الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزرع فى قلوبهم العداوة، فأبغضنى البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلى حسينا، مالى ولابن مرجانة [1] لعنه الله وغضب عليه!» .
قال: ثم ندم ابن زياد أيضا على قتله الحسين، وقال لعمر بن سعد: يا عمر ائتنى بالكتاب الذى كتبته إليك فى قتل الحسين؟
قال: مضيت لأمرك وضاع الكتاب، قال: لتجئ به؛ قال: ضاع قال: لتجئ به؛ قال: ترك والله يقرأ على عجائز قريش بالمدينة اعتذارا إليهن، أما والله لقد نصحتك فى حسين نصيحة لو نصحتها أبى سعد ابن أبى وقّاص لكنت قد أدّيت حقه!» فقال عثمان بن زياد:«صدق، والله لوددت أنه ليس من بنى زياد رجل إلا وفى أنفه خزامة إلى يوم القيامة، وأنّ حسينا لم يقتل!» فما أنكر ذلك عبيد الله بن زياد على أخيه.
ذكر ورود الخبر بمقتل الحسين رضى الله عنه إلى المدينة وعود أهله إليها
قال: لما قتل الحسين أمر عبيد الله بن زياد عبد الملك بن الحارث [2] السّلمى بالمسير إلى المدينة؛ ليبشّر عمرو بن سعيد أمير المدينة بقتل الحسين، فاعتذر عبد الملك، فزجره ابن زياد، فخرج حتّى قدم المدينة، فلقيه رجل من قريش فقال: ما الخبر؟ فقال: الخبر عند الأمير. فاسترجع [3] القرشى، وقال: قتل والله الحسين!
[1] سبق ذكر مرجانة أم عبيد الله بن زياد، وقد جاء حديثها في مقتل الحسين فى رواية لابن جرير الطبرى فى تاريخه ج 4 ص 371:«كانت مرجانة امرأة صدق فقالت لعبيد الله حين قتل الحسين عليه السلام: ويلك ماذا صنعت وماذا ركبت» .
[2]
فى تاريخ ج 4 ص 356: «أبى الحارث» .
[3]
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
ودخل عبد الملك على عمرو بن سعيد فأخبره بقتل الحسين، فقال: ناد بقتله، ففعل، قال عبد الملك: فلم أسمع واعية [1] قطّ مثل واعية نساء بنى هاشم فى دورهن على الحسين! فلما سمع عمرو بن سعيد أصواتهنّ ضحك وقال: واعية بواعية عثمان [2] وأنشد بيت عمرو بن معدى كرب:
عجّت نساء بنى زياد عجّة
…
كعجيج نسوتنا غداة الأرنب [3]
(والأرنب: يوم كان لبنى زبيد على بنى زياد من بنى الحارث بن كعب) ثم صعد عمرو المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين.
[1] الواعية: الصراخ على الميت ونعيه.
[2]
ذكر الميدانى فى مجمع الأمثال ج 2 ص 379 أن عمرو بن سعيد تمثل بالمثل «يوم بيوم الحفض المجور» أى يوم بيوم عثمان، كما تمثل بالبيت «عجت نساء
…
» ثم ذكر أصل هذا المثل، وكذلك ذكر الأصل القالى فى أماليه ج 2 ص 192.
[3]
كان من خبر هذا الشعر أن تبيلتى «جرم» و «نهد» كانتا مجاورتين ل- بنى «الحارث» ، فقتلت جرم رجلا من أشراف بنى الحارث يقال له «معاذ بن زيد» ، فارتحن الجرميون إلى «بنى زبيد» رهط عمرو بن معد يكرب، فخرجت بنو الحارث يطلبون بثأرهم ومعهم بنو نهد، فجعل عمرو وما أمام بنى نهد: وجعل نفسه وقومه أمام بنى الحارث، ولكن جرما انهزمت سريعا: فكان ذلك سببا فى كسر بنى زبيد فى ذلك اليوم، ثم إن عمرا غزا بنى الحارث فأصاب فيهم واثتصف منهم، فقال:
لما رأونى فى الكتيفة مقبلا
…
وسط الكتيبة مثل ضؤ الكوكب
واستيقنوا منا بوقع صادق
…
هربوا وليس أوان ساعة مهرب
عجت نساء بنى زياد عجة
…
كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
ويذكر بعض الرواة رواية أخرى: أن البيت لرجل من بنى أسد؛ ولفظه:
عجت نساء بنى زبيد عجة
…
الخ، ومن المؤلفين من خلط بين الروايتين. وقد ذكر القالى فى اماليه ج 1 ص 126 أن مثل هذا البيت قول الشاعر:
رفعنا الخموش عن وجوه نسائنا
…
إلى نسوة منهم فأبدين مجلدا
وذكر القالى أن «الأرنب» موضع، وكذلك تبع صاحب اللسان والتاج من نقل عن القالى ولم يسلم ذلك له، ولم تذكره كتب البلدان والمعروف أن أرنب انتفجت فى ذلك اليوم فتفاءلوا بالظفر: فظفروا: فسمى «يوم الأرنب» والعرب تتيمن بالأرنب إذا انتفجت.
قال: ولمّا نودى بقتله خرجت زينب بنت عقيل ابن أبى طالب ومعها نساؤها حاسرة ناشرة شعرها، تلوى ثيابها، وهى تقول:
ماذا تقولون إن قال النبىّ لكم:
…
ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم؟
بعترتى وبأهلى بعد مفتقدى
…
منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائى إذ نصحت لكم
…
أن تخلفونى بسوء فى ذوى رحمى
وقيل: سمع بعض أهل المدينة يوم قتل الحسين مناديا ينادى:
أيّها القاتلون جهلا حسينا
…
أبشروا بالعذاب والتّنكيل
كلّ أهل السماء يدعو عليكم
…
من نبى وملأك وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داو
…
د وموسى وحامل [1] الإنجيل
وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: «رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى الليلة التى قتل فيها الحسين وبيده قارورة، وهو يجمع فيها دما، فقلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى الله تعالى!»
فأصبح ابن عباس فأعلم الناس بقتل الحسين، وقصّ رؤياه.
وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى أمّ سلمة ترابا من تربة الحسين، حمله إليه جبريل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«إذا صار التراب هذا دما فقد قتل الحسين»
فحفظت أمّ سلمة ذلك التراب فى قارورة، فلمّا قتل الحسين صار ذلك التراب دما
[1] كذا جاء فى الأصل مثل تاريخ الطبرى، وجاء فى الكامل «وصاحب» .
فأعلمت الناس بقتله. وهذا القول يستقيم على قول من يقول إن أمّ سلمة توفّيت بعد الحسين [1] .
قال [2] : ولما أراد يزيد أن يسيرّ آل الحسين إلى المدينة، أمر النعمان بن بشير أن يجهّزهم بما يصلحهم، ويسيّر معهم رجلا أمينا من أهل الشام، ومعه [3] خيل تسير بهم إلى المدينة، ودعا عليا ليودعه وقال:«لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أنّى صاحبه ما سألنى خصلة أبدا إلّا أعطيته إيّاها، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت، ولو بهلاك بعض ولدى، ولكن قضى الله بذلك! كاتبنى بأيّة حاجة تكون لك» وأوصى بهم ذلك الرسول.
فخرج بهم، فكان يسايرهم ليلا فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه، وإذا نزل تنحى عنهم هو وأصحابه، فكانوا حولهم كهيئة الحرس، وكان يسائلهم عن حوائجهم ويلطف بهم حتّى دخلوا المدينة.
فقالت فاطمة بنت على لأختها زينب: لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشىء؟ فقالت: والله ما معنا ما نصله به إلّا حلينّا، فأخرجتا سوارين ودملجين لهما فبعثتا به إليه، واعتذرتا، فردّ الجميع، وقال: لو كان الذى صنعته للدنيا لكان فى هذا ما يرضينى، ولكن والله ما فعلته إلّا لله ولقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1] أنظر الكامل ج 3 ص 303.
[2]
ابن الأثير فى الكامل ج 3 ص 300.
[3]
كذا جاء فى النسخة (ن)، وجاء فى النسخة (ك) :«ومعهم» .