الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأرسل هولاكو أحد أولاده إلى حلب فوصل إليها فى العشر الآخر من ذى الحجة من السنة. وكان الملك المعظم تورانشاه ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بحلب ينوب عن ابن أخيه الملك الناصر، فخرج بالعسكر الحلبى لقتال التتار، فأكمن التتار كمينا عند الباب المعروف بباب الله قريب من مدينة حلب من شمائلها، والتقوا واقتتلوا عند بانقوسا «1» ، فاندفع التتار بين يدى العسكر الحلبى وتبعهم العسكر حتى خرجوا عن البلد، ثم عطفوا عليهم، فطلب المسلمون المدينة والتتار يقتلون فيهم. وهلك فى الأبواب جماعة من المنهزمين.
ثم رحل التتار إلى اعزاز وتسلموها بالأمان، ثم تقدم هولاكو بجيوشه فبدأ بالبيرة فملكها، ووجد بها الملك السعيد ابن الملك العزيز أخا الملك الناصر معتقلا فأطلقه، وسأله عما كان بيده فقال:
الصبيبة وبانياس، فكتب له بذلك فرمانا، ثم تقدم هولاكو إلى حلب.
ذكر منازلة هولاكو مدينة حلب واستيلائه عليها وعلى بلاد الشام
وفى سنة ثمان وخمسين وستماية عبر هولاكو الفرات بجموعه، ونازل حلب، وأرسل إلى الملك المعظم توران شاه ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف يقول: «إنكم تضعفون عن لقاء المغل، ونحن قصدنا الملك الناصر، فاجعلوا عندكم شحنة وبالقلعة شحنة
ونتوجه نحن إلى العسكر فإن كانت الكسرة عليهم كانت البلاد لنا وتكونون «1» قد حقنتم دماء المسلمين. وان كانت الكسرة علينا كنتم مخيرين فى الشحنتين إن شئتم القتل أو الإطلاق فقال له الملك المعظم: «ليس له عندى إلا السيف» . وكان الرسول إليه من جهة هولاكو صاحب أرذن الروم، فعجب من جوابه، وتألم لما علم من ضعف المسلمين عن ملاقاة التتار وأحاط التتار بحلب فى ثانى صفر وهجموا على البواشير فى الثالث من الشهر؛ فقتل من المسلمين جماعة، منهم أسد الدين ابن الملك الزاهر صلاح الدين. واشتدت مضايقة التتار لحلب، وهجموه من عند حمام حمدان وذلك فى يوم الأحد تاسع صفر، وصعد إلى القلعة خلق كثير. وبذل التتار السيف والنهب فى أهل حلب إلى يوم الجمعة رابع عشر الشهر، فأمر هولاكو برفع السيف، ونودى بالأمان، فقتل منها فى هذه المدة ما لا يحصى كثرة، وكان قد تجمع بها من أهل القرى خلق كثير. وسبى من النساء والذرارى زهاء مائة ألف، بيعوا فى جزائر الفرنج وبلاد الأرمن، ولم يسلم ممن كان بحلب إلا من التجأ إلى أماكن كان مع أهلها فرمانات من هولاكو منها: دار شهاب الدين بن عمرون، ودار نجم الدين أخى مزدكين، ودار البازيار، ودار علم الدين قيصر الموصّلى، والخانقاه التى فيها زين الدين الصوفى، وكنيسة اليهود. فقيل إن الذين سلموا فى هذه الأماكن يزيدون على خمسين ألف إنسان.
واستمر الحصار على القلعة والمضايقة لها نحو شهر، فوثب جماعة ممن بالقلعة على صفى الدين بن طرزة رئيس حلب وعلى نجم الدين أحمد بن عبد العزيز ابن القاضى نجم الدين بن أبى عصرون فقتلوهما لأنهم توهموا أنهما باطنا التتار. ثم سأل من بالقلعة الأمان، فأمنوا، وتسلمها التتار فى يوم الإثنين حادى عشر ربيع الأول من السنة. وأمر هولاكو من كان بالقلعة أن يعود كل منهم إلى داره وملكه وأن لا يعارض. ونزل العوام والغرباء إلى الأماكن التى أحميت بالفرمانات. وكان بقلعة حلب فى الاعتقال جماعة من البحرية الصالحية الذين حبسهم الملك الناصر، منهم الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، وسكز، وترامق، وغيرهم؛ فأخذهم وأضافهم إلى مقدم يسمى سلطان جق من أكابر القفجاق. وكان سلطان جق هذا قد هرب من التتار لما استولوا على بلاد القفجاق وقدم إلى حلب، فأكرمه الملك الناصر وأحسن إليه وأقام عنده، فلم توافقه البلاد فالتحق بهولاكو فأكرمه؛ هذا ما كان من أمر حلب.
وأما حماه فان صاحبها الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقى الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب كان قد فارقها وتوجه إلى دمشق، وترك بها الطواشى مرشد. فلما بلغه أخذ حلب فارق حماه، وتوجه إلى الملك المنصور بدمشق، فتوجه أكابر حماه بمفاتيحها إلى هولاكو.
وسألوه الأمان لأهل البلد، وطلبوا منه شحنة يكون عندهم؛ فامنهم وأرسل معهم شحنة من العجم اسمه خسروشاه، كان يدعى أنه من ولد خالد بن الوليد، فقدم حماه وأقام بها وآمن أهلها. وكان