الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وصول ملك الروم الى الشام وملكه بزاعة وما فعله بالمسلمين
كان ملك الروم صاحب القسطنطينية قد دخل إلى البلاد فى سنة إحدى وثلاثين وخمسماية، وخرج على انطاكية وسار إلى أذنه والمصيصة «1» ، وهما بيد ابن لاون الأرمنى «2» صاحب الدروب «3» فحصرها وملكها ورحل إلى عين زربة «4» فملكها عنوة، وملك تل حمدون وحمل أهله إلى جزيرة قبرص، وعمر ميناء اسكندرونه ثم خرج إلى الشام فحصر مدينة انطاكية فى ذى القعدة فصالحه صاحبها ريمند الفرنجى «5» ، فرحل عنها إلى بغراس «6» ودخل ابن ليون فى طاعته.
ثم سار إلى الشام فى سنة اثنتين وثلاثين وقصد بزاعة فحصرها وهى مدينة لطيفة على ستة فراسخ من حلب، فملكها بالأمان فى
الخامس والعشرين من رجب، ثم غدر بأهلها فقتل منهم وسبى فتنصر قاضيها وجماعة من أهلها وأعيانها نحو من أربعماية نفس.
وأقام الروم عشرة أيام يطلبون من اختفى، ودخنوا على من دخل المغاير، فهلكوا. ثم رحل [ملك الروم] إلى حلب ونزل على قويق «1» ومعه الفرنج الذين بساحل الشام، وكان عماد الدين يحاصر حمص فلما بلغه خبرهم، سير طائفة من العسكر ليحفظوا حلب منهم، فلما نزلوا على حلب خرج إليهم أحداث البلد وقاتلوهم قتالا شديدا، فقتل كثير من الروم وجرح كثير، وقتل بطريق عظيم القدر عندهم.
فأقاموا ثلاثة أيام ورحلوا إلى قلعة الأثارب «2» ، فخاف من بها من المسلمين فهربوا عنها فى تاسع شعبان، فملكها الروم وتركوا فيها سبايا بزاعة والأسرى، ومعهم جمع كثير من الروم يحفظونهم، وساروا. فلما سمع الأمير سوار نائب عماد الدين بحلب بذلك، سار بمن عنده من العسكر إلى الأثارب فأوقع بالروم وقتلهم وخلص الأسرى وعاد إلى حلب.
وأما عماد الدين فإنه فارق حمص وسار إلى سلمية «3» فنزلها، وعبر ثقله الفرات إلى الرقة، وأقام جريدة. وقصد الروم شيزر، وهى من أمنع الحصون وكانت للأمير أبى المعالى سلطان بن على بن منقذ الكنانى، فنازلوها وحاصروها ونصبوا عليها ثمانية عشر منجنيقا
فأرسل صاحبها إلى عماد الدين يستنجده، فسار إليه ونزل على نهر العاصى بينها وبين حماه، فكان يركب بعسكره إلى شيزر ويقفون «1» حيث يراهم الروم، ويرسل السرايا فتأخذ من ظفرت به منهم.
ثم أرسل إلى ملك الروم يقول: «إنكم قد تحصنتم منى بهذه الجبال، فانزلوا عنها إلى الصحراء حتى نلتقى، فإن ظفرت بكم أرحت المسلمين منكم وإن ظفرتم بى استرحتم وأخذتم شيزر وغيرها» .
ولم تكن له بهم قوة، وإنما كان يرهبهم بهذا القول وأشباهه، فأشار فرنج الشام على ملك الروم بقتاله وهونوا عليه أمره، فلم يفعل، وقال:«أتظنون أن ليس لهم من العسكر إلا ما ترون، إنما هو يريد أن تلقوه «2» فيأتيه من نجدات المسلمين ما لا يحد» وكان عماد الدين يرسل إلى ملك الروم يقول إن فرنج الشام خائفون منه، ولو فارق مكانه لتخلفوا عنه. ويرسل إلى الفرنج فيقول:«إن ملك ملك الروم من الشام حصنا واحدا ملك بلادكم جميعها» . فاستشعرت كل طائفة من الأخرى. فرحل ملك الروم من شيزر فى شهر رمضان وكان مقامه عليها أربعة وعشرين «3» يوما وترك المجانيق وآلات الحصار كما هى، فسار عماد الدين يتبع ساقة العسكر، فظفر بكثير منهم ممن تخلف.