الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى جانب جيحون، فسارت كل طائفة إلى الجهة التى أمرت بقصدها ونازلتها، واستولت عليها، وفعلت من القتل والنهب والأسر والسبى والتخريب وأنواع الفساد كما فعل أصحابهم. فلما فرعوا من ذلك عادوا إلى ملكهم جنكزخان، وهو مقيم بسمرقند، فجهز جيشا إلى خوارزم مع أحد أولاده وجهز جيشا آخر فعمروا نهر جيحون إلى خراسان.
ذكر ملك التتار خراسان
قال أبو الحسن بن الأثير: لما سار الجيش الذى جهزه جنكزخان إلى خراسان عبروا جيحون، وقصدوا مدينة بلخ. وطلب أهلها الأمان فأمنوهم، فسلم البلد ولم يتعرضوا إليه بنهب ولا قتل، بل جعلوا فيه شحنة. وقصدوا الزوزان «1» وميمند واندى خوى «2» وفارياب «3» فملكوا الجميع، وجعلوا فيه ولاة، ولم يتعرضوا إلى أهلها بسوء، سوى أنهم كانوا يأخذون الرجال ليقاتلوا بهم من يمتنع عليهم، وذلك فى سنة سبع عشرة وستماية. ثم قصدوا الطالقان، وهى ولاية تشتمل على عدة بلاد، وفيها قلعة حصينة يقال لها (منصور كوه) لا ترام علوا وارتفاعا وبها رجال شجعان يقاتلون فحصروها مدة ستة أشهر يقاتلون أهلها ليلا ونهارا، ولم يظفروا
منها بشى فكاتبوا جنكزخان، وأعلموه بالعجز عنها لحصانتها وكثرة من بها من المقاتلة. فسار بنفسه وبجموعه، وحصرها ومعه خلق كثير من الأسرى والمسلمين، فأمرهم بمباشرة القتال وإلا قتلهم، فقاتلوا، وأقام عليها أربعة أشهر أخرى، فقتل من التتار خلق كثير. فلما رأى جنكزخان ذلك أمر أن يجمع له الأحطاب والأخشاب فجمعت، وصار يعمل صفا من خشب وحطب وفوقه من التراب ما يغطيه، حتى صار تلا عاليا يوازى القلعة، فعند ذلك اجتمع من بالقلعة وحملوا حملة رجل واحد فسلم الخيالة منهم ونجوا وسلكوا الجبال والشعاب، وقتل الرجالة، ودخل التتار القلعة وسبوا النساء والأطفال ونهبوا الأمتعة.
قال: ثم جمع جنكزخان أهل البلاد الذين أعطاهم الأمان ببلخ وغيرها، وسيرهم مع بعض أولاده إلى مدينة مرو، فوصلوا إليها وقد اجتمع بها من الأعراب والأتراك وغيرهم ممن نجا من المسلمين ما يزيد على مائتى ألف رجل، وهم معسكرون بظاهر مرو، وقد عزموا على لقاء التتار؛ فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا. ولما رأى المسلمون إقدام التتار وصبرهم، ولوا منهزمين، فقتل منهم وأسر خلق كثير، ولم يسلم منهم إلا القليل، ونهبت أموالهم. وأرسل ابن جنكزخان إلى ما حوله من البلاد، وأمرهم بجمع الرجال لحصار مرو، فاجتمعوا وتقدموا للحصار ولازموا القتال. هذا وأهل البلد قد ضعفت نفوسهم بانهزام تلك الطائفة الكبيرة. فلما كان فى اليوم الخامس من نزولهم أرسل التتار إلى أمير البلد يقولون له: «لا تهلك نفسك ومن معك، واخرج إلينا ولك الأمان، ونحن نجعلك أمير
هذه البلد ونرحل عنك!» . فطلب الأمان لنفسه وأهل البلد فأمنوهم؛ فخرج إليهم فخلع عليه ابن جنكزخان واحترمه وقال له:
«اعرض على أصحابك حتى أستخدم منهم من يصلح لخدمتنا وأعطيه إقطاعا ويكون معى» فجمعهم له، فلما تمكن منهم أمر بالقبض عليهم وعلى أميرهم ثم قال:«اكتبوا لنا تجار البلد ورؤساء أرباب الأموال فى جريدة واكتبوا أرباب الصناعات والحرف فى أخرى واعرضوا ذلك علينا» . ففعلوا، فأمر أن يخرج أهل البلد منه بأهليهم وأموالهم فخرجوا بأجمعهم، فجلس على كرسى من الذهب، وأحضر أولئك الجند الذين قبض عليهم، وأمر بضرب أعناقهم فقتلوا صبرا، والناس ينظرون إليهم ويبكون عليهم، وأما العامة فتقاسمهم التتار فكان يوما مشهودا، وأخذوا أرباب الأموال، فاستصفوا أموالهم وعذبوهم على طلب المال؛ ثم أحرقوا لبلد وتربة السلطان سنجر، ونبشوا القبر طلبا للمال. ودأبوا على ذلك ثلاثة أيام، فلما كان فى اليوم الرابع، أمر بقتل أهل البلد كافة؛ وقال: هؤلاء عصوا علينا؛ فقتلوا أجمعين، وأمر بإحصاء القتلى فكانوا سبعمائة ألف قتيل.
ثم ساروا إلى نيسابور، فحوصرت خمسة أيام، وبها جمع صالح من العسكر الإسلامى، فلم تكن لهم بالتتار قوة، فملك التتار المدينة، وأخرجوا أهلها إلى الصحراء فقتلوهم، وسبوا حريمهم وعاقبوا من اتهموه بالمال، كما فعلوا بمرو، وأقاموا خمسة عشر يوما بخربون ويفتشون المنازل، وكانوا لما قتلوا أهل مرو قيل لهم أن قتلاهم سلم كثير منهم ولحقوا ببلاد الإسلام، فأمروا أن تقطع