز.
ففرغت الخوارج إلى أبى نعامة قطرىّ بن الفجاءة المازنىّ فبايعوه، وأصاب عتّاب ومن معه من عسكرهم ما شاءوا، وسارت الخوارج عن أصبهان إلى كرمان، فأقاموا بها حتّى اجتمع إلى أميرهم قطرى جموع كثيرة، وجبى الأموال وقوى، ثم أقبل إلى أصبهان، ثم أتى أرض الأهواز فأقام بها، فبعث مصعب إلى المهلّب فأمره بقتال الخوارج، وبعث إلى عامله بالموصل والجزيرة إبراهيم بن الأشتر، فقدم المهلّب البصرة، وانتخب الناس وسار نحو الخوارج، وأقبلوا إليه حتى التقوا بسولاف، فاقتتلوا ثمانية أشهر أشدّ قتال رآه الناس، وذلك فى سنة ثمان وستين.
هذا ما أمكن إيراده من أخبار الخوارج فى أيام ابن الزّبير فلنذكر خلاف ذلك.
ذكر خبر التوابين وما كان من أمرهم وأخبارها إلى أن قتلوا
وإنما ذكرنا خبر التوابين فى هذا الموضع فى أخبار عبد الله بن الزبير؛ لأن ظهورهم ومقتلهم كان فى أيامه، ومن بلد داخل تحت حكمه، ونحن نذكر مبدأ أمرهم، وقد ذكرهم ابن الأثير الجزرى رحمه الله فى تاريخه الكامل فى حوادث سنة أربع وستين، وسنة خمس وستين.
قال: ولما قتل الحسين بن على رضى الله عنهما كما ذكرنا تلاقت الشّيعة بالتّلاوم والندم على ما صدر منهم، من استدعائهم الحسين
وخذلانه حتى قتل، ورأوا أنهم لا يغسل عنهم العار والإثم الذى ارتكبوه إلّا قتل من قتله أو القتل فيه.
فاجتمعوا بالكوفة إلى خمس نفر من رءوس الشّيعة، وهم:
سليمان بن صرد الخزاعى، وكانت له صحبة، والمسيّب ابن نجبة الفزارى وكان من أصحاب على وخيارهم، وعبد الله ابن مسعود بن نفيل الأزدى، وعبد الله بن وال التيمى، تيم بكر بن وائل، ورفاعة بن شداد البجلى، فاجتمعوا فى منزل سليمان بن صرد فبدأهم المسيب بن نجبة فقال بعد حمد الله:
«أمّا بعد، فإنا ابتلينا بطول العمر، والتعرض لأنواع الفتن، فنرغب إلى ربّنا أن لا يجعلنا ممن يقول له غدا:(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)
[1]
وإن أمير المؤمنين قال: العمر الذى أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة، وليس فينا رجل إلا وقد بلغه، وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا [2] ، فوجدنا الله كاذبين فى كل موطن من مواطن ابن ابنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بلغنا قبل ذلك كتبه ورسله، وأعذر إلينا فسألنا نصره عودا وبدءا، وعلانية وسرا، فبخلنا عنه بأنفسنا حتّى قتل إلى جانبنا، لا نحن نصرناه بأبدينا ولا جدلنا عنه بألسنتنا، ولا قويناه بأموالنا، ولا طلبنا له النّصرة إلى عشائرنا، فما عذرنا عند ربنا وعند لقاء نبينا، وقد قتل فينا ولده وحبيبه، وذرّيته ونسله! لا والله لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه أو تقتلوا فى طلب ذلك، فعسى ربّنا أن يرضى عنا عند ذلك،
[1] من الآية 37 من سورة فاطر.
[2]
هنا ينتهى ما سقط من النسخة (ن) مع توالى الترقيم بها، ولعل هناك صفحتين سقطنا فلم يتنبه عليها المرقم، وقد أثبتنا هذا من النسخة (ك) .
وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن: أيها القوم، ولّوا عليكم رجلا منكم، فإنه لا بدّ لكم من أمير تفزعون إليه، وراية تحفّون بها» .
فقام رفاعة بن شداد فقال: «أمّا بعد فإن الله قد هداك لأصوب القول، وبدأت بأرشد الأمور بدعائك إلى جهاد الفاسقين وإلى التوبة من الذنب العظيم، فمسموع منك مستجاب إلى قولك، وقلت:
ولّوا أمركم رجلا تفزعون إليه وتحفّون برايته، وقد رأينا مثل الذى رأيت، فإن تكن أنت دلك الرجل تكن عندنا مرضيا وفينا مستنصحا وفى جماعتنا محبا، وإن رأيت ورأى ذلك أصحابنا ولّينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد المحمود فى بأسه ودينه الموثوق بحزمه» ..
وتكلم عبد الله بن وأل وعبد الله بن سعد بنحو ذلك، وأثنيا على سليمان والمسيّب، فقال المسيب: قد أصبتم فولّوا أمركم سليمان بن صرد.
فتكلم سليمان بن صرد بكلام كثير؟؟؟ حضهم فيه على القيام وطلب ثأر الحسين وقتل قتلته أو القتل دون ذلك.
وكتب إلى سعد بن حذيفة بن اليمان يعلمه بما عزموا عليه ويدعوه إلى مساعدتهم هو ومن معه من الشيعة بالمدائن، فقرأ سعد الكتاب على من بالمدائن من الشيعة فأجابوا إلى ذلك.
وكتب سليمان أيضا إلى المثنّى فأجابه: إننا معشر الشيعة حمدنا الله على ما عزمتم عليه، ونحن موافوك إن شاء الله للأجل الذى ضربت.
قال وكان أول ما ابتدءوا به أمرهم بعد قتل الحسين فى سنة إحدى وستين، فما زالوا فى جمع آلة الحرب ودعاء الناس، فى السر إلى أن هلك يزيد بن معاوية فى سنة أربع وستين، فجاء إلى سليمان أصحابه فقالوا: قد مات هذا الطاغية، والأمر ضعيف، فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث، وكان خليفة ابن زياد على الكوفة- ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين وتتبعنا قتلته ثم ندعو الناس إلى أهل هذا البيت [1] . فقال لهم سليمان:«لا تعجلوا، إنى قد نظرت فيما ذكرتم، فرأيت قتلة الحسين هم أشراف الكوفة وفرسان العرب، ومتى علموا ذلك كانوا أشدّ عليكم، ونظرت فيمن تبعنى منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا نفوسهم وكانوا جزرا لعدوّهم ولكن بثّوا دعاتكم وادعوا إنى أمركم» ؛ ففعلوا فاستجاب لهم ناس كثير.
ثم إن أهل الكوفة أخرجوا عمرو بن حريث وبايعوا لابن الزبير، فلما مضت ستة أشهر من وفاة يزيد قدم المختار بن أبى عبيد إلى الكوفة فى النصف من شهر رمضان، وقدم عبد الله بن زيد الخطمى الأنصارى أميرا على الكوفة من قبل عبد الله بن الزّبير لثمان خلون [2] من شهر رمضان، وقدم إبراهيم بن محمد بن طلحة معه على الخراج.
فأخذ المختار بن أبى عبيد يدعو الناس إلى قتال قتلة حسين ويقول:
[1] زاد ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 334 قولهم: «المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم» .
[2]
فى الكامل «بقين» .
جئتكم من عند المهدى محمد بن الحنفية وزيرا أمينا، فرجع إليه طائفة من الشيعة، وكان يقول: إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ومن معه، وليس له خبرة بالحرب.
وبلغ الخبر عبد الله بن يزيد أن سليمان يريد الخروج بالكوفة عليه، وأشير عليه بحبسه، وخوّف عاقبة أمره إن تركه، فقال عبد الله إن هم قاتلونا قاتلناهم، وإن تركونا؟؟؟ لنطلبهم، إنّ هؤلاء القوم يطلبون قتلة الحسين، ولست ممن قتله، لعن الله قاتله، ثم صعد إلى المنبر فقال بلغنى أن طائفة منكم أرادوا أن يخرجوا علينا، فسألت عنهم فقيل إنهم يطلبون بدم الحسين، فرحم الله هؤلاء القوم، لقد والله دللت على مكانهم، وأمرت بأخذهم، فأبيت، وقلت إن قاتلونى قاتلتهم، وعلام يقاتلونى؟ فو الله ما أنا قتلت حسينا، ولقد والله أصبت بمقتله رحمة الله عليه، وإن هؤلاء القوم آمنون، فليخرجوا ظاهرين، وليسيروا إلى من قاتل الحسين، فقد أقبل إليهم- يعنى عبيد الله بن زياد- فأنا لهم ظهير، هذا ابن زياد قاتل الحسين، وقاتل خياركم وأماثلكم، فقد توجه إليكم وقد؟؟؟ فارقوه على ليلة من جسر منبج،؟؟؟ فقاتله والاستعداد له أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم، فيقتل بعضكم بعضا،؟؟؟ فليقاكم عدوكم وقد رققتم فنهلك، وتلك أمنيته، وقد قدم عليكم أعدى خلق الله لكم، من ولى عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين، هو الذى قتلكم ومن قبله أتيتم، والذى قتل من تنادون بدمه،
قد جاءكم فاستقبلوه بحدّكم وشوكتكم واجعلوها [به ولا تجعلوها][1] بأنفسكم إنى لكم ناصح.
وكان مروان بن الحكم قد بويع بالشام على ما نذكره، وبعث عبيد الله بن زياد إلى الجزيرة، وأمره إذا فرغ منها أن يسير إلى العراق.
قال: فلما فرغ عبد الله بن يزيد من كلامه قال إبراهيم بن محمد ابن طلحة: «أيها الناس، لا يغرنكم من السيف والغشم مقالة هذا المداهن، والله لئن خرج علينا خارج لنقتلنه، ولئن استيقنّا أن قوما يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده والحميم بالحميم والعريف بما فى عرافته، حتّى يدينوا للحق والطاعة» .
فوثب إليه المسيب بن نجبة فقطع عليه منطقه، ثم قال: يا ابن الناكثين، أنت تهددنا بسيفك وحشمك! أنت والله أذلّ من ذلك، إنّا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك، وأما أنت أيها الأمير فقد قلت قولا سديدا. فقال له إبراهيم والله لتقتلن، وقد داهن هذا، يعنى عبد الله بن يزيد، فقال له عبد الله بن وأل: ما اعتراضك فيما بينا وبين أميرنا؟ ما أنت علينا بأمير إنما أنت أمير هذه الجزية، فأقبل على خزاجك، ولئن أفسدت أمر هذه الأمة فقد أفسده والداك، وكانت عليهما دائرة السوء. فشتمهم جماعة ممّن مع إبراهيم، ونزل الأمير عن المنبر، وتهدده إبراهيم بأنه يكتب إلى ابن الزبير يشكوه؛ فجاءه عبد الله فى منزله فاعتذر إليه، فقبل عذره.
[1] الزيادة من الكامل ج 4 ص 335.
ثم خرج أصحاب سليمان بن صرد ينشرون السلاح ظاهرين إلى سنة خمس وستين، فعزم سليمان على الشخوص، وبعث إلى رءوس أصحابه وتواعدوا للخروج فى مستهل شهر ربيع الآخر، وخرجوا فى ليلة الوعد إلى النّخيلة، فدار سليمان فى الناس، فلم يعجبه عددهم، فأرسل إلى حكيم بن منقذ الكندى والوليد بن عضين الكنانى فناديا فى الكوفة يا لثارات الحسين! فكانا أول من دعايا لثارات الحسين.
فأصبح من الغد وقد أتاه نحو مما فى عسكره، ثم نظر فى ديوانه فوجدهم ستة عشر ألفا بايعه، فقال! سبحان الله! ما وافانا من ستة عشر ألفا إلا أربعة آلاف! فقيل له إن المختار يشبط الناس عنك وقد تبعه ألفان. فقال، بقى عشرة آلاف! ما هؤلاء بمؤمنين! فأقام بالنّخيلة ثلاثا، يبعث إلى من تخلف عنه، فخرج إليه نحو من ألف رجل، فقام إليه المسيّب بن نجبة، فقال: رحمك الله، إنه لا ينفعك الكلام، ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، فلا تنتظرن أحدا، وخذ فى أمرك. قال: نعم ما رأيت.
فتنادى أصحابه من كل جانب: إنّا لا نطلب الدنيا، وليس لها
خرجنا، إنما خرجنا لنطلب التوبة والطلب بدم ابن بنت نبينا صلى الله عليه وسلم.
فلمّا عزم على المسير قال له عبد الله بن سعد بن نفيل: إنى قد رأيت رأيا، إن يكن صوابا فالله الموفق، وإن؟؟؟ يكن ليس بصواب فالرأى ما تراه، إنّا خرجنا نطلب بدم الحسين، وقتلته كلّهم بالكوفة، منهم عمر بن سعد ورءوس الأرباع والقبائل، فأين تذهب من ههنا وتدع الأوتار [1] . فقال أصحابه: هذا هو الرأى.
فقال سليمان: أنا لا أرى ذلك، إن الذى قتله وعبّأ الجنود إليه وقال:«لا أمان له عندى دون أن يستسلم فأمضى فيه حكمى» هذا الفاسق ابن الفاسق، عبيد الله بن زياد، فسيروا على بركة الله إليه، فإن يظهركم الله عليه رجونا أن يكون من بعده أهون منه، ورجونا أن يدين لكم أهل مصركم فى عافيته،؟؟؟ فينظرون إلى كل من شرك فى دم الحسين فيقتلونه ولا يغشون، وإن تستشهدوا فإنما قاتلتم المحلّين، وما عند الله خير للأبرار، فاستخيروا الله وسيروا.
وبلغ عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة خروج ابن صرد، فأتياه فى أشراف أهل الكوفة، ولم يصحبهم من له شرك فى دم الحسين خوفا منهم، فلمّا أتياه قال له عبد الله بن يزيد:
إن المسلم أخو المسلم، لا يخونه ولا يغشّه، وأنتم إخواننا وأهل بلدنا وأحب أهل مصر خلقه الله إلينا، فلا تفجعونا فى أنفسكم،
[1] الأوتار: جمع وتر، بمعنى ثأر.
ولا تنقصوا عددنا بخروجكم من جماعتنا، أقيموا معنا حتّى نتهيأ فإذا سار عدوّنا إلينا خرجنا إليه بجماعتنا فقاتلناه. وجعل لسليمان وأصحابه خراج جوخى إن أقاموا، وقال إبراهيم مثل ذلك، فقال سليمان قد محضتما النصيحة واجتهدتما فى المشورة فنحن بالله وله، ونسأله العزيمة على الرشد، ولا نرانا إلّا سائرين، فقال عبد الله: فأقيموا حتّى نعبّئ معكم جيشا كثيرا، فتلقوا عدوّكم بجمع كثيف، وكان قد بلغهم إقبال عبيد الله بن زياد من الشام فى الجنود.
فلم يقم سليمان، وسار عشيّة الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين، فتخلّف عنه ناس كثير، فقال ما أحبّ من تخلف منكم معكم ولو خرجوا فيكم ما زادوكم إلّا خبالا إن الله كره انبعاثهم فثبطهم وخصكم بفضل ذلك.
ثم ساروا فانتهوا إلى قبر الحسين، فصاحوا صيحة واحدة، وبكوا بكاء شديدا، وترحموا عليه، وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه، وأقاموا عنده يوما وليلة يبكون ويتضرعون.
ثم ساروا وقد ازدادوا حنقا، وأخذوا صوب الأنبار، وساروا حتّى أتوا قرقسيا على تعبئة، وبها زفر بن الحارث الكلابى قد تحصن بها عند فراره من وقعة مرج راهط، على ما نذكره إن شاء الله تعالى فى أخبار مروان بن الحكم.
فبعث إليه سليمان، وعرّفه ما هو وأصحابه عليه من قصد بن زياد، فبعث إليهم بجزور ودقيق وعلف، وخرج إليهم وشيعهم وعرض عليهم أن يقيموا عنده بقرقيسيا، وقال: ابن زياد فى
عدد كثير، فأبوا المقام، وساروا مجدّين، وقال لهم زفر إن ابن زياد قد بعث خمسة أمراء من الرقة فيهم الحصين بن نمير وشرحبيل بن ذى الكلاع وأدهم بن محرز وجبلة بن عبيد الله [1] الخثعمى، فأبوا إلّا المسير.
فانتهوا إلى عين الوردة، فنزلوا غربيّها، وأقاموا خمسا، واستراحوا وأراحوا.
وأقبل أهل الشام فى عساكرهم، حتّى كانوا من عين الوردة على مسيرة يوم وليلة، فقام سليمان فى أصحابه فخطبهم وحرّضهم على القتال وذكرهم الآخرة ثم قال: إن أنا قتلت فأمير الناس المسيب ابن نجبة، فإن قتل فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فإن قتل فالأمير عبد الله بن وأل، فإن قتل فالأمير رفاعة بن شداد، رحم الله؟؟؟ أمرأ صدق ما عاهد الله عليه.
وبعث المسيّب بن نجبة فى أربعمائة فارس، وقال: سر حتّى تلقى أوّل عساكرهم، فشنّ عليهم الغارة، فإن رأيت ما تحب وإلّا فارجع.
فسار يومه وليلته، ثم نزل، فأتى بأعرابى، فسأله عن أدنى العسكر منه، فقال: أدناها منك عسكر شرحبيل بن ذى الكلاع، وهو على ميل، وقد اختلف هو والحصين، ادّعى كلّ واحد منهما أنه على الجماعة، وهما ينتظران أمر عبيد الله.
فسار المسيّب ومن معه مسرعين، حتّى أشرفوا على القوم، وهم على غير أهبة، فحملوا فى جانب عسكرهم، فانهزم العسكر،
[1] فى الكامل ج 3 ص 342: «عبد الله» .
فأصاب المسيّب منهم رجالا وأكثروا فيهم الجراح، وأخذوا دواب، وترك الشاميون معسكرهم وانهزموا، فغنم أصحاب المسيّب ما أرادوا، ثم انصرفوا إلى سليمان.
وبلغ الخبر ابن زياد، فسرّح الحصين فى اثنى عشر ألفا، فخرج أصحاب سليمان إليه، لأربع بقين من جمادى الأولى، وعلى ميمنتهم عبد الله بن سعد، وعلى ميسرتهم المسيّب، وسليمان فى القلب. وجعل الحصين على ميمنته جبلة بن عبد الله، وعلى ميسرته ربيعة بن المخارق الغنوى.
فلما دنا بعضهم من بعض دعاهم أهل الشام إلى الجماعة على مروان بن الحكم، ودعاهم أصحاب سليمان إلى خلع مروان وتسليم عبيد الله بن زياد إليهم وأنهم يخرجون من بالعراق من أصحاب عبد الله ابن الزّبير ثم يردّ الأمر إلى أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، فأبى كل منهم، وحمل بعضهم على بعض، فانهزم أهل الشام وكان الظفر لأصحاب سليمان إلى الليل.
فلما كان الغد صبّح الحصين ثمانية آلاف أمده بهم عبيد الله، فقاتلهم أصحاب سليمان عامّة النهار قتالا شديدا لم يحجز بينهم إلا الصلاة حتّى حجز بينهم الليل، وقد كثر الجراح فى الفريقين.
فلما أصبح أهل الشام أتاهم أدهم بن محرز الباهلى فى نحو من عشرة آلاف من قبل ابن زياد، فاقتتلوا يوم الجمعة إلى ارتفاع الضحى، ثم كثر أهل الشام عليهم، وعطفوا من كل جانب،
فنزل سليمان ونادى: «عباد الله، من أراد البكور إلى ربّه والتوبة من ذنبه فإلىّ» ثم كسر جفن سيفه، فنزل معه ناس كثير وفعلوا كفعله، وقاتلوا قتالا شديدا، فقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة وأكثروا فيهم الجراح، فبعث الحصين الرجّالة ترميهم بالنّبل، واكتنفتهم الخيل، فقتل سليمان ابن صرد، رماه يزيد بن الحصين بسهم فوقع ثم وثب ثم وقع، ومات وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وكانوا قد سموه «أمير التوابين» .
فأخذ الراية المسيب بن نجبة، وترحّم على سليمان، فتقدم فقاتل حتّى قتل بعد أن قتل رجالا كثيرا.
فأخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل، وترحم عليهما، وقرأ (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)
[1]
وحفّ به من كان منهم معه من الأزد، فبينماهم فى القتال إذ أتاهم فرسان ثلاثة من سعد بن حذيفة، يخبرون بمسيره فى سبعين ومائة من أهل المدائن، ويخبرون بمسير أهل البصرة مع المثنّى بن مخرمة العبدى فى ثلاثمائة، فقال عبد الله بن سعد: لو جاءونا ونحن أحياء! وقاتل حتّى قتل، قتله ابن أخى ربيعة بن مخارق، وحمل خالد بن سعد بن نفيل على قاتل أخيه يطعنه بالسيف، فخلصه أصحابه، وقتل خالد بن سعد.
فجىء بالراية إلى عبد الله بن وأل، وقد اصطلى الحرب فى عصابة معه، فأخذها، وقاتل مليّا، وذلك وقت العصر، وما زال يقاتل حتّى
[1] من الآية 22؟؟؟ من سورة الأحزاب.
قتل هو وأصحابه؟؟؟ رجالا، ثم إن أهل الشام تعطفوا عليهم من كل جانب، فلمّا كان عند المساء تولّى قتالهم أدهم بن محرز الباهلى، فحمل فى خيله ورجله حتّى وصل إلى ابن وأل وهو يتلو (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً، بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)
الآيات [1] ، فغاظ ذلك أدهم، فحمل عليه وضربه فأبان يده ثم تنحى عنه، وقال: إنى أظنّك وددت أنك عند أهلك، قال ابن وأل بئس ما ظننت، والله ما أحبّ أن يدك مكانها إلّا أن يكون لى من الأجر مثل ما فى يدى، ليعظم وزرك وأجرى، فغاظه ذلك فحمل عليه فطعنه فقتله وهو مقبل ما زال عن مكانه، وكان بن وأل من الفقهاء العباد.
فلما قتل أتوا رفاعة بن شداد البجلى وقالوا خذ الراية، فقال ارجعوا بنا لعلّ الله يجمعنا ليوم شر لهم، فقال عبد الله بن عوف ابن الأحمر:«هلكنا والله لئن انصرفت ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك عن آخرنا، وإن نجا منّا ناج أخذته الأعراب فتقربوا به إليهم فيقتل صبرا! هذه الشمس قد قاربت الغروب فنقاتلهم على خيلنا، فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أوّل الليل، وسرنا حتّى نصبح ونسير على مهل، يحمل الرجل صاحبه وحريمه [2] ونعرف الوجه الذى نأخذه» .
فقال رفاعة نعم ما رأيت وأخذ الراية، وقاتله قتالا شديدا وتقدم عبد الله بن عزيز الكنانى [3] فقاتل أهل الشام قتالا
[1] الآيات 169، 170، 171، 172، 173، 174 من سورة آل عمران.
[2]
فى الكامل ج 3 ص 344: «وجريحه» .
[3]
كذا جاء فى الأصل مثل الكامل، وجاء فى تاريخ الطبرى:«للكندى» .
شديدا، ومعه ولده محمد وهو صغير، فسلمه لبنى كنانة من أهل الشام ليوصلوه إلى الكوفة، فعرضوا عليه الأمان، فأبى، ثم قاتلهم حتّى قتل.
وتقدم كريب [1] بن زيد الحمير عند المساء فى مائة من أصحابه فقاتل قتالا شديدا، فعرض ابن ذى الكلاع عليه وعلى أصحابه الأمان، فقال قد كنا آمنين فى الدنيا وإنما خرجنا نطلب أمان الآخرة، وقاتلوهم حتّى قتلوا.
وتقدم صخير بن هلال المزنى فى ثلاثين من مزينة، فقاتلوا حتى قتلوا.
فلما أمسوا رجع أهل الشام إلى معسكرهم، وسار رفاعة بالناس ليلته، وأصبح الحصين فلم يرهم، فما بعث فى أثرهم، وساروا حتى أتوا قرقيسيا فأقاموا عند زفر بن الحارث ثلاثا، ثم زوّدهم وساروا إلى الكوفة.
وأما سعد بن حذيفة بن اليمان فإنه سار من المدائن بمن معه حتّى بلغ هبت، فأتاه الخبر، فرجع فلقى المثنّى بن مخرمة العبدى فى أهل البصرة، فأخبره، فأقاموا بصندوداء حتى أتاهم رفاعة، فاستقبلوه، وبكى بعضهم إلى بعض، وأقاموا يوما وليلة، ثم تفرقوا، فسارت كل طائفة منهم إلى جهتهم.
قال: ولما بلغ رفاعة الكوفة كان المختار بن أبى عبيد محبوسا، فأرسل؟؟؟ إليه المختار: «أما بعد فإنكم خرجتم بالعصبة الذين عظم الله لهم الأجر حين انصرفوا ورضى فعلهم حتى قتلوا [2]
أما وربّ البيت ما خطا خاط منكم خطوة ولا ربا ربوة [1] إلا كان ثواب الله له أعظم من الدنيا، إن سليمان قد قضى ما عليه، وتوفّاه الله فجعل روحه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولم يكن؟؟؟ بصاحبكم الذى به تنصرون إنى أنا الأمير المأمور والأمين المأمون، وقاتل الجبارين، والمنتقم من أعداء الدين، والمقيد من الأوتار، فأعدوا واستعدوا وأبشروا، وأدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، والطلب بدم أهل البيت، والدفع عن الضعفاء، وجهاد المحلّين، والسلام» ..
وكان من أمر المختار ما نذكره إن شاء الله تعالى.
[1] كذا جاء فى الأصل مثل الكامل؛ وفى تاريخ الطبرى «ولارتارتوه» .
تم الجزء العشرون بتقسيم هذه النسخة المطبوعة، وفى التقسيم المخطوطى اختلاف:
جاء فى آخر النسخة (ك) وهى الجزء 18 برقم 549 معارف عامة- فى دار الكتب المصرية المصورة:
آخر الجزء الثامن عشر من نهاية الأرب فى فنون الأدب للنويرى.
رحمه الله تعالى.
يتلوه إن شاء الله تعالى فى أول الجزء التاسع عشر ذكر أخبار المختار بن أبى عبيد الثقفى والحمد لله رب العالمين وأما النسخة (ن) وهى الجزء 27، ولعله صحته 17 برقم 553 معارف عامة- المصورة بدار الكتب المصرية فقد جاء فى الجانب الأخير من آخر ورقة ما يأتى:.
المحقق محمد رفعت محمود فتح الله رئيس قسم اللغويات بكلية اللغة العربية